تَوقّع صندوق النقد الدّولي، في تقرير نشره في آذار/مارس 2020، قبل ظهور تأثيرات انتشار وباء “كوفيد 19” أن تبلغ قيمة عجز الموازنة نحو 28,3 مليار دولارا، للعام المالي 2019/2020، الذي ينتهي في الثلاثين من حزيران 2020، وأن تبلغ نسبة التضخم الرسمية نحو 10%، ونسبة البطالة نحو 10,5% من قوة العمل، وهي دون الواقع بكثير، كما مجمل النِّسَب الأُخْرى.
أقر صندوق النقد الدّولي، في الحادي عشر من أيار/مايو 2020، قَرْضًا طارئًا للحكومة المصرية، بقيمة 2,8 مليار دولار، “بموجب أداة التمويل السّريع”، التي طرحها الصندوق للدول التي تضررت من انتشار وباء “كوفيد 19”.
أعلنت الحكومة المصرية، من جهتها، يوم 26 نيسان/ابريل 2020، إنها طلبت قرضًا جديدًا (قصير المدى) من صندوق النقد الدولي، بقيمة خمسة مليارات دولار، يتم صرفها على أقساط، بداية من شهر حزيران/يونيو 2020، لتعزيز قدراتها “على مواجهة الصدمة الإقتصادية الناتجة عن أزمة فيروس كورونا… ومواصلة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي” الذي اشترطه الصندوق، في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، عندما أقْرَضَ الحُكومةَ المصرية 12 مليار دولارا، لفترة ثلاث سنوات، ما رفَعَ الديون الخارجية للدولة إلى 109 مليارات دولار، في أيلول/سبتمبر 2019 (إضافة إلى 4,1 تريليونات جنيه من الديون العامة المحلية)، ونَفّذت الحكومة هذه الشروط التي أضرّت كثيرًا بالأُجَراء والعاملين، وخصوصًا بالفُقراء، إذ بلغت نسبة الفقر المُطلَق مع نسبة المُعَرّضِين للوقوع في الفَقْر، نحو 60%، فيما تتجاوز نسبة من يعيشون بأقل من دولارَيْن (أي تحت خط الفقر) ثُلُث الشعب المصري، بحسب بيانات البنك العالمي، في أيار/مايو 2019، وأعلنت الحكومة، وخبراء الصندوق استخدام القرض “لدعم الموازنة العامة وميزان المدفوعات بالسلع الأساسية، ومعالجة الآثار السلبية للإنخفاض المُتوقّع للموارد وللعائدات بالدولار”، وانخفضت العائدات بالدولار، بسبب التوقف الإقتصادي، الذي سببته جائحة “كوفيد 19″، وانهيار السياحة والتجارة، ما أدى إلى انخفاض عائدات قناة السويس، وتأثر العُمال المصريون بالخارج من انهيار أسعار النفط بالخليج، ومن توقف الحركة الإقتصادية في العالم، فانهارت تحويلاتهم بالعُملات الأجنبية، وفقدت مصر بذلك هذه العائدات، بالإضافة إلى انخفاض عائدات الصادرات، وتراجع الإستثمارات الأجنبية المباشرة، ما أدى إلى انخفاض رصيد المصرف المركزي من احتياطي النقد الأجنبي بنسبة 11%، خلال شهر واحد، من نحو 45 مليار دولار بنهاية شباط/فبراير 2020، إلى أقل من أربعين مليار دولار، بنهاية شهر آذار/مارس 2020، وإلى 36 مليار دولارا، بنهاية شهر أيار/مايو 2020، وبلغت قيمة مدفوعات الفوائد على الدّيُون نحو 570 مليار جنيه مصري، أو ما يُعادل 36,2 مليار دولارا، خلال العام المالي 2019/2020.
لم يتم الإعلان الرسمي من قِبَل صندوق النقد الدولي، عن قيمة القرض، سوى يوم الجمعة 05 حزيران 2020 (في ذكرى هزيمة جيوش الأنظمة العربية سنة 1967)، ووَصف الصندوق القرضَ بأنه ” برنامج استعداد ائتماني” لمدة 12 شهر، بقيمة 5,2 مليارات دولار، بعد أن أقامت بعثة الصندوق، في الفنادق الفاخرة، على حساب الشعب المصري، من 19 أيار/مايو إلى 05 حزيران/يونيو 2020، وَوَعد صندوق النقد الدّولي بالتّدخّل لتيْسِير حصول الحكومة المصرية على قُرُوض أخرى، لتصل القيمة الإجمالية للقروض التي حصلت عليها مصر، منذ بداية العام 2020، من صندوق النقد الدولي وحده، إلى نحو ثمانية مليارات دولار، وليرتفع إجمالي القروض التي حصلت عليها مصر منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وحتى شهر حزيران/يونيو 2020، من صندوق النقد الدولي، نحو عشرين مليار دولارا، ليصل حجم الدّين الخارجي المصري، هذا العام إلى نحو 111 مليار دولار، أو ما يعادل 135% من إجمالي الناتج المحلي، وبلغت قيمة إجمالي القروض التي حصلت عليها الحكومة (من مختلف الدّائنين) 13 مليار دولارا، خلال ثلاثة أشهر، وحتى بداية حزيران 2020، فيما تراجعت قيمة الجنيه أمام الدولار بنحو 10%، وتُقدَّرُ الفجوة في تمويل الموازنة الجديدة (بداية من 1 تموز/يوليو 2020) بنحو 16 مليار دولار، وتعتزم الحكومة طرح سندات جديدة بقيمة أربعة مليارات دولار، وأقرت الحكومة الاقتطاع من رواتب العاملين في القطاع الحكومي لمصلحة الموازنة العامة، ولم تنخفض أسعار الطاقة، رغم انخفاض سعر برميل النفط في الأسواق العالمية، وكانت وكالة رويترز قد نشرت في الثاني والعشرين من شهر نيسان/ابريل 2020 بيانًا تحليليا لمشروع الموازنة المصرية للسنة المالية 2020-2021، قبل ظهور النتائج النهائية للأزمة الناتجة عن انتشار وباء “كوفيد 19″، وأظهر التحليل أن حكومة مصر تستهدف خفض دعم مشتقات النفط بنسبة 47%، بعد أن فرضت زيادة أسعارها بنسبة 30% في تموز/يوليو 2019، للمرة الرابعة منذ الربع الأخير من سنة 2016، وأشارت “رويترز” أن الحكومة تعتزم زيادة الإيرادات الضريبية بنحو 12,6%، لتبلغ نحو 964,8 مليار جنيه، أو ما يُعادل 61,5 مليار دولارا…
تضرّر الفُقراء والمياومين وصغار الحرفيين، في مصر (كما في كل البلدان) من آثار انتشار وباء “كوفيد 19″، وتوقف الاقتصاد وفقدان الوظائف، دون الحصول على أي تعويضات من الدّولة، بالإضافة إلى من يعملون في الإقتصاد الموازي ( حوالي 50% من حجم الإقتصاد المصري)، ما يُنْذِرُ بتوسيع دائرة الفقر، وتراجع دخل فئات الأُجراء والعاملين من الفئات الدّنْيا (الواقعة في أسفل السُّلّم الوظيفي والإجتماعي) والفئات متوسطة الدّخل، وتُعاني مجمل هذه الفئات من تعويم وخفض قيمة العُمْلَة المحلية (الجنيه ) ومن إلغاء الدعم عن الوقود والنقل والطاقة والغذاء والدّواء، فتضاعفت الأسعار، وانخفضت القيمة الحقيقية للرواتب ولدخل الفُقراء والفئات المتوسطة، ما رفع من نسبة الفُقراء، أو المُعَرّضين للفقر، إلى نحو 60% من سُكان البلاد، بحسب البنك العالمي (أيار/مايو 2019)، مع انقطاع دخل العاملين في القطاع الموازي وفي التجارة، وحتى العاملين في الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، ومجموع الفئات التي لم يشملها الدّعم الذي وعدت به الحكومة والمصرف المركزي، ولكنها تأثّرت كثيرًا بالإجراءات الحكومية، ومن تنفيذ “برنامج الإصلاح الاقتصادي”، الذي اشترطه صندوق النقد الدولي، والهادف إلى إلغاء الدّعم وخفض الإنفاق الحكومي، وزيادة الضرائب على الدّخل والضرائب غير المُباشرة، على استهلاك السّلع والخَدَمات…
سبق أن اتخذت الحكومة المصرية، خلال فترة حكم أنور السادات، قرارات مُشابهة، وأعلنت خفض الدعم عن السلع الأساسية، كالغذاء والطاقة، فانطلقت مظاهرات شعبية واسعة، أيام 17 و 18 كانون الثاني/يناير 1977 (انتفاضة الخبز، مثلما حصل في المغرب وتونس والأردن، وغيرها)، فاضطر نظام كمب ديفيد (اتفاقية الإستسلام للصهاينة) للتراجع، واتهم “الشيوعيين” بتحريض الفُقراء ضد النظام الذي تدعمه الإمبريالية الأمريكية والصهاينة، وكان أنور السادات قد وَعَدَ الشعب المصري بالرخاء الإقتصادي وبِرَغْد العيش، بفضل خروج مصر من جبهة المُواجَهَة للعدو الصهيوني، وادعى تخصيص مبلغ الميزانية العسكرية للإنفاق على توفير ما يحتاجه الشعب المصري من سلع وخدمات، ولكن ورغم التزام كافة الحكومات التي تعاقبت، بعد اغتيال أنور السادات، باتفاقيات الإستسلام، وبالتطبيع مع الكيان الصهيوني (بما فيها حكومة الإخوان المسلمين)، ساءت حال أغلبية المواطنين، وارتفعت نسبة الفقر وحجم الديون ونسبتها من الناتج المحلي الإجمالي…
شرعت حكومة خليط الجيش ورجال الأعمال (حكومات المُشِير عبد الفتاح السيسي وشركائه)، منذ الحصول على قرض صندوق النقد الدّولي في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، في خفض عدد المُسجّلين على قائمات الدّعم، وخاصة دعم الخبز الذي يستهلم منه المصريون نحو 250 مليون رغيف يوميا، وشطبت منها نحو نصف مليون في البداية، حتى وصل عدد المشطوبين من قوائم الخبز والأرز والزيت والسكر المدعوم إلى عشرة ملايين، خلال ثلاث سنوات، بنهاية سنة 2019، ولم تُسجل الدولة حوالي خمسة ملايين طفل على بطاقات الأُسَر، ثم تطورت “تقنيات” خفض عدد مُستحقي الدّعم، لتشمل استهلاك الكهرباء، فشطبت أكثر من مليوني مواطن من البطاقات التموينية، وبلغ عدد المحذوفين من بطاقات الدعم، عشرة ملايين مواطن، بنهاية شهر نيسان/ابريل 2020، بحسب بيانات الحكومة، بذريعة “توجيه الدّعم للمستحقين، دون سواهم”، واستغلت الدّولة مراقبة البطاقات التموينية، لتجمع كافة المعلومات وإنشاء قاعدة بيانات ضخمة تضم كافة المواطنين، من خلال مراقبة فواتير الكهرباء والهاتف والضرائب وملكية السيارات والأراضي، وغير ذلك من البيانات، مع الإشارة أن الحكومة لا تُراعي نسبة التضخم التي ارتفعت إلى 13% سنة 2019، فارتفعت الأسعار وانخفضت قيمة الرواتب، خاصة مع انخفاض قيمة الجُنَيْه المصري، مقابل الدولار…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.