تُعتبر خطوط السّكّة الحديدية المصرية ثاني أقدم سكة في العالم، وتنقل أكثر من 300 مليون راكب سنوياً، بحسب الإحصاءات الرسمية، ويُعتبر القطار وسيلة نقل الفُقراء (حوالي 33% من الشعب المصري، بحسب بيانات البنك العالمي (تشرين الأول/اكتوبر 2019) الذي اعتمد بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، لكن القطار قليل الإستخدام في نَقْل السِّلَع، ما حَرم الشركة من موارد هامة، من شأنها دعم إيراداتها…
بدأ الإعلام الرسمي المصري حملة ركّزت على خسائر قطاع السكة الحديدية، تلاها إعلان لوزير النقل عن ارتفاع خسائر شركة النقل الحديدي من 66 مليار جنيه مصري، سنة 2019، إلى 250 مليار جنيه مُتوقّعة، بنهاية سنة 2020، رغم الزيادات الكبيرة والمُتَتالية لسعر التذاكر، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي الذي أقْرَضَ الحكومةَ 12 مليار دولارا، وقد تقترض مبلغًا جديدًا مماثلا، قبل نهاية 2020، أو في بداية سنة 2021، بشروط قاسية، من بينها إلغاء دعم الغذاء والخدمات الأساسية، وخصخصة قطاعات التعليم والصحة والكهرباء والنقل، ويُشكل تركيز الإعلام ووزير النقل على الخسائر، وعلى “ضرورة زيادة ثمن التذاكر”، مرة أخرى (رغم انخفاض السعر العالمي للنفط)، جزءًا من حملة الترويج لخطط الخصخصة، التي أقرّها وصدّق عليها المُشير “عبد الفتاح السيسي” لتحويل النقل الحديدي إلى مشروع يخضع لمنطق الربح والخسارة، ويجدر التذكير أن الخسارة التي أكّد عليها وزير النقل، مُرتبطة بسوء تصرف الوزارة والحكومة التي استوردت تجهيزات فاق ثمنها سعرها الحقيقي، ما يُشير إلى فساد الصفقات التي أسندت الحكومة معظمها إلى مُقاولات الجيش…
تتضمّن عملية الخصخصة، وفق التوظيف، وتشغيل العاملين الجدد، إن اقتضى الأمر ذلك، بعقود هشّة، ومؤقتة، وبدء “شراكة مع القطاع الخاص”، في مرحلة أولى، لإدارة رحلات مُريحة بأسعار مرتفعة، لا يتحملها الفُقراء ومتوسطو الدّخل، وخفض الإنفاق، وتشديد الرقابة على زبائن القطار وزيادة مقدار غرامات عدم تسديد ثمن التذكرة، وتقسيم خدمات النقل الحديدي إلى عدة أقسام، كالإعلانات في محطات القطار وعلى طول السكة، وبيع المساكن التي كانت مُخصّصة للموظفين، وبيع المساحات الشاسعة من الأراضي التي تمتلكها الشركة…
رفضت الحكومة المصرية فَرْض تشديد إجراءات الحجر الصّحّي خلال إجازة عيد الفطر، تجنّباً للأضرار التي قد ترفع قيمة الخسائر الإقتصادية، في حين زاد عجز ميزانية الدولة، وأقرّ اجتماع مجلس الوزراء، قُبَيْل العيد، عددًا من الإجراءات لتمويل هذا العجز، ومن بينها اقتطاع 1% من إجمالي الرواتب في القطاعين العام والخاص لمصلحة “صندوق مواجهة كورونا”، واقتطاع 0,5% من معاشات التقاعد، وفَرضَت الحكومة خفض رواتب العاملين في شركات القطاع العام، وعلى سبيل المثال، خفضت شركة مصر للطيران الرواتب بنسبة قد تصل إلى 20% في رواتب بعض أصناف الموظفين، بهدف “خفض النفقات”، كما رفضت الحكومة تخفيض أسعار المحروقات، بل أقرّت على استهلاكها ضرائب جديدة، رغم انخفاض أسعارها في الأسواق العالمية، وتصل أسعار المحروقات في مصر إلى نحو ضِعْفَيْ السعر العالمي، بهدف خفض عجز الميزانية، خاصة مع تراجع مصادر النقد الأجنبي، وتراجع إيرادات السياحة، رغم حصول الحكومة على قرض جديد، يوم 11 أيار/مايو 2020، من صندوق النقد الدولي والإتفاق مع البنك العالمي ومع دائنين آخرين على قُرُوض جديدة، ويبلغ قرض صندوق النقد الدولي قرابة 2,8 مليار دولارا، بعنوان “مُساعدة طارئة” (وما هي بمساعدة ولكنها دُيُون بفائض وشروط مُجْحِفَة)، ولن تُستخدم القروض لإنتاج ما يحتاجه الشعب المصري، بل لسد العجز، ضمن ما يُطلق عليه الصندوق “الإصلاح الإقتصادي”، وهي خطة جديدة، وإضافية، بدأ تنفيذها سنة 2016، عند اقتراض حكومة مصر 12 مليار دولارا، وقع تسديد آخر أقساطها في حزيران/يونيو 2019، وقد تحصل الحكومة على مبلغ يُعادل 8,4 مليار دولارا من صندوق النقد الدّولي، تلتزم الحكومة بتوجيه جزء من قيمة هذه القروض “لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة”، بحسب “معهد التمويل الدولي” (مؤسسة تابعة لمجموعة “البنك العالمي”)، وأشارات وكالة “رويترز (26 نيسان/ابريل 2020) أن حكومة مصر سوف تستخدم قرض صندوق النقد الدولي “لدعم عجز الموازنة وإعادة هيكلة بعض القروض في ظل انخفاض مواردها من النقد الأجنبي”، بعد انخفاض إيرادات السياحة والنقل البحري عبر قناة السويس وانخفاض تحويلات العمال المصريين بالخارج، بسبب وباء “كورونا”، بينما تُشير التوقعات إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 5,5% خلال السنة المالية الماضية إلى 1,6% خلال السنة المالية الحالية، وقدّر المعهد قيمة الفجوة التمويلية خلال العامل المالي المقبل (من تموز/يوليو 2020 إلى نهاية حزيران/يونيو 2021) بنحو 37,1 مليار دولارا، ووجب على الدّولة تسديد قُروض بلغ أجل استحقاقها، بقيمة 24 مليار دولارا…
ما يحدث في مصر، يمكن أن يحدث في أي بلد آخر يقترض من صندوق النقد الدّولي، فالخصخصة وخفض الإنفاق الحكومي، والتقشف، وإلغاء الدعم على السلع والخدمات الأساسية، وزيادة الضريبة غير المباشرة، كالقيمة المُضافة (أو ضريبة الإستهلاك) جزء من شُروط صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، قبل الموافقة على أي قَرْض، لذا وجَبَ التأهب لمُعارضة مثل هذه القرارات في الأردن والعراق ولبنان ومصر وتونس والمغرب…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.