مقتطف من مذكرات القائد الشيوعي الفلسطيني: الجزائر أول أيار 1945، إعداد لشلاش بومدين والطاهر المُعز

مقتطف من الجزء الثاني من مذكرات القائد الشيوعي الفلسطيني (من جُذُور جزائرية) 

الجزائر أول أيار 1945

إعداد لشلاش بومدين والطاهر المُعز

محمود الأطرش ( 1903 – 1981 )، فلسطيني، وُلد بالقُدْس، من أُسْرة جزائرية الأصول، وُلد وعاش واعتُقِلَ في فلسطين، من قِبَل الإستعمار البريطاني، قبل سنة 1948.

من قادة الحزب الشيوعي الفلسطيني، ومن قادة “الكومنترن” (الأممية الثالثة).

اعتقلته السلطات الفرنسية، لما كان في فرنسا، ثم أرسلته قيادة الأممية الثالثة إلى الجزائر التي انقطعت تقريبًا علاقات أسرته بها، ولكنه سرعان ما انخرط في النضال الوطني والطبقي بالجزائر.

نُشر الجزء الأول من مذكراته (السنوات 1903 – 1939) 

وافاني الرفيق الجزائري “بومدين لشلاش” (أنظر أدناه) بهذا النص من الجزء الثاني من المذكرات التي سوف تُنْشَر قريبا، ويتضَمّن النّص (عن أول أيار 1945) مواقف هامة من مَزْج النضال الوطني بالنضال الطبقي، وتكمن أهميته في توقيت كتابته، قبل المظاهرات الضخمة للحركة الوطنية الجزائرية، في الثامن من أيار 1945، المُطالبة بالإستقلال، والمجازر التي ارتكبها الجيش الإستعماري الفرنسي، خاصة في مُدن الشرق الجزائري، حيث قُتل نحو 45 ألف جزائري، يوم الثامن من أيار 1945، في مُدُن “قسنطينة” و”سكيكدة” و “قالمة” و “خَرّاطة”… 

حديث صحيفة “الخبر” الجزائرية مع الرفيق “بومدين لشلاش” الذي وافاني بالمادة عن “محمود الأطرش”

الرابط: 

الطاهر المُعز

راجع الروابط أسفل النص بعنوان “مظاهرة أول ماي”

■ ■ ■

مقدمة الرفيق لشلاش بومدين

مؤرخ

الجزائر

محمود الأطرش هو جزائري- فلسطيني وليد القدس في 1904 و دفين الجزائر العاصمة في 1981. أصل أبوه (حاج رابح بن علي) من منطقة بوسعادة ، و أمه (حليمة أث خليفة)من منطقة تيزي وزو. لقب بإسم الزعيم السوري الأطرش الذي قاوم الإستعمار الفرنسي

كان عامل بناء و صحفي، إنظم إلى الحزب رالشيوعي الفلسطيني في 1924/25 ثم  صارعضو قيادي فيه  سنة 1931، و بعده في الحزب الشيوعي السوري ـ اللبناني في 1933.  عين في 1935 ممثلا للأحزاب الشيوعية العربية في الأممية الثالثة  وهو في السجن ، فإلتحق بمنصبه في 1936 بموسكو التي مكث بها إلى غاية 1938. و ساهم في نمو و تنظيم الأحزاب الشيوعية العربية في كل من فلسطين و سوريا و لبنان و لعراق و مصر.

أرسله الكومنترن إلى الجزائر التي وصلها عبر فرنسا في 1939. ساهم بصعوبة كبيرة في عملية “تعريب” الحزب الشيوعي الجزائري أي جزئرته و تعرض للسجن رفقة قدور بلقايم و عدة رفاق كما كان يشرف على ” الجزائر الجديدة ” لسان حال المركزي باللغة العربية للحزب من 1946 إلى 1955. و تنقل من حي باب الواد ليعيش في حي القصبة في أواخر الربعينيات حيث تزوج بأخت بشير حاج علي وساهم هناك وعلى المستوى الوطني، بصفته عضو اللجنة المركزية، في تصحيح الخط السياسي للحزب الشيوعي الجزائري ليعطي الأولوية لشعار الإستقلال الوطني و ينخرط في الكفاح المسلح إلى جانب جبهة التحرير الوطني ـ جيش التحرير الوطني و سجن أثناء حرب الإستقلال. و عند إطلاق صراحه لعب دورا هاما في تجنيد و توجيه الجماهير الشعبية في حي القصبة أثناء المظاهرات الشعبية في ديسمبر   1960. بعد الإستقلال إشتغل كصحفي في جريدة الجزائر الجمهوري ثم الثورة و العمل، لسان حال النقابة. أعتقل بعد إنقلاب 1965 و عند خروجه من السجن بعد مدة سافر للعلاج في ألمانية الشرقية، حيث دوَن مذكراته في 1972. عاش في الفترة   1976 ـ  1981 ما بين برلين الشرقية  والجزائر العاصمة. و قد ساهم بتأليف عدة مقالات ودراسات بعضها لا زال مخطوطا. 

■ ■ ■

مظاهرة أول ماي 1945

تلقينا إشعارا، قبيل أول ماي 1945، من إدارة النقابات، بالاجتماع صباح أول ماي في صالات وديار السينما للمساهمة في الاحتفال بذاك اليوم. وفيما نحن مجتمعين سمعنا بخبر قيام مظاهرة أتت من شارع ”رندون” في حي القصبة حتى شارع ”ديزلي” سابقا، شارع العربي بن مهيدي اليوم، تحمل العلم الجزائري، قابلتها قوى الشرطة الفرنسية بالرصاص، فقتل شخص وجرح آخرون، وعلى الإثر تفرق المتظاهرون.

خرجت عند سماعي هذا الخبر في الحال، إلى مكان الحادث، وكان لا يبعد كثيرا عن مكان اجتماعنا في سينما “ريجانت” في نفس الشارع، لأرى ولأسمع بما حدث، فلم أجد أحدا من الناس، سوى بعض الأحذية والطرابيش مبعثرة هنا وهناك في الشارع وعلى الأرصفة، ورجال الشرطة الفرنسية يغدون ويروحون. عندئذ رجعت إلى محل اجتماعنا.

خرجنا بعد الاجتماع بمظاهرة للتمركز أمام دار البريد الكبرى مع باقي المظاهرات الأخرى، التي كانت تأتي من مختلف النواحي، لا سيما مظاهرة عمال المرفأ الكبيرة. وأخيرا افتتح الاجتماع بإعلان خبر انتصار الجيوش السوفيتية، التي أصبحت في برلين، عاصمة الرايخ. وقوبل ذاك الخبر بعاصفة من التصفيق الحاد والهتافات بحياة الجيوش السوفيتية.

بعد ما أتم الكاتب العام للنقابات، وكان آنذاك الرفيق روزو، خطابه، أعطيت الكلمة للرفيق بوعلي طالب، عضو الديوان السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري، الذي بدأ خطابه بمهاجمة زعيم حزب الشعب الجزائري، مصالي الحاج، وكان إذ ذاك أحب رجل في الجزائر للطبقة العاملة وللشعب الجزائري بوجه عام. واعتبره المسؤول عن المظاهرات ودماء الشغيلة التي أراقتها الشرطة الفرنسية صباح ذاك اليوم أول ماي 1945، بقوله ما معناه: “إن الخبيث مصالي الحاج قد دفع العمال والجماهير الشعبية إلى القيام بمظاهرة خارج نطاق النقابات، وتسبب في قتل البعض وجرح الآخرين…” بدلا من مهاجمة،بالدرجة الأولى، الإرهاب الدموي وتعديات الشرطة الفرنسية على جماهير المتظاهرين، التي سببت موت وجرح المتظاهرين العزل… تألمت من ذاك الموقف، ولسماعي ذاك الخطاب، واعتبرته بمثابة إعلان الحرب على “حزب الشعب الجزائري” وزعيمه مصالي الحاج، وعزل حزبنا عن الجماهير العاملة الجزائرية.

توجهت بعد انقضاض المظاهرة إلى مركز الحزب في شارع “موقادور” رقم 41، وكنت أقيم فيه، وهناك وجدت الرفيق بول كاباليرو أمين الحزب الشيوعي، فشرحت له ما جاء في خطاب الرفيق بوعلي طالب، وكان قد ألقاه باللغة العربية، وعقبت عليه بقولي :” إنني أعتبر هذا الموقف تهجما على “حزب الشعب الجزائري” وزعيمه مصالي الحاج، وإعلان حرب على الحركة القومية”، فأجاب: “أجل، وماذا؟” (oui, et puis ?)، فقلت له:” أريد أن أعـرف إذا كان حزبنا سيسير بعد انتهاء الحرب على نفس الخطة، في محاربة القادة القوميين”. تركته وأنا أفكر في نتائج ذاك الموقف، وما سيجره على الحزب من العزلة عن جماهير الشعب الجزائري العاملة، والحركة الوطنية، وما سيجره من متاعب لرفاق القاعدة الناشئين الجزائريين، لا سيما المرتبطين منهم بالجماهيرالشعبية وبالمناضلين القوميين.

حرّف القوميون الجزائريون أقوال الرفيق بوعلي طالب، واتهموه ومعه حزبنا الشيوعي الجزائري بأنه طالب برأس مصالي الحاج، ونسبوا هذا الطلب إلى الرفيق العربي بوهالي، أحد أمناء الحزب، آنئذ.

جرعلينا بالفعل هذا الموقف، وبالخصوص على الرفاق الجزائريين المرتبطين بالجماهير الشعبية الجزائرية، مشاكل جمة، زادت في عزلتنا. وكنا خلال مناقشاتنا مع القوميين الجزائريين نرد هجماتهم، من هذه الناحية على حزبنا، بتكذيب هذه الإشاعات، ونقسم لهم بأغلظ الأيمان بأن العـربي بوهالي لم يتفوّه بها في حياته مطلقا، وأن الحزب الشيوعي الجزائري لم ولن يطالب، لا برأس مصالي الحاج، ولا برأس أي مناضل قومي، طالما أن عدونا واحد وهو: الاستعمار الفرنسي وغلاة المعمرين الأوربيين وأعوانهم الإقطاعيين الجزائريين، وأن أهدافنا في كثير من النواحي متقاربة…                                                                                         محمود الأطرش                                                                                                   (مقتطف من الجزء الثاني للمذكرات)   

لقراءة المزيد عن “محمود الأطرش”

الرابط الأول عن سيرته الذاتية: 

الرابط الثاني (2017): 

الرابط الثالث (2015) 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.