حاولتم تقديسنا فسمنتم التطبيع: أنتم بين استدخال الهزيمة والشعور بالذنب، عادل سماره

أمَّا وهناك سياق تاريخي للصراع العربي الصهيوني  فيخطىء بل يضل من لا  يُحيط به وعياً وبالمحصلة الزمنية يفقد التقاط لحظة النصر. والسياق هو الاستهداف الدائم من المركز الراسمالي الغربي ضد الوطن العربي منذ حقبة الرأسمالية التجارية وصولا إلى حقبة العولمة الراهنة.

هذا الاستهداف هو الذي هزم الثوريين العرب عدة مرات في محاولاتهم تحرير فلسطين، بمعنى أن الصراع هو مع المركز الرأسمالي الغربي من امريكا هبوطا إلى الدنمارك. وعليه، رغم نقدنا للأنظمة قومية الاتجاه في الجمهوريات العربية لهؤلاء الثوريين، فإننا ندرك أو نتفهم العجز عن تحرير فلسطين. لذا فإن الثوريين الحقيقيين من الفلسطينيين يربأون بأنفسهم عن ابتزاز هذه الأنظمة بعكس ما يفعله التطبيعيون الذين يستغلون الشعور بالذنب لدى العرب العروبيين فيحققون مآرب العدو  بما هم عملاء معولمين ويحظون بمواقع أعلى من قاماتهم القزمة.

لذا نقول: متى ستفهموننا؟ متى أيها العروبيين لا يعود يأخذكم الشعور بالذنب والتقصير إلى تقديس مطلق فلسطيني! متى تتوقفون عن تصنيع العملاء والمطبعين/ات كقديسين سواء من يزعم منهم الماركسية أو القومية أو الدين! وهنا ، وفي غير هنا، لا نسأل اللاعروبيين في الوطن العربي  عن الهُراء ضد التاريخ والجغرافيا والثقافة التي يمارسونها وخاصة اليوم حيث يضاجعهم الصهيوني في خدن ذكورهم، لأن من يهمَّنا في هذه المقالة هم العرب العروبيون.

لنعد إلى الخلف قليلا حيث صار حال الفلسطينيين بين أكثرية أرغمها اغتصاب البلد على الشتات وقلة بقيت وتشردت في الوطن إلى ان تمكنت من البقاء وإلى أن كان احتلال بقية فلسطين 1967 ليضع وزير حرب العدو حينها موشيه ديان سياسة الجسور المفتوحة التي هي جسور التطبيع. وعن هذه الجسور تسرَّب إلى الوطن العربي كثير ممن قصد العدو تسريبهم ليتلقفهم بعض العرب كما لو كانوا أتوا بعد إنجاز تحرير الوطن الذي عجز شرفاء العرب عن تحريره!

وإذا كان هذا حالنا ، فإن حالكم في الوطن العربي قد توزع بين مَن قاتل من أجل فلسطين ويُقاتل حتى حينه وبين من خاتل ويخاتل حتى حينه، وبين من يصطف اليوم في جيش العدو علانية على الشاشات.

ليس هذا بتحليل للمرحلة ولا ما سبق، لكنه تسليط الضوء على نقطة محددة لم يعد أمامي سوى صياغتها ببعض التكرار على النحو التالي:

في موقف وعلاقة الخارج العربي بالأرض المحتلة جميعها 1948 و 1967، معظم المشهد:

  • شعور ثوريي العرب بالتقصير عن التحرير مما خلق الشعور بالذنب ومن ثم قام على هذا الخلل تقديس كل من يخرج إليهم من الأرض المحتلة كائنا من كان.
  • وشعور أوغاد العرب باستدخال الهزيمة ليحترفوا تشويه التاريخ وحتى الجغرافيا والثقافة فيتصهينوا.

هذا المشهد المرتبك أحسن الكيان استغلاله على افضل وجه، فدفع البعض للخروج إليكم زاعماً بأنه منفي أو هارب بعد ان اوسع الأرض نضالا فما كان من كثيرين غير التمسح به/ها وتقديسه.

لم يتغير تقديم القرابين للأوغاد من هؤلاء رغم انكشاف كثيرين منهم، ذلك لأن عقدة عدم التحرير تطارد الشرفاء، وبالطبع لا عذر في هذا.

من نافل القول استعادة حقيقة أن انظمة التبعية والكمبرادور والعائلات لم تقاتل العدو بل حتى شاركت في بناء الكيان حتى قبيل إعلان دولته على الأرض المغتصبة لأن صورتها الواضحة لا تخدع أحدا.

النقطة المحددة التي اثيرها هنا هي خطورة المؤسسة التطبيعية من فلسطينيي الأرض المحتلةاي الحزب الشيوعي الإسرائيلي ، لاحظو “حزب شيوعي إسرائيلي” فهل بقي اي قسط من الإلتباس أو الغباش؟ هذه المؤسسة التي أسست ومارست وكرست التطبيع المنهجي مع الاحتلال ومع ذلك نجد أنها تتمتع بتغطية من كثير من العروبيين كما لو كانت مؤسسة عروبية!

باكراً نقد هذه المؤسسة وتصدى لها عروبيون، صالح برانسي، منصور كردوش، راشد حسين، احمد حسين…ومؤخرا ابناءالبلد وحركة كفاح. ورغم ذلك تُفتح الشاشات لممثلي هذه المؤسسة  اعضاء الكنيست وخاصة شاشة الميادين لتكون منبراً دعاويا للبرلمان الصهيوني  وبالطبع، أو أصول لعبة البيضة والحجر،  لا تنسى أن تفرد خانة صغيرة لرافضي هذه الانتخابات.

مؤسسة راكاح مؤسسة صهيونية بلا مواربة، ولذا طالما وقف ضدها برانسي وكردوش وغيرهما كعروبيين. كان أول من بادر في مواجهة هذه المؤسسة من داخلها الراحل بولس فرح الذي اصر على رفض الاعتراف بالكيان فتم فصله بتهمة القومية العربية!  بالمناسبة من أفضل تراثه كتابه “مقدمات في تاريخ العرب الاجتماعي”.

ولعل من أغرب المفارقات، أن يفتخر بعض تمفصلات راكاح بفصل بعض العروبيين/ات من راكاح في محاولة لإعلاء شأن هذه المؤسسة التي لا تخفي صهيونيتها. قد يقول البعض، هناك عروبيون داخل راكاح. وهنا نود التذكير بأن هناك عربا في راكاح تمت هزيمة وعيهم واستلابه وهناك من يقوموا بعملية الاستلاب هذه بل وإعادة هندسة الوعي العروبي لجماهير شعبنا في المحتل 1948. لعل أول من شرح هذا الألتباس بل التناقض النفسي الداخلي كان الراحل توفيق زياد.

لقد صدَّرت مؤسسة راكاح عدة مبعوثين إلى الوطن العربي ليتحولوا هناك إلى قديسين. خرج محمود درويش وتم تنصيبه امبراطورا للشعر والمقاومة، وعاد محمود درويش مع كارثة أوسلو-ستان  من أوسع ابواب التطبيع وتم تضخيم هالة تقديسه. لم يكن السبب فَنِّيته العالية ابدا، بل استدخال الهزيمة سياسيا عبر التلطي بجمال الشعر.

وبعد درويش بفراسخ خرج عزمي بشارة وفُتحت له ابواب الوطن بل تم تخليعها كي يمر بسهولة جسمه المنتفخ بشحم الاحتلال. ورغم تجربة درويش وتوفير نصوص تكشف أن الرجل فتى الموساد، لكن كنتم “ذان من طين وذان من عجين” وربما ألسن حاقدة ومتعجرفة. إلى أن خلقتم له جمهورا يُسبِّح بحمد ثروة حَمَدْ وخالعه. ثم كانت جائحته ضد سوريا مما يؤكد معرفته سلفا ودوره بأن رأس سوريا هو المطلوب قبل الأمة كلها.

وفي السياق نفسه لا زلتم تحتضنون ، ولو في أزقة الثقافة والسياسة والكتابة، لفيفاً من تمفصلات بشارة، من نمط فتى الموشاف، وفريق صرخة الدعوة لدولة مع المستوطنين. وكل ذلك فقط لأن هؤلاء بوسعهم الخروج إليكم بسهولة. فما اسوأ هذا الذوق المر!

وبمناسبة القول، معظم هؤلاء “القديسين” من تمفصلات الحزب الشيوعي الإسرائيلي قبل أن يصبح اسمه (راكاح) وبعد ذلك. هل تفهمون؟ الحزب الشيوعي الإسرائيلي  اي الحزب الذي يعترف بأن دولته هي الكيان. ومع ذلك ينال هذا الحزب من دعايتكم وثرثرة مثقفيكم وشاشات محسوبة عليكم ما خدمه في كسب اصوات كثير من فلسطينيي المحتل 1948 . اي ساهمتم،  ولم تتوقفوا،  في تعميق الوعي الملتبس لدى هذا الجمهور بل حتى للشعب العربي الذي فقدته قوى التحرر العربية لصالح قوى الدين السياسي!

من أطرف المفارقات مؤخراً، أن يلمع على شاشاتكم وصحفكم ومواقع الكترونية عروبية بعض من  فلسطينيين هم حالة هجينة اي:

فلسطيني، عربي، من تمفصلات راكاح ومن تمفصلات دافوس! كيف جميعاً؟  وبعيدا عن راكاح، فإن دافوس هي  قلعة راس المال الاحتكاري المعولم الذي يبني حكومة عالمية لأقل الناس عددا وأكثرهم ثراء ويهدف أفناء الفقراء وحتى متوسطي الحال وخاصة الشعب العربي.

فهل يعقل أن يصل بكم الضياع والتشتت الوعيوي هذا الحال والمستوى؟

يزعم أحدهم بأنه هناك ليواجه بيل جيتس! يا للهول!  حتى بعد هذا الزعم لم تروا الحقيقة؟ فقلعة الدولة المعولمة المصممة لمواجهة الأممية الثورية لا يدخلها غير من تمت “فلترته” وغسله بمختلف المطهرات. هل تخيلتم مثلا أن يدخل دافوس المهدي بن بركة، او جيفارا أو  ماو أو عبد الناصر؟

اذكر عام 1994، في بداية نضوج دور بشارة وكنا قد بدأنا لجنة ضد التطبيع، وفي جلسة في مدينة البيرة في بيت الراحل مأمون السيد، سألته: لماذا شاركت في مؤتمر غرناطة مع شمعون بيرس وملك إسبانيا ؟ قال: ذهبت لأعرف ماذا يقولون. عجيب هذا الذكاء، فهل ذهب مبعوث راكاح إلى دافوس ايضا ليعرف ماذا يقولون؟

بالمناسبة، كان من المشاركين في غرناطة أدونيس! ولا ندري كم مثيل/ة لهما كان بين الحاضرين.

قولتنا الأخيرة في هذا السياق تحديداً أن تتوقفوا عن تقديس كل من يزوركم فقط لأنه خارج من هنا ، بل أن تقرؤوه جيدا وتماماً ذلك لأن الصراع لا يشترط النصر قبل أن يشترط وضوح الرؤية والموقف.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.