- نلتقي حول مشروع التحرر الوطني ونختلف حول مشروع التحرر الاجتماعي
انطلاقاً من الوعي التاريخي، الوعي بحقائق تجارب الشعوب وعبر التاريخ، بشرطية تبني متلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي ” لضمان الانتصار النهائي لنضال الشرائح الكادحة والمنتجة، النضال الهادف إلى تحرير الانسان من ربق العبودية والاضطهاد والاستغلال والتخلف، وضمان الاستقلال الوطني الناجز للدول التابعة وشبه المستعمرة من هيمنة المركز الرأسمالي العالمي، خاصة من ربق عبودية الطغمة المالية العالمية التي استولت على القرار العالمي بعد إنهيار منظومة الدول الاشتراكية ومعها حركات التحرر الوطني في العالم، حيث فرضت شروطها الخاصة، المتعالية على التاريخ، على المنظومة الرأسمالية ذاتها عبر فرض التحول نحو الرأسمالية المضاربة ، من خلال إنفاذ شروط وآليات ” توافقات واشنطن ” على السوق العالمي، التي تمثلت:
رفع يد الدول عن التدخل بآلية السوق ( ايدولوجيا غيبية تؤمن بقدرية السوق على تنظيم نفسه بنفسه، هي الوجه الآخر للغيبية الدينية).
رفع الدعم عن المواد الأساسية ، حيث المتضرر الرئيس هي الشرائح الكادحة والمنتجة والمفقرة والحدية والمعذبين في الأرض،
فتح الاسواق أمام حرية حركة رؤوس الأموال، وحجز حرية حركة البشر، وخاصة الأيدي العاملة،
العقد شريعة المتعاقدين، بهدف القضاء على دور النقابات العمالية كمدافع عن الحقوق الجماعية للعمال المتعاقدين مع أصحاب العمل،
هذا التحول نحو الرأسمالية المضاربة ولّد انزياحات هائلة للثروة، من يد المجتمع إلى يد أفراد وعائلات، ومن يد الدول إلى يد الشركات العابرة للقوميات العملاقة، تلك ألتي اصبحت صاحبة القرار على الصعيد العالمي، واصبحت الحكومات والمؤسسات الدولية في قبضتها وتنصاع لإملاءاتها وشروطها.
الأزمات التي تعاني منها دول المحيط التابعة ومجتمعاتها، وحتى دول المركز ذاتها ومجتمعاته، هي نتيجة مباشرة لسياسات الطغمة المالية العالمية، التي فرضت مبدأ ” أولوية الربح وثانوية قيمة البشر”ً .
فكانت ردة
الفعل عند كافة الشرائح المغبونة في حقوقها الاجتماعية والسياسية هي رفض هذه
السياسات وهذا النهج، لحظة تاريخية لكافة شعوب الأرض، أينما وليت وجهك تجد جماهير
غاضبة في الشوارع، كونها لم تعد تحتمل تداعيات هذه الأزمة الممتدة والمتعمقة
لمنظومة الرأسمالية المضاربة، والطغمة المالية العالمية لم ولن تتمكن من الخروج من
أزمتها الباينة، ولن تتمكن من التعالي على التاريخ ، وعرقلة مسيرة التطور الطبيعي
للمجتمعات، ولن تستطيع العودة بالتاريخ إلى شريعة الغاب.
بعيداً عن النظرة لظواهر الأمور وبعيداً عن الاستقطاب حول معادلة، ” مؤامرة
موجهة من الخارج” أم “حراك بلا دنس” ما هو واقع بالفعل، نضوج أزمة
يتبعه بالضرورة إنفجار في لحظة ما، بغض النظر عما تخطط له الطغمة المالية العالمية
والمحلية لإحتواء الحراك، ولّدت الأزمة بالضرورة نتيجة مباشرة للبنية منظومة
مضاربة، لذلك وبالضرورة عناصر خلق الأزمة لا يمكن أن تصلح أدوات لحل الأزمة.
فهل الطغمة المالية قادرة، وبالرغم من محاولاتها احتواء هذه الحراكات، على الخروج من أزمتها؟
كل متابع واع للتاريخ يتوصل إلى استنتاج بعجز هذه الطغمة من الخروج من مأزقها النهائي، حسب كل المؤشرات.
باتت مهمة تطور ” رد الفعل إلى فعل ” اليوم أمام القوى التقدمية والثورية وقوى التغيير في هذا العالم، وفي دولنا العربية وفي المنطقة خاصة ، التقاط هذه اللحظة التاريخية والقيام بدورها التاريخي عبر الانخراط الفاعل في هذه الحراكات وضخ الوعي في عروقها وصياغة مشروع التحرر الاجتماعي، لأنها القوى الوحيدة القادرة على حمل هذا العبئ وهذه المهمة التاريخية، بسبب انحيازها وصدق تمثيلها ومصلحتها النهائية.
لقد أضعنا في
تاريخنا الحديث الكثير من مثل هذه اللحظات التاريخية وخصوصاً على الصعيد الفلسطيني:
انطلاق الثورة الفلسطينية والانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وبسبب قيادة
البرجوازية الصغيرة التي اضاعت البوصلة وعجزت عن تطور هذه الأحداث الهامة وصلنا
اليوم إلى هذه الحالة البائسة.
كما وضعنا على الصعيد العربي استثمار حالة النهوض التي اجتاحت دولنا العربية في
مرحلة التحرر من الاستعمار كذلك وبسبب قيادة البرجوازية الصغيرة وبسبب عدم تبني
متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي مشروعاً للتحرر والنهوض، وصلنا إلى هذه
الحالة الكارثية اليوم.
إنها لحظة انفجار التناقض التناحري بين الرأسمالية المضاربة من طرف وكافة مجتمعات الأرض، من طرف آخر، وكثير من الدلائل والمؤشرات تظهر انحسار وبوادر انهيار الرأسمالية المضاربة.
عدم قدرة الطغمة المالية على تخطي أزمة عام 2008 أو ما أطلق عليها أزمة الرهن العقاري، في حين أنها كانت أزمة بنيوية، ونمو الأزمة واستمرارها وتمددها داخل المنظومة الرأسمالية ذاتها مؤشر على قرب فنائها.
نعم انها انطلاقة الثورة الاجتماعية العالمية.
تحية لكل ثوار العالم.
نعم أنها لحظة تاريخية في حياة الكادحين والمنتجين.
اليوم ليس أمس ولا غداً.
طريق الخلاص يكمن في تبني متلازمة التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي.
اليوم بداية التحرر الاجتماعي إضاعة هذه الفرصة كارثة ماحقة.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.