سوريا، الحرب على الجبهة الإقتصادية، ومكانة النّفط، الطاهر المعز

كانت سوريا تُنْتِجُ، قبل العدوان الأمريكي الأطلسي، نحو 385 ألف برميل يوميا من النفط، ما يحقق الإكتفاء الذاتي، وتُصدّر الدولة نحو 140 ألف برميل من النفط، عالي الجودة، حتى نهاية سنة 2010، ووقّعت الحكومة عُقُودًا مع إحدى عشر شركة أجنبية، للتنقيب وإنتاج واستثمار النفط والغاز، وأهمها شركة “شِل” البريطانية، وشركة “بترو كندا”، و”إيني” الإيطالية، وثتوتال” الفرنسية، وشركة “سينوبيك” الصينية، وغيرها، وتسبب العدوان على سوريا في تعليق أعمال هذه الشركات، في سوريا، وخسارة حوالي 6,4 مليار دولار، فيما قدّرت الحكومة السورية خسائر الدّولة بنحو 13 مليار دولارا، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت الحُقول والمُعدّات والتجهيزات والأنابيب، والمصافي وغيرها من التجهيزات التي استهدفتها طائرات وصواريخ أمريكا وحلف شمال الأطلسي، بحسب بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، ومنذ بداية العُدْوان الخارجي، عبر المليشيات الإرهابية، وعبر الجُيُوش الأجنبية، بادر المُعْتَدُون إلى احتلال المناطق الحُدُودية ومناطق حُقُول النّفط والغاز، ما يدل على تخطيط مُسبق، صمّمَتْهُ ونفّذَتْهُ مخابرات الدّول الإمبريالية النافذة، وبذلك توقف إنتاج النفط، قبل أن تتخلّى الولايات المتحدة عن حلفائها من مليشيات القاعدة وما تَوَلَّدَ عنها، وتعتمد على مليشيات العشائر الكُرْدِية، التي كانت تدّعي الإنتماء إلى اليسار، وحظيت هذه المليشيات بدعم الإمبريالية وحلف شمال الأطلسي، وكذلك بدعم اليسار الأوروبي، الذي اخترقَتْهُ المُخابرات الأمريكية والأوروبية، منذ عقود، واستهدفت مليشيات الأكراد، بدعم وتخطيط وإسناد أمريكي، قطاع النفط في حقول “رميلان”، ثم بقية حقول النفط والغاز، في مناطق الشمال الشرقي، الحدودية مع العراق ومع تركيا…

بعد استعادة الجيش السوري معظم الأراضي المحتلة، مَدْعُومًا من روسيا وإيران وحلفاء غير حكوميين، مثل “حزب الله”، تطَوَّرَ الموقف الأمريكي المُعْلَن من الحظر والحصار ومَنْع الحكومة السورية من استغلال مواردها، كالمحروقات (النفط والغاز) والمياه والسدود والأراضي الزراعية، إلى مرحلة السَّطْو العَلَنِي على النفط السوري، في الشمال الشرقي للبلاد، فيما يتواصل الغزو التّركي، من الشمال والشمال الغربي، وتُطالب تركيا بالحصول على حصة من النفط السوري، “للإنفاق على اللاجئين السوريين”، ولفَرْض التّغْيِير الديمغرافي، عبر توطين مليون شخص، في مرحلة أولى، مكان السّكّان الأصليين، فيما تواصل روسيا محاولة الإمساك بالعصا من الوَسَط، وتجلّى ذلك في تعزيز العلاقات مع تركيا، على حساب الشعب السوري، مع السعي للتوصل إلى اتفاق بين زعماء مليشيات الأكراد والحكومة السورية، وخلال زيارته دمشق، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي “يوري بوريسوف”: “إن حقول النفط والغاز ستعود تدريجياً إلى سيطرة الحكومة السورية”، فيما نشرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية معلومات عن عرض أمريكي لشركَة “أرامكو” (السعودية-الأمريكية) وشركة “إكسون موبيل” الأمريكية الخالصة، لاستثمار حقول النفط الموجودة ضمن مناطق سيطرة “قسد” (المدعومة أمريكيا)، في شمال شرقي سوريا، ووعدت الحكومة الأمريكية الشرِكَتَيْنِ ب”ضمان العمل في محيط آمن”، رغم وجود عقد استغلال هذه الحقول من قِبَل شركة “شل”، التي اضطرت إلى تعليق نشاط التنقيب والإستثمار، مع بداية الحرب…

ذكَرْنا، في مقالات سابقة، أن جيش الولايات المتحدة الذي يحتل جزءًا من الأراضي في الشمال الشرقي لسوريا، دَمَّرَ بشكل مَنْهَجِي، البُنية التحتية (وهو ما يفعله الجيش الأمريكي، حيثما حل، منذ الحرب العالمية الثانية)، وحقول النفط والغاز وطرق الإمداد وخطوط الأنابيب، والجُسور والسّدود، وأعلن الرئيس الأمريكي، سنة 2018، عن قُرب انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا، لكنه في واقع الأمر، لم ينسحبْ، بل نفذ عملية إعادة انتشار، تمحورت حول تعزيز تواجده في محيط حقول النفط والغاز، ونَقَل الجيش الأمريكي من قواعده العسكرية في العراق، مهندسين ومِهَنِيِّين مختصين في مجال النفط، ومعدّات ثقيلة لرفع حجم النفط المُسْتَخْرَج، ومدّ الأنابيب وتوفير الصهاريج الضخمة، لِنَقْلِ النفط السوري، من مُخيط “الحسكة” و”دير الزور”، إلى الخارج، عبر منطقة “رميلان”، حيث توجد أكبر الحقول السورية، ثم إلى شمال العراق، وأوردَتْ بعض المَواقع الإعلامية العراقية أن شركة “الناجي” (العراقية للنقل) تنقل يومياً ما يَصِلُ إلى 150 صهريجاً من النفط، أو حوالي 2700 برميل، من حقول الشمال والشرق السُّورِيَّيْن، باتجاه العراق، ويُحاول الجيش الأمريكي المُحتلّ حَظْر تهريب النفط من حقول النفط في “الحسكة” باتجاه مصفاتَي “بانياس” و”حمص”، في  الأراضي التي تُسيْطِرُ عليها الدّولة السّورية، لكن الدّمار الذي ألْحَقَتْهُ المليشيات الإرهابية، والجيش الأمريكي بالمنشآت، جعل من العسير على الحكومة زيادة حجم الإنتاج، واضطرت إلى عقد اتفاق مع مليشيات الأكراد (التي تسيطر على أكثر من 90% من إنتاج النفط والغاز)، لتزويد بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، فيما يسعى جيش الإحتلال الأمريكي إلى تشديد الخناق على الحكومة التي تعجز عن تلبية الطلب الداخلي، بهدف تَسْعير غضب المواطنين ضد الدّولة، التي تُعاني من انخفاض الإنتاج الزراعي (الحبوب بشكل خاص) وانخفاض إنتاج المحروقات، ومن صعوبة التوريد، بسبب الحصار والعقوبات والحظر، وكذلك بسبب انخفاض احتياطي العملة الأجنبية وانخفاض قيمة الليرة السورية…

تُصْدِرُ حكومة سوريا بعض البيانات المتفائلة، وأعلنت مُؤخّرًا أنها تمكنت، بإمكانيات محدودة، وبدعم من الشركات الرّوسية، من صيانة بعض الآبار التي تمت استعادتها، ليرتفع الإنتاج من ألفي برميل من النفط بنهاية سنة 2016، إلى نحو 16 ألف برميل بنهاية سنة 2018، ويرتفع إنتاج الغاز، من 6,5 ملايين متر مكعب، بنهاية سنة 2016، إلى 13,5 مليون متر مكعب، بنهاية سنة 2018، وتأمل الحكومة رَفْع إنتاج النفط، بنهاية 2019، إلى 24 ألف برميل يوميا، ورَفْعَ إنتاج الغاز إلى 17,8 مليون متر مكعب، وهي كميات صغيرة جدا، لا تفي بحاجة المواطنين المُقدّرة بما لا يقل عن 250 ألف برميل يوميا، ووقّعت الحكومة عُقُودًا، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2019، مع شركات روسية للتنقيب عن النفط في شمال دمشق، وفي منطقة “الجزيرة”، في محاولة لزيادة الإنتاج، في مناطق تُسيْطر عليها الدولة…   

راجع “سوريا احتلال عسكري وحصار اقتصادي – الطاهر المعز 18/12/2019

الرابط:

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.