الهند: لقاء “ترامب” و “مودي” – “وافَقَ شَنٌّ طَبَقَة”، الطاهر المُعز

اتفق الحزبان الأمريكيان (الجمهوري والديمقراطي) على دعم تيّار اليمين المتطرف، الحاكم في الهند، عبر حزب “بهارتيا جاناتا”، وزعيمه “نارندرا مودي”، وزارت “هيلاري كلينتون”، وزيرة الخارجية السابقة، وزوجة الرئيس الأسبق “بيل كلينتون”، الهند سنة 2018، وصمّم لها أحد أشهر مُصمّمي الأزياء، لباسًا هنديًّا، مخصصا للطبقات العُليا في الهند، وساهمت “هيلاري كلينتون” في إعادة إحياء العلاقات مع الهند، عندما كانت في منصب وزيرة الخارجية، وأدّى تَطَوُّرُ العلاقات إلى تمتين التّحالف ضد الصين، خلال زيارة الرئيس “باراك أوباما”، سنة 2015، وتوقيع اتفاقية صداقة بينهما، قبل أن تتعزَّزَ العلاقات بوجود زعيمَيْن مُغْرِقَيْن في الرجعية واليَمِينِيّة، نارندرا مودي، رئيس وُزَراء الهند، ودونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة.

حل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بالهند يوم الإثنين 24 شباط/فبراير 2020، في أول زيارة له للبلاد، تدوم يَوْمَيْن، رفقة زوجته وابنته وزوجها الصهيوني “جاريد كوشنير”، ويتوقع الرئيس الأمريكي توقيع عقود لصفقات سلاح تبيعها الولايات المتحدة للهند، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وتتمثل الأهداف المُعْلَنَة للزيارة في “تعزيز العلاقات الإستراتيجية والتجارية بين الدولتَيْن، وبحث سُبُل مقاومة الإرهاب، ومقاومة التّوسّع الصّيني في المنطقة”، وأعلن الرئيس الأمريكي إنه يسْعَى لكي تكون الولايات المتحدة الشريك العسكري الأساسي للهند، “من أجل حماية منطقة المحيط الهادئ والمحيط الهندي، وجعل الهند قوة مضادة لتنامي النفوذ السياسي والعسكري للصين، خاصة في قارة آسيا…”

تَرْجَمت حكومة الهند هذا التّقارب مع الولايات المتحدة، بتنظيم الحزب الحاكم تجمّعًا كبيرًا، في ملعب رياضي يتسع لأكثر من مائة ألف شخص، مُبالغَةً في التّرحيب بالرئيس الأمريكي وأُسْرَتِهِ، بينما عبر المُعارضون لسياسات حكومة “مودي” ولسياسات الولايات المتحدة، عن استيائهم، من تدمير المئات من عَربات البائعين المتجولين، ومن بناء جدار فاصل بين الأحياء الفقيرة، وطريق مر بها موكب الرئيس الأمريكي، لزيارة نصب تذكاري، أنفقت عليه الحكومة الهندية مبالغ هامة، في محاولة من حكومة الهند لإخفاء مظاهر الفقر المنتشر في البلاد، كما تواصلت الاحتجاجات في مختلف مناطق الهند يوم الاثنين 24/02/2020، والأيام اللاحقة، تنديدا بقانون الجنسية العنصري، الذي أقره البرلمان، بنهاية سنة 2019، واندلعت مواجهات في ضواحي العاصمة “نيو دلهي” بين مليشيات الحزب الحاكم، ومُعارضي القانون، واستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيلة للدموع، وأمرت بإغْلاق خطوط القطار الحَضَرِي (مِتْرُو)، ونظم الحزب الشيوعي الهندي مظاهرات، يوم الاثنين 24/02/2020 في نيودلهي، احتجاجاً على زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما نَظّم المُعارضون مظاهرات أخرى، مناهضة لسياسات الولايات المتحدة، في مدن جواهاتي شمال شرق الهند، وكولكاتا في الشرق وحيدر أباد في الجنوب، في تواصل مع موجة الإحتجاجات التي انطلقت منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، ضد قانون الجنسية الجديد، الذي يوفر التجنيس السريع لبعض الأقليات الدينية المولودة فى الخارج مع استثناء للمسلمين.

من جهتها، أعلنت شرطة الهند، يوم الخميس 27 شباط/فبراير 2020 مقتل ما لا يقل عن ثلاثة وثلاثين شخص وجرح ما لا يقل عن مائتَيْن، واعتقال حوالي خمسة آلاف، في العاصمة “نيو دلهي”، لوحدها، واعتقلت ما يزيد عن ألف شخص في ولاية “أوتار براديش”، خلال المظاهرات التي جرت، طيلة ثلاثة أيام، منذ يوم الإثنين 24/02/2020، في مناطق عديدة من البلاد، احتجاجًا على سياسات الحكومة الهندية، التي قطعت شبكة الإتصالات، وفَرَضَت حالة الطّوارئ، وحَظَرت التجمع في الفضاء العُمومي، واحتجاجًا على الدّعم الأمريكي لهذه الحكومة اليمينية العُنصرية، وقام عناصر المليشيات المُسلّحة، التابعة للحزب الحاكم، بمهاجمة سكان إحدى الضواحي، شمال شرقي العاصمة، يسكنها أكثر من عشرين مليون نسمة، معظمهم من “المسلمين” (قرابة 200 مليون مسلم، أو حوالي 15% من إجمالي سكان الهند) وأحرق عناصر المليشيات، منازل ومتاجر ومساجد ومدارس ومحطات وقود، وغيرها من المَباني والمَحلاّت، الخاصّة والعمومية…

علّقت صحيفة “واشنطن بوست”، يوم الإربعاء 26 شباط/فبراير 2020 أن زيارة “ترامب” تندرج ضمن الدعاية الإنتخابية للطرفيْن، ففي أمريكا تجري حاليا الإنتخابات التمهيدية داخل الحِزْبَيْن، قبل انتخابات تشرين الثاني 2020، وفي الهند، مُنِيَ حزب بهارتيا جاناتا الحاكم بهزيمة في العاصمة “نيو دلهي”، ربما بسبب عجز الحكومة عن الوفاء بوعودها في مجال الإقتصاد الذي يتّسِمُ بالتَّبَاطُؤ، وبسبب الخطط والبرامج المُعادية لمصالح الفُقراء، والعنصرية ضد مجموعات من السّكّان، وإثارة مشاعر الحقد والكراهية، داخل فئات الشعب، على أُسُسٍ دينية وطائفية، بالإضافة إلى السياسة الطّبَقِيّة المعادية للأُجَراء والفُقراء وصغار المزارعين، ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً كتبتْهُ صحافية هندية، يَصِفُ مُرتكبي أعمال العنف، ب”الغوغاء الهائجين الذين يُرَوِّعُون المسلمين، بطريقة منظمة ومتعمدة، ويدخلون منازل مساجد ومتاجر ومنازل المُسلمين، ويُخرجون ساكنيها منها بالقوة، قبل نهبها وتخريبها، وحرقها تحت أنظار الشرطة، في أحيان كثيرة…

أدّت هذه الممارسات العنصرية، التي تنفذها مليشيات يمينية تدعمها الحكومة وأجهزة الدّولة (الشرطة والقضاء )، ومعظم وسائل الإعلام، من أجل إعادة تشكيل التركيبة السّكّانية للبلاد، وتحويلها إلى “وطن قومي للهندوس”، إلى تعدد الإحتجاجات والأحداثٌ الدامية في العاصمة، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى، على يد عصابات “القَوْمِيِّين الهنْدُوس” التي يحمل بعض عناصرها مُسدّسات وسُيُوف، خلال زيارة دونالد ترامب الذي تَعلّل “بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، مُركِزاً اهتمامه على صفقات بيع السّلاح، بقيمة ثلاثة مليارات دولارا، وعلى انحياز حكومة الهند إلى جانب الولايات المتحدة، ضد الصّين…

بعد فوز الحزب القومي الهندوسي “بهارتيا جاناتا”، اليميني المتطرف والعُنْصُري، بانتخابات سنة 2014، تعددت مظاهر التقسيم الدّاخلي (داخل صُفُوف الشعب)، والإصطناعي أحيانًا، وزادت مظاهر العُنف الرجعي ( نقيض العُنْف الثّوْرِي )، بعد انتخابات أيار 2019، حيث حاز التحالف الذي يقوده حزب “بهارتيا جاناتا” على 65% مِن إجمالي مقاعد البرلمان، في بلد ترتفع به نسبة السكان الأُمِّيِّين إلى نحو 45% من سكان الهند، ويعيشون عشرات الملايين منهم في قرى ومناطق نائية ولا يمتلكون أيّ وثائق رسمية.

اغتنمت حكومة “نارندرا مودي” فرصة فوز التحالف بنحو ثُلُثَيْ عدد المقاعد النّيابية، لزيادة تركيز دعايتها على المَيْز والحقد والكراهية، وعمدت إلى إلغاء الحكم الذاتي في إقليمَيْ “جامو وكشمير” في آب/أغسطس 2019، وتغيير قانون المواطنَة في كانون الأول 2019، الذي سوف يُؤدّي إلى طَرْد وترحيل نحو مليونَي شخص في مقاطعة “آسام” لوحدها، وقع تصنيفهم كمسلمين، مقابل منح حقّ المواطَنة للأقليات الدينية غير المسلمة، من مُعتنقي الهندوسية والسيخ والبوذية والجينية والزرادشتية، والمسيحية…
يُمارس المُتعصّبُون الهندوس العنف منذ عُقُود ضد المسلمين، وقَتَلُوا منهم حوالي مليونَيْن، خلال سنة استقلال الهند، سنة 1947، وهي الفُرصة التي اغتنمها الزعماء الرّجعيون المُسلمون للدعوة إلى انفصال المناطق التي يسكنها المسلمون بكثافة (باكستان وبنغلادش، الحالية)، وسبق أن هدم أعضاء حزب “باهارتيا جاناتا” الحاكم حاليا، مسجدًا تاريخيا، لإقامة معبد هندوسي مكانه، ونفذوا مجازر (بإشراف ناريندرا مودي ) ضد المسلمين، فاغتالوا أكثر من أَلْفَيْ مواطن، يُشتبه في انتمائهم للديانة الإسلامية، سنة 2002، غرب الهند، ومنذ فازوا بالحكم سنة 2014، يُمارسون العنف بشكل مُمَنْهَج ومُنتظم، ضدّ المواطنين من الأقليات الدينية، وخصوصًا ضد المسلمين والمسيحيين، وسبق أن قَتَل هؤلاء المُتعصّبُون، إثر اغتيال رئيسة الحكومة “إنديرا غاندي”، سنة 1984، قرابة 12 ألف من طائفة “السيخ”، بسبب اتهام حراس رئيسة الحكومة، من طائفة السّيخ، باغتيالها، وتدعو عقيدة الحزب الحاكم الحالي إلى “تنظيف الهند من السكان، من الطوائف الأخرى، لأن الهند وطن الهندوس فقط”، وهي نفس المبادئ التي بُنِيَت عليها عقائد عُنصرية، مثل الصهيونية، أو الميز العنصري للمُسْتَعْمِرِين الأوروبيين البيض المسيحيين، في عديد البلدان (أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا ونيوزيلندة وإفريقيا الجنوبية)، هذا إضافة إلى انتشار حالات العُنف الشديد، واليَوْمِي، ضد النساء في الهند، من الإعتداء بالضرب، إلى الإغتصاب والقتل، وإفلات المُجْرِمِين من العقاب…

هناك وجه آخر للهند يتمثل في النضالات اليومية للنقابيين وللتقدّميين والشيوعيين، الذي فازوا بإدارة بعض الولايات، واحتجاجات النساء وصغار المُزارعين، ومقاومة الإستغلال والإضطهاد…  

*وافق شن طبقة، مثل عربي، أوْرَدَهُ “ابن الجوزي” (بغداد 1116 – 1200 م ) في مُؤلفه بعنوان “كتاب الأذكياء”، ويتعلق المثل بلقاء وزواج رجل اسمه “شَن”، وامرأة اسمها “طَبَقَة”، توافقا وكَمَّلَ أحدُهُما الآخر، في الذكاء والفكر، وأصبح مثلاً يُقال عن شخْصَيْن اتفقا (على الخير أو الشر)، وتوافقا وتكاملا…  

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.