حل يوم العمال، أول أيار 2020، في ظل تعطّل النشاط الإقتصادي والإجتماعي، وفقدان ملايين العاملين وظائفهم، بسبب تداعيات وباء “كوفيد 19″، واستغلال الأنظمة الرأسمالية القائمة، بالتحالف مع الشركات الكُبرى هذه التّداعيات لإعادة هيكلة الإقتصاد وإلغاء العديد من الحُقُوق والمُكتسبات، واعتبرت منظمة العمل الدّولية، في تقرير نشرته يوم الثلاثاء 28 نيسان/ابريل 2020، أن الإقتصاد العالمي “يواجه أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية”، حيث انعكس توقف الإنتاج بالسّلْب على نحو 81% من إجمالي عدد العاملين في العالم، مع الإشارة أن القوى العاملة العالمية تقدر بنحو 3,3 مليار شخص، وتوقع التقرير أن تؤدي أزمة فيروس كورونا إلى إلغاء 6,7% من العدد الإجمالي لساعات العمل في العالم في النصف الثاني من سنة 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، من بينها 5 ملايين وظيفة في الدول العربية، وقَدّر نفس التقرير إن القطاعات الأكثر تأثرا بانتشار الوباء، هي المطاعم والفنادق (144 مليون عامل)، وتجارة البيع بالجملة والتجزئة (582 مليونا)، وقطاع خدمات الأعمال والإدارة (157 مليونا)، وقطاع التصنيع (463 مليونا)…
في نفس اليوم، أول أيار/مايو 2020، قدّم مدير منظمة الصحة العالمية تقريرًا مَرْحليا عن تفشي الوباء وتأثيراته، وأعلن أن الوباء أودى (منذ شهر كانون الأول/ديسمبر وحتى يوم 28 نيسان/ابريل 2020) بحياة 233176 شخص على الأقل، من إجمالي أكثر من 3264200 إصابة وتعافى 922900 على الأقل، على مستوى العالم.
اتسم التقرير ببعض التّشاؤم المُبَرّر، لأن “جائحة كورونا لا تزال قائمة ولم تنته بعد… ولأنه لا يوجد لدينا، إلى حد الآن، علاج أو لقاح للفيروس…”، رغم تفاوت تأثيراتها بين الدول، وبين الفئات الإجتماعية، داخل كل بلد، بحسب التقرير، مع الإشارة إلى عدم اتفاق الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية على أي استراتيجية لمكافحة الوباء، وكانت المنظمة قد حثّت، منذ البداية، كافة الدّول على زيادة عدد الفحوصات، وأشارت إلى الضّرر الكبير الذي لحق بالفلسطينيين واليمنيين والسوريين والليبيين المُحاصَرين في زمن الحُروب والعُدوان، والحصار، والذين يحتاجون بشدة للغذاء وللدواء، ولكن لن ينعقد لقاء لتمويل الأبحاث لإنتاج لقاح ل”كورونا”، سوى خلال الأسبوع الثاني من أيار/مايو 2020، بحسب مدير المنظمة…
أما منظمة الأغذية والزراعة “فاو” (الأمم المتحدة)، فقد نشرت مُلخّصا للوضع على موقعها الإلكتروني، يوم الأول من أيار 2020، وأوضح التقرير “إن تأثيرات جائحة كوفيد 19 على الجوع وانعدام الأمن الغذائي، سوف تكون طويلة المدى، إذا لم يقع اتخاذ إجراءات عاجلة تُخفف من حدة الركود الإقتصادي الوشيك، والتراجع الإقتصادي التاريخي، الذي يتضرر منه الفُقراء أكثر من الفئات الأخرى”، ويقترح مُعِدُّو تقرير منظمة “فاو” تعزيز شبكات تأمين الغذاء (مثل بُنوك التغذية) وتوجيه مزيد من التّحويلات النقدية للتغذية المدرسية ولتغذية المُسنّين والفُقراء، وسكان العديد من المناطق في العالم، وعلى سبيل التذكير، يعاني نحو رُبُع سكان قارة إفريقيا من نقص التّغذية، قبل انتشار الوباء، وقد يرتفع حَجْم ونسبة المحتاجين إلى الغذاء، “ومن المرجح أن ينضم ملايين الناس إلى صفوف الجوعى بسبب الركود الذي سينجم عن جائحة كوفيد-19، في غياب السياسات الفعالة والمناسبة”، بحسب ما ورد في التقرير، وقد يتراوح عدد هؤلاء “الجَوْعَى الجُدُد” ما بين 15 و 38 مليون شخص، وقد يرتفع العدد إلى أكثر من ثمانين مليون فقير جديد، في حال بلغت نسبة الإنكماش 10% من الناتج الإجمالي المحلي في أكثر من مائة دولة مُسْتَوْرِدَة للأغذية التي سوف يتناقص حجم عَرْضِها وترتفع أسعارُها، ما لم يرتفع حجم الإنتاج الغذائي في البلدان الفقيرة، وما لم تعد شبكات الإنتاج والتوزيع إلى العمل بسرعة، في الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل، حيث ازدادت حدة عدم المساواة في الحصول على الغذاء الصحي، خلال فترة انتشار وباء “كورونا 19”.
يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج الإجمالي المحلي في جميع أنحاء العالم بنسبة تتراوح بين 3%، و 3,3%، سنة 2020، وأن يؤدي التراجع الاقتصادي الكبير إلى ركود تاريخي، وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة (يوم الخميس 30 نيسان/ابريل 2020) أن هذا الركود أدى إلى انخفاض الطلب على الطاقة بنسبة 3,8% خلال الربع الأول من سنة 2020 (مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019)، وسوف يُؤَدِّي إلى انخفاض الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 6% خلال سنة 2020، نتيجة انخفاض نشاط الصناعة والنّقل، إذ تشكل حركة الطيران والرحلات الجوية حوالي 60% من الطلب العالمي، من جهة أخرى أدّى انخفاض النشاط الصناعي وحركة النقل إلى انخفاض انبعاثات الغازات الدّفيئة، بحسب “منظمة الأرصاد الجوية” (الأمم المتحدة)، لكنها تتوقع أن هذا التّحسن الطّفيف لن يوقف التغير المناخي، وليس سوى “خبرا سارا قصير المدى”، خاصة في المُدُن الكُبْرى والمناطق الصناعية، بعد ارتفاع مستويات الغازات الدفيئة وثاني أُكسيد الكربون ( CO2 ) في الغلاف الجوي للأرض إلى مستويات قياسية، خلال سنة 2019، وتتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنه بمجرد أن يبدأ الاقتصاد العالمي في التعافي من فيروس “كورونا”، ستعود نسبة الانبعاثات إلى وضعها الطبيعي السابق، بعد أن انخفضت بنسبة حوالي 6% أثناء انتشار الوباء، بحسب مركز البحوث المناخية الدولية،
في البلدان العربية، وفي الجزائر، التي يعتمد اقتصادها على تصدير المحروقات (النفط والغاز)، التي انخفض سعرها كثيرًا، منذ منتصف حزيران 2014، ثُم انهار سعر برميل النفط الخام، تمامًا، منذ بداية السنة الحالية ( 2020 )، قدّر انخفاض عائدات الجزائر من صادرات المحروقات خلال الرُّبع الأول من سنة 2020، بنسبة 25% (مقارنة بالربع الأول من سنة 2019)، ولا يُتوقّع أن تتحسن إيرادات البلاد، بعد انخفاض سعر برميل النفط الخام إلى أقل من عشرين دولار، خلال شهر نيسان/ابريل 2020، بل سوف ترتفع خسائر الجزائر التي انخفض حجم مبيعاتها بنحو 20%، خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2020، وانخفضت مداخيلها بنسبة 28,17% (مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019)، بسبب توقف النشاط الإقتصادي في جنوب أوروبا، وانخفاض الطلب على الغاز الجزائري في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، ما سبب اختلالاً في موازنة الجزائر، وخللاً في تغطية قيمة الصادرات لقيمة الواردات، رغم بقاء سعر نفط الجزائر فوق الخمسين دولارا للبرميل، لكن انخفاض حجم المبيعات زاد من عجز الميزانية إلى نحو 13 مليار دولار، حيث تحتاج الدولة إلى بيع النفط بسعر يفوق 100 دولار، لتتمكن من الإنفاق وشراء “السلم الإجتماعي”، وتجنّب الإحتجاجات الشّعبية.
في أوروبا، تعتبر ألمانيا قاطرة تقود اقتصاد مجموعة الإتحاد الأوروبي، ولكن تداعيات تفشي وباء “كوفيد 19” تُهدد بانكماش اقتصاد ألمانيا بنسبة 6,3% سنة 2020، بحسب وزير الاقتصاد الألماني (يوم الإربعاء 29 نيسان/ابريل 2020)، ليكون ذلك أكبر انخفاض في اقتصاد ألمانيا، منذ سنة 1970، وبعد عشر سنوات من النمو المتواصل، إثر الأزمة المالية العالمية.
لم تتجاوز هذه الفقرات التوصيف الجُزْئي للوضع، من خلال بعض النماذج والأمثلة، ولم تُجب على سؤال: ما العمل؟ الذي لا مناص من طرحه ومن الإجابة عليه…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.