وقّعت الولايات المتحدة، سنة 1975، “معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية”، ولكنها زادت منذ ذلك الحين من عدد مراكز “البحث البيولوجي”، بمساعدة من بقوا أحياء من عُلماء اليابان وألمانيا النازية، الذين طَوّرُوا الأسلحة البيولوجية، خلال الحرب العالمية الثانية، واتّخذت هذه المراكز ظاهريًّا طابع تطوير الخدمات الصحية والطبية، خِدْمَةً للإنسانية، وبعد انهيار الإتحاد السوفييتي، أنشأت الولايات المتّحدة مجموعة من حوالي 25 مركز جديد من المختبرات البيولوجية المشبوهة، بعيدًا عن الأراضي التابعة لها، في آسيا (على حدود الصين وفي فيتنام وأفغانستان والعراق) وإفريقيا الغربية، وكذلك في تنزانيا وأوغندا، وشرقي أوروبا (على حدود روسيا)، واتخذت هذه الشبكة للمختبرات العسكرية طابعًا “إنسانيًّا” زائفًا، تحت غطاء دعم الطّب والرعاية الصحية، وأظهرت الأحداث أن هذه المُختبرات تُشكّل خطرًا أمنيًّا على شعوب هذه الدّول والدول المجاورة لها…
تتَسَتَّرُ البحوث العسكرية لتطوير الأسلحة البيولوجية بغطاء البحث العلمي، لكن ثبت أن مثل هذه المراكز العلمية نفذت برامج أعدّتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومن بينها عمليات نشر الفيروسات المعدلة وراثيًا، بواسطة “وكالة مشاريع البحوث المتقدمة في الدفاع الأميركي” ( DRPA ) في عدد من البلدان، ومنها ليبيا، أو عملية نشر فيروس “الطاعون الإفريقي” في كوبا، سنة 1971، ما أدّى إلى القضاء على نصف مليون رأس من الماشية، خلال ستة أسابيع، وتسربت أخبار، سنة 2018، عن نشاط مختبر بيولوجي عسكري أمريكي، في “تبيليسي” (عاصمة جورجيا، المحاذية لروسيا)، تُشرف عليه وكالة ( DTRA ) تابعة لوزارة الحرب الأمريكية، ولم يحدث في التاريخ أن خاضت الولايات المتحدة، منذ تأسيسها إثْرَ إبادة الشُّعُوب الأصلية، حَرْبًا دفاعية، بل كانت جميع حُروبها عدوانية، وأكّد وزير جورجيا لشؤون الأمن، في تشرين الأول 2018، صحّة البيانات والوثائق التي تثبت الطابع العسكري لنشاط “مركز لوغار للأبحاث الطبية”، في تبيليسي (عاصمة جورجيا) الذي أنشأته مؤسسة تابعة لوزارة الحرب الأمريكية، منذ بداية القرن الواحد والعشرين (ربما سنة 2002)…
أشارت وسائل الإعلام الروسية إلى الطابع العسكري، وإلى خُطورة نشاط هذه المُختبرات الواقعة في بلدان قريبة من روسيا (أرمينيا وجورجيا وكازاخستان وأزبكستان…)، وهي مراكز تُموِّلُها (بمعدل 2,1 مليار دولار سنويا) وتُشرف على إدارتها وكالات أمريكية تابعة لوزارة الحرب، ومخابراتها العسكرية، وأعلن رئيس “قوات الحماية الروسية من التهديدات الإشعاعية والبيولوجية والكيميائية”، يوم الرابع من تشرين الأول سنة 2018، عن وفاة 73 متطوّعاً في مركز “لوغار” الأمريكي، بجورجيا، الواقعة على حدود روسيا، بسبب “استخدام عناصر خطيرة في الاختبارات على البشر، ونَشْر أنواع من الحشرات المُستورَدَة من مناطق أخرى في العالم، ووقع تحميلها بفيروسات وجراثيم خطيرة، لإجراء الاختبارات…”، وسبق أن نشرت الصحافية البلغارية ديليانا غيتاندجيفا تحقيقًا عن بعض خصائص مركز “لوغار” (أنجزت هذه الصحافية وثائق سمعية بصرية عن الحرب في سوريا)، الواقع قُرب قاعدة “فازياني” العسكرية الجوية الأمريكية، والذي يُنتج (بالتعاون مع شركات أمريكية، من القطاع الخاص) سمومًا وجراثيم وفيروسات خطيرة قد تُسبّب التهابات خطيرة، وتَنْشُرُ الأوْبِئَة، ولا يحق لغير الأمريكيين، المتمتعين بالحصانة الدبلوماسية الكاملة، دخوله، وتشمل الحصانة موظفي الشركات الأمريكية الخاصة المتعاونة مع (أو شريكة) المخابرات العسكرية الأمريكية، ولا تخضع هذه الشركات ولا موظفوها لأي رقابة من الدولة المُضيّفَة، وتتجاوز قيمة العقود السنوية لثلاثة من هذه الشركات الخاصة، مع مركز “لوغار” (في جورجيا) خمسمائة مليون دولار، وتعمل إحدى هذه الشركات في لبنان، على حدود سوريا، وسنخصص لها فقرة مستقلة.
تَعجّب سُكّان “تبيليسي”، عاصمة جورجيا، منذ سنة 2014، بانتشار أنواع جديدة من الذباب، تلسعهم على مدار فُصُول السّنة، وتُسبب أمراضَا جِلْدِيّة، ويتكاثر هذا الذباب في مجاري المياه، وفي أحواض الإستحمام داخلَ المنازل، وفي أحواض السباحة، ثم انتشرت أنواع أخرى من الحشرات، في جورجيا وداغستان، ومنطقة القُوقاز، وعند نشر وسائل الإعلام الروسية الخبر، كذّبت وزارة الحرب الأمريكية الخبر، ولكن بعض وسائل الإعلام الأمريكية، ذكَّرَتْ بأن الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في العدوان على العراق واحتلاله، سنة 2003، تعرضوا لِلَسَعات نوع مُماثل من الذّباب المَسْمُوم، الذي لم يكن موجودًا في العراق، قبل الإحتلال، ثم أصبح شائعًا في أفغانستان والعراق، ثم نُشِرَتْ لاحقًا (سنة 2016) أبحاث ودراسات أمريكية عن استخدام وزارة الحرب الأمريكية ل”الجمرة الخبيثة” بالإشتراك مع شركات خاصّة، وأثْبَتَتْ هذه الدراسات قيام وزارة الحرب الأمريكية وشركائها بإجراء اختبارات وتعديلات وراثية على الحشرات واستخدامها في الحرب البيولوجية، لنشر الأمراض المُعْدِيَة بين الحيوانات (كما حصل في كوبا وليبيا وروسيا)، أو بين البشر، كما حصل في العراق وأفغانستان وجورجيا (83 حالة وفاة بتسمم ناتج عن لسعات حشرات معدلة وراثيا سنة 2014، و74 حالة وفاة مماثلة سنة 2015 )، وتمكنت الصحافية البلغارية “ديليانا غيتاندجيفا” من تجميع هذه الوثائق، ومن الحديث مع عدد من الموظفين الأميركيين، والمُتعاقِدين من الشركات الخاصة المتعاونة مع وزارة الحرب الأمريكية، لتتأكّدَ، من صحّة ما يُقال بصورة غير رسمية، بشأن دَوْر هذه المختبرات البيولوجية (ومن ضمنها “لُوغار” ) في ظهور ونشر حشرات وجراثيم وفيروسات تَضُرُّ بسلامة المُحيط وبحياة الحيوان والإنسان، بالتوازي مع تطوير أسلحة بيولوجية، في شكل مواد مُخدِّرَة أو سَامّة أو مُشِعّة (أو جميعها في نفس المركز)، كمُكمّلٍ أو مُرافق للأسلحة التقليدية، وأكّدت وزارة الخارجية الروسية هذه الأنباء في بيان صحفي نُشر يوم الجمعة 05/10/2018، بعد إعلان أحد مسؤولي وزارة الدفاع الروسية، يوم الخميس 04/10/2018 “إن الولايات المتحدة تُطوّر أسلحة بيولوجية في مركز لوغار، وتُجرب عقاقير أنتجتها شركة وزير الدفاع الأمريكي السابق، دونالد رامسفيلد، على مواطنين جورجيين، ما أدّى إلى قتل 24 شخص بنهاية 2015 و 49 شخص، قبل نهاية شهر آب/أغسطس 2016، دون إجراء أي تحقيق في سبب الوفاة الذي اعتُبِر غير معروف…”
ورَدَ في موقع شركة “بارسنز” ( Parsons ) تعريف بنشاطها “الواسع والمتنوع، والذي يمتد من الثقافة والمعمار والهندسة إلى برامج الدفاع والأمن الإلكتروني والإتصالات وإدارة المشاريع الصناعية والتكنولوجية…”، ولها فُروع عديدة في جميع أنحاء العالم، وحيث وُجدت قواعد الجيش الأمريكي، وخاصة في دُوَيْلات الخليج، وتُنفّذُ رسميًّا في السعودية وفي الإمارات وبقية مشيخات الخليج “مشاريع البنية التحتية وإدارة إنتاج النفط، وبرامج الإنشاء وخدمات الأمن والنقل البري والحديدي، والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات…”، ومما لا يُعلنه مَوْقِع الشركة (التي تأسست خلال الحرب العالمية الثانية، سنة 1944، ما يفَسِّرُ ارتباط نشاطها بالجيش الأمريكي ) مشاركتها في العدوان على العراق واحتلاله، كما الحال في أفغانستان، وأي منطقة اجتاحَها الجيش الأمريكي، ما أكْسَبها سُمعة سيئة، مثل شركة الأمن والمرتزقة “بلاكووتر” (التي غيرت إسمها أكثر من مرة )، بالإضافة إلى مشاركتها المُباشرة في “الحرب عن بُعْد” كرديف للجيش الأمريكي، ومشاركتها في التحريض ضد سوريا، وتدمير مخزون “الأسلحة الكيماوية” في سوريا، ونُشرت في لبنان، قبل بضعة أسابيع، أخبار عن تواجد شركة “بارسنس” في لبنان، على الحدود اللبنانية السورية، ونشرت صحيفة “الأخبار”، يوم 14 نيسان/ابريل 2020 تأكيدًا لهذه الأخبار، وتنفيذ الشركة “مشاريع دعم الجيش اللبناني في اكتشاف ورصد وصدّ الهجمات من أسلحة الدمار الشامل”، بحسب ناطق باسم الشركة، ويُتوقع أن يكون عملها لحساب وزارة الحرب الأميركية، ويتعلّق بمجال الاستخبارات والأمن والمراقبة، وكانت قد شاركت في تنصيب منظومة مراقبة بالرادار على الحدود اللبنانية السورية، وعلى أي حال، ونظرًا للإرتباط الوثيق بين هذه الشركة ووزارة الحرب الأمريكية، فإن دورَها مشبوه، وقد يكون خطيرًا على أمن الشعب اللبناني والسّوري، ومُكَمِّلاً لدور العدو الصهيوني في المشرق العربي…
يجدر التّذكير أن الولايات المتحدة هي الدّولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي، بشكل عَلَنِي، بنهاية الحرب العالمية الثانية، يومَيْ 06 و 08 آب/أغسطس 1945 واستخدمت المواد الحارقة (نبالم) واليورانيوم المُنضّب وأسلحة الدّمار الشامل ضد شعب فيتنام وشعب العراق، وشعوب أخرى.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.