هل يُنقذ الإخوان المسلمون التونسيون العُملة التُّرْكية من الإنهيار؟ الطاهر المعز

عندما بدأت العملة التّركية (اللِّيرة بالإنهيار) في أيلول/سبتمبر 2018، أطلق بعض زعماء الحزب الحاكم في تونس، منذ 2012 ( حزب “النهضة” – الإخوان المسلمون )، نداءات عَلَنِيّة، لإنقاذ الليرة التركية، ما يُشير إلى التضامن العقائدي بين أحزاب الإخوان المسلمين، فيما لم يَصْدُر أي نداء مُماثل من أجل إنقاذ الدينار التونسي، الذي كان انهيارُهُ أعْظَمَ، بسبب انصياع الإخوان المسلمين في تونس لشروط صندوق النقد الدّولي، ومن المُسْتبعد أن يكون إعلان الولاء والطاعة لرأس المال ولصندوق النّقد الدّولي تطبيقًا لآية قُرآنية أو أمر إلهي، ولكنه موقف إيديولوجي، وممارسة تتميز بها فئات البرجوازية “الكُمبرادورية” (أي وكيلة رأس المال الأجنبي) في البلدان الواقعة تحت هيمنة الإمبريالية…   

موضوع هذه الفقرات هو الإقتصاد التركي، وليس الإخوان المسلمون في تونس، وما هذه المقدمة سوى تذكير بولاء الإخوان المسلمين لمنظومتهم الفِكْرِية، وليس للوطن، ومحاولة إعادة بناء الدّولة العُثمانية، وإعادة احتلال أوطان العرب، من جديد، بعدما سلّمتها تركيا العثمانية للإحتلاليْن الفرنسي والبريطاني، منذ القرن التاسع عشر (الجزائر 1830 )، أما العُروبة فهي عندهم عَدوٌّ لدود، وجبت محاربته، بالتحالف مع الجيوش الأجنبية الغازية، ولذلك يؤيّدُون العدوان على سوريا (الشعب والوطن والدّولة )، بل يُرسلون المقاتلين، وبنات الفُقراء لممارسة الدّعارة، باسم “جهاد النّكاح”، ويرسلون المُقاتلين الإرهابيين إلى ليبيا.

على الصعيد الأخلاقي، يُمارسون الرشوة، ونهب المال العام، باعتبار السلطة “غنيمة” وجب تقاسُمُها بين الإخوان الذين غَنموها، واستغلُّوا السلطة لتوظيف قرابة 75 ألف من أعضاء حزبهم ومن أقاربهم، دون احترام شروط التوظيف في القطاع الحكومي (مستوى الشهادات والمؤهلات والخبرة والسن والنجاح في المُناظرات…)، وربما تعلموا ذلك في مدارس الإخوان المسلمين بالسودان أو مصر أو تركيا.

تُركيا، نموذج سيء:

أظهر الإخوان المسلمون فشلاً ذريعا على المستوى الإقتصادي، كما داسُوا (باسم الإله؟) على الحُرّيات الأساسية، وعلى مختلف المُؤسسات، في مجال الأمن والقضاء والتعليم والإعلام، خاصة بعد محاولة الإنقلاب المشبوه، منتصف تموز/يوليو 2016، ناهيك عن تعزيز العلاقات التجارية والعسكرية مع الكيان الصهيوني، رغم التصريحات والأدوار المَسْرَحية التي بَرَعَ “رجب طيب أردوغان” في تقمُّصِها، كما بَرَعَ في الإدلاء بالتصريحات المتناقضة، وفي توظيف أبنائه وأصهاره وأولياء نعمته، وإزاحة رؤساء البلديات ونواب البرلمان الذين فازوا ديمقراطيًّا بمقاعدهم، والزج بهم في السّجون، وتأسيس مليشيا من الإخوان المسلمين، تعمل بشكل موازي لقوى الأمن الحكومية، واستبدال القُضاة والأساتذة الجامعيين بأعضاء من الإخوان المسلمين، لا تتوفر فيهم مواصفات ومؤهلات المهنة، وأدّت سياسات حزب الإخوان المسلمين في تركيا إلى انهيارات متتالية للعملة التركية، خصوصًا منذ شهر آب/أغسطس 2018، وخسرت الليرة 11% من قيمتها سنة 2019، أي قبل انتشار وباء “كوفيد 19″، و 12% خلال الربع الأول من سنة 2020، وبنسبة 20% بنهاية شهر نيسان/ابريل 2020، وانخفاض احتياطي العملة الأجنبية في المصرف المركزي، بنحو 31 مليار دولارا، خلال سنة 2019، بفعل انخفاض قيمة الصادرات، وانخفاض إيرادات السياحة، وارتفاع قيمة الدَّيْن الخارجي (العام ودَيْن الشركات، بضمان من الحكومة والمصارف)، فبلغت قيمة الدّيون الحكومية، بنهاية سنة 2019، أكثر من 453 مليار دولارا، أو نحو 53% من الناتج المحلي الإجمالي، منها ديون خارجية بقيمة نحو 200 مليار دولارا، وأدّى انخفاض قيمة الليرة التركية، إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع مستوى التّضخّم، ما عَمّق الفَجْوة الطّبقية، إضافة إلى حدّة القَمع، فيما قُدّرت نسبة البطالة ب15% بنهاية سنة 2019، وبقرابة 30% بنهاية شهر نيسان 2020، بسبب “كورونا” وتوقف حركة النقل والسياحة وقطاع الفنادق والمطاعم وتجارة التجزئة، وبلغت إيرادات تركيا من السياحة، نحو خمسين مليار دولارا، سنة 2019، ومن نتائج انخفاض قيمة الصدرات وإيرادات السياحة، انخفاض مخزون المصرف المركزي من العملة الأجنبية والذهب، خلال الفترة شباط/فبراير – نيسان/ابريل 2020، من 108 مليار دولارا، إلى 86 مليار دولارا، وتحتاج الميزانية إلى نحو 54 مليار دولارا، لسدّ العجز، حتى نهاية السنة الحالية (2020)، بالإضافة إلى ديون خارجية قصيرة الأجل، بقيمة 122 مليار دولارا، وجب تسديدها، بالدّولار، قبل نهاية السنة الحالية (2020)، لكن صهر أردوغان، براءت البيرق، وزير المالية، يعتبر “إن الوضع ليس مقلقاً ولا داعي للخوف وكل شيء سيكون جيداً”.

في مجال الحُرّيات نشرت المنظمات الحقوقية تقديرات عن عدد من وقع فَصْلُهم من عملهم، منذ المحاولة المشبوهة للإنقلاب، منتصف شهر تموز/يوليو 2016، بعزل نحو سبعة آلاف قاضي، و 25 ألف شُرطي وضابط، و17 ألف عسكري، و 7200 طبيب وموظف بقطاع الرعاية الصحية، و 3200 إمام وواعظ وموظف في وزارة الشؤون الدينية، و130 ألف موظف من قطاعات البحث العلمي والتعليم بجميع مستوياته، ولا تزال الإعتقالات متواصلة، خلال سنة 2020، وشملت إعلاميين وموظفين في الهيئات المحلية، وعَزل وحَبْس نواب الشعب، من البرلمان إلى البلديات، وعزل العديد من رؤساء البلديات وتعيين أشخاص غير منتخَبِين من الحزب الحاكم، لإدارة الأقاليم البلديات المُعارضة، وحَقَّقَ القُضاة الذين عينهم أردوغان سنة 2018، في 26115 بتهمة “إهانة رجب طيب أردوغان”، وخلال الربع الأول من سنة 2020، حقق القضاء في 6033 قضية رفعها أردوغان، بتهمة “الإهانة” (إهانته شخصيا)، ونُفِّذت أحكام صادرة بحق 2100 “متهم”، بالسجن والغرامات…

هل يكون نموذج تركيا ورئيسه عِبْرَةً للعرب الذين يحكمهم الإخوان المسلمون، أو لمن يعتقدون أن “الإسلام هو الحل”، وهو شعار الإخوان المسلمين بمصر، مهد “الجماعة”؟       

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.