عرب – اقتصاد، من خلال برقيات وكالات الأخبار، الطاهر المعز

سوريا – الحرب على الجبهة الإقتصادية

بلغ الإنتاج السوري من النفط، بنهاية 2010، قبل الحرب، نحو 400 ألف برميل يومياً، وتمثلت الإستراتيجية العدوانية للإمبريالية الأمريكية في إغلاق الحُدود السورية مع لبنان والأردن والعراق، وتركها مفتوحة مع تركيا، حيث يمر الإرهابيون من تركيا إلى سوريا، وحيث يمر تهريب النفط والثروات وتجهيزات المصانع السورية والسلع نحو تركيا، واحتل الجيش الأمريكي (والأطلسي) وأعوانه من مليشيات الأكراد حقول النفط، والمناطق الزراعية الخصبة، والحدود مع العراق، على الجانبَيْن، ولا تزال غالبية حقول النفط والغاز خارجة عن سيطرة القوات الحكومية، وتستخدم الولايات المتحدة إنتاجها لتمويل مليشيات العشائر الكُردية، والمنظمات الإرهابية “الإسلامية”، التي انطلقت جميع هجماتها من مُحيط القواعد العسكرية الأمريكية…

قَرّرت الولايات المتحدة فرض حصار مُطبق على سوريا، وحَظْر دخول الغذاء والدّواء والمَحْرُوقات، وغيرها، وما تُقرِّرُهُ أمريكا يُصبح أمرًا نافذًا، على الصعيد الدّوْلِي، ويصبح أكثر قُوّةً ونجاعة من قرارات الأمم المتحدة، حيث تُسارع كندا وأستراليا واليابان وأوروبا، وغيرها، إلى تنفيذه، وزيادة، كما أقرّت الولايات المتحدة عدم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وعدم مساهمة أي دولة وأي شركة في إعادة إعمار سوريا، إلى أن يأتي ما يخالف ذلك، وأصبحت الدّولة السورية هدفا شبه يومي للقصف الصهيوني، وللهجمات الإرهابية في الجنوب (قريبًا من حدود الأردن وفلسطين المحتلة)، وللإحتلال التركي والأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة (ومشاركة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها)، في الشمال، الشرقي، على الحدود العراقية، والغربي، على الحدود التركية، وقريبا من سواحل البحر الأبيض المتوسط، حيث أهْدَى الإستعمار الفرنسي جزءًا من سوريا (لواء الإسكندرون) إلى تركيا…

اضطرت حكومة سوريا، في هذه الظروف، إلى فرض إجراءات تقشف جديدة، في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وإلى خفض جديد لاستخدام النفط، حيث لا تنتج المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة، سوى 24 ألف برميل، بينما تقدر الحكومة احتياجات البلاد الدّنيا بنحو 146 ألف برميل نفط خام يومياً، ما يعني وجود فجوة بنحو 122 ألف برميل يوميا، وكان الدعم الإيراني يُغطي هذه الفجوة، أو بعضها، لكن الحصار والعقوبات الأمريكية ضد إيران، فاقمت الوضع في إيران وحرمت سوريا من الدّعم، وأدّى إغلاق الحدود مع العراق، وتبعية حكوماتها وأحزابها للإحتلال الأمريكي (كان رئيس الحكومة الجديد، رئيسًا لجهاز المخابرات، منذ 2016، وأشرفت الإستخبارات الأمريكية على تدريبه، وعلى تعيينه)، ومجمل هذه العَوامل إلى تقنين وخفض دعم المحروقات، وإلغاء الدّعم لبعض أنواع السيارات…

السعودية، انهيار متوقّع

يواجه اقتصاد السعودية الرّيعي مخاطر كبيرة، بسبب اعتماد آل سعود على عائدات النفط الذي انهارت أسعاره، إثر توقف قطاعات الصناعة والنقل في العالم، وزيادة إنتاج النفط الصّخري الأمريكي، وإثر إغراق السعودية الأسواق بالنفط الرخيص، وبسبب اعتماد الإقتصاد، بدرجة ثانية، على عائدات السياحة الدّينية التي توقفت بسبب انتشار وباء “كوفيد 19″، وبسبب الحُروب العدوانية التي تُمولها السعودية ضد الشعوب العربية، وضد شُعُوب إيران، بالوكالة عن الولايات المتحدة والكيان الصّهيوني.

قَررت حكومة آل سعود، في الثامن من آذار/مارس 2020، في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية، وانتشار وباء “كوفيد 19″، رفع إنتاج النفط إلى الحد الأقصى من طاقة الإنتاج (حوالي 12,3 مليون برميل يوميا)، مع خفض الأسعار، من ثمانين دولارا (نظرًا لجَوْدَة النفط السعودي) إلى عشرين دولارا للبرميل، فخسرت بذلك موردها المالي الرئيسي، ووَصَفَ تقريرٌ لوكالة “موديز” (الأسبوع الأول من أيار/مايو 2020) وضع الإقتصاد السعودي بالرّيعي، المُرْتَهن إلى الخارج، وبالفساد وسوء الإدارة، وقدّر التقرير انخفاض عائدات البلاد بنحو 33% خلال السنة الحالية (2020)، مقارنة بالسنة الماضية (2019)، وبنسبة 25% خلال السنة القادمة (2021)، وأن السعودية مُقبلة على أزمة اقتصادية حادّة واستثنائية، تتمثل بعض مظاهرها في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وخفض الإنفاق الحكومي، الذي يُحرّك الإقتصاد، ما قد يؤدّي إلى انكماش النمو، واعترف وزير المالية السعودي (رويترز 02 أيار/مايو 2020) بمواجهة اقتصاد البلاد “أزمة غير معهودة”، ما يستوجب خفْضَ النفقات واتخاذ “إجراءات صارمة جداً، ومؤلمة” (وهي مُؤلِمة للفُقراء وللعمال المهاجرين، بشكل خاص)، بسبب انخفاض عائدات النفط بنسبة 50%، بحسب نفس الوزير، ما أدّى إلى خفض قيمة الإنفاق في ميزانية العام المالي الحالي، بنسبة 5% أو ما يُعادل 13,3 مليار دولارا، وما أدى أيضًا إلى سحب مزيد من الأموال من الإحتياطي المالي، وإلى الإقتراض، وهي رؤية قصيرة المَدَى، ولا تُعالج هيكلة أو بُنْيَة الإقتصاد، وهي الرؤية التي وَسَمَتْ قرارات الدول النفطية، ذات الإقتصاد الرّيعي، التي لم تستثمر العائدات، عند ارتفاع أسعار النفط، في مشاريع مُنْتِجَة، واستراتيجية، من شأنها خَفْض الإعتماد على عائدات النفط، وخفض توريد المواد الأساسية بالعملة الأجنبية…

أدّى انهيار أسعار النفط، منذ منتصف حُزيران/يونيو 2014، إلى ارتفاع دُيُون السعودية، وزادت هذه الدّيون، لما أصبح ولي العهد محمد بن سلمان، حاكمًا فِعْلِيًّا، وأصبح أبوه مجرد غطاء لقرارات ابنه المُدَلّل، فارتفعت (الدّيُون) من 23 مليار دولارا، سنة 2016، إلى نحو 150 مليار دولارا، بنهاية سنة 2019، منها ما لا يقل عن سبعين مليار دولارا من الدّيون الخارجية، ويتوقّع وزير المالية أن تقترض الحكومة قرابة خمسين مليار دولارا، سنة 2020، وأن تَلْجَأَ إلى السحب من احتياطيات الصناديق السيادية، التي استولى على إدارتها محمد بن سَلْمان، وسَحَبَ منها ما يقارب 266 مليار دولارا، منذ  سنة 2016… 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.