توقعت منظمة البلدان المُصَدِّرَة للنّفط “أوبك”، منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2019 انخفاض الطلب على المحروقات خلال سنة 2020، بينما توقعت وكالة الطاقة الدّولية (وهي خلافًا لما يُوحي أسمها، مكتب استشارات في خدمة الدول الرأسمالية المتقدمة، والمستورِدَة للنفط والغاز)، “أن يَنْمُو الطلب على النفط، لكن بِبُطْءٍ، أو بنحو مليون برميل يوميًّا في المتوسّط، من 97 مليون برميل يوميا سنة 2018، إلى معدل 98 مليون برميل يوميا، حتى سنة 2025…”، وسوف يتباطأَ الطلب العالمي على النّفط، بعد سنة 2025، مما يُخفض سعر البرميل وما يُشكّل ضغطًا على اقتصاد الدول المُصدّرة للنفط، خصوصًا في ظل الحرب التجارية الحالية التي أعلنتها الولايات المتحدة على الصين وروسيا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وغيرها، وفي ظل ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من ستة ملايين برميل يوميا، سنة 2018، إلى نحو 11 مليون برميل يوميا، سنة 2035، بدعم من إنتاج النفط الصخري، الذي انخفضت تكاليف إنتاجه، بفضل تطور تقنيات الإستخراج، مع زيادة الإنتاج في البرازيل، وهي دول يرتفع فيها الطلب المحلي على النفط والطاقة، بسرعة، بالتوازي مع تراجع حصة مجموعة “أوبك” من إنتاج النفط العالمي، بنسبة 47% خلال العقد القادم، خصوصًا في ظل الزيادة المتوقعة في استخدام المحَرّكات والبطاريات الكهربائية (بَدَلَ النّفط والغاز)، وتتوقع الوكالة الأمريكية للطاقة، وكذلك وكالة الطاقة الدّولية أن يرتفع عدد السيارات الكهربائية إلى نحو 330 مليون سيارة في العالم، خلال عقدَيْن، ما يُخفض الطلب على النفط بنحو أربعة ملايين برميل يوميا، أما في المدى القصير، فإن التباطُؤ القياسي للنشاط الصناعي في الصين (أكبر مستورد للنفط الخام في العالم)، وارتفاع حجم المخزونات الأمريكية، ومنافسة النفط والغاز الصخريَّيْن الأَمريكِيَّيْن، في أسواق أوروبا وآسيا، أدّى إلى تباطؤ الطلب، وإلى عدم ارتفاع سعر برميل النفط الخام، مع العلم أن صادرات النفط والغاز تُشكل المورد الأول لميزانيات كافة الدول العربية المُصدّرَة للنفط، التي بقي اقتصادها ريعيًّا، وغير مُنْتِج، وميزانيات دول أخرى، مثل فنزويلا وإيران الخاضعتيْن لحصار أمريكي خانق، ونيجيريا وغيرها من البلدان الأخرى المُصدِّرَة للنفط والغاز، مما يُنْذِرُ بأزمات كبيرة، إذا أخذنا بعين الإعتبار، البيانات التي نشرتها إدارة معلومات الطاقة الأميركية، بنهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، والتي تُفيد إن مخزونات الخام في الولايات المتحدة زادت خلال الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني 2019، بنحو 2,2 مليون برميل، ما خَفّض الطّلب على نفط مجموعة “أوبك”، بأكثر من 1,12 مليون برميل يوميًّا، إلى حوالي 29,58 مليون برميل يوميا، طيلة سنة 2019، من بينها حوالي 9,85 مليون برميل يوميا من إنتاج السعودية، إضافة إلى ما بين 11 و 12 مليون برميل من روسيا، وهي ليست عضوا في “أوبك”، لكنها اتفقت معها على خفض الإنتاج، وفي المُقابل، يتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي إلى 12,29 مليون برميل يوميا بنهاية سنة 2019، بزيادة 30 ألف برميل يوميا عن التوقعات التي نشرتها سابقًا إدارة معلومات الطاقة، كما يُتوقّع أن يرتفع إنتاج الخام الأميركي نحو مليون برميل يوميا إلى 13,29 مليون برميل يوميا سنة 2020، بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في أنواع الوقود والسوائل والمُشتقات الأخرى، ما يرفع الإنتاج الأمريكي إلى ما يُعادل حوالي 20,58 مليون برميل يوميا، بنهاية سنة 2019، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية…
أدّت هذه المُنافسة إلى مزيد من الضّغوطات على مجموعة البلدان المصدّرة للنفط “أوبك”، ومعها روسيا التي أبرمت اتفاق خفض الإنتاج للمحافظة على “سعر مناسب” في الأسواق العالمية، لكن، ولَئن انخفض حجم الفائض، فإنه لا يزال عائقًا أمام ارتفاع الأسعار، خصوصًا في ظل الزيادة المتواصلة لإنتاج النفط الصخري الأمريكي، وبتكاليف منخفضة، ما جعل متوسط سعر البرميل (الخام) لا يتجاوز 62,5 دولارا، سنة 2019، ولا يُتوقّع أن يزيد عن 62,3 دولارا، سنة 2020، بسبب زيادة الإنتاج والعرض من خارج مجموعة منظمة “أوبك”…
المأزق:
أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، بفضل تطوير تقنيات تكنولوجية زادت الإنتاج من التشكيلات الصخرية، وخفضت تكاليف استخراج النفط (أو الغاز) الصّخري، واقترب إنتاج الولايات المتحدة من 12,5 مليون برميل يوميا، ورفع الكونغرس حَظْرَ تصدير المحروقات، الذي كان مفروضًا منذ سنة 1974، واستخدمت الولايات المتحدة أشكالاً عديدة من الضغوطات لتُزيح المنافسين من أسواق أوروبا وآسيا، كما استخدمت الحَظْر على إيران وفنزويلا وروسيا، وغيرها، لترتفع الحصة الأمريكية من الأسواق، وأدّت الضغوطات الأمريكية والحرب التجارية، إلى قُبول روسيا شروط الصين التي رفضتها الحكومة الروسية طيلة عشر سنوات، لتزيد صادراتها وتصبح أكبر مُصدر للنفط والغاز إلى الصين، وتستثمر الصين في عدد من الحقول الروسية التي تتطلب تمويلات ضخمة، خاصة في سيبيريا، وأصبحت روسيا والبلدان المجاورة لها حلقة رئيسية في المشروع الطيني “طريق الحرير الجديدة” (أو الحزام والطريق)…
يُعتبر اقتصاد كافة الدول العربية المُصدّرة للنفط (الجزائر وليبيا ودُويلات الخليج والعراق) اقتصادًا ريعيا، لكن اقتصاد الريع لا يقتصر على هذه الدول، فهو اقتصاد يعتمد على ما وهبَتْهُ الطبيعة، وهو نقيض للاقتصاد الذي يعتمد على الإنتاج، أي أن الدول العربية (ودول أخرى) النفطية لم تستثمر عائدات النفط في قطاعات منتجة، كالزراعة لتحقيق الإكتفاء الذاتي و الأمن الغذائي، ولم تستثمرها في قطاعات الصناعة (تصنيع مشتقات النفط والإنتاج الزراعي، وربما الآلات والتجهيزات الأخرى)، أو في قطاع البحث العلمي والتكنولوجيا وغير ذلك من القطاعات المُنْتِجة…
ترتفع أسعار النفط، بحسب الدورة الإقتصادية الرأسمالية العالمية، التي تتضمن أزمات دَوْرِية، كل عشر سنوات تقريبًا، ثم تنخفض لفترة قد تطول أو تقصر، وعانت الدول العربية المُصدّرة للنفط من انخفاض أسعار النفط، وما تبعها من أزمات اقتصادية، ومن انفجارات شعبية في بلدان كالجزائر، وعندما تعود أسعار النفط إلى الإرتفاع، تُوزّع الدولة بعض الفُتات، لشراء صمت المواطنين، قبل حلول الأزمة المُقْبِلَة، أما السعودية فإنها استخدمت النفط كسلاح بيد الإمبريالية الأمريكية، وأغرقت السوق العالمي بالنفط الرخيص، بداية من منتصف سنة 1985، عندما كان الإتحاد السوفييتي، الذي يُشكل النفط أكبر مصدر للعملة الأجنبية في ميزانية الدولة، غارقًا في غزو أفغانستان، فانخفضت إيرادات الإتحاد السوفييتي، وكان ذلك من عوامل انهياره، من ضمن عدد من العوامل الداخلية والخارجية الأخرى، وأدى انخفاض سعر النفط الخام إلى انتفاضة تشرين الأول/اكتوبر 1988 في الجزائر…
تكررت هذه الدورات (انخفاض يليه ارتفاع لسعر برميل النفط الخام)، لكن لا دولة الجزائر ولا السعودية أو غيرها من الدول العربية المُصدّرة للنفط، استخلصت الدروس من هذه الأحداث، وبقي اقتصادها ريعيا، يرتهن إلى تقلبات الأسواق، ولم تستخدم الحكومات عائدات النفط لتنمية الإقتصاد وخلق وظائف، ولذلك ارتفعت نسبة البطالة والفقر في السعودية، أكبر مُصدّر للنفط في مجموعة “أوبك”، وأنفقت الطبقات الحاكمة في هذه البلدان عائدات النفط في استيراد الكماليات والضروريات من الدّول الأجنبية، وانتشر الفساد وسرقة المال العام، في هذه الدول، وباعت ممتلكات الشعوب والدّول إلى القطاع الخاص…
استخدمت السعودية والإمارات وقَطَر، وغيرها، عائدات المحروقات لتخريب الدول العربية وتفتيتها وتمويل الحُروب التي تشُنُّها الإمبريالية الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي، على الدول العربية، وغير العربية، وأصبحت تدعو عَلنًا للتحالف مع الكيان الصهيوني، لإعلان الحرب على إيران (المُسلمة)، وتمول نفس هذه الحكومات الجُيُوش الإمبريالية الغازية في منطقة الصحراء الكُبرى الإفريقية، المُتاخمة لدول المغرب العربي، وبذلك لم تستفد الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني من الريع النفطي، لأنه نفط عربي، وليس ملكًا لآل سعود أو آل ثاني وغيرهم، ومن حقنا المُطالبة بإنفاقه فيما يُفيد الشعوب العربية، وفي حل مشكلة البطالة والفقر في كافة أرجاء الوطن العربي، وفي تحرير الأراضي المحتلة ومحاربة الإمبريالية والصهيونية، ويتطلب تحقيق ذلك ثورة ضد هذه الأنظمة الرجعية، الموالية للإمبريالية وللصهيونية، لتحويل النفط من نقمة، كما يحصل حاليا، إلى نِعْمَةً، تُستخدم إيراداتها في ما ينفع الأرض والأوطان والإنسان..
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.