الوجه الطبقي للوباء … عبودية العمل، مكننة العامل وتجاوز الرأسمالية، عادل سمارة

صحيح أن الفقراء هم ضحايا الوباء كما يحصل اليوم، وربما وحدهم الضحايا، وهذا أمر طبقي في جوهره ومظهره معاً. ولكن للوباء مظهر طبقي آخر لا يقل عن أثره ضد الفقراء بالعموم وهو وضعية العمال قيد العمل المأجور بعيدا عن الفقر العام الذي يشمل فئات عديدة من المجتمع في ظل الراسمالية سواء المهمشين، ومعظم النساء، وجماهير فلاحية لم تتبرتل (من التحول إلى بروليتاريا أي طبقة عاملة وخاصة الصناعية-ع.س.) حتى وهي في مدن الصفيح حول المدن/أحزمة الفقر ولم تشملها تعاونيات في أماكنها أو قُذف بها إلى المدينة إثر تغلغل الرسملة وتفكيك التعاونيات.

في الحالتين، أو لكلتيهما تمهيد تاريخي. هذا ما تابعه وأظهره ماركس حيث كشف في البداية الانفصال التاريخي بين العملين الجسدي والذهني  إذ يصبح العمل الجسدي وبشكل متزايد تحت سيطرة راس المال فلا يتحكم العامل بجهده بل يتحول إلى أداة للعمل، وهذا يعني بشكل أوضح أنه يفقد إنسانيته كرها واضطرارا.

كتب  ماركس مشيرا إلى  الانفصال بين العامل وجهده :

“… تبدأ عملية الانفصال/التفكك منذ التعاون البسيط…وتتطور في المصنع حيث تُجزِّء العامل محولة إياه إلى شُقفٍ/قِطَع من نفسه. إنها تكتمل في الصناعات ذات النطاق الواسع، والتي تجعل من العلم قدرة امكانية للإنتاج  تتميز عن العامل وتضغطه ليكون في خدمة رأس المال.

Karl Marx, Capital: A Critique of Political Economy, Volume I, trans. Ben Fowkes, London, Penguin Classics, 1990. P. 482

يتم هذا في مجرى عملية العمل القائمة على  الملكية الخاصة وكلما تقدمت البنية الإنتاجية لمجتمع معين يقوم على الملكية الخاصة كلما يزداد تفكك شخصية العامل ويصبح أكثر تورطاً في خدمة راس المال، وبهذا لا يعود له قرار التحكم بشخصه حتى لو نال من الوعي فردياً قسطا عالياً إلا إذا كان الوعي السياسي الطبقي معمماً منظَّماً.

يذكرنا  ديفيد هارفي بما كتبه ماركس عن آدم سميث في التقاط الوضع اللإنساني للعامل في ظروف العمل المأجور إذ يشير ماركس إلى ما كتبه آدم سميث دون أن يتبناه تماما:

“يتشكل  فهم الجزء الأكبر من الناس ، كما يقول آدم سميث ،  بالضرورة من خلال/عِبر  وظائفهم العادية. فالرجل الذي قضى حياته كلها في أداء بعض العمليات البسيطة … ليس لديه فرصة لممارسة قدرته المفاهيمية … إذ يصبح بشكل عام غبيًا وجاهلاً بقدر ما يمكن أن يحصل لمخلوق بشري “. بعد وصف الغباء المزري للعامل ، قال:”إن انتظام حياته الثابتة يفسد بشكل طبيعي جرأة عقله/إقدام عقله … إنه يفسد حتى نشاط جسده ويجعله غير قادر على ممارسة قوته بقدرة ومثابرة في أي عمل آخر غير تلك الأعمال التي نشأ فيها (أي أُرغم على الانحصار فيها-ع.س). إنه يفقد براعته الخاصة عبر  هذه الحالة التي تشرَّبها وذلك على حساب فضائله الفكرية والاجتماعية والمادية. ولكن في كل مجتمع متطور ومتحضر تنحصر معظم حياة العمال الفقراء بالضرورة في هذه الوضعية”.(نفس المرجع أعلاه ص 48)

على الرغم من تشابه نسبي بين فهم كل من آدم سميث وماركس لظروف العامل وما يقع عليه من استغلال وعبودية وخساسة، إلا أن كل واحد منهما يذهب مذهبا ويصل إلى استنتاج مختلف، وهنا يظهر الفارق بين المدرستين. ففي حين يعتبر آدم سميث وضع العامل المزري حالة ثابتة أو طبيعية، ينطلق ماركس من هذا الوضع ليقلبه ويدمره ثوريا. فلكل منهما مفهومه الطبقي، فآدم سميث يرى التفارق الطبقي أمرا طبيعيا وعاديا وكأن هناك تقسيم رباني أو طبيعي للطبقات بين مالك ومأجور بينما منظور ماركس الطبقي هو كشف ورفض الاستغلال وصولا إلى تحرر العامل وسيطرته على قوة عمله وإنتاجه. ولو عدنا ألفي عام إلى الوراء لوجدنا أن آدم سميث أخذ التسليم بالفارق الطبقي، وحتى على أساس جسماني من أرسطو أو إقتفى خطاه.

عبودية قوة العمل لأجل التراكم:

لكن هذه الوضاعة المفروضة على العامل تجد تفسيرها الطبيعي والرئيسي في التمسك بالملكية الخاصة وعملية العمل لإنجاز تحقيق هدف  التراكم الذي معياره الوصول إلى الربح اللامحدود.  فإذا كانت أحلام الإنسان الطبيعي بالسعادة إلى حدود السماء، فإن أحلام الرأسمالي هي ايضا الوصول بمعدل الربح ، بالتراكم إلى هناك. (نفس المرجع أعلاه ص 477)

كتب ماركس:

“…في وعي البرجوازي نفسه والذي يحتفي بتقسيم العمل في الورشة، إخضاع العامل طوال حياته وحصره في عملية عمل جزئية في سياق توجيه والتحكم بالعامل بما يزيد إنتاجية قوة عمله، مندداً بنفس القوة والمستوى بأية محاولة واعية للتحكم وتضبيط عملية الإنتاج اجتماعياً، باعتبارذلك تعدٍ على اشياء مقدسة كالملكية الخاصة، والحرية وعبقرية الرأسمالي الفرد في اتخاذ القرار. أنها السمة بالضبط التي يستخدمها نظام المصنع  والتي ليس هناك اكثر منها  شجبا لتنظيم العمل (انتظام العمال-ع.س.) في المجتمع حتى تحوِّل كامل المجتمع إلى مصنع. (نفس المرجع أعلاه ص 477)

وتنديد الرأسمالي بأي نشاط تنظيمي للعمال يتخذ عدة مستويات ويستخدم عدة أدوات:

الأول: حضور الراسمالي في السلطة الحاكمة المالكة حيث غالبا ما يكون ضمنها أو على هوامشها وبالتالي يواجه الوعي العمالي بالقمع البوليسي، وفي حال انتظم تمرد العمال في حراك ثوري كحال كميونة باريس تُعلن البرجوازية الحرب الطبقية مستخدمة اشد اسلحتها اي الجيش.

والثاني: استخدام جيش العمل الاحتياطي لضرب نضال الطبقة العاملة ببعضها من داخلها، وفي هذا تعتمد الرأسمالية على مخزون الفئات الثلاثة الأخرى كرصيد لها ضد العمال وهي قوة العمل المعوَّمة وقوة العمل الكامنة وقوة العمل الساكنة(سنعالج هذا في مقال آخر).

والثالث: الإعلام حيث تستخدم هذه الماكينة بما فيها الأكاديميا لتشويه واستلاب الوعي العمالي  ليبقى وعيا مستلبا وملتبساَ

والرابع: تطبيق واستخدام الماكينة مقابل أو محل العامل، والماكينة من المستوى البدائي إلى الروبوط حيث تُستخدم كخصم للعامل بدل أن تكون الماكينة كإنجاز إنساني لسعادة الإنسان عموماً.

والخامس: سياسيا  اي استخدام اللعبة البرلمانية في تسابق وتنافس الراسماليين على أصوات العمل ورشوة العمال بوعود وخطاب مخادع.

والسادس: بالإختراق الطبقي نفوذا إلى قيادات النقابات العمالية ورشوة هذه القيادات.

في سياق هذا المستوى غير الساخن من الصراع الطبقي تعمل البرجوازية على ضمان المسألة الأساسية في نظامها وهي بقاء خط الإنتاج عاملا دونما تقطعات بالإضرابات والاحتجاجات لأن اساس التراكم هو العمل ودفع اقل أجور ممكنة لرفع معدل الربح إلى الحد الأقصى  وهذا بوابة تصعيد التراكم”.

مكننة العامل لا منافسته للماكينة:

ينتقل ماركس من سيطرة واستغلال العامل على يد الراسمالي أو معاناة العامل المتأتية من معاملة الراسمالي له إلى تناقض العامل مع الآلة التي تضيف عليه معاناة أخرى حيث تلعب دور تعميق السيطرة على العامل ليتحول العامل نفسه إلى ملحق بالآلة وذلك عبر خضوعه للراسمالي.

ما يحفز الرأسمالي هو تطوير الإنتاج لتحصيل اعلى قيمة زائدة منتهية إلى التراكم وفي هذه السيرورة يتحول العامل نفسه إلى أداة، فاقدا قدراته الفكرية والثقافية حيث ينحصر في تلبية ما يزيد الإنتاج. ويصل وصف ماركس لوضع العامل إلى بلاغة القول “يحولون حياته إلى وقت عمل” أي لا مكان ولا دور لشخصه ولا لفكره فكل هذه العوامل تُحذف من الصورة ليبقى العامل مجرد ماكينة من عقل ولحم ودم وعضلات  لتوليد الإنتاج. كما يمتد الطحن إلى زوج العامل وأولاده  الذين يعيشون بؤسا ينجم عن ضآلة أجرة العامل حيث لا تكفيهم سوى للحد الأدنى للبقاء لا ابعد.

يركز ماركس على أن القيمة الزائدة كمفهوم نظري مجرد هي في التحليل الأخير المتحولة او مولدة التراكم . وفي هذه العلاقة القاسية يزداد وضع العامل سواء كانت اجرته عالية أم منخفضةـ

“….رأينا في الجزء الرابع ، عند تحليل إنتاج فائض القيمة النسبية ، أنه في النظام الرأسمالي يتم تطبيق جميع وسائل رفع الإنتاجية الاجتماعية للعمل على حساب العامل الفردي ؛ إن جميع وسائل تطوير الإنتاج تخضع لانقلاب جدلي حتى تصبح وسيلة للسيطرة على المنتجين واستغلالهم ؛ إنها تحطم العامل إلى جزء من رجل ، وتقزمه إلى مجرد ملحق بالآلة ، وتدمر المحتوى الفعلي لعمله وتُلحق به  ألماً شديداَ، وتُغرِّب عنه إمكاناته وقدراته  الفكرية الثقافية  في عملية العمل تماما بنفس طريقة استيعاب العلم في عملية العمل كقوة مستقلة  ؛ إنهم يشوهون الظروف التي يعمل في ظلها ، ويخضعونه خلال عملية العمل وبشكل استبدادي كخسيس ويحولون حياته إلى وقت عمل ويدوسون زوجته وأولاده تحت عجلات  juggernaut طاغوت رأس المال الماحقة. لكن جميع طرق إنتاج القيمة الزائدة هي في نفس الوقت طرق التراكم وكل  توسع للتراكم هو بالمعكوس ، وسيلة لتطوير تلك الأساليب. ويترتب على ذلك أنه في حالة تراكم رأس المال ، يجب أن يزداد وضع العامل سوءاً ارتفعت أجرته أو انخفضت ، وأخيرًا ، فإن القانون الذي يحتفظ دائمًا بالفائض النسبي للسكان أو جيش الاحتياطي الصناعي في  توازن مع  اتساع وطاقة التراكم يُثبِّت العامل في رأس المال بقوة أكبر من أسافين Hephaesus التي تشد بروميثيوس إلى الصخرة.

إنها تجعل تراكم البؤس شرطا ضروريا لتراكم الثروة . فتراكم الثروة في مستوى هو تراكم البؤس في الوقت نفسه، وعذاب العمل والعبودية والجهل والوحشية والتدهور الأخلاقي ، أي إلى جانب الطبقة التي تنتج منتجها الخاص كرأسمال”. (نفس المرجع أعلاه ص 789-799).

إلى أن يصل ماركس في رسم الصورة الدرامية إلى قمتها حيث يؤكد الارتباط الضروري والشرطي بين التراكم والبؤس بمعنى أنه كلما اتسع التراكم اتسع معه البؤس حيث تنتج الطبقة العاملة هي بيدها راس المال الذي يستغلها.

من الروبط إلى كورونا:

مع الروبط تنتقل علاقة العامل بالالة إلى مستوى طبقي جديد أكثر تعقيداً. صحيح أن الآلة أداة قوية وفعالة لمنافسة العامل وإخضاعه وحتى ابتلاعه وإعادة إنتاجه كما يريد الراسمالي ان يراه، اي على شاكلة ماكينة بيولوجية. لكنه مع بؤس حاله هذا، يبقى يعمل في موقع عمل ما وتحت درجة ما من الاستغلال الذي تحت طائلته يواصل الإنتاج وهذا الأهم. لكن الروبط ، كاداة بيد طبقة لم يكن الهدف منها العلم لأجل العلم والإنسانية بل لمصارعة العامل، فهي تطرد العامل من سوق العمل تماما. وعليه، كلما اتسع استخدام الروبط وتعقدت المهام التي يقوم بها كلما تم حذف أعداد كبيرة من قوة العمل من السوق.

لهذا معانٍ كثيرة من بينها مواصلة راس المال لجريمته الممتدة وهي تحقيق وضعية دفع الأجر الأدنى للعامل، أما أهمها وأخطرها فهي أن الماكينة التي هي بيد الأقلية المتصاغرة العدد تقول على لسان الرأسماليين، لا بد من تقليص عدد البشر، فهناك اعداد كبيرة وتتزايد من الناس لم تعد ضرورية للحياة، ومن هنا تولدت  وتطورت الأمراض النفسية التي “بادر” بها القس مالثوس والداروينية الجديدة وصولا إلى كيسنجر  وبيل جيتس وطبعا عائلات المال التي تعمل على فرض الحكومة العالمية.

ولكن، لو ذهب راس المال بعيدا في هذا الاتجاه، فهل المواجهة هي في دفع الراسمالية – قبل تصفيتها- إلى ضبط الحلول محل البشر وتوجيه التقنية باتجاه تشغيل كل الناس في ظروف افضل ولساعات عمل أقل. لماذا؟

ذلك لأن هدف رأس المال في التحليل الأخير هو التراكم، والتراكم هو ناتج التشغيل والاستغلال، ولكن المفارقة أن هدف راس المال هو الانتقال من الإنتاج للتوزيع  للبيع  ومن ثم التراكم. والتراكم يحتاج مستهلكين، ولكن كلما قل عدد المستهلكين، قل التراكم.

قد يقول المرء، بان الراسمالية في المركز ستزيد التوجه للتسويق في المحيط! بل وتنقل مواقع الإنتاج إلى هناك، كما نقلت راس المال العامل الإنتاجي…الخ منذ سبعينات القرن المنصرم. ولكن دُعاة مناعة القطيع لا يستثنون المحيط من تقليص عدد البشر، بل هو قيد الاستهداف الأشد.

ليست لدينا إجابة على هذا السؤال سوى :

  • وجوب النضال لوضع قانون إنساني يضبط هجوم الآلة على البشر
  • أما الأهم فوجوب إسقاط النظام الراسمالي والانتقال إلى الاشتراكية ليكون العمل والإنتاج لصالح البشر وليس بحافز ولصالح الملكية الخاصة ويتم تجاوز قانون القيمة وكذلك التراكم لأجل طبقة لا لأجل مجتمع وإخضاع التقنية مهما تطورت لصالح البشر وتكييفها لخدمتهم وليس مكننة البشر. ولا مجال هنا للذهاب بعيدا إلى إلغاء العملة والدولة…الخ.

كشفت تجربة إغلاق مواقع العمل والأسواق والشوارع في عديد بلدان العالم وخاصة المركز الراسمالي عن تجربة خطيرة مفادها فرصة للسلطات الحاكمة للتحكم بمجتمعاتها. فإذا كانت بعض هذه البلدان قد طبقت سياسة “مناعة القطيع”، فإن الأخطر هو “تطويع القطيع” . وفي الحالتين كان معظم الموتى من الفقراء علاوة على أن كثير من التحليلات قد اثبتت أن نسبة ضحايا كورونا هي أقل بكثير مما تُروج الحكومات وبانها اقل بكثير من عدد ضحايا العديد من الأمراض.

اثبت تطويع القطيع أن بوسع الحكومات احتجاز الناس وتجويعهم وتفكيك علاقاتهم وتواصلهم ومنعهم من العمل، اي منعهم من الحصول على مداخيلهم لمواجهة الحاجات الغذائية فما بالك بالعلاج،  وحتى تسهيل موت الكثيرين دونما احتجاج اجتماعي.

هذا التسهيل والتساهل في الموت يعني تجربة ناجحة لتقليص عدد البشر، وهنا تحضرنا ملاحظتان:

  • على فرض أن “الحكومة العالمية” سوف تتمكن من تقليص عدد البشر إلى أقل من سدس سكان العالم، وربما اقل وأقل إلى جانب زيادة إحلال الروبط محل البشر والاستغناء عن قوة العمل وكذلك إلى جانب زيادة وحدات الإنتاج بشكل خيالي بناء على التقدم التكنولوجي فهذا يذكرنا باسطورة حي بن يقظان الذي تمنى أن يصبح كل ما يلمسه ذهبا وحين حصل ذلك مات جوعاً. فمن الذي سوف يستهلك تلك المنتجات المتزايدة مقابل تناقص البشر، وهذا عكس القانون الذي تخيله مالثوس أي زيادة البشر بمتوالية هندسية بينما زيادة المنتجات بمتوالية حسابية. لذا ، إلى أن يتم الانتقال إلى ما بعد الراسمالية، لا بد من نضال بشري لضبط قيام راس المال بتكريس طغيان التكنولوجيا على البشر.

وهكذا، فإن تجربة الاستغلال والإهلاك والتجهيل وحتى التفكيك الجسدي للعمال وصولا إلى حلول الروبط محل قوة العمل واليوم كارثة وباء كورونا بغض النظر عن كون الوباء تصنيعا أم لا، فإن الصراع على اشده وسوف يشتد أكثر بين قوى الإنسانية وأعدائها. فالغرب بزعامة امريكا يحاول حصر إنتاج اللقاح بيده واستخدامه لاستعباد الناس. وفي الوقت نفسه يشن حملة اتهام للصين بتصنيع الفايروس مطالبا بتعويض العالم عن ذلك. اي ينقل الحرب الاقتصادية والصحية المعولمة إلى عملية تحصيل ريع صحي بالمجان من الصين. وسيكون الحد الأدنى الذي يحاول الغرب كسبه هو النجاح في تحريض  دول وإرغام أخريات على عدم التبادل مع الصين لإضعاف اقتصادها ومن ثم تحصيل تركم أعلى لدى الغرب سواء بالتراكم بالريع الصحي أو بالبيع وخاصة لدول المحيط التي تستورد الكثير.

وهذا يفتح على دور طبقة الكمبرادور التي ليست عدوة للصناعات المحلية وحسب، بل كذلك للطبقة العاملة في المحيط نفسه لأنها تحتجز نمو الصناعة والزراعة المحليتين لصالح ما تستورده، وبالتالي تدفع باتجاه بطالة عمالية وتهميش واسعين وتصدير قوة العمل المحلية المتعلمة والممهَّنة إلى الخارج مما يزيد من فراغ البلد، هجرة العقول والأجساد. وبالطبع يصبح هؤلاء العمال في مأزق اشد مع رفض الغرب استقبال مهاجرين سوى بانتقاء وفلترة هائلة.

بالوعي السياسي الطبقي دفاعا عن حقهم في العمل وفي ما ينتجونه ودفاعاً ضد مكننة الجسد ولجم العقل اصبح على الطبقة العاملة أن تدافع عن مجرد وجودها البيولوجي هذا يستوجب بلا مواربة النضال من أجل الاشتراكية. فهذا التفاقم في شروط الثورة يجعل الحضور الأقرب للثورة وجوبا لا جوازا. وهذا يعيد لعبارة “الراسمالية تحفر قبرها بيدها” رونقها وضرورتها. ولكن لا يحسم في هذا سوى الوعي السياسي الطبقي المنظم.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.