آليات حتمية لتدفيع العمال والفلاحين كلفة كورونا، عادل سماره

ضمَّنت مقالي ” الوجه الطبقي للوباء…عبودية العمل، مكننة العامل وتجاوز الرأسمالية” المنشور مؤخراً أن استكمل الكتابة عن الضحية الكبرى لكل من التطور التكنولوجي/الآلة ووباء كورونا في لحظة من التاريخ البشري الجاري حيث تتقاطع أزمة اقتصادية مع أزمة صحية ويضيف راس المال إلى آليات الاستغلال الطبقي الاقتصادي ضد الطبقات الشعبية آلية جديدة هي الاستغلال الطبي/ العلاجي، أي شركات تصنيع الأدوية والعلاجات التي تملكها شريحة من الطبقة الراسمالية طبعا مع وجوب الانتباه بأن رؤوس الأموال تتشارك وتتداخل  بل تندغم من قطاع صناعي  ومالي إلى آخر، كما يندغم جهاز السلطة الإداري مع الشركات، أما الرشكات فيقتل الأقوى الأضعف مما يؤكد تشارك الحيتان في الأرباح اينما حصلت.(ذات يوم قال هرون الرشيد إبان الإمبراطورية العربية الإسلامية للغيمة:أينما تذهبين يأتيني خراجك).

تكمن أهمية بل خطورة را س المال  ولا شك بأن للأمر الصحي حساسية مهولة على وعي الناس وقلقلهم على البقاء الأمر الذي يقودهم إما  إلى الاستسلام لنهبه إياهم كخراف العيد، أو الثورة: اي موقفين حدِّيّيْن ولا توسُّط بينهما.

لم يكن الوباء هو مسبب الأزمة الجارية في الكوكب حالياً حيث عانت اقتصادات العالم حالة من الهبوط/الانحسار قبيل الوباء نفسه . فقد توقع صندوق النقد الدولي بشكل متحفظ انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 3٪. وتشير التقديرات إلى أنه ستكون هناك خسارة في الإنتاج تبلغ 9 تريليون دولار  في جميع أنحاء العالم ومن المرجح أن تكون الأرقام أكبر بكثير على ضوء تواصل الإغلاق وإن بمستويات متعددة من بلد لآخر، هذا دون ان نتحدث عن مدى مصداقية وبالتالي خطورة الموجة القادمة  للوباء في العام المقبل.

كما سيسجل الإنتاج/المخرجات في معظم القطاعات هبوطا بنسبة 25 بالمئة  أو أكثر طبقا لتقديرات منظمة البلدان الصناعية المتقدمة، وسيؤثر الإغلاق بشكل مباشر على قطاعات تشكِّل ثلث الناتج الأهلي الإجمالي للإقتصادات الرئيسية.

كما  أدى جني الأرباح والأموال المقترضة في السندات والأسهم إلى خفض أسعار الفائدة ورفع مكاسب رأس المال وأسعار الأسهم. وأطلقت الشركات برنامجًا لا ينتهي لإعادة شراء أسهمها واقتراضاتها لتعزيز أسعار الأسهم باعلى جدامن قيمها الحقيقية في عملية مولنة كبرى مما أسس للتمويل الهائل للاقتصاد الذي وصل إلى أبعاد ضخمة اليوم مع تركيز أكبر وأكبر للمال في أيدي عدد قليل من الناس. كما شهدت الأسواق الناشئة زيادة كبيرة في الديون بينما تباطأ النمو، ولا شك أن استمرار بلدان المحيط في :

  • استيراد الأساسيات من المركز
  • واضطرارها للاستدانة

والتزامها بقرار صندوق النقد الدولي بأن يتم حصر القروض في شراء الأدوية والمنتجات الصحية

كل هذا سيؤزم الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية الصحية والنفسية أكثر في هذه البلدان.

وتكامل أو تساوق هذا مع  دخول بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على الخط لضخ مبالغ هائلة من الائتمان من خلال شراء السندات والأدوات المالية حتى تتمكن البنوك والمؤسسات من إبقاء انفها فوق الماء. لكن هل ستؤثر مثل هذه الأدوية هذه المرة؟  يعتقد جيم ريتشاردز(المستشار السابق لوكالة المخابرات المركزية والبنتاغون) أنه لن يزيد الطلب، أخذا بالاعتبار  أن الطلب اي الاستهلاك أي الشراء هو التعويذة التي تُتلى صباح مساء في النظام الرأسمالي وخاصة الأمريكي.

لقد حذر جيم ريتشاردز وكذلك الاحتياطي الفيدرالي ، من تأثير تهاوي الدومينو المكون من خمس خطوات في الولايات المتحدة (على الأرجح في المستقبل القريب جدًا) وهي:

“…الكساد الأول يؤدي إلى بطالة هائلة ، مع أكثر من 50٪ من أولئك المعرضين للخطر. ومع حبس الناس في بيوتهم وعدم توفر القدرة الشرائية الكافية لديهم بسبب البطالة والعزلة ، أي بناء على هذا وكنتيجة له، لن يكون هناك طلب على السلع. ومع حصول الإغلاق لأول مرة في التاريخ لدينا صدمة عرض وطلب معاً نظرًا لأن هذه الأزمة لا تبدأ بانهيار مالي (مثل عامي 1930 و 2009) ، فلن يكون لخفض أسعار الفائدة وضخ الأموال تأثير طويل المدى لإنعاش الاقتصاد.

ثانيًا ، سيكون الدومينو التالي إفلاسًا كبيرًا حيث لن يكون هناك طلب على السلع ، وبالتالي لن تكون هناك مبيعات.

ثالثًا ، ستنتشر العدوى إلى العقارات حيث لن يتمكن الناس من دفع رهونهم العقارية … هذا السوق الذي تبلغ تكلفته 16 تريليون دولار سوف ينهار، علماً بأن البلد لم يتجاوز بعد الأزمة الجارية ل 2008-9، ناهيك عن الأهم وهو ملايين الأسر التي فقدت بيوتها وما دفعته من أقساطها حينما عجزت عن مواصلة دفع اقساط الرهون العقارية في امريكا خاصة. مهم جدا هنا التنبيه إلى أن الرأسماليين عادة يتحدثون عن الاقتصاد والأرقام بعيدا عن تاثيرها على البشر وفي هذا خبث وتعالٍ كبيرين!

رابعًا ، سيكون الدومينو الرابع انهيارًا في الصناعة المصرفية مع أزمة ائتمان ، بسبب انهيار ائتمانات الناس وإفلاساتهم في الصناعة.

5 الانهيار الكامل لمجتمعنا وسيادة القانون.”

ربما تكفي هذه الصورة المتشائمة لتوصيف ما سيحصل لا سيما وأنها من تشخيص أحد أعمدة النظام السياسي الاقتصادي الأمريكي.

ما يهمنا في استكمال هذه المقالة هو ما لحق وسيلحق بعمال العالم من خسائر فادحة حيث تأثر 2.7 مليار عامل الآن بإجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي ، ويمثلون حوالي 81 ٪ من القوى العاملة في العالم البالغ عددها 3.3 مليار ، ويواجهون الآن انخفاضًا كبيرًا في دخلهم وعملهم.

وبالطبع، فإنه للقيام بذلك وتخفيف جزء من معاناة أولئك الذين طُردوا من العمل أو لا يعملون، أو حُبسوا في منازلهم…الخ ، فإن الحكومات الغربية  قد وضعت الأموال في حسابات أولئك المتضررين، ولكن كان ذلك بمقادير ضئيلة، مقارنة بحصة حيتان راس المال، لن تقود إلى زيادة الطلب كما أُشير أعلاه.

يأخذنا هذا إلى ما تناوله ماركس في عمله الكبير “راس المالDas Capital  ” نقصد مفهوم “الفائض السكاني النسبي” وهو ما يحصل في الظروف العادية في النظام الراسمالي أو في الأزمات العابرة فما بالك بالأزمة الجارية التي يتوقع كثيرون بأنها سوف تتجاوزفي مفعولها الاجتماعي الاقتصادي أزمة 1929!

يقصد ويحصر ماركس الفائض السكاني النسبي في الطبقة العاملة وفقراء الفلاحين، اي كل من يعرض نفسه في السوق كعامل مأجور أو لا يرى نفسه “سلعة” مطلوبة للاستغلال كالمضيعين طبقياً.

صنفهم ماركس لثلاثة فئات: المعومة، والكامنة والراكدة.

Karl Marx, Capital: A Critique of Political Economy, Volume I, trans.Ben Fowkes (London: Penguin Classics, 1990). P. 794

ويقصد بالمعومة الناس الذين تمت بلترتهم  وهم عمال ماجورين ب دوام كامل كان تم إخراجهم من السوق مؤقتا لسبب او آخر. وعاشوا بطريقة ما فترة بطالة قبل استيعابهم مجددا في التشغيل نظرا لتحسن شروط التراكم.

وهذه هي الفئة الأساسية في هذا الفائض، والتي لا شك هي الآن محبوسة في البيوت، اي تم إخراجها من العمل قسرا وبأعداد هائلة، والسؤال هذه النسبة من العمال مضافة إليها النسبة المعوَّمة اصلاً كيف ستتعامل معها الرأسمالية في الظرف الحالي، وهل ستطول مدة عدم إعادة استيعابها في العمل ، بل ستطول حقاً وهذا يؤكد التوقعات بتعميق وتعمُّق الأزمة الاقتصادية الاجتماعية والتي علينا قرائتها صحيا بل وجوديا فيمايتعلق بحال العمال واسرهم.

الكامنون هم اناس لم يتبلتروا بعد، وهؤلاء بتعبير ماركس هم الفلاحين  الذين لم يتم استيعابهم في نظام  العمل الماجور .يقود تدمير النظام الزراعي الكفاف للفلاحين والسكان الاصليين  وبلترة العالم الريفي  بدفع اعداد كبيرة من هؤلاء الى قوة العمل المأجور.  (هذه حال الصين والهند  والمكسيك في العقود الاخيرة). 

والذي يبدو أن الصين قد نجحت إلى درجة كبيرة في هذا الأمر رغم أن تفكيك الكميونات منذ أن وصل للسلطة دينغ هيساو بينغ قد أفرز عشرات ملايين الفلاحين الذين تحولوا إلى المدن كعمال مأجورين كي يُضاف جهدهم لصالح تراكم راس المال المحلي والأجنبي.

” انظر ز. هون كسيو، الاقتصاد السياسي لتفكيك الجماعيات في الصين، في مجلة مونثلي ريفيو العدد 1 ايار مجلد 65  لعام 2013. مترجم في كتاب عادل سماره ” التعاونيات/ الحماية الشعبية  اصلا أم تقويض للراسمالية” دون دار نشر سنة 2018 ص ص 150-178).

وعن الحالة الهندية كتب كوباد غاندي :

“…لم تكن حالة المهاجرين في الهند سيئة للغاية منذ الحكم البريطاني كما هي اليوم. الملايين معدمون فعليًا يضطرون للتسول للحصول على لقمة من الطعام في المدن / البلدات التي ساعدوا في بنائها. لكن هذا ليس سوى قمة جبل الجليد ، لقد فقد آخرون وظائفهم ، ودُفعت قطاعات كبيرة من الطبقات المتوسطة وأصحاب المهن الحرة إلى حالة من العجز ، وعدم وجود مكان ، ومشاكل نفسية. ويتعرض كبار السن لمضايقات من قبل الشرطة والمجتمع كما لو أن كل شخص مشتبه بإصابته بكورونا… ويضيف ايضا….

لكن بالفعل في الهند نرى محنة الملايين من المهاجرين الذين ليس لديهم طعام ليأكلوه أو ناقلات للعودة إلى قراهم ؛ وصدمة الملايين الآخرين المحبوسين في منازلهم (معظمها 10 × 10 م، مع عائلات بأكملها) مع تدمير مصدر دخلهم. المستقبل أكثر غموضا. ربما مزيج من الاثنين قد يدمر مناطق بأكملها من العالم ، أسوأ بكثير من الكساد الكبير”.

Kobad Ghandy: A Sceptre is Haunting the World, 6 June 20.

URL: http://www.mainstreamweekly.net/article9469.html

ويُدرج ديفيد هارفي النساء والاطفال في هذه الفئة من  العمل المأجور حيث أن تجاوز النظام المنزلي  لعب دورا في  ادراجهم حتى اليوم في الفئة الكامنة هذه (تحويل النساء الى عمود فقري للعمل الماجور  في اماكن عديدة من العالم النامي).( David Harvey, A Companion to Marx’sCapital, Verso, London, New York2010  )

ولكن بالطبع، فإن هذه الفئة تعاني اليوم من الإغلاق كما تعاني بقية فئات/طبقات المجتمع. وهنا نستذكر استخدام راس المال لرجال الدين وخاصة الكاثوليك الذين طالما لعبوا دور المثقف العضوي لرأس المال فكلما حصلت أزمة اقتصادية فإذا بهم يدعون النساء ليبقين في البيوت ويعتنين بالأطفال كي يثبتن انهن كاثوليكيات حقيقيات! بينما في فترة الرواج لا يتحدثون عن وجوب كونهن “كاثوليكيات حقيقيات”.

ويضيف هارفي لهذه الفئة المنتجين المستقلين من البرجوازية الصغيرة  والحرفيين  الذين تم اقتلاعهم  على يد راس المال الكبير  فاضطروا لدخول سوق العمل.

وقد تكون هذه الفئة تحديدا الأكثر إشكالية على ضوء كورونا حيث ان الإغلاق يقود بدرجة كبيرة لإفلاسها. هذا من جهة ، ومن جهة ثانية،فهذه الفئة سيكون من الصعوبة بمكان تأهيلها نفسيا لتعمل كعمالة مأجورة، هذا إذا توفرت فرص العمل.

والفئة الثالثة هي قوة العمل الراكدة، وهي الفئة من السكان التي لا تعمل بشكل منتظم ابدا ومن الصعب تحريكها. هي الفئة الدنيا  في القاع والذين لم يركز عليهم  التي وصفها ماركس “في مجال الافقار”   وتتضمن المشردين  والمجرمين  والمومسات  او باختصار البروليتارياالرثة.  وبين هؤلاء كذلك اولئك المفقرين الذين  بوسعهم العمل  وكذلك الأيتام  والاولاد الفقراء. هؤلاء مرشحين الى جيش العمل الصناعي ، وفي فترات الازدهار يتم تجنيدهم في جيش العمال الناشطين بسرعة وباعداد غفيرة.  ولكن هناك فئة رثة بالية لا يمكن تحريكها  او لا يمكنهم العمل حيث يعيقهم عجزهم عن التكيف.  هؤلاء اسماهم ماركس “ملجأ جيش العمل الفاعل”  وغالبا لا يمكن تحريكهم الى قوة العمل الماجور.

لقد تسائل ماركس: كيف يمكن للعمال الكامنين ان يعودوا الى العمل  بصحة كافية؟ فظيع!  ترى ماذا كان سيكتب الرجل لو عرف أثر جائحة كورونا حيث الحبس المنزلي وقلة النقود للاستهلاك الضروري؟ ألا يؤكد هذا توجه النظام الراسمالي إلى التخلص من البشر الأبرياء؟

كما يتسائل ماركس، ما الأفضل للراسمال تشغيل العمالة الكامنة او المعومة  بينما الراكد يصعب تحريكه، وهذا صحيح، ولكن كما يبدو فإن راس المال في غِنىً متزايدعن هؤلاءجميعا وحتى عن كثير ممن هم على راس عملهم قبل الإغلاق.

وكما اشرنا في المقال السابق المشار إليه أعلاه، يرى ماركس ان مراكمة البؤس شرط اساسي لتراكم راس المال الثروةKarl Marx,  ibid, pp 998-999.

لقد كشفت الأزمة الجارية عن عيوب أخرى كامنة في النظام الراسمالي، فبعد ان دار الحديث بل الترويج لمزاعم أن العالم قرية واحدة /قرية عالمية مفتوحة ابوابها او حتى أن العولمة خلَّعت تلكم الأبواب وقام راس المال بغزو بلدان المحيط عبر Out Source   والتسوق خارج حدود البلد عبر Off Shore بهدف الاستفادة من تشغيل العمالة الكامنة على صعيد عالمي،وما رافق ذلك من:

  • استغلال بشع لعمالة المحيط
  • وإفقار وتقزيم الرفاه داخل المركزإلى أعلى درجة ممكنة ، وهذا ما اسماه ماركس زيادة البؤس تواشجا مع أو لزيادة التراكم.

هنا المطلوب معالجة هذه المسائل على ضوء:

  • وباء كورونا
  • تقلص الحاجة لقوة العمل بسبب الروبوط مما يعني استثناء الفئات الثلاثة وجزء ممن هم قيد العمل

 وقد لا نبتعد كثيرا في التحليل أو التوقع بأن تقاطع ازمة الاقتصاد والصحة مع بطالة سابقة وعدم ضبط حلول الروبط محل البشرتعني إفقار موسع نتيجته فناء ضحايا غير مرئية  ولا مكشوفة اسباب وفاتهم وهذا يتقاطع ويخدم إيديولوجيا القس مالثوس التي تحوت إلى مشروع على يد: الداروينية الجديدة-كيسنجر-بل جيتس روتشيلد روكفلر…الخ للتخلص من أكبر عدد ممكن من البشر.

حاشية: رغم أن معظم المعطيات والتحليل عن اقتصادات المركز بما هي الأقوى عالميا، فمن المهم التنبه إلى أنه إذا كان هذا حال المركز، فما بالك بحال المحيط؟

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.