“كنعان” تتابع نشر كتاب “فلسفة المواجهة وراء القضبان”، تأليف: محمود فنون، الحلقة (9)

الأسلوب النفسي

المقصود بالأسلوب: سلسلة من الممارسات والعمليات المؤطرة، ومنهج، يهدف إلى التأثير على الوضع النفسي للمعتقل واخضاعه، واضعافه نفسياً ومعنوياً، وافقاده تماسكه، وخلق خلل عام في حالته النفسية وارتباطاته الداخلية، بحيث يصبح أكثر قابلية للاستجابة لمؤثرات أخرى معينة، واتخاذ ردود فعل محددة، ويكون حجم تأثر المعتقل في المناخ المحيط أكبر درجة ممكنة.

والحالة النفسية تتأثر بالحالة الجسدية (قليلاً أو كثيراً) حالة الجسم في وقت من الأوقات وبعض العوامل الخارجية كالأحاديث والروايات والأخبار السارة أو المزعجة، واثبات أو دحض الأفكار، وتهويل القضايا وتخفيفها وغير ذلك. ويمكن التأثير على الحالة النفسية بممارسة الضرب مثلاً بينما الجسم في وضعية معينة، مربوطاً أو معلقاً، ملقى على الأرض عارياً ويلقى على مسمعه عبارات ذات دلالة.

 ويتم التأثير على الوضع النفسي بأساليب وطرق منها:

  1. أسلوب التشكيك وهز صلات وإرتباطات المناضل:

     ليس بالضرورة أن يتبع هذا الاسلوب قبل غيره من الأساليب، وهو لا يتبع بمعزل عن الارهاب، وتقديم الأدلة والمعلومات ومحاصرة المتهم، وكذلك قد لا يكف المحقق عن اتباع هذا الأسلوب عبر مراحل وجولات التحقيق المختلفة. فما هو أسلوب التشكيك؟

     هو جملة من الممارسات، والمظاهر، والأقاويل التي تهدف الى عزل المعتقل عن ارتباطاته السياسية والتنظيمية والفكريةـ ومعاملته (كفرد) وتناول قدراته وامكاناته الشخصية في الصمود والثبات، وتيئيسه من الاستمرار في الانكار، وتناول معتقداته ومبادئه بالتسخيف والدحض والاستخفاف، والاستخفاف بمواقفه النضالية، وممارساته ضد الاحتلال ونظام الحكم، وتصويره على أنه انسان ضعيف ومعتقداته خاطئة وغير معقولة، وايهامه بأنه تورط في أمور ليس له فيها ناقة ولا بعير، وهي ليست اختصاصه أو واجباته، وهو ليس في مستواها، وان حكومات كبيرة عجزت عن تحقيق ما يهدف إليه، وعبرت عن عجزها بالهزائم، أو المواقف المتخاذلة، وأنه مغرر به خدمة لأهداف أشخاص يجنون من ورائه السمعة والثروة… الخ.

     وبالاجمال فإن التشكيك عبارة عن ممارسات تستهدف اضعاف صمود المعتقل من خلال تناول امكاناته الشخصية ومعتقداته، وارتباطاته التنظيمية والسياسية وتسخيفها وتشويشها، وتشويهها والطعن بها، وتصغيره وتصغير دوره إلى درجة عدم الجدوى، وتصوير دوره أنه ليس في خدمة القضية، وتشويه دور القيادات السياسية والأحزاب والطعن في أهدافها ونواياها، ونوايا القادة، وأدوارهم وسلوكاتهم اليومية، وحرصهم على ذواتهم، والتفريط بالمغرر بهم من أمثاله.

    وايهام المناضل عبر أطروحات وتكرار أطروحات، بأن رفاقه هم الذين وشوا به، وأن واحداً من مجموعته عميل نقل كل ما حدث لهم، أو أن المسؤول متعاون معهم وهم يعرفون كل شيء عن الحزب ونشاطه ونشاط أفراده وهو فقط (الضائع بين جماعته)…

     أو أن نشاطه هذا ما هو الا خدمة لأشخاص لأن خدمة القضية لا يمكن أن تكون بهذ الصورة ، ولأن أشكال النضال هذه لا يمكن أن تكون مجدية وها قد مضى كذا سنة ولم تعط أية ثمار، وها هم المحكومون مؤبدات في السجون ماذا استفادوا بعد أن خربت بيوتهم وألحقوا بأنفسهم وبأهلهم أضراراً لا يمكن تعويضها…

     وبالنتيجة أنه غلطان وما عليه إلا أن يكفر عن ذنوبه ويصلح خطأه بالاعتراف والإدلاء بما لديه ضد نفسه وضد الذين ورطوه ولا داعي لأن يتعب نفسه أكثر ويتعب المحققين معه بدون جدوى لأن صموده لن يستمر وسيعترف في النهاية.

    والمحقق يهدف الى اضعاف المناضل نفسياً وبلبلته، ومن ثم اضعاف ارتباطاته بالحزب والقضية ، وحصر اهتماماته بنفسه فقط وبمصيره الشخصي في حدود مرحلة التحقيق، متبعاً شتى الوسائل والمعلومات، أو شهادة أحد المتساقطين، أو رواية أحداث عادية حصلت معه ، أو أحداث لها علاقة بالقضية من بعيد أو من قريب كدليل على أن المحقق يعرف كل شيء ، أو كدليل على أن في الحزب خيانة.

    (الله يجازي اولاد الحرام) الذين وشوا به، والا كيف عرفوا كل ذلك عنه) وان الخيانات (بوصفها امر واقع) هي التي تمكن المخابرات من القبض على اولاد الناس وها هي المعتقلات مليئة بالمساكين أمثاله، أو أنهم دفعوا مبالغ طائلة من أجل القبض عليه وأنه من حسن حظه أنه قبضوا عليه اليوم قبل الغد وهذا لمصلحته، أو أنهم من مدة طويلة يتتبعوه ولم يشاءوا القبض عليه الا في الوقت المناسب، أو القوا القبض عليه قبل أن تورطه جماعته بأعمال خطيرة تؤدي الى أحكام عالية وذلك لمصلحته لأن المخابرات لا تحب أن تضر بالناس، وأنهم أيضاً يحققون معه فقط من باب الشفقة بغية مساعدته على الخلاص أفضل من أن يحقق معه غيرهم ولا يرحموه وهم سيضمنوا له حكماً بسيطاً على أن لا (يعيدها)….

     ويلجأ المحقق الى تصوير نفسه على أنه العارف ببواطن الأمور، والقادر على كل شيء، وأنه يفهم القضية السياسية فهماً عميقاً وصحيحاً بينما يفهمها المعتقل بشكل سطحي أو مغلوط أو مخدوع، أو أن المعتقل لم يفكر جيداً بنتائج أعماله، ولم يتصور الاعتقال والتحقيق وعذاباته، ونسف البيت، وترك العمل والأطفال والحبيبة، وأنه (فكر نفسه أشطر من المخابرات ولكن ها هي المخابرات صادته في الوقت المناسب، وها هو أمامهم انسان ضعيف لا يساوي شيئاً) واذا كنت في الخارج تفكر نفسك شيء كبير ها أنت بين أيدينا كالعصفور).

     و قد يلجأ المحقق الى تصوير نفسه على أنه الأب العطوف، والناصح الأمين الذي لا يخسر شيئاً ولا يكسب شيئاً وأنه فقط يرغب في مساعدة المعتقل وحمايته مما هو أعظم وأشد. مع ذكر عدد من الوقائع المتعلقة بتضخيم دور المخابرات ونجاحاتها وامكانياتها الهائلة في العمل براً وبحراً وجواً، والوصول الى كل مكان وكل بيت، وفي الداخل والخارج، وأن لهم في كل مكان عملاء ومتعاونين وأجهزة توصلهم المعلومات أول بأول.

     وفي سياق تركيز كهذا على النفس والذات، وحصر المسألة في المعتقل شخصياً من خلال التشكيك المتواصل بكل شيء، يلجأ المحققون الى ايهام المناضل بأنه الوحيد في المجموعة الذي لا يتعامل معهم وأن كل المجموعة عملاء وأن كل ما حدث في الخارج هو عبارة عن (فيلم معد سلفاً) حتى يتمكنوا من الايقاع به وجلبه الى هذا الوضع حتى يستطيعوا التفاهم معه أو اقناعه التعامل منهم ، أو أن المجموعة كلها عملاء وقبضوا الفلوس من أجل الايقاع به وتدميره وهو غبي لم يكتشف اللعبة، وأنه لا أهمية للمعلومات التي عنده فهي معروفة لهم و المهم ما بعدها…..  

    أو أن المجموعة مخروقة بالعملاء وعند اعتقالهم اعترفوا عنه وارتاحوا من التعذيب وفقط هو (الحمار الذي لازال يركب رأسه) ويقاسي العذاب ويتعرض للضرب والجوع والارهاق (وكل التعذيب الذي حصل حتى الآن بداية) وأنه لن يستطيع الصمود مهما كان رأسه يابساً وسوف يقول كل ما عنده، فلماذا الخوف من الاعتراف.

    واستمراراً بهذا النهج، وإذا ما أتاح المعتقل لهم الفرصة، يلجأون الى عملية الاستخفاف المتواصل باهداف المعتقل (تريد تحرير فلسطين؟؟؟.. فلسطيز) من أنت حتى تحررها…. جيش الدفاع فعل كذا وكذا… والعرب بقواهم الكبرى 100 مليون هزموا في الحرب كالنعاج.. وأنت تريد أن تعدل الميزان.. أم أنك تثق بقدرة المنظمات على التحرير….  يحررها ابو عمار وهو في منتزهات كذا…. و تستخدم هذه العبارات مع الضرب الشديد أو بدونه اذا كان المناخ غير مناسباً، أو بشكل تعبوي أبوي في أوقات أخرى.

    وهكذا يستمر حصر تفكير المعتقل في وضعيته الذاتية، مجردينه من كل ما حوله…. الحزب خائن أو ضعيف…. الرفاق خونة أو أدلوا بما لديهم…. الثورة ضعيفة……. الأهداف مستحيلة… قدرة المخابرات ليس لها حد…. أنت فعلت كذا…. نحن من مصلحتك…انجو برأسك. كل ذلك بغية أن تعتمل في ذهنية المناضل تفاعلات وأفكار في حدود مصيره الشخصي وتجريده من أقوى سلاح هو عقائديته وارتباطاته والاستفراد به.

     ان استخدام هذا الاسلوب جزئياً أوكلياً يعتمد بالدرجة الأولى على: 1- وعي المعتقل 2- ارادته  

    فالمعتقل الذي يعي ومنذ الكلمات والممارسات الأولى أنه بصدد التعرض لحملة تشكيك، وأن المحقق سيطرح أشياء مزورة وكاذبة لن يصدقها مهما دعمها بالوقائع. فهدف الحملة في التحليل النهائي تشكيك المناضل ودفعه لقول أسراره وبالتالي فإن شكلها أوكثافتها أومضمونها وما يقال ويثار خلالها ليس مهماً في هذه الحالة ما دام المعتقل محصن سلفاً وعارفاً بالملموس حالته ووضعه النضالي وموقفه في التحقيق واصراره الذي لا حد له على الصمود والصبر.

    ان هذه الحملة لن تنال من صمود الثوري ولن تدفعه للانهيار حتى لو تضمنت وقائع صحيحة، فهذه الوقائع لا تعني تحريك اللسان و البوح بالأسرار، فقط تعني أن رجل التحقيق يقوم بمهامه ويحاول انتزاع الاعتراف بدرجة من التصميم ليست قليلة ومعروفة.

     ان حقيقة كون هذا اعترف، أو ذاك ذكر بعض المعلومات، أو أنهم (يعرفون كل شيء) لا تكفي المحقق ولو كانت تكفيه لما استمر في التحقيق. انه يصر على الحصول على المعلومات ، والمناضل يصر على الصمود والامتناع عن قول أي شيء مهما كانت الأدلة، وغالباً ما تكون الأدلة وهمية أو ايحائية، ولكنه حتى لو كانت صحيحة فهي لا تبرر الاعتراف بل ستدفع المناضل الواعي الى المزيد من الاصرار والمزيد من التضحية.

     علماً بأن المناضل الواعي يستطيع وبكل بساطة افشال حملة التشكيك من أولها كان يظهر وعلى الفور عدم الاستجابة، وعدم الاكتراث ومقاطعة المحقق، والتنصل من التهم والارتباط بالمنظمات والأحزاب وان كل ما يقال لا يهمه ولا يعنيه في شيء.

     إن المعتقل يستطيع أن يعي مهارات المحققين وخِدعهم ما دامت كلها تعبيراً عن هدفهم ورغبتهم في اضعاف نفسيته وتشكيكه، وقد يلجأ المحقق لدعم أطروحاته بوضع رفاق المعتقل في أوضاع معينة كأن يجلسوا في مكان مريح ويتحدث معهم مجموعة من الضباط بمرح، ومعهم سجاير وأمامهم فناجين الشاي والقهوة، ويتبادلون النكات المفتعلة، أو أي حديث بمظهر ودي مخطط ومبرمج من قبل المخابرات وبدون وعي الرفاق الآخرين للدور الذي يقومون به، ثم يدفع بالمعتقل قيد التحقيق بعد حملة من الاهانات والضرب والتشكيك للمرور من جانب زملائه، ومن ثم مقارنة وضعه بأوضاعهم، وايهام المعتقل بأنهم اعترفوا وأنهوْا ما لديهم أو أنهم متعاونين معهم منذ البداية.

     وليس غريباً على سلطات فاشية أن تلجأ لافتعال مظاهر أخرى استناداً على معرفتهم لخلفية المعتقلين، بأن تدفع باحدى المجندات لتجاذب أطراف الحديث مع زميل آخر معتقل وبطريقة مائعة، وربما عادية كأن تسأله عن اسمه، واسم قريته، وعمله، وبينما يكون في هذه الحالة يفتعل المحقق حركات معينة من شأنها أن تلفت انتباه المعتقل ليشهد الحادثة ومن ثم يصب عليه حملة من الأباطيل بأن هذا الزميل اعترف بكل شيء وسنساعده وها نحن نكافئه بأن نجلب له المجندات ليتسلى معهن ويصطحبنه إلى غرفهن…

     وأي شيء مما ذكر أعلاه يقصد الايحاء للمعتقل للمقارنة بين وضعه الصعب ومعاناته من أشد وأقسى أنواع القهر، بينما غيره يمازح المجندات، أو يشرب الشاي مع أكابر الضباط وكأنه في وليمة.

    ان الهدف النهائي هو خلق جو معين حول المناضل وصياغة حالة نفسية معينة له يتركز خلالها اهتمامه على وضعه الشخصي بعد أن (يكفر) بالقيم التي اعتقل من أجلها فيصبح لقمة سائغة بين أيدي المحققين يسهل عليهم فهم حالته النفسية الحاضرة والتنبؤ بها ومن ثم وبعد ملاحظة الترددات، وتشتت الأفكار والسرحان في التفكير، الاستمرار في تعميق الهوة بين المناضل وارتباطاته ورفاقه وشعبه.

    وكما قيل سابقاً فان مجرد وعي هذه الأساليب يكفي لتفويتها سواء تمكن المحقق من الاستمرار في استخدامها ام لاحظ فشلها من البداية.

     وبالاضافة الى وعي المعتقل لأسلوب التحقيق تبقى ارادته الصلبة ارادة الانتماء، ارادة النضال، وارادة الصبر والصمود والصلابة، وماذا تجدي كل أساليب التشكيك أمام الاراده الحديدية الواعية لما حولها، وماذا تجدي كل أساليب التحقيق أمام الارادة المصممة على التحدي والتضحية مهما كانت النتائج.

    ولننظر للمسألة من زاوية أخرى : أنها تفاعل (صراع، وانسجام) بين قطبين هم في الأصل متناقضين ومتعاديين ويهدف المحقق الى تدمير شخصية الطرف الآخر و ابتزازه وكشف أسراره، وتعبيراً عن هذه الغاية يسعى الى اضعاف مركز النقيض، والاتصال به نفسياً ومعنوياً عبر الضرب والارهاب والتشكيك، ويسعى الى ادخال درجة ولو بسيطة جداً من القناعة الى ذهنية المعتقل بأنه يقول شيئاً صحيحاً أو على الأقل مهما.

     أنه يسعى الى اسماع المعتقل شيئا يعتقد أن من المهم له أن يسمعه ويتابعه، وربما يفكر بما يقال، وربما يسأل ويستفسر، وهنا يأخذ دوره في الانتقال تدريجياً من دور المناقض الى دور المتمايز ثم المنسجم (أو المتعاون في خلق الجو النفسي) هذا اذا مكنه المعتقل من ذلك أو اذا انطلت اللعبة ووقعت الكارثة.

     والمحقق يتابع نتائج حملته أولاً بأول فكلما لاحظ أنه استطاع تحقيق بعض الأثر مهما كان بسيطاً فانه يستمر، أما اذا أخذ دور المعتقل ينتقل شيئاً فشيئاً من السلبية الى الفعل، كأن يقاطع المحقق، وينفي التهم الموجهة له شخصياً، ويعبر عن عدم اكتراثه بكل التقييمات، أي اذا عمل ما من شأنه أن يوضح للمحقق بأن أسلوبه فاشلاً فإن المحقق سيكف عن هذا الأسلوب ويتركه لأسلوب آخر.

     قد يكون من المناسب أن يظهر المعتقل عدم الانتباه، وحينها سيحاول المحقق دمجه في السياق بواسطة حديث حواري يتخلله أسئلة ويحتاج الى ردود، والمعتقل الصلب يظهر عدم انتباه وانه لا يريد ان ينتبه، وأنه لا يهتم ما اذا كانت القيادة عميلة، أم ثورية، ما دام ليس له أي علاقات وارتباطات، أو أنه لا يريد أن يعترف بشيء تحت أي صيغة (في حالة القبض عليه متلبساً فليس أمامه أي دفاع سوى أن يؤكد انه  لا يريد أن يعترف وأنه لم يقبض عليه في الوضع المذكور وأنه لا يعرف شيئاً).

    إن الموقف الصلب هو خير وسيلة لافشال أسلوب التشكيك مهما كانت درجة احكام الحصار التي يحاول ان يخلقها المحقق، ومهما كانت الثغرات التي يسعى الى فتحها. ان المحقق لن يتورع عن خلط جملة من الأفكار والآراء والوقائع والأوصاف دفعة واحدة ثم يعمد الى البرهنة على واحدة منها لتكون دليلاً على صحة كل ما طرحه فمثلاً (القيادة عميلة، والنضال لا أهمية له وهو كله في (البطال)، والأعضاء الآخرين كلهم متعاونون معنا واعترفوا كلهم، وبكل شيء. ولدينا كافة المعلومات عنك وعن حزبك ونعرف ماذا تغديت وتعشيت… الخ ثم يحضرون أحد زملائه (اذا كان أحدهم معترفاً) ليدلي أمامه بشهادته ضده، ومن ثم يتخذونها ذريعة لصدق كل ما يقولوا (يحاولوا ايهام المعتقل بأن كل ما قالوه هو عين الصواب، وربما احتاجوا إلى دليل أقل بساطة كأن يستعملوا المجندة المذكورة سابقاً ليشككوه بزميله وبنفسه وحزبه).

    إن مجرد صدق واقعة واحدة من بين جملة من الوقائع ليس دليلاً على صدقها كلها، فإذا كان أحد الزملاء معترفاً بالتهم المسندة إليه فهذا لا يعني أن الكل معترف أو متساقط حتى ولو كانت رغبة المخابرات تشويه سمعته.

    وأيضاً فإن اعتراف أحد الزملاء وحتى شهادته المباشرة ضد المعتقل لن تعني شيئاً وليست مبرراً لدفع المعتقل للاعتراف بما لديه فالمسألة ليست مسألة توفر أدلة عند المحقق أم لا، فان لم تكن لديه أدلة صمدنا، وان كانت لديه أدلة اعترفنا !!.

    ان المسألة هي مسألة الصمود في التحقيق في جميع الأحوال وتحت شتى الظروف والخروج من التحقيق بنفس الهيبة والمعنوية والحالة النفسية العامة، والتصميم النضالي ما قبل التحقيق. وكثيرون هم الذين توفرت لدى المحققين أدلة ضدهم ولكن لم تتوفر لديهم القدرة على تركيع المناضل وابتزاز المعلومات منه. وكثيرون أيضاً من الصدفيين، الذين افتعل المحققون أمامهم ما يوحي بتوفر أدلة وهي غير متوفرة وبعضهم اعترف لهذا السبب وتورط.

    لا أعرف شيئاً هي الجواب العلمي الحاسم على أسئلة المحققين التي يراد منها الايقاع بالمناضل وبرفاقه.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.