ما قل ودل: على هامش “صفقة القرن”- عودة إلى الأساسيات، الطاهر المعز

لم تكن “صفقة القرن” هي الأولى، ولكنها الأخْطَر على الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، حيث اختارت الولايات المتحدة توقيت إعلانها، في ظل غياب حركة مُقاومة قوية، وفي ظل تعاون “سلطة أوسلو” مع الإحتلال الصهيوني، كنتيجة منطقية ل”نهج التسوية” الذي انتهجه ياسر عرفات منذ أكثر من خمسة عُقُود، ولكي يتّسم خطاب المقاومة والتحرير بالوُضُوح، وجب فَضْحُ “نهج التسوية” مع الأعداء، الذي لم يبدأ مع برنامج ياسر عرفات (ونايف حواتمة) المُسمى “البرنامج المَرْحَلي” أو “برنامج النقاط العشرة” (سنة 1974) أو مع “أوسلو” ولا مع “كمب ديفيد” و “وادي عَرَبَة”، بل بدأ مع الإحتلال العُثماني، الذي تواطأ مع حركات الإستيطان الأولى، وتَواصَل تواطُؤُ الطبقات الرجعية العربية (ومنها الفلسطينية) مع الإحتلال البريطاني، ومع الإستيطان الصهيوني، وخاصة بنهاية الحرب العالمية الأولى، الذي تزامن مع اتفاقية “سايكس – بيكو” (1916)، الذي يُمثل الإمبرياليتَيْن الرابحَتَيْن من الحرب، ومع ما سُمِّيَ “وعد بلفور” (1917)، وكانت الرجعية العربية (المُنْضَوِيَة في المؤتمر العربي الفلسطيني) قد أرسلت، سنة 1919، وَفْدًا إلى مؤتمر الصّلح في باريس، للتفاوض حول فلسطين، بعد نشر قيادة الثورة البلشفية تفاصيل المخططات العدوانية للإمبرياليتيْن الفرنسية والبريطانية في المشرق العربي…

إن “الشرعية الدّولية” ليست سوى انعكاسًا لميزان القوى الذي يميل لمصلحة القوى الإمبريالية والشركات متعددة الجنسية، ولذلك فلا مجال للحديث عن “قرارات الأمم المتحدة”، منذ بداياتها، ولا عن “السلام العادل” الذي قَدْ تُقرُّهُ “الشرعيّة الدوليّة” وهو لا يتجاوز “حلِّ الدولتين”، غير المُنْصِف وغير الواقعي وغير المقبول، لأنه لا يعني سوى تقاسم الوطن مع المُحتلِّين، أي التفريط في الوطن أو جزء منه، لا فَرْق، ولنا في “اتفاقيات أوسلو” عبرة، حيث أدّى هذا “الإتفاق” إلى رفع عدد المُستوطنين الصهاينة، خلال خمس وعشرين سنة، من أقل من مائة ألف، إلى قرابة ستمائة ألف مُستعْمِر، مُسْتَوْطِن، في الضفة الغربية، وأصبحت “السلطة” تُنَفِّذُ “المُهمّات القَذِرَة”، نيابة عن الإحتلال، وفي الجانب الإقتصادي، والحياة اليومية للواقعين تحت الإحتلال، أدت مُلْحقات اتفاقيات أوسلو، إلى التبعية الإقتصادية والقضاء على الإنتاج الفلاحي والصناعي والحِرفي الفلسطيني، وأصبحت الضفة الغربية مُرتبطة، بل تابعة للإقتصاد الصهيوني، بناءً على ما وَرَدَ في “منتدى باريس الإقتصادي” الذي ينص على سيطرة الإحتلال على كافة الجوانب الإقتصادية في الأراضي المُحتلّة سنة 1967…  

إن مخططات الإحتلال واضحة، فالمُستعمِرُون يريدون كل فلسطين، وبعض الأراضي العربية الأخرى، مع إخلاء كل هذه الأراضي من أهلها، وطردهم إلى بلدان أخرى تُوطِّنُهُم، لإحلال مُستَعمرين صهاينة مكانهم، كما حصل ويحصل منذ أكثر من سبعة عُقُود، ولذا لنَكُن واضحين، فنرفُض التنازل عن الوطن باسم “الواقعية”، بديلا عن المقاومة الشعبية بكافة أشكالها، ونرفض الخيانة والمُساومة بتضحيات الأسرى والشهداء والمُصابين، خلال الإنتفاضات والثورات التي خاضها الشعب الفلسطيني، ونرفض “التنسيق الأمني” مع العدو، الذي يجعل من “قوات دايتون” الفلسطينية، (المدربة والمُسلحة أمريكيا) حاجزا يَصُدّ المقاومين، ويمنعهم من الوصول إلى العدو، وهو تعاون نابع من اعتبار “الحياة مفاوضات”، والمقاومة “إرهابًا”، لتبرير اعتقال المُقاومين وتسليمهم للعدو…

ماذا يعني “إنهاء الإنقسام”، إذا كانت وحدة قيادات الفصائل الفلسطينية تقوم على تغييرات طفيفة في شكل “السلطة”، النابعة من اتفاقيات أوسلو، وتوسيع هذه “السلطة” (بِرِضا الإحتلال)، عبر تنازل قيادات “فتح” عن بعض المناصب الثانوية لمصلحة “حماس” أو “الجبهة الشعبية”، التي اعتقلت سلطة عرفات أمينها العام، قبل أن تُداهم قوات الإحتلال السجن وتعتقله بدورها…

إن الوحدة الحقيقية، بين الفصائل الفلسطينية، أو بين فئات الشعب، تكون على أساس برنامج تحرير وطني، يهدف تحرير كل فلسطين وعودة اللاجئين، وقد يختلف الناس في “التكتيك”، أو في طُرُق إنجاز التّحرير، وقد يختلف الفلسطينيون بشأن إسم الإطار الموحد، أهو منظمة تحرير بثوب جديد أو اتحاد قوى المقاومة، أو أي إسم آخر، وقد يختلفون في إسم عاصمة فلسطين المُحرّرة (القدس أو حيفا أو الناصرة أو الخليل…)، ولكن من غير المقبول، ومن غير المعقول، التقاء الخائن والمناضل والأسير وذوي الشهداء في نفس الإطار، من أجل أهداف غير واضحة، أو من أجل الإتفاق على تفاصيل الإستسلام، دون الإتفاق على “العدو الرئيسي”، وعلى برنامج تحرير يُلبِّي مطامح الشعب الفلسطيني، في مجمله، في غزة وفي الضفة الغربية، وفي المُحتل سنة 1948، وفي المخيمات والشتات …   

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.