قرأت في الرابط المرفق مقالاً في مجلة تحليلات العصر الدولية
قلما قرأت مادة مسمومة بقدر ما فيه وبالطبع في الموقع الذي نشره وينشر مثيلاته.
يبدأ المقال بمدخلين مشبوهين وسيئين:
الأول: جغرافياً: حيث يعتمد تسمية استعمارية للوطن العربي وجيرانه أي تسمية الشرق الأوسط كي يتجنب ذكر الوطن العربي والأمة العربية فهذه التسمية اطلقها الاستعمار البريطاني خلال هجومه الاستعماري وبقيت في أذهان أمثال هذا.
والثاني: أيضا استعماري مركَّب على أبغض من الاستعمار اي على الطائفية
صار لا بد من الانتباه بأن قوى الدين السياسي تستمد زخم تخلفها من الطائفية وليس هذا كامل الصورة بل شكلها، أما مضمونها فهو استهداف القومية العربية، ومن هنا تقاطع هؤلاء مع الاستعمار الذي استهدف الوطن العربي منذ 300 سنة. ومن هنا أيضا جهادية اي طائفي هي في طريق التصالح مع الاستعمار والصهيونية وإن طال السفر.
اي ان المشاركة في أي جهاد إن لم يكن بعد تعقيم من الطائفية فهو مخيف.
يزعم الكاتب، وهو يحمل لقب (د)، وأكيد في الطائفية، بأن العراق: … وسط الصراع بين:
١- المشروع ( المهدوي ) الاسلام السياسي الشيعي … جبهة المقاومة …. بقيادة ايران.
٢- المشروع ( الاخواني العثماني ) الاسلام السياسي السني ….. بقيادة تركيا .
٣- المشروع ( الصهيوني ) الغربي العربي العبري .. بقيادة اسرائيل …..
في الوقت التي يحاول ذوو العقول المتزنة وصف العلاقة بين العرب العروبيين والفرس على انها تحالف عربي إيراني، يركز الكاتب على تذويب المقاومين العرب في تيار طائفي مهدوي ليجعل من التحالف استعماراً وكأننا لم نشبع من هذا الوباء العميم.
لست متبحراً في طبقات التحليل الطائفي وإن كان في الإسلام مهدي منتظر أم لا، ولكن دمج طرف في طرف هو سلوك استعماري ورث تراثات استعمارية ليس أمامنا سوى صدها. ومن قبيل الخبث لم يذكر إن كان هناك عربا بقيادة إيران، لكنه يذكر العرب كمقودين للكيان الصهيوني! وكأن ما من أحد قاوم هذا الكيان من العرب قط! وكأننا لسنا الأمة الوحيدة التي لم يتوقف استهدافها.
يستخدم الكاتب ومن ينتمي إليهم مصطلحا فاشلا تمويهيا هو “الإسلام السياسي” وهو أيضا تصنيع إمبريالي غربي، لأن الصحيح هو “الدين السياسي” تسييس الدين ليخدم أجندة سياسية قومية من النمط الشوفيني. وهو لا يختلف قط عن الدين السياسي لليهودية الصهيونية أو المحافظية الجديدة أو الهندوسية وأخيرا نمط بولسانيرو في البرازيل. ) انظر مقالتنا حول الدين السياسي
Politicized Religion: Old and Global
ثم يدخل الكاتب في تخبيصة مشروع اسماه “المشروع (الصهيوني) الغربي العربي العبري بقيادة إسرائيل”. مضحك طبعا حين يضع الصهيوني بين قوسين ليفصله عن العبري وعن “إسرائيل”.
فإذا كان العرب بهذا التعميم ضمن المشروع الصهيوني، فهذا يعني أن لا عرباً في المشروع الإيراني ولا حتى العثماني.
مزعج هذا القدر من الكراهية للعرب وكان الرجل يحمل حقداً عمره قرابة خمس عشرة قرناً!
ويضيف : ” …المعركة الان في منطقة الشرق الاوسط عامة ، و العراق خاصة ، هي معركة مشاريع ايديولوجية كبرى ، و قد انتهى منذ زمن بعيد مشروع الدولة الوطنية ……..”
هذه التقسيم الثلاثي يُعلي من شأن القومية الفارسية، والقومية الطورانية والكيان الصهيوني ويحول العرب لتوابع للأطراف الثلاثة، مما يكشف أن هدف الكاتب فقط هو طمس المشروع العروبي. هذا من جهة ومن جهة ثانية فهو ينظر إلى التدمير الأمريكي للعراق كقدر تاريخي حيث يستسلم لما قامت به امريكا في العراق. وهو على أية حال يذكر ضياع المشروع الوطني في العراق اي يتجاهل المشروع العروبي مطلقا حيث ينطلق من أن العراق ليس عربيا، وهذا بالطبع اسهل كي يُخضعه لهذ الطرف أو ذاك.
وحيث يستخدم ما يسميه الدولة الوطنية، وهو مصطلح بلا معنى، فهل هناك دولة بمعنى دولة هي خائنة؟ فالمفترض بداهة أن قيام دولة هو بالضرورة كي تقوم أن تكون وطنية، وهو بالطبع يحاول الهروب من التسمية الحقيقية اي الدولة القُطرية لأن هذه التسمية تفتح بالضرورة على حقيقة وجوب الدولة القومية العربية وهذا على ما يبدو هو ما يكرهه ويحقد عليه بسموم طائفية أشد اذىً من الصهيونية.
لقد تم تدمير الدولة القطرية في العراق على ايدي الإمبريالية وعربا وفرساً ايضا، ولكن هذا لا يعني سوى مقاومة ذلك. ولعل من اللافت حقاً، أن كثيرا من الاتجاهات في العراق هي التي ضد عروبة البلد سواء اتجاهات إيرانية طائفية الهوى أو عربية طائفية الهوى، أو امريكية الهوى أو إخوانية الهوى أو شيوعية الهوى (لا كل شيوعية بالطبع) وكأن هذا القطر تحديدا ليس هو الأشد ابتلاء من بين مختلف البلدان العربية!
أما النكتة السمجة في المقال فهي حينما ينسب لعملاء امريكا في العراق محاولة نهضوية حيث كتب:
“…حيث قام الامريكان بإجهاض محاولتين للنهوض بمشروع عراقي وطني ، مرة عندما اسقطوا نوري المالكي ، و مرة عندما اسقطوا عادل عبد المهدي … لأن الاثنين حاولا الإفلات من منظومة الهيمنة الامريكية السياسية و الاقتصادية و الأمنية ….الاول ارسلوا له داعش ، و الثاني ارسلوا له الجوكر” .
طريف حقا أن يحصر وطنية العراقيين في شخصين تمت ولادتهما في المنطقة الخضراء لأبٍ امريكي وقابلة إيرانية.
هنا يقع الكاتب في الفردانية السخيفة، فعلاوة على ان المالكي وعبد المهدي هما تصنيع الاحتلال الأمريكي وموافقة إيران، إلا أن كليهما جزء من منظومة عميلة للأمريكي وللإيراني معا، أي منظومة لا عراقية ولا عروبية، ومن هنا يتم خلع هذا وزرع ذاك وعليه، ليس صحيحا أن ايا منهما حاول حقا الإفلات بل تم تغييرهما في عملية تبديل خفر وتوازن قوى داخل الطائفة الشيعية من جهة وداخل الطوائف العراقية من جهة ثانية وداخل حسابات عرب وكرد لا وطنيين اساسا، إلى أن جاء من هو أسوأ منهما كمدير مخابرات، باعتبار أن هذا المطلوب. فليس وطنيا ابدا من يتم تعيينه بقرار خارجي وخاصة أمريكي.
هذا إلى أن يغلق الباب على العراقيين ب : ” و بناء عليه فنحن مجبرون على التخندق في احد المشاريع الثلاثة المتصارعة في المنطقة …”.
أي يصل إلى قرار قطعي من جانبه يشطب أي حراك وطني عراقي واي حراك عروبي عراقي وهذا يشي بان هدف الرجل التحوط بالمطلق من أي توجه محلي أو قومي للعراق باعتبار ذلك عدوه الأول لأن ولائه كما يتضح من المقال هو “أيرنة” العراق.
أما الخلاصة التي توصل إليها فتتمظهر بأنها ضد الصهيوني، لكنها تقبع في عمق الصهيونية وبهذا لا يختلف عن مختلف قوى الدين السياسي. فيكتب:
“… و الخلاصة هي … ان القضية في العمق قضية صراع اسلامي صهيوني ….”
وهكذا بعد ثلاثة قرون من الاستهداف الراسمالي الغربي للوطن العربي وخاصة لفلسطين وأطماع ومصالح المركز الراسمالي في الوطن العربي يحصر الصراع بين إسلام والصهيونية. فهم لو يحدد أي إسلام بوضوح، ولكن انحيازه الشيعي يصل به إلى داعشية شيعية لا تعتبر غير الشيعة مسلمين، هذه هي الطائفة الناجية. وهو بهذا يخلط بين الإيمان وبين الدين السياسي بمعنى أن المؤمن بالدين دون السياسة ليس مسلماً.
ولست أدري إن كان عن قصد أم عن عمىً تحدث عن صراع إسلامي صهيوني ولم يذكر اليهودية بل التوراتية، إلا أنه لا شك أدغم اليهودية ضمنا في الصهيونية. وهنا بيت القصيد. فحين تكون هناك دولة دينية إسلامية فهذا يعني الإقرار بدولة دينية يهودية وهذه أفضل خدمة للصهيونية كي تزعم “حق” اليهود كالمسلمين في دولة .
أما العرب المسيحيون، فلا ذكر لوجودهم في راس الرجل.
ويضيف:
“وعليه فإن كل ترويج لفكرة ان هناك صراعًا امريكيا ايرانيا يدور في العراق ، انما هو تبسيط و تزييف لحقيقة الصراع ، لأجل تضليل الناس ، و التعتيم على الاسباب الحقيقية لهذا الصراع الوجودي الذي يدور في المنطقة …..”
لا باس، يا هذا، دعنا نسميه تقاسم أو مساكنة، طالما مشروع عروبة العراق مرفوضاً.
إلى أن ينهي بجملة طريفة، “اخيرا فإن الواقف على التل في هذه المعركة ، سيان ان كان واقفا في محراب الصلاة او جالسًا على مائدة الخمر !!!!!فما رايه لو غير احدهما رايه واحتسى كاسا ثم قاتل!
ملاحظة: لست أدري لماذا نسي الرجل دور إثيوبيا ضد الوطن العربي، ربما لأنها بعيدة عن إيران.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.