الطائفة ليست سبه كان تقول لأحدهم يا ابيض او يا اسمر أو يا اصفر فهذا ارث بيولوجى كذلك الطائفة ارث اجتماعى ليس صاحبه مسئولا عنه . الوصف تحكمه ثقافة ومكانية، فقد كان الفراعنة يرون أصحاب اللون الاسمر اعلى من غيرهم من أصحاب البشرة البيضاء، كذلك مارس الاستعمار الأبيض نفس الثقافة على كامل العالم، ومن هنا لا يصبح ابن الطائفة رجعيا الا اذا تمسك بالطائفية فى مجتمع غير طائفى، وإذا كان واقع التشكيله الاجتماعية لا تتيح لابناء الطوائف أن يتخلصوا من طائفتهم فلا يصح هنا وصفهم بالرجعية، والا وصفنا الفلاح فى مصر بالرجعي لأنه ينتمى لبقايا تشكيلة ماقبل رأسمالية لم يتوفر لمجتمعه امكانية تجاوزها بعد، فهو ليس مسئول عن وجوده الطبقى وتاريخ طبقته . ان التحرر من علاقات الطائفة مرهون بنهاية تموضعات الطائفية اجتماعيا وماديا،وليس فى مجال الوعى فقط كما هو شائع – والا كانت لبنان والتى وصفت بفرنسا الشرق الثقافية تجاوزت واقعها المتخلف منذ منتصف القرن الماضى -، فمهما تجاوز أبناء مجتمع ما يعانى الطائفية، ثقافة مجتمعهم (عابرون للطوائف) فان هذا التجاوز المفتقد لقاعدته المادية يصبح شكلانيا، فهؤلاء يمارسون الطائفية من خلال احتكاكهم بتموضعات الطائفية الاجتماعية والاقتصادية، مثلما يمارس الملحد طقوس دين مجتمعه فى مناسبات شتى منها: الزواج، الموت، الميراث، اواللجوء للعرف الطائفى و العائلى لحل بعض المشكلات الخ ….
لذلك فإن النظرة المتعسفة للمجتمعات والمتجاهلة لمنهج المادية التاريخية فى التحليل تجعل النخب القشرية يسقطون فى الفهم الميكانيكى لتفسير الواقع. فلا فكاك من ثقافة ماضوية الا بتدمير بنيتها المادية، والا تصبح المجتمعات ضربا من كولاجية عبثية، وفى اعتقادى أن مدخل فهم المجتمعات الطرفية ذات الخصوصية التاريخية كما واقعنا العربى، يكمن فى سبر غور تعايش نمطان احدهما يهيمن على الاخر، الاول هو نمط الإنتاج الراسمالى
المعولم أو ما يمكن تسميته بالمرحلة المعولمة من الإمبريالية وهو المهيمن، والآخر هو نمط الإنتاج الخراجى/ الريعى وهو المهيمن عليه، فالأول يحتجز تطور الاخر ويفرض عليه اعادة هيكلة تبقى على الياته القديمة وتبدل توزيع الفائض لينزح للخارج مع ترك فتات وظيفى يبقى على شروط وجود التابع لخدمة المتبوع، وفى الغالب يتم ذلك وسط مظهر حداثى خادع ينفى ظاهريا حقيقة واقع البلدان التابعة . وعليه فإن الكفاح ضد بقاء الأسس المادية للتخلف يقع حيزه الأكبر فى قطع روابط التابع بالمتبوع اى على أرضية التحرر الوطنى ذي الأفق الاشتراكى، فبدون التحرر سوف يعاد انتاج شروط الاستتباع، وبدون الأفق الاشتراكى يصبح التغلب على ركائز التخلف من الصعوبة بمكان بحيث أن علاقات الإنتاج التابعة تعود لتطل برأسها عقب كل إخفاق متوسط أو كبير، وفى منطقتنا يصبح شرط وجود سوق كبيرة احد الشروط الأساسية لاتمام فك روابط الاستتباع، بعبارة أخرى تصبح قضية الوحدة العربية شرطا روريا ولازما لإقامة نظام اشتراكى، ومن هنا تنكشف أزمة القطرية للاحزاب الشيوعية السوفيتانية، فهى ترفض تخلف واقعها نظريا وتعيد انتاج التخلف فى ذات الوقت باعتماد الرؤية القطرية للتنمية، ليس هذا فحسب، بل يصل الأمر لدرجة الملهاة حين تسقط أغلب تلك الأحزاب من برنامجها التحررى إزالة العقبة الكاداء التى تحول دون إتمام التحرر الوطنى الذى يفتح على المجتمع الاشتراكى، الا وهو الكيان الصهيونى، وتقزم وتحصر مفهوم الهيمنة فى طابعه الاقتصادى فقط فتسقط فى اقتصادوية جديدة . ولذلك فإن حلف التحرر الوطنى لن يستورد من الخارج، فهو ابن بيئته وواقعه، فلا يصح أن تسقط المفاهيم الايدلوجية الميديولية على واقعنا عوضا عن البحث عن كل ماهو تقدمى فيه، ومعيار التقدم هنا ليس القياس على مقياس سلم تطور الطبقات والتشكيلات بقدر ماهو بالاساس مدى عداء الحليف للامبريالية
والاستعمار الصهيونى والذى يشكل قاعدتها .
وانطلاقا من هذه الرؤية فإن مقياس التقدمية ليس تبعا للشكلانية فى التوصيف بل فى التموضع فى المواجهة، ولما تقدم اعتبر حزب الله ذو الأصول الطائفية اكثر تقدمية من العلمانيين بل وقطاع من الشيوعيين المتخارجين من المواجهة مع الكيان الصهيونى والهيمنة الأمريكية.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.