أكّد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، في خطاب رسْمِي وعَلَني، ألقاه بحضور بنيامين نتن ياهو”، منتصف تموز/يوليو 2017، أنه لن يتسامح “مع المُعادِين للصهيونية، لأن العِداء للصهيونية هو الشكل الجديد لمُعاداة السّامِيّة” (وهو كلام مَنْقُول بشكل شبه حَرْفي من منشور تعيد توزيعه منظمات صهيونية، باستمرار، منذ قرابة عقْدَيْن)، ورَفض إيمانويل ماكرون، كما رَفَضَ من قبله نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، اعتبار الصهيونية عقيدة (إيديولوجيا) أو تَيّار سياسي وإيديولوجي، استعماري وعنصري، وهي العقيدة الرّسمية لدولة الكيان الصهيوني، وبعد أقل من ثلاثين شهر من هذا التصريح الرسمي لرئيس فرنسا، أقَرَّ البرلمان الفرنسي، يوم 03/12/2019، نصًّا قانونيًّا يعتبر معاداة الصهيونية مُساوية لجريمة معاداة السّامية، وإن كان هذا النص القانوني غير مُلْزم حاليا، فإنه يُمهّد الطريق لتجريم الدّعوة لمقاطعة الإحتلال، ونقد سياسة جهاز دولة الإحتلال، وهو استثناء غريب، حيث تنقد وسائل الإعلام “الغربية” سياسة دُول عديدة، وتُعلّق يوميا (بشيء من تحريف الوقائع) على ما يجري في أمريكا الجنوبية وفي آسيا وفي البلدان العربية والإفريقية، ولكنها تشُنُّ حملة على أي شخص أو أي مجموعة تُحاول التّذكير بالجرائم اليومية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين وفي لبنان وسوريا والعراق، وجرائم أخرى، عبر القصف الجوي الذي تعرضت له منشآت حيوية وأشخاص في السودان وفي ليبيا وتونس، وغيرها من بلاد العرب، بالإضافة إلى دعم الإستعمار البرتغالي في إفريقيا (قبل 1975) ونظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا، حتى انهياره سنة 1974، والأنظمة العسكرية الدكتاتورية في أمريكا الجنوبية، والإنقلاب على الرؤساء المُنتخبين، من أمريكا الجنوبية، إلى أوكرانيا…
أطلقت منظمة صهيونية، منذ سنوات حملة إعلامية عالمية واسعة ضد أي نقد لسياسة دولة الإحتلال، كدولة أو كنظام حُكْم، واعتبرت ذلك “عداءً للسامية”، وتبنّت حكومات الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وفرنسا وبعض الحكومات اليمينية لدول أمريكا الجنوبية (البرازيل وكولومبيا وغواتيمالا…)، هذا التّعريف الذي يرمي إلى تهديد “كل من ينتقد دولة إسرائيل، وخاصة منظمات حقوق الإنسان…”، بحسب بيان وقّعَهُ 127 عرفوا أنفسهم ب”مُثَقّفين يهودا”…
بدأت الحملة الإعلامية لاعتبار نقد الإيديولاوجيا الصهيونية، عداء لليهود، سنة 2000، في فرنسا، بدعم من المنظمة الصهيونية الأمريكية “آيباك”، للمنظمة الصهيونية الفرنسية “كريف”، وبلغت الحملة ذروتها أثناء تدمير مخيم “جنين” في الضفة الغربية المُحتلّة، من قِبَلِ بعض الشخصيات النافذة سياسيا وإعلاميا واقتصاديا، ومجموعة من المُنظمات الصهيونية، بعضها يتستّر بالدّين، وتظاهر في باريس حوالي ثمانين ألف شخص، أي حوالي 12% من العدد الإجمالي لليهود في فرنسا، لتأييد جرائم الجيش الصهيوني، وتأييد الإحتلال ومُصادرة الأراضي والإعتداء على الدول العربية، وأصدَرت بعض هذه المنظمات الفرنسية كتاباً يُهاجم ناقدي سياسة الإحتلال، وكل من يُشير إلى الإستعمار والعنصرية، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، ولاقت هذه الحملة الإعلامية والسياسية دعم واستحسان منظمات وأحزاب اليمين المتطرف الأوروبي والأمريكي، وشاركت وسائل الإعلام المهيمن في فرنسا في التّرويج للكتاب ولما يحتويه من مُغالطات مُتعمّدة، وإساءة لأدْيان أخرى (غير الدّيانة اليهودية) وخَلْط مقصود بين التعبير عن الآراء السياسية، ويفترض أن تضمن القوانين حق المواطنين في التعبير عن هذه الآراء، والتهجّم على أفراد أو مجموعات، أو ممارسة التمييز ضدهم، لأسباب عنصرية، وأدّت هذه الحملة، التي يدعمها تيار من “اليسار” (الحزب “الإشتراكي” بشكل خاص) ومن اليمين المُتشبّه بالمحافظين الجدد (تيار ساركوزي وماكرون)، بالإضافة إلى وسائل الإعلام التي يمتلكها الرأسماليون، وإذاعات ومحطات تلفزيون القطاع العام، إلى إصدار وزارة الدّاخلية الفرنسية، سنة 2004، تقريرًا يعتبر معاداة الإيديولوجيا والممارسات الصهيونية، شكلا من العداء لليهود، أو “معاداة السامية”، ويُعتبر الرئيس ماكرون أول رئيس فرنسي يُصرّحُ علنًا بتَبَنِّي أفكار وآراء المنظمات الصهيونية في فرنسا، ويستهدف القانون الجديد حَظْرَ نشاط مجموعات “مُعتدلة” تعمل في مجالات حقوق الإنسان أو تدعو لمقاطعة الكيان الصهيوني…
في الأثناء يغيب صوت الدول العربية وجامعتها (جامعة الدول العربية) والمنظمات والجمعيات الفلسطينية والعربية، أما عن الأحزاب والمنظمات الفرنسية، فحدّث ولا حَرج، حيث اشتهر اليسار الفرنسي (بكافة فصائله أو معظمها) بعدم معارضة الإستعمار والحروب التي يخوضها الجيش الفرنسي في أفغانستان وسوريا واليمن وليبيا ومالي وافريقيا الوسطى وغيرها، بل أيدت بعض منظمات تسمي نفسها “أقصى اليسار” قصف بلاد وشعب وأرض ليبيا ثم “مَالي”…
للتوسّع يمكن مطالعة مقال من جُزأيْن بعنوان “الشبكات الصهيونية في فرنسا” (الطاهر المعز)
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.