- قروض الصندوق النقد الدولي واقتصاد الدول الناشئة
منذ بداية العام 2020، ومع انتشار فيروس “كوفييد 19” ، توقف اقتصاد “الدول الناشئة”، حيث غالبية المواطنين فقراء، وزادت معاناتهم بفعل الحجر الصّحّي، وتوقف عجلة الإقتصاد، ما يزيد من خطر المجاعة، في عدد من البلدان…
زَعَمَ الناطقون باسم صندوق النقد الدولي إدراكهم وتفهمهم للوضع، فأقرّ الصندوق (أي ممثلو البلدان الرأسمالية المتطورة التي تتحكم بقراراته) “مساعدات طارئة” (اقرأ “قروض بفائض” ) تهدف “إنقاذ” اقتصاد بعض الدول، لمواجهة التباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة “كوفيد 19″، وعندما نتأمل التفاصيل، نجد مبالغ هزيلة “لا تُسْمِنُ ولا تُغني من جوع”، لبعض الدول الأشد فَقْرًا، رغم ثروات بعضها التي تنهبها الشركات متعددة الجنسية: 363 مليون دولارا للكونغو، و 226 مليون دولار للكاميرون، 200 مليون دولار لمالي، و 130 مليون دولار لموريتانيا، و111 مليون دولار لهايتي، و 12 مليون دولار لجزر القمر ، وكانت 109 من حكومات “الدول الناشئة” قد طلبت النّجدة من صندوق النقد الدولي، أي من حامي اللصوص.
يخشى مسؤولو صندوق النقد الدولي انهيار اقتصادات معظم الدول الأفريقية، وكذلك مقدونيا وقيرغيزستان ودول أخرى طلبت حكوماتها قروضاً، لترتفع ديون هذه الدول، ولتزيد من مخاطر أزمة الديون السيادية، التي تهدد معظم البلدان الفقيرة، والتي يتوجب عليها تسديد 3,4 تريليون دولار خلال سَنَتَيْ 2020 و 2021 ، وفقًا لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) ، نُشر في أواخر شهر نيسان/أبريل 2020، وطالب مُعدّو تقرير “أونتاد” بإلغاء تريليون دولار من الديون السيادية، لتجنب اختناق اقتصاد عدة دول ، مثل لبنان أو الأرجنتين أو زيمبابوي. أما صندوق النقد الدولي فهو من الرافضين قَطْعِيًّا لمبدأ إلغاء الديون، ويقترح إعادة الهيكلة التي تطيل فترة السداد لـ 73 دولة ، ولكنها تُضخّم أيضًا مبالغ الفائدة الإجمالية، فاصندوق (أو البنك العالمي) ليس منظمة خَيْرِية، أو صندوق إسْعاف، بل هو مؤسسة رِبْحِيّة رأسمالية، تُدِيرُها أقْوى الدول الإمبريالية…
يتهدّدُ الإنهيارُ العديد من البلدان الأخرى، مثل فنزويلا (بسبب انخفاض أسعار النفط، وخاصة بسبب الحصار الأمريكي )، وبلدان أخرى، مثل البرازيل والمكسيك وكولومبيا وجنوب أفريقيا وإندونيسيا، وهي مهددة بالانهيار بسبب تطبيق شروط ومعايير صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، ويندَرِجُ تدمير القطاع العام، بما في ذلك منظومة الرعاية الصحية، على رأس قائمة تلك الشروط، وتندرج حرية حركة رأس المال ضمن شروط أو معايير منظمة التجارة العالمية، ما أدّى إلى هروب رؤوس أموال من “الدول الناشئة” بقيمة لا تقل عن 350 مليار دولار، خلال الربع الأول، بين الأول من كانون الثاني/يناير والثلاثين من آذار/مارس 2020، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وزعت الحكومات المال العام على المصارف والشركات، دون اشتراط مُقابل، كالتشغيل أو الإستثمار في داخل البلاد وفي قطاعات مُعَيّنة، ونادرا ما تهتم نفس هذه الحكومات، بتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمواطنين والمجتمع ككل، فالعمال والموظفون والمُعطّلُون عن العمل والمُهمّشون والفُقراء يُشكلون أغلبية المُجتمعات، ولديهم احتياجات أساسية، كالغذاء، وإيجار المَسْكن، والفواتير المتنوعة، والرعاية الصحية، إلخ.
يجب أن تكون الأولوية لتلبية هذه الاحتياجات، بدَلَ توزيع المال العام على الرأسماليين والأثرياء الذين لم يسبق لهم تقاسم أرباحهم مع المواطنين، بل لا تتجاوز حصة الشركات والأثرياء 20% من عائدات الضرائب لخزينة الدُّوَل، في حين أن 10% من الأغنياء يمتلكون 90% من ثروة العالم …
هذا الظلم يبرر الحاجة إلى الثورة، من أجل إلغاء النظام الرأسمالي ومؤسساته، التي صَمَّمَها الأثرياء (وممثلوهم في مؤسسات الدولة) لخدمة مصالحهم، ولاستغلال العاملين، واضطهاد الفُقراء، أفرادًا ومجموعات، وشعوبًا…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.