الطاهر المعز:

(1) في ذكرى يوم الأرض: وفاءً للمقاومين والأسرى والشهداء

(2) بريطانيا – هل تكون نظرية “مناعة القطيع”، فصلا من الإيديولوجيات الفاشية؟

(3) باختصار:مصائب قوم عند قوم فوائد

● ● ●

(1)

في ذكرى يوم الأرض، وفاءً للمقاومين والأسرى والشهداء

الفدائية والأسيرة المُحَرّرة “تيريزا هلسة” عَكّا 1954 – عَمّان 28/03/2020

تزامنت وفاة المناضلة الفدائية، أصيلة مدينة “عكّا”، حيث وُلدت سنة 1954، “تيريزا هلسة” وتوفيت في عمّان، يوم السبت 28 آذار/مارس 2020، بعد معاناتها من مرض سرطان الرئة، مع الذكرى الرابعة والأربعين ليوم الأرض (30 آذار/مارس 1976)، وانتفاضة الشعب الفلسطيني في الدّاخل ضد مُصادرة الأراضي، خصوصًا في الجليل (شمال فلسطين) وفي قَرْيَتَيْ “أقرت” و “برعم”، حيث أضربت جماهير الداخل، واكتسحت الشوارع والساحات، يوم الثلاثين من آذار/مارس 1976، تمسّكًا بالأرض (الوطن) التي استهدفها الإحتلال الإستيطاني والحركة الصهيونية، منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وتواصلت بعد احتلال سنة 1948، وكلما انخفضت وتيرة المقاومة، تصاعدت وتيرة مصادرة الأراضي، لبناء مستوطنات جديدة، ولتوسيع المستوطنات القائمة، في عملية استهداف مَنْهَجِي ومتواصل لوجود الشعب الفلسطيني في كافة أجزاء وطَنِهِ، كما في الشتات…

شاركت المناضلة “تيريزا هلسة” في عملية اختطاف طائرة شركة الطيران البلجيكية “سابينا”، انطلاقا من “فيينا”، عاصمة النّمسا، أثناء الرحلة “سابينا 571″، وعلى متنها 140 راكب، منهم أكثر من مائة “إسرائيلي”، يحمل العديد منهم جوازات أوروبية، وطالبت مجموعةُ الفدائيين بإطلاق سراح معتقلين أردنيين وفلسطينيين، في الثامن من أيار/مايو سنة 1972ولم يتجاوز عمر “تيريزا” آنذاك 18 سنة، بعد أن ذهبت إلى لبنان (دون علم عائلتها)، عبر الضفة الغربية المحتلة، مع رفيقة لها، والتحقتا بالمقاومة المُسلّحة، وآمنت تيريزا بضرورة الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، إثر واقعة القبض، في عرض البحر، على ما عُرف لاحقًا بـ”مجموعة عكا 778″ سنة 1970 (ربما 1969) وتتألف المجموعة من 11 فدائيا من الأراضي المحتلة سنة 1948، بقيادة “فوزي النّمر”، وتتمثل الحادثة التي أثرت في “تيريزا” في منع قوّات الاحتلال عائلة أحد الشّهداء (الذي مات تحت التعذيب) من رؤية جُثّتِه قبل الدّفن…

عُرفت عملية اختطاف طائرة شركة “سابينا”، من قِبَل أربعة فدائيين (رجُلين، علي طه وزكريا الأطرش وامرأتين، تيريزا هلسة وريما طنوس) من ما عُرف بمجموعة “أيلول الأسود”، باسم “عملية اللّد”، التي خطّط لها “علي حسن سلامة”، وتزودت الطائرة بالوقود في “فيينا”، ونزلت في مطار “اللد”، حيث تجمّدت حركة الطيران لفترة 24 ساعة، قبل أن تهاجمها الوحدة العسكرية الصهيونية “سييرت متكال”، التي تخفّى عناصرها، بزي “الصليب الأحمر الدولي”، ومهاجمة الطائرة، بدل إيصال الغذاء للركاب، وكان ضمنها بعض المُجْرِمين الذي أصبحوا رؤساء حكومات فيما بعد، مثل “إيهود باراك”، و “بنيامين نَتِنْ ياهُو”، وأصابت “تيريزا هلسة” رئيس الوزراء الصهيوني الحالي (نتن ياهو) برصاصة في كتفه، قبل إصابتها بعدة رصاصات شلّت حركتها، فيما استُشهِدَ فدائيان، قبل اعتقال الفدائيّتَيْن الجريحتَيْن “ريما عيسى طنّوس” و “تيريزا هلسة”، وقضتْ محكمة صهيونية بسجن “تيريزا هلسة” لفترة 220 سنة، قضت منها 12 سنة، قبل تحريرها في إطار صفقة تبادل الأسرى، ضمن عملية فدائية أخرى، أطلق خلالها سراح أربعة فدائيِّين من “مجموعة عكا 778″، مع نَفْيِهِم من الأراضي المحتلة سنة 1948، فيما نُفِيَتْ “تيريزا” إلى الأردن، ومُنِعت من دُخول بلادها ومدينتها، وزيارة أفراد عائلتها في مدينَتَيْ “حيفا” و “عَكّا”، وعاشت في عَمّان، مع زوجها وأبنائها الثلاثة، حتى وفاتها.  

(2)

بريطانيا – هل تكون نظرية “مناعة القطيع”، فصلا من الإيديولوجيات الفاشية؟

أعلنت حكومات بريطانيا وحكومات بعض دول شمال أوروبا، بين يوم 29 شباط/فبراير ويوم 12 آذار/مارس 2020، تطبيق مبدأ “مناعة القطيع”، في مواجهة انتشار فيروس “كورونا”، بعد حوالي شهرين ونصف الشهر من ظهور أولى حالات الإصابة به، وتتمثل استراتيجية “مناعة القطيع” في السماح للفيروس بالانتشار بشكل طبيعي، من أجل بناء “مناعة القطيع” بين السكان، أي أن يفْتِك الفيروس بكبار السّن والمرضى وكل من لا يستطيع الصّمود، وبذلك يصبح الباقون على قيد الحياة مُحصّنين، وأكثر مناعة من ذي قَبْل، ولذلك لم تعمل هذه الحكومات على مُحاصرة الوباء، ولم تنشُرْ المعلومات العلمية والطبية، لتوعية المواطنين، ولم تُوفّر وسائل إجراء الإختبارات السريعة، ومعدّات الوقاية الشخصية، وأجهزة التنفّس…
أصدرت جامعة “إمبريال كولدج – لندن”، وكلية لندن للصحة، دراسة، يوم 17 آذار/مارس 2020، تناقض في نتائجها النموذج الذي تتبعه الحكومة (مناعة القطيع)، وكانت مجلة “لانسيت” قد نشرت دراسة سابقة تُركز على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للوقاية ولاحتواء انتشار الوباء. أوضحت دراسة جامعة لندن أن انهيار المنظومة الصحية البريطانية سوف يفاقم من الآثار السلبية لانتشار الوباء، وأن سياسة الحكومة سوف تثسبب بكارثة، وكتبت صحيفة “غارديان” (يوم 23/03/2020) أن انتشار الوباء في بريطانيا، لا يقل خطورة ولا يختلف عن مدى انتشاره في إيطاليا، وقد يصل عدد حالات الوفاة في بريطانيا إلى خمسة آلاف، في غضون أُسْبُوعَيْن،
اضطرت الحكومة البريطانية، إثر ذلك إلى التراجع عن استراتيجية “مناعة القطيع”، وأقرت الإجراءات التي اتخذتها الدول الأخرى، مثل إغلاق المدارس والمطاعم والحانات، والعزل، وتنفيذ ما لا يقل عن 25 ألف اختبار يومياً، مع تخصيص مبالغ هامة من المال العام، لدعم الأثرياء والشركات والمصارف…

(3) 

باختصار:
مصائب قوم عند قوم فوائد

أدّت أزمة 2008/2009 إلى إلغاء نحو عشرين مليون وظيفة إضافية، في العالم، والتحق 64 مليون شخص بصف الفُقراء المًدْقَعِين، وفقدت الدول الأوروبية نحو 20% من الناتج الإجمالي، وارتفعت قيمة الدّيْن العام العالمي، سنة 2018 إلى 253 تريليون دولارا، أو ما يُعادل 322% من الناتج الإجمالي العالمي، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتجارة والإقتصاد والتنمية، واستدانت الدّول لتعوض الإعفاءات الضريبية والحوافز المالية التي استفادت منها الشركات الكُبرى والمصارف، بينما لا يهتم الرأسماليون سوى بتنمية ثرواتهم، وتكديس الأرباح، وتهريبها (بأشكال قانونية في معظم الأحيان) إلى الملاذات الضريبية…
بعد عشر سنوات، قُدِّرَ انخفاض النشاط الإقتصادي في بلدان الإتحاد الأوروبي، بنحو 35% خلال شهر آذار/مارس 2020، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومات على إثر انتشار وباء “كوفيد 19″، وتضررت قطاعات عديدة مثل النّقل والإنشاء والسياحة والفنادق والمطاعم والمقاهي، وتجارة التجزئة والنشاط الصناعي، وغير ذلك، وقد يؤدّي تمديد فترة الحجر الصحي إلى إتلاف مئات الأطنان من الإنتاج الزراعي في العالم، بسبب تَعَذُّر جَمْعِها ونقلها إلى المُدُن، وتصديرها خارج مناطق الإنتاج…
أصبح الفُقراء والعاملون في الإقتصاد الموازي، والعاملون بدون عقود والعُمّال باليوم (المياومون) أول المُتضرّرين، لأنهم لا يملكون قُوت يومهم، فيما توزع الحكوماتُ المالَ العامَّ على بعض فئات الأثرياء التي اعتادت الإستفادةَ وتعظيم ثرواتها من الحروب والكوارث، وهو ما يحصل بسبب انتشار “كورونا”.
ارتفعت قيمة الأسهم في أسواق المال والمضاربة العالمية، يوم الثلاثاء 24 آذار/مارس 2020، بعد إعلان الإدارة الأمريكية (وموافقة نُوّاب الكونغرس) مجموعة من قرارات “التحفيز الإقتصادي”، واستفاد أثرى أثرياء العالم من هذه القرارات التاريخية، الناتجة بدورها عن كارثة انتشار “كورونا” (كوفيد 19)، وقدّر مؤشر وكالة “بلومبرغ” الأمريكية للأثرياء، ارتفاع ثروة أَغْنى 10 شخص في العالم، بقرابة 51 مليار دولارا، خلال أربع وعشرين ساعة (بين الثلاثاء 24 والإربعاء 25 آذار/مارس 2020)، ولا يُنتج أي من هؤلاء الأثرياء مواد ضرورية أو أدوية أو غير ذلك من السلع، بل إن “جيف بيزوس”، أثرى أثرياء العالم، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “أمازون” لا يُنتج شيئًا، بل يمارس المضاربة بالسلع وبرع في ابتكار أساليب استغلال العُمّال، وقدرت ثروته الإجمالية بنحو 119 مليار دولارا، بعد ارتفاعها خلال أربع وعشرين ساعة، بنحو 2,15 مليار دولارا، كما ارتفعت ثروة الملياردير الفرنسي “برنارد أرنو”، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة “لويس فيتون” (وإل في إم هتش) المختصة ببيع السلع الفاخرة، خلال أربع وعشرين ساعة، بنحو 11,3 مليار دولار، رغم انخفاض مبيعات شركته التجارية “إل في إم هتش” ( LVMH ) التي تضم سبعين علامة تجارية، للأزياء والمجوهرات، منذ انتشار وباء “كورونا”…
يمكن ترجمة ثروة “جيف بيزوس” أو “بيل غيتس” أو غيره، من خلال عملية حسابية بسيطة، باحتساب وجَمْعِ عدد عُقُود أو قُرون العمل التي يتوجب على أي عامل، سواء في البلدان الفقيرة أو الرأسمالية المتطورة، قضاءها للحصول على هذه المبالغ.
على مستوى الدّول، وبالخصوص دول البلدان الفقيرة، اقترضت الدول الفقيرة نحو 64 مليار دولارا، بين أزمة 2008/2009 وسنة 2018، ورغم الضجة الإعلامية التي أثارها صندوق النقد والبنك العالمي، بشأن تخفيف الديون، وإعفاء بعض الدول الأكثر فقرًا، لم تزد هذه الإعفاءات من الديون، عن نسبة 0,6% من قيمتها أو ما يعادل أربعمائة مليون دولارا، وشدّد صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي شروط القُروض، وأصبحت الدول “النامية” تُخصص، سنة 2018، نحو 7,8% من الناتج المحلي الإجمالي لتسديد الدّيون، فيما لا تتجاوز ميزانيات الصحة العمومية معدل 1,8% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل منظومة الرعاية الصحية عاجزة تمامًا عن مقاومة حالات انتشار الأوبئة، مثل “كوفيد 19″…
لم يُعلن صندوق النقد الدّولي تخفيف شروط تسديد القُروض وفوائضها المُرتفعة، ومن واجبنا اغتنام فرصة هذه الكارثة (انتشار وباء “كورونا”) للمُطالبة ليس بتأجيل أو تعليق تسديدها، بل بإلغائها، لأن الكادحين والفُقراء الذين يُسدّدون هذه الدّيُون لم يستفيدوا منها، وصَرف مبالغ الديون على رفاهية وصحة المواطنين، وما على الحكومات سوى زيادة الضرائب على الثروة، وعلى المُضاربة والإحتكار، بدل زيادة الضرائب على الرواتب والدخل (ضرائب مباشرة) وعلى استهلاك السّلع والخدمات (ضرائب غير مباشرة)، وتُعتبر الضرائب غير المباشرة مُجْحِفَة وغير عادلة، لأنها ليست تَصَاعُدِيّة، ولا تُراعي التفاوت في الدّخل، بل يُسدّدُ كافة المواطنين نفس المبلغ، أو نفس النسبة…

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.