يتوقع البنك العالمي، في تقرير نَشَرَهُ يوم السبت 25 نيسان/ابريل 2020، انخفاض الإستثمارات الأجنبية المباشرة في البلدان “المنخفضة والمتوسّطة الدّخل” كما يُسميها، بنسبة 35%، كما يتوقع انخفاضا تاريخيا لتحويلات العُمال المهاجرين إلى ذويهم، في بلدانهم الأصْلِيّة، بنحو 20%، من حوالي 554 مليار دولارا، سنة 2019، وهو حجم قياسي، إلى نحو 445 مليار دولارا، سنة 2020، بسبب إغلاق مواقع العمل، وانخفاض دَخْل العُمال المهاجرين، جراء الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء “كورونا”، التي أَضَرّت بالشرائح الدُّنْيا والفُقراء والعُمّال، وهي الشرائح الهَشّة التي ينتمي لها أكثر من 90% من المهاجرين والمهاجرات في العالم، وخصوصًا في البلدان الرأسمالية المتطورة، وفي الدّول النّفطيّة الخليجية، وكذلك بسبب عدم اليقين بشأن آفاق نمو الإقتصاد العالم، بينما تُقْصِي العديد من الحكومات المُهاجرين من الإجراءات الإستثنائية للحماية الإجتماعية.
يُؤثِّرُ انخفاض تحويلات العمال المهاجرين على أُسَرِهم التي تستخدم هذه المبالغ للإنفاق على الإحتياجات الأساسية، وتحسين مستوى التغذية، والرعاية الصحية، والإنفاق على تعليم الأبناء، ما يُقَلِّلُ من نسبة الأُمِّيّة ومن عمل الأطفال…
في جبهة رأس المال وأرباب العمل، صرح مًدير إحدى الشركات الأمريكية: كان حوالي 5% من العاملين بالولايات المتحدة يعملون ببيُوتهم، قبل وباء “كوفيد 19″، وارتفعت النسبة، في ظل انتشار الوباء إلى 30%، بنهاية شهر آذار/مارس 2020… إذا كان العمل من البيت مُمْكِنًا، فلماذا العودة إلى نمط العمل في المكاتب، والإنفاق على تأجير أو شراء المحلات وصيانتها، والإنفاق على الكهرباء والخدمات، والإنفاق على توسيع الطرقات وعلى تكاليف النقل وصيانة السيارات والقطارات…
يُتوقع أن تسعى الشركات والحكومات إلى تعظيم الأرباح، عبر خفض العمل في المكاتب، وإلغاء التواصل بين العاملين، باستثناء اللقاءات الإفتراضية، عبر الفيديو، ما قد يزيد من إضعاف العمل النقابي، ومن إمكانية النضال من أجل تحسين الرواتب وظروف العمل…
في باب العلاقات الدّولية، أرسلت الصين، وإقليم “ووهان”، حيث وقع اكتشاف الحالات الأولى للإصابة بوباء “كوفيد 19″، طائرة محملة بعشرين طن من الإمدادات الطبية، إلى مدينة “نيويورك” بالولايات المتحدة، وانطلقت، خلال ثلاثة أسابيع (من 3 إلى 25 نيسان/ابريل 2020)، 225 رحلة مُماثلة، لطائرات محمّلة بمعدات طبية، من الصين نحو 22 دولة، من بينها إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، ويُعتبر هذا الحدث أحد رُمُوز التّحوّلات التي قد تحصل في فترة “ما بعد كورونا”، حيث تتوقع “منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية” (تَجَمُّع الدول الغنية)، في تقرير، بنهاية شهر آذار/مارس 2020، أن ينخفض نمو الإقتصاد العالمي إلى أدنى مستوى منذ 2009، وتتوقع منظمة التجارة والتنمية الإقتصادية، “أونكتاد”، التابعة للأمم المتحدة خسائر بنحو ترلْيُونَيْ دولار في نمو الإقتصاد العالمي، ما يجعل حكومات الدّول التي كانت تدعو إلى الليبرالية المُفْرِطة، تتدخّل مباشرة في شؤون “السوق” (قد تكون السوق فَقَدَتْ “يَدَها الخَفِيّة” !!!)، وتُوزّع المال العام، الذي جمعَتْهُ من ضرائب وكَدّ وعرق العاملين والمُستهْلِكين، على المصارف والشركات الكُبْرى، باسم سياسة “التّحْفِيز” أو “التَّيْسِير النّقْدِي”، بمباركة صندوق النقد الدّولي، “المُفْتي”، أو الحاخام الأكبر للإقتصاد النيوليبرالي، خصوصًا بعد وُضُوح عدم اهتمام القطاع الخاص بالصحة العمومية وبالوقاية وبحياة الإنسان، إلاَّ إذا كان الإنسان مَصْدَرًا لأكبر قدر من الرّبْح، باسم “حرية السّوق”، و”المُنافسة الحرة”، بين الذّئب والحمل.
مَثَّلَ وباء “كوفيد 19” دليلاً قاطعًا على خداع وكذب من ادّعى “قُدْرَة السوق على تنظيم الحياة الإقتصادية”، دون الحاجة لتدخّل الدّولة، فهاهي أجهزة الدّول تتدخّل بكثافة، وتُبَدّدُ المال العام، للمرة الثانية خلال عشر سنوات، وتَضُخُّ أموال الكادحين في خزائن المصارف والشركات الكُبرى، وتفرض التّقشُّف على العاملين والأُجَراء والفُقراء، وعلى سبيل المثال، خصصت حكومة فرنسا سبعة مليارات يورو لشركة الطيران “آير فرنس”، بينما لم تُخصص سوى 38 مليون يورو، لدعم قرابة ثمانية ملايين أُسْرَة فقيرة، تضررت حدّ الجوع، جراء تعطيل النشاط الإقتصادي، والحبس المنزلي وانقطاع أسباب العيش…
على صعيد الإقتصاد العالمي، اعترض صندوق النقد الدّولي بشدة على مطلب “إلغاء ديون الدول الفقيرة، أو إلغاء الفوائد المتراكمة” التي عجزت الدول عن تسديدها، وأعلنت المُدِيرة التنفيذية “تخصيص تريليون دولار” للدول الفقيرة، بنفس الشروط المُجْحِفَة، التي أغرقت عديد الدّول في دَوّامة الدُّيُون والتّبَعِية وفقدان السيادة، وأعلن صندوق النقد الدّولي “تجميد تسديد دُيون” بعض الدول الفقيرة (إفريقيا بشكل خاص) لكن ذلك يعني “إعادة هيكلة الدّيُون”…
سؤال: لماذا تتجرّأ الحكومات على تبديد المال العام، ومنحه للشركات والمصارف؟ ولماذا يرفُضُ صندوق النقد الدّولي إلغاء الدّيون التي قَبَضَ ما يُعادل قيمتها الأصلية عدة مرات؟
جواب مُخْتَصَر: لأن الصف المُقابل، المناهض للرأسمالية، ضعيف، أو “بصدد التكوين”، ولأن الفُقراء والكادحين يفتقدون للتنظيم الذي يُدافع عن مصالحهم، ويُبادِرُ بالهجوم على أعدائهم.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.