لم تكن المقالة التي نشرتها صحيفة العدو”يديعوت أحرنوت” يوم الجمعة 12 حزيران / يونيو الحالي لسفير الإمارات في واشنطن “يوسف العتيبة” تحت عنوان ” إما الضم أو التطبيع” خارج السياق العام الذي تنتهجه دولة الإمارات تجاه القضية الفلسطينية، منذ أكثر من عقد من السنوات في تنفيذ دورها الموكول لها من المركز الإمبريالي، وهذا ما أشار إليه “تسفي برئيل” الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” الصهيونية تاريخ 14 / 6 / 2020 حول دور دولة الإمارات تحت قيادة “محمد بن زايد” في مقالته التي حملت عنوان “السفير العربي الذي يهمس في آذان الإدارة الأميركية…” (محمد بن زايد الحاكم الفعلي للدولة، لا يتحدث فقط عن علاقات بلده ب”إسرائيل” كما تتجلى في زيارات رجال أعمال “إسرائيليين” إلى دبي، أو هبوط طائرات مساعدات في مطار بن غوريون. هو يعمل بالاتفاق مع ولي العهد السعودي من أجل الدفع قدماً بخطة ترامب).
محطات على طريق التطبيع
– جاء استشهاد ” محمود المبحوح ” القيادي في كتائب عز الدين القسام في أحد فنادق مدينة ” دبي” يوم 19 يناير/كانون الثاني 2010 ليُسقط الستار عن نشاط كبير، مقيم وليس عابر، لجهاز الاستخبارات الخارجية لحكومة العدو الصهيوني في تلك الدولة الخليجية التي تواطأت مع القتلة الذين نفذوا الجريمة أو وفروا الدعم اللوجستي لعناصرها الذين تعددت جنسياتهم “الأجنبية والعربية”.. وقد كشف نجل الشهيد المبحوح “عبد الرؤوف” في مقابلة تلفزيونية مع إحدى الفضائيات الخليجية “أواسط حزيران / يونيو 2017″ بعد سبعة أعوام على اغتيال والده ( تعرض جثمان والدي لثلاث عمليات تشريح لطمس آثار الجريمة ) متهماً قائد شرطة ” دبي” ضاحي خلفان بـ (العمل على إخفاء معالم الاغتيال والتستر على القتلة).
– نشرت صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” عن مشاركة ” شمعون بيريس” رئيس كيان العدو ( مابين أكتوبر/ تشرين أول 2007 – يونيو / حزيران 2014 ) في افتتاح مؤتمر أمني، انعقد في ” أبو ظبي” في شهر نوفمبر / تسرين الثاني 2013 بحضور 29 من وزراء الخارجية لدول عربية وإسلامية .ويعتبر”بيريس”من جيل الآباء المؤسسين للكيان الصهيوني الاستعماري، وأحد أبرز المسؤولين فيه على مدى عدة عقود . وفي واحدة من “إنجازاته” الدموية، كانت مجزرة قرية” قانا ” الجنوبية التي ارتكبها جيش العدو في نيسان/ ابريل 1996 ضد المدنيين العُزل والتي استشهد خلالها 250 مواطناً ومواطنة لبنانية.
– وصول وفد رياضي من الكيان الصهيوني لدولة الإمارات أواخر أكتوبر / تشرين الأول 2018 برئاسة ” ميري ريغيف ” وزيرة الثقافة والرياضة في حكومة العدو للمشاركة في نشاط رياضي يُقام في مدينة ” أبو ظبي” . وتعقيباً على المشاركة التي رُفع فيها علم كيان الاحتلال وعُزف خلالها ” النشيد الرسمي ” للكيان. وقالت “ريغيف” تعقيباً على الحدث ، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن (المشاركة في البطولة في الإمارات قرار تاريخي له دلالات بعيدة المدى، وفاتحة لما بعدها. وسبق زيارة الوزيرة الصهيونية إلى الإمارات مشاركة أبوظبي والمنامة في “طواف إيطاليا 2018″، للدراجات الهوائية، الذي أُقيم داخل الكيان، في شهر آيار / مايو 2018 .
– مشاركة وفد كبير من مسؤولين يضم مسؤولين كبار من القسم الجنائي والدولي في النيابة العامة الإسرائيلية، برئاسة “دينا زيلبر”، نائبة المدعي العام في “المؤتمر الثامن للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد”،خلال الفترة من( 16– 20 كانون الثاني/ديسمبر2019 ) كما جاء في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصادرة يوم الأحد 15 / 12 / 2019.
المشاركات التي تمت الإشارة إليها هي أمثلة للتذكير وليس للحصر النهائي، بأبرز المحطات التي شهدها مسار الاتصالات التطبيعية بين الكيانين. لهذا، فإن ما كتبه ونطق به السفير العتيبة، لم يكن إلاّ التعبير الواقعي عن سياسات وتوجهات حكومته “غير الرشيدة”. هذا التعبير الذي تدخل في توقيت الإعلان عنه وعلى أي منصات الإعلام “صحيفة “نيويورك تايمز” أو “واشنطن بوست” الأمريكيتين. لكن “حاييم صابان” المنتج والمستثمر والملياردير الأمريكي ” الإسرائيلي “الصديق الحميم للسفير، اقترح على العتيبة، أن يكون النشر في صحيفة عبرية واسعة داخل الكيان الانتشار وباللغة العبرية من أجل أن يحظى المقال بانتشار كبير. لذلك تم الاتفاق على النشر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي أفردت للمقال مساحة النصف الأعلى من صفحتها الثانية.
سفير بمرتبة سمسار احتلال
يُقدم “تسفي برئيل” في مقالته المشار إليها تعريفاً موجزاً بحياة السفير السياسية وبأهم المواقع التي شغلها ( يوسف العتيبة البالغ من العمر 46 عاماً يتولى منذ سنة 2008 منصب سفير بلاده في واشنطن التي تعلّم فيها وحصل على دكتوراه في العلاقات الدولية. عندما كان في الـ26 من عمره عُين رئيساً لمكتب العلاقات الدولية في مكتب ولي العهد والحاكم الفعلي في الدولة الشيخ محمد بن زايد. هو أحد الشخصيات ذات الصلة القوية مع المراجع ذات النفوذ في واشنطن وصديق مقرب من جاريد كوشنير،صهر ترامب). ويُضفي “برئيل” وصفاً لافتاً على دور السفير، قائلاً (العتيبه كان “الخاطبة” التي ربطت بين كوشنير ومحمد بن سلمان، وعمل مرشداً لكوشنير في مسائل الشرق الأوسط).
لغو الكلام وشهادات حسن السلوك
لن يحتاج أي محلل سياسي للعناء وهو يحاول تفكيك المواقف التي انطلق منها أو التي يسعى لتحقيقها السفير. فما بين ” الاستجداء ” و ” الدونية ” كانت الكلمات والتعابير، ناهيك، عن ” التضخيم المَرَضي لـ “الذات الإماراتية “المستظلة والمُتلطية تحت “قدرات ” جيش الكيان الصهيوني . في هذا الجانب يكتب العتيبة ( إن “إسرائيل” والإمارات هما دولتان لديهما الجيشان الأكثر كفاءة في المنطقة، وتتشاركان القلق حيال الإرهاب والعدوانية، وعلاقات طويلة وعميقة مع الولايات المتحدة ). الموضوعية تتطلب عدم الاستخفاف بقدرات جيش العدو الصهيوني المدعوم أمريكياً، لكن تلك الموضوعية لن تطمس حقيقة ما حصل في لبنان من انسحاب ذليل لهذا الجيش ( نيسان/أبريل 1985) وانكفائه لما سُمي “الشريط الحدودي المحتل” بعد الاجتياح العسكري الصهيوني في حزيران / يونيو 1982 . كما أن انتصارات المقاومة اللبنانية في عامي 2000 و 2006 ، وصمود المقاومة الفلسطينية في غزة بعد عدة اعتداءات وحشية على القطاع المحاصر(مابين 2008 و2014 ) تكشف للعدو قبل الصديق، فشل جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه. بل، جاء استهداف عشرات المستعمرات : مُدناً ومستوطنات ومراكز صناعية في عمق الكيان، ليشير إلى قوة الردع التي تمتلكها المقاومة وبذات الوقت إلى ضعف منظومة القبة الحديدية بالتصدي للصواريخ. أما عن كفاءة جيش الإمارات، فالجيش اليمني واللجان، قد قدموا لنا ولكل من يريد أن يسمع ويشاهد، الدليل ليس على هشاشة جيش الإمارات فقط، بل وكل عساكر جيوش التحالف ومرتزقتها، التي تُنفذ جرائم الحرب الأكثر وحشية ضد اليمن .
وللتأكيد على ذيلية الموقف الإماراتي وتبعيته لسياسات المركز الإمبريالي، يؤكد السفير التزامه ودولته بكل ” الأوامر” حتى لا نقول التوجيهات، للتموضع في الخندق المعادي للمقاومة ولقضايا الأمة التحررية. يكتب العتيبة عن مخاطر الضم الذي (سيشعل ما أسماه “العنف”) الذي يستفيد منه (المتطرفون). يعيد السفير هنا استخدام مصطلحات الغزاة المحتلين ، فالمقاومة هي العنف، ومن يقوم بها هم “المتطرفون”. وللذهاب أبعد من التوصيف ، يشدد على التذكير بموقف دولته التي يُعَبّرُ عنها (وصفنا حزب الله “تنظيماً إرهابياً”، واستنكرنا تحريض حماس )لكن، ما أضافه عن (الإدانة التي قمنا بها للاستفزازات “الإسرائيلية”) لا يعدو كونه محاولة لذر الرماد في العيون. فاحتلال الأرض، واقتلاع الشعب من وطنه بقوة السلاح والمذابح، والتعامل مع من تبقى منه، بكل أشكال القمع، والتوسع الاستعمارية القائمة على مصادرة البيوت وطرد أصحابها المترافقة مع الاعتقالات الواسعة والقتل العمد للمدنيين،هي ” استفزازات ” فقط، وتتطلب الإدانة الناعمة وبعبارات دبلوماسية.
محاولة السفير في وضع المستعمرين الصهاينة أمام أحد الخيارين “إما الضم أو التطبيع” تفضح صاحبها ومن ورائه من حيث كونها نصيحة لحكومة العدو وللتجمع الاستعماري على أرض وطننا المحتل منذ عام 1948 على أن نهج التطبيع الذي تسير فيه دولته مع آخرين، هو الذي سيوفر لكيان العدو مايمكن أن ” تُفشله “عملية الضم بما ستحدثة من صدمة للأمة والشعب الفلسطيني. لهذا، لا يتردد في القول (كل التقدم الذي رأيناه، والمواقف التي تشهد تغيّراً باتجاه “إسرائيل”، حيث أصبح الناس أكثر تقبلاً ل”إسرائيل” وأقل عداء تجاه “إسرائيل”، كل ذلك قد ينسفه قرار بالضم) . هنا، يبرز السؤال التالي : عن أي ناس يتحدث ؟ بالتأكيد، ناس عن ناس بتفرق ، له ناسه ” لى قلتهم ” ، ولفلسطين ومقاومتها وحريتها، ناسها الكُثر، وبالملايين.
خاتمة
لن يستطيع السفير وكيانات/محميات الخليج، التابعة للمركز الإمبريالي والمحمية بأساطيله وعساكره وأجهزة استخباراته، أن تجعل الكيان الاستعماري في فلسطين المحتلة، فرصة، كما يحلمون .لهذا، واستكمالاً بالسير بنهج “التطبيع” الذي أصبح تعاوناً كاملاً، وأكثر عمقاً وشمولية، جاءت مشاركة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” قبل أيام، بالمنتدى الدولي لـ”اللجنة اليهودية الأميركية” التي تُقدم نفسها على أنها (مركز عالمي لتأييد اليهود و”إسرائيل”). وقد تحدث الوزير الإماراتي عن أهمية العلاقات مع كيان العدو من خلال تأكيده على اعتبار( أن التواصل مع “إسرائيل” مهمٌ وسيؤدّي إلى نتائج أفضل من مسارات أخرى اتبعت في الماضي).
لن يكون هذا الكيان الاستعماري في وطننا المحتل، إلاّ عدواً، لشعبنا وأمتنا ولكل الأحرار في العالم، منذ إنشائه وحتى تحطيمه وإنهائه، الذي لن يكون بعيداً. لأن شعبنا وأمتنا، ستقاتل “حتى النصر دوماً “، كما قال الثائر الأممي ” ارنستو تشي جيفارا” .
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.