يحتفل العالم باليوم العالمي للنساء، يوم الثامن من آذار/مارس من كل سنة، فأصبح بذلك يوم “احتفال” روتيني، أقرّته الأمم المتحدة، سنة 1975، مع إهمال الجانب الأساسي المتمثل في تاريخ هذا اليوم، فيتجنب الإعلام السّائد التّذكير بجذور وتاريخ هذا اليوم، الذي انبثَقَ عن حركة عُمالية، فهو يوم نضال عُمّالي نسائي، بالدّرجة الأولى، ففي الثامن من آذار/مارس 1907، تظاهرت النساء العاملات في قطاع النسيج، بشوارع مدينة نيويورك، للمطالبة بتحديد وخفض عدد ساعات العمل، وزيادة الرواتب، وتحسين ظروف العمل، بالإضافة على مطلب الحصول على حق التصويت، وعمد صاحب المصنع، الذي انطلقت منه شرارة النضال، إلى إغلاق المصنع واحتجاز النساء العاملات المًضْرِبات، داخل المبنى الذي احترق، بفعل فاعل، وكانت حصيلة هذه المحرقة وفاة 128 عاملة.
نذكر أيضا أن الفَضْلَ يعود للنساء العاملات في الولايات المتحدة، في إقرار يوم العمال العالمي ( 01 أيار/مايو)، بعد إضرابهن (وإضرابات عمال الصناعة بشكل عام) وتظاهرهن في شوارع المدن الأمريكية، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من أجل تحديد يوم العمل بثماني ساعات، وهو نفس المطلب الذي طرحه عُمال وعاملات أستراليا ونيوزيلندا، وجميعها مُستعمرات استيطانية، قَتَلَ المُستوطنون الأوروبيون السكان الأصليين للبلاد، خلال فترة الإستعمار، ولئن لم تقتُل هذه السلطات النساء المُحتجّات، فإنها جابهتهُنّ السلطات بالقمع الشديد…
بعد مرور سنة على مظاهرة يوم الثامن من آذار 1907، أعلن الحزب الاشتراكي الأمريكي، هذا التاريخ، يومًا وطنيًّا للمرأة، وعرضت المُناضلة الإشتراكية “كلارا زيتكن” (1857 – 1933)، فكرة جعل هذا اليوم، يومًا عالميًّا للنساء، وفي سنة 1910، عرضت الفكرة على المؤتمر الدّولي للمرأة العاملة، في مدينة “كوبنهاغن”، عاصمة الدنمارك، وتَبَنّت المؤتمرات (من 17 دولة) الإقتراح، كما أقر المؤتمر الدولي الإشتراكي (كلارا زيتكن عضو به) سنة 1910، هذا التاريخ يوما عالميا للنساء، ليقع تنفيذه سنة 1911، حيث احتفلت النساء (والرجال) بصورة علنية، بهذا اليوم، كيوم عالمي للنساء، في الدنمارك وألمانيا (بلد كلارا زيتكن) والنمسا وسويسرا، وبعض البلدان الأخرى، حيث نُظِّمت، بمناسبة هذا اليوم، مسيرات بمشاركة أكثر من مليون شخص، وبعد قَرْن ونَيّف، ذكر تقرير للأمم المتحدة، سنة 2020، أن ثُلُثَ نساء العالم يعانين من العُنف، وذكّرت الأمم المتحدة بميثاقها (سنة 1945) الذي كان “أول اتفاق دولي يدعم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة”، بحسب موقع الأمم المتحدة، لكن المنظمة لم تُقرّر الإعتراف باليوم العالمي للنساء، ورعايته، سوى سنة 1975.
نُذَكِّرُ أن “كلارا”،
وزوجها “أوسيب زيتكن”، مناضلان اشتراكيان ساهما في تنشيط الحركات
الاشتراكية الفرنسية والألمانية والروسية، واكتسبا خبرة في معرفة قضايا الحركة
العمالية العالمية، والدّعاية لمطالب العُمال، وكانت لهما علاقات مُستمرة
بالاشتراكيين في أوروبا، وخاصة في بريطانيا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا.
يعتبر اللون الأرجواني (الذي يدل على
“العدالة والكرامة”) رمزًا للنساء على المستوى العالمي، لكن مزيج اللون
الأرجواني والأخضر والأبيض (الذي أصبح شعار هذا اليوم العالمي للنساء) يرمز إلى حق
المرأة في المساواة، بحسب الاتحاد الاجتماعي والسياسي للمرأة في بريطانيا، التي
اقرت، سنة 1908، هذه الألوان: اللون الأرجواني للعدالة والكرامة، واللون الأخضر
للأمل، واللون الأبيض للنقاء، وبقطع النظر عن هذه الرموز وتأويلاتها، لا يُعتَبَر
الاحتفال بيوم المرأة أمرًا خاصًّا بالنساء، وللأسف فإن يومًا واحدًا لا يكفي حتى
لتعداد ما تدينه البشرية للنساء، ولا يمكن السّماح بانتشار الأفكار والبرامج
المعادية للمساواة الكاملة، والتي تدعو للتمييز بين الناس، في الحقوق والواجبات
(أي مقومات المُواطَنَة) على أساس الجنس والعرق والدين واللون…
لا تكمن المساواة في عدد الوزيرات أو النائبات في البرلمان، أو في عدد مديرات الشركات، وإنما في حرية الحركة في الفضاء العام، وفي المُساواة الكاملة في الحقوق (القانون) وفي الممارسة، وفي حرية اختيار الشريك والمهنة والمَصير وغير ذلك…
تطورت حركة النضال النسائي، ضمن تطور حركات النضال النقابي والسياسي والإجتماعي، وليس من الصُّدَف أن يتزامن تصعيد النضال النسائي، الذي أدى إلى إقرار يوم النساء، ويوم العُمال، مع بُرُوز النضال من أجل تأسيس النقابات، بالتزامن مع ظهور الحركة الإشتراكية، وتأسيس الحركة الإشتراكية العالمية (الأُممية الإشتراكية الأولى) بمساهمة كارل ماركس وفريدريك إنغلس، وكانت هذه الحركة النسائية حركة عُمّالية بروليتارية، تجاوزت مبادرات النساء البرجوازيات، من أجل حقهن في تقاسم الثروات، وحق المِلْكِيّة، أو اختيار الشريك، وهي حُقُوق أساسية، لكنها منقوصة، وتختلف عن اهتمامات النساء العاملات، اللاتي لن تَرِثْنَ غير الفَقْر وعبء تحمل نفقات الأسرة، في حال وفاة الأب أو الزّوج.
دافعت النساء الإشتراكيات، مثل “روزا لكسمبورغ” و “كلارا زيتكن” و “ألكسندرا كولناتي”، عن حق الإقتراع، مع تجاوزه والنضال من أجل الحق في التعليم والعمل والرعاية الصّحّيّة، وإقرار المساواة في الراتب، والراحة الأسبوعية، “فلا يمكن للطبقة العاملة تحقيق انعتاقها إذا انقسم أبناؤها، على أساس الجنس أو غير ذلك… إن علاقات المِلْكِيّة كانت السبب الرئيسي في تدهور وضع النساء، طيلة قُرُون، وما القوانين (التي أقرها الرجال) سوى انعكاس لعلاقات المِلْكِيّة السائدة، ولذلك فإن نضالنا لا يقتصر على حق الإقتراع، بل يهدف اتحاد الطبقة العاملة، لتغيير موازين القوى، وللثورة ضد حكم رأس المال، ولا يهدف نضال المرأة ما يُسمى المنافسة الحُرّة مع الرّجل، بل يُكرس نضال طبقة مُستَغَلّة بنسائها ورجالها، ضد طبقة رأسمالية برجوازية مُستَغِلّة…”، بحسب “كلارا زيتكن” في المؤتمر الدولي الإشتراكي، سنة 1910، واعتبرت “كلارا زيتكن” أن حصول النساء على المساواة السياسية يعطي للنساء البرجوازيات بعض الإمتيازات، التي تجعلهن متساويات مع رجال البرجوازية، ولكن ذلك لن يغير موازين القوى الواقعية، ولن يقضي على استغلال نساء الطبقة العاملة، كما رجالها.
أسست “كلارا زيتكن” (وهي مُدرّسَة) صحيفة “المُساواة”، سنة 1891، وبقيت رئيسة لتحريرها لفترة خمس وعشرين سنة، وهي صحيفة الحزب الديمقراطي الإشتراكي الألماني، تصدر مرّتَيْن في الشهر، ومثلت أداة دعاية وتحريض للنساء العاملات، وسَعت رئيسة التحرير إلى جعلها أداة تثقيف لنساء الطبقة العاملة، للقيام بعمل واعي، واضح الأهداف، كما عملت “كلارا زيتكن” على توحيد نضالات النساء الإشتراكيات في العالم، وأقر مؤتمر “شتوتغارت” سنة 1907 (المؤتمر النسائي الإشتراكي الأول) إقامة منظمة دولية تضم جميع المنظمات النسائية الاشتراكية، والإبتعاد عن تحالف النساء اللاتي تدعين الإشتراكية، مع الحركات البرجوازية (بريطانيا وفرنسا وسويسرا…)، بشأن حق الإقتراع، على سبيل الذّكر، لا الحَصْر…
كان نضال النساء في بدايات الحركة الإشتراكية الدولية، صعبًا، في الولايات المتحدة وفي ألمانيا، وغيرها من الدول الرأسمالية المتطورة، فقد ناضل الإشتراكيون في ألمانيا (ومن بينهم “كلارا زيتكن) في عهد المستشار “بسمارك”، الذي اتسمت فترة حكمه بالغزاوات والحروب، وبالقمع الداخلي، فاضطر العديد من الإشتراكيين للخروج من ألمانيا واللجوء إلى سويسرا أو فرنسا، بداية من سنة 1882، واستفادت “كلارا زيتكن”، أثناء لُجوئها في باريس، لتتصل بالعديد من زعماء الحركة الإشتراكية في أوروبا، ولتَدْرُس في مجال الصحافة والترجمة…
إن مبدأ المساواة يعني أن للمرأة، كما للرجل، حقوق (وممارسة) متساوية، طيلة أيام السنة…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.