(1)
حذّرت منظمة الصحة العالمية من تخفيف الإجراءات الاحترازية، خوفًا من تفشِّي موجات جديدة من الوباء تُقوّض جهود محاصرته.
إن حفظ حياة المواطنين أولوية مطلقة، ولا يمكن الإستخفاف بها، لكن يصعب على أي مجتمع تحمّل تعطيل أو إغلاق مواقع الإنتاج والإستهلاك، وخاصة في البلدان الفقيرة التي يتهدّدها الإفلاس، لذلك وجب طرح السؤال: كيف يمكن التوفيق بين محاصرة الوباء، وممارسة النشاط الطبيعي للفرد والمجموعة؟
(2)
الإستعداد للغد
إن احتجاز نصف البشرية في الحَبْس المنزلي، لعدّة أسابيع، يجعل من الأزمة الصحية حدثًا استثنائيا، وليس مجرد أزمة عابرة، فلن يكون أي شيء كما كان، بل أسوأ بكثير، ولن يخرج أحد من هذه الأزمة سالمًا، لذا وجب الإستعداد لمقاومة السّلطة ورأس المال وأدواتهما.
(3)
كلنا في حالة احتجاز، في الحَبْس المنزلي، لكننا لسنا متساوين، فبعضنا يمتلك مخزونًا من الغذاء واللوازم الأخرى، خلافًا للبعض الآخر الذي لم يخزن شيئًا، وبعضنا يعيش في “فيللاّ” واسعة، وحديقة، والبعض الآخر يعيش في مسكن ضيّق، لا يسمح للأطفال ولا للكبار بحرية الحركة، ولا يمكن لبعضنا قراءة كتاب أو حتى صحيفة، بهدوء، بسبب ضيق المساحة أو بسبب صراخ الأطفال أو بسبب الصوت المرتفع المنبعث من جهاز التلفزيون، ليلاً نهارًا… أما عن العنف الأُسَرِي، وضحاياه من النساء والأطفال فحدّث ولا حرج…
(4)
شكلت قرارات الحبس المنزلي ذريعة للشرطة والقوات المسلحة، لممارسة العُنف ضد من اعتبرتهم أجهزة الدولة “مُخالفين” و “غير منضبطين”، وربما “خطرًا على بقية السكان”، وهم عادة من سكان المناطق الفقيرة والأحياء الشعبية التي يسكنها العُمال والفُقراء والمُهمّشُون، أما الحكومات فإنها عَلّقت بدورها العمل بالقوانين واعتمدت “قانون الطوارئ” الذي يُجيز القمع والإعتقال وربما القتل…
(5)
خيارات طَبَقِية
قدّرت منظمة الصحة العالمية، يوم السابع من نيسان/ابريل 2020، عدد ضحايا وباء “كوفيد 19” منذ كانون الأول 2019، بنحو 75 ألف حالة وفاة، في ظل النقص الكبير للتجهيزات ولوسائل الوقاء والتطهير في مستشفيات القطاع العام، في العالم…
هناك أمراض تنتشر في البلدان الفقيرة، بسبب تلوث المحيط وشح المياه النقية والمسكن الصحي وغياب المجاري، بالإضافة إلى غياب أو قِلّة الرّعاية الصحية، ومن بينها الملاريا التي قتلت نحو 400 ألف شخص سنة 2018، والسل الذي قتل نحو 1,5 مليون شخص، فيما توفي نحو 430 ألف طفل بسبب الإسهال الحاد، ويموت نحو 2,5 مليون طفل في البلدان الفقيرة، بعد الإصابة بأمراض ناتجة عن ضُعْف مناعة الجسم، بسبب سوء التغذية، ويمكن القضاء على هذه الأمراض ووضع حد لمثل هذه الوفيات لو خَصّصت الحكومات جُزْءًا من فائض الدّيُون التي تُسدّدها (خدمة الدَّيْن) للدائنين وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ولو كَفّت الحكومات عن تبديد المال العام، ودعم الشركات الخاصة والأثرياء، ولو أجبرت هؤلاء الأثرياء على تسديد ضرائب تُناسب مستوى عيشهم وسياراتهم الفاخرة ورَحَلاتهم الخارجية ومساكنهم الفخمة…
(6)
نحن اليوم في حاجة لأدوات الوقاية والتّعقيم، وتوفير ما يحتاجه الفُقراء والمحرومون من الرزق ومن المأوى، بدل الإجراءات الفَوْقِيّة والتي تقتصر على القمع و”عَسْكَرَة” الحياة اليومية…
نحن بحاجة لنشر معلومات عِلْمِيّة، مُبَسّطَة، وتوصيات عَمَلِيّة، للحد من انتشار الوباء كما يحتاج العاملون في مجال الرعاية الصحية للتجهيزات الضرورية وأدوات الوقاية والعلاج…
بدل تبديد المال العام، المُتأتِّي من ضرائب الأُجَراء (الضريبة على الدّخل) ومن الضرائب غير المباشرة، التي يسددها كافة المواطنين، عند استهلاك السلع والخدمات، بدل منح هذا المال للأثرياء وأرباب العمل، يتوجب إنفاقه لصالح المستشفيات العمومية والعاملين بها، خِدْمَةً لأغلبية المواطنين…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.