لا عروبة انتقاء ولا خبط عشواء ولا أمة في رجل
نقد من أجل الغد: العراق، الجزائر، وسوريا
(حلقة 4 والأخيرة)
عادل سمارة
قد يبدو غريباً الحديث عن هذه الأقطار الثلاثة معاً لا سيما في نظر المتمترسين وراء خصوصية كل قطر ليبرروا تجاوز ونفي المشترك العربي الذي هو أوسع وأقدم وهو اليوم اكثر راهنية، ومن ضمنهم في أعلى قائمة التبرير هناك المثقف المنشبك. نعم هو وطني ولكنه لا يتخيَّل نقد الزعيم أو النظام الذي يدعم أو يؤيد!.
ليست هذه المقالة لإدانة هذا النظام أو ذاك، هذا الحاكم أو ذاك، ولكنها للاستناد على معطياتها وتحليلها، إن كانت صائبة، لخدمة المشروع العروبي، مشروع الغد الذي لا بد منه ، اي استخدام التحليل النقدي لتجاوز أخطاء بل سياسات قادت إلى ما نحن فيه عربيا. كيف لا، ونحن الرجل المريض، الرجل مريض بعوامل ذاتية لا خارجية وحسب بل ومُقتتل داخليا ذاتياً. وهل هناك اخطر من حزب أو مثقف عربي اغتبط لتدمير واحتلال العراق، ثم ليبيا ثم سوريا ثم اليمن ويدعو اليوم لإخضاع مصر لقوى الدين السياسي بقيادة العدو العثماني! وهل يمكن لمثقف أن يبرر احتفاله بدمار العراق ثم يرفض دمار سوريا وليبيا! كيف إذن؟ وهل قام ايا من هؤلاء بنقد الذات. حين يُضحِّي البعض بوطن لإزاحة زعيم حاكم ديكتاتور…الخ، فإنه يسقط في موقع الخيانة. مقابل تردد هؤلاء وبعثرة مواقفهم، هناك بالمقابل مثقف الطابور السادس الأكثر إتساقاً، وانسجاما مع نفسه فهو مع العدو اياً كان ودائماً.
وإذا كانت لكل قطر خصوصيته التي هي غالباً نتاج عوامل الاستعمار والتجزئة، وإذا كان للتمسك بالخصوصية القطرية من البعض مبرر ما، فإن لهذا مفاعيلا خطيرة أهمها:
- جهل القطري بالاقتصاد السياسي أي بحقيقة أن التطور نقيض التجزئة وبأن العالم هو عالم الأقوياء لا العملاء، وبأن الاقتصاد والمصلحة المادية في الوحدة هو مدخل التطور والتحرر هو في التكامل الاقتصادي ، على الأقل، بين الأقطار العربية كي تتكامل الخصوصيات وتتهاوى التفارقات.
- وخطورة التمسك بهذا الحاكم أو ذاك سواء مضى أو هو على قيد الكرسي أو العرش. والأسوأ من بين المروجين للحاكم هو تفضيل حاكم فرد على آخر بعيدا عن الاهتمام بنظام الحكم والتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية التي كانت أو لا تزال في هذا القطر أو ذاك، فما من شخص يحكم بلدا بمفرده، ولا يمكن خلاص بلد لو قُتل الحاكم الفرد وغالبا ما يُقتل الوطن في فرد فالاستهداف للوطن.
لقد كرَّس الإعلام الغربي المعولم والعدو طبعاً مقولة خطيرة ابتلعها كثير من العروبيين إزدرادا لا هضما فكرروها وهي اختزال العداء الغربي الرأسمالي لأي بلد عربي في شخص الرئيس الذي يرفضه الغرب شكلانياً لأن الغرب يستهدف كامل الوطن العربي ، يرفض الوطن والشعب وليس الرئيس الفرد، لذا كرر الغرب العداء لعبد الناصر كأن الصراع بين شخصه والإمبريالية، ثم جاء دور صدام حسين، وحافظ الأسد وعمر القذافي.
كما بودي التنبيه بأن معالجة هذه الحلقات للأقطار الجمهورية سواء بالتحليل أو النقد وعدم تناول الممالك والمشيخات والإمارات…الخ ذلك لأن هذه خارج سياق المسألة العروبية فهي ضد الأمة العربية بل في صف الأعداء اي الثورة المضادة ولذا، فالتناقض مع هذه الأنظمة تناحري.
وبوضوح، هذه كتابة نقدية قد أو ستثير كثيرا من النقد واللغط والانفعال …الخ، ولكن هذا الاعتراض أو الرفض في عرف أهمية النقد، بما هو ديالكتيك التقدم، هو رفض بلا وزن لأنه كلام بلا وقائع ومن ثم بلا روح. ذلك لأن من قبيل خدمة الطبقات الشعبية في الوطن العربي لا بد من نقد حامض والنقد في حالات عدة يمتد ليعانق الحُلم، اي التوجه إلى اللاحدود واللامحدود. بكلمة أخرى، مصير هذا الوطن هو الوحدة والاشتراكية المتقدمة وإلا فلا.
بين الانقلاب والتحالف التاريخي
كنت أعددت مسودات الحلقات الثلاث السابقة قبل 19 حزيران الجاري وهو يوم الانقلاب ضد الرئيس الجزائري الأسبق احمد بن بيللا عام 1965، وهو يوم محفور في ذاكرتي منذ المرحلة الجامعية الأولى، فآثرت نشرها قبل هذا المقال عن الانقلابات.
شهدت هذه الأقطار الثلاثة إنقلابات عسكرية منذ استقلالها. لكن وفي الأسطر التالية من هذا المقال لا نرصد مسلسل الانقلابات ضد الأنظمة التابعة أو الرجعية…الخ بل الانقلابات داخل التيار أو الحزب الحاكم، بما هي إنقلابات لم تحمل معها افضل مما كان، اي لم تكن لضرورة مجتمعية أو قومية، لم يأت الجدد بما لم يأت به من سبقه في نفس الحزب أو النظام!
وبكلام آخر، فالانقلابات التي نقصدها قد أكدت أن القوى التي حكمت في هذه الأقطار ومارست الانقلابات الداخلية البينية هي قوى عاشت في تضاد مع التحالف التاريخي مما أعاق تطور هذه القطريات، وقطع فرصة تطورها الوحدوي لكي تنتهي نهباً للعدوان والاستعمار والفساد وحتى للربيع العربي.
هل كان القادة الانقلابيون وهم من داخل البنية يجهلون نظرية التحالف التاريخي؟ لا نعتقد ذلك، وحتى لو لم يطلعوا على أطروحة انطونيو غرامشي هذه، فلا شك بأنهم يعلمون بأن الحفاظ على التحالف الداخلي للحزب أو السلطة ذات التوجه القومي والتطويري هو أمر مصيري للبلد. وعليه، فرفض التحالف التاريخي في القطر الواحد هو رفض وتقويض لإمكانية التحالف التاريخي على مستوى الوطن العربي بمجموعه، وهو تأسيس خطير لتقويض التحالف أو التآلف التاريخي بين أهل الوطن من عرب وكرد وأمازيغ…الخ وبالتالي فتح الباب وبوعي لتنفيس مخاطر الطائفية والمذهبية والدين السياسي والإثنيات المرتبطة بالموجة القومية الثالثة ، ذلك لأن تقاتل/اقتتال القطر داخليا هو تثبيت للنظام وهو التثبيت القاتل لأنه أدى إلى دفع التغيير ليكون بالاحتلال الإمبريالي مجدداً وهو الاحتلال الذي تورط كثيرون في الاغتباط به.
أنجزت هذه الدول/الجمهوريات تنمية ما كالإصلاح الزراعي ودرجة من التصنيع بإحلال الواردات والتأميم وإقامة قطاع عام. ولكنها لم تكن تنمية في مستوى طموح الطبقات الشعبية، اي تنمية باتجاه الوحدة وتصفية راس المال ، تنمية بالحماية الشعبية وصولا إلى فك الارتباط. بل بقي تبادل هذه الدول مع العدو الغربي هو الأعلى اي 70 بالمئة من تجارتها الخارجية!
ولذا، لم تلتف الجماهير حولها لحمايتها لأن التنمية بدون حامل التحالف التاريخي وهو حامل ديمقراطي بالضرورة لا تترسخ ولا تجذب الطبقات الشعبية بل تغيبها بينما تبقى قوى الثورة المضادة فاعلة ويقظة ذلك لأن الثورة المضادة موجودة تحت جلد البلد ومنذ عقود. ولذا ايضا لم يُتح المناخ لاستنبات قوى ثورية اشتراكية عروبية ووحدوية معاً.
لقد عاشت هذه الجمهوريات، وخاصة سوريا والعراق وليبيا والجزائر، حالة من الاستمرار نظرا لعاملين:
- اعتماد الدولة على الأمن، الدولة الأمنية لاستقرار النظام داخلياً
- والاعتماد على وجود الاتحاد السوفييتي في صد العدوان الإمبريالي بل الثورة المضادة من الخارج والداخل لتقويض هذه الأنظمة.
وهي مفارقة طبعاً أن تكون حمايتها هي على يد السوفييت، ولكن في الوقت نفسه تجارتها مع الغرب أكبر! ولذا، ما ان تفكك الاتحاد السوفييتي حتى كانت الكارثة.
وهذا يفتح على الوضع اليوم، فهل يتكرر الاعتماد على روسيا والصين؟ وهل المراهنة عليهما
- أولاً جائزة، اي هل مبرر تكرار تجربة الاعتماد على القوة الخارجية بديلا لقوة الشعب ليدافع بحرب الشعب
- وثانيًا هل هي مراهنة ممكنة وثابتة أم زَلِقة في عالم المصالح؟
هل إعتقد كل واحد منهم بأنه الوحيد القادر على قيادة البلد؟ وإن حصل هذا الاعتقاد، فهو مثابة نرجسية اتضحت حدودها في ورطة الحكم والبلد لاحقاً، إنها نرجسية البرجوازي الصغير سواء كان في العسكر أو في الحزب.
لذا لا بد من الإشارة، وهذا متروك للقارىء ان يقبله أم لا، إلى أن وراء هذه الانقلابات عوامل فردانية وشعور بفائض كفائته وقوة فريقه سمحت لحاملها بأن يتحكم بل يقرر مصير وطن، قُطري ويُلحق أذى بمستقبل الوطن العربي بأجمعه.
الجزائر:
يوم 19 حزيران 1965 تم اغتيال المستقبل الاشتراكي للثورة الجزائرية حين قام الجنرال هواري بومدين بالانقلاب على الرئيس أحمد بن بيلا، اي على نظام التسيير الذاتي الذي كان بن بيلا وفريقه يأخذون الجزائر باتجاهه إضافة إلى أن بن بيلا كان توجهه العروبي وحدوياً.
لم يقدم بو مدين تفسيرا للشعب عن دوافع الانقلاب. وبالطبع لم يواصل طريق التسيير الذاتي وإن ابقى على تسمية الاشتراكية في الجزائر. وبكلام آخر لم يكن هناك ما يوجب الانقلاب سوى أن بومدين كان يهدف بأن يبقى الزعيم الأوحد حتى رحيله، وهكذا كان. ولكن، بما هو الزعيم الأوحد فقد جرى خصي حزب جبهة التحرير الوطني في شخص الرئيس. ولذا، ما ان رحل الرجل حتى ذهبت الجزائر باتجاه الراسمالية المحيطية/الطرفية، ومراكز القوى، وسلطة الجيش واتسع المناخ لقوى الدين السياسي.
اتبع بو مدين سياسة قُطرية في الأساس وقومية بالمجاملات الشكلية. صحيح ان الجزائر شاركت في حرب اكتوبر 1973، ولكن المشاركة الجزئية شيء والدخول في الحرب بمعنى إعلان الحرب شيىء آخر. ولذا، لم يكن موضوع الوحدة مطروحاً لديه لا مع مصر ولا مع ليبيا بعد وصول القذافي للسلطة. وهذا بعكس التوجه الوحدوي ل بن بيلا، اي ان الجزائر خسرت التوجه الاشتراكي والتوجه الوحدوي.
لم يكن بو مدين خائنا، بل كان وطنياً ولكن فردياً.
أذكر لقائي في باريس تموز من عام 1977 مع محامية بن بيلا الفرنسية لافي فيرون، حيث شرحت تعقيدات زيارتها ل بن بيلا في مكان احتجازه الذي دام لعقود، وكان سؤالها الوحيد: من أجل ماذا جرى هذا!
إن مقارنة الجزائر مع كوبا تبين الفارق بين القيادتين وخاصة على ضوء ضخامة الثروة الجزائرية مقارنة مع كوبا، واتساع المساحة وعدد السكان وحتى انعزال كوبا بعيدا وجوارها للوحش الأمريكي بينما الجزائر كانت ملاصقة لليبيا وغير بعيدة من مصر الناصرية. فلننظر أين كوبا واين الجزائر التي تحاول التعافي اليوم من سيطرة قوى الدين السياسي على الوعي الجمعي فالتبس …ولا ندري. لقد ذهبت تجربة حرب الغوار وهزيمة الإمبريالية الفرنسية أدراج الرياح من حيث الحفاظ على التجربة وتجذيرها، ونأمل أن تحفظها كتب التاريخ وروح الأمة.
العراق:
يوم 14 تموز 1958 تم إسقاط النظام الملكي كتصنيع وتابع للغرب وأعلنت الجمهورية العراقية برئاسة عبد الكريم قاسم. انتصر الانقلاب/الثورة بتحالف بين قوميين وشيوعيين. كان قاسم اقرب إلى الحزب الشيوعي ، كما قيل، ولكنه كان يساريا على اية حال. وقاسم هو من الكرد العراقيين، وهذا مؤشر على حقيقة أنه في المناخ الثوري الحقيقي والمد الشعبي التحرري تتلاشى العصبيات الإثنية والطائفية والقومية…الخ ويتحالف الجميع لإسقاط النظام التابع وهذا التحالف دوما هو عتبة التغيير الثوري.
ترافق مع انتصار الجمهوريين قتل خلق كثير، كما قيل، لم نكن نعرف أن هذا العنف المفتوح، بخلاف العنف الثوري، هو جزء من مستلزمات الصراع في العراق إلى أن راينا استمرار ذلك حتى اليوم وإلى الحد الذي يذهب بالمرء للقول” أمام كل هذا القتل حتى المجاني، اي التصفوي، محظوظ أي عراقي يبقى على قيد الحياة”.
ورغم أن هذا التغير في العراق حصل إبَّان المد القومي إلا أن هذا المد كان مضروبا بانقسام الأنظمة قومية وتقدمية الاتجاه إلى محاور متصارعة الأمر الذي اهلكها جميعا مما فتح الطريق لأنظمة وقوى الدين السياسي.
أكد هذا الصراع المحاوري في الوطن العربي أن هذه الأنظمة القومية كانت قطرية في الجوهر، أو كانت مقودة من رجال فردانيين رغم وطنيتهم. فالفرد الفرداني الجمهوري لا يختلف من حيث الفردانية عن الملك.
إتضح هذا حينما حاول قاسم استعادة الكويت المقتطعة من العراق كما لبنان من سوريا بمعنى أن كلتيهما كانتا ، بل هما حتى اليوم، سكينا في الخاصرة. لكن عبد الناصر، كما اشرنا في الحلقة الثالثة حال دون ذلك وأرسل قوات عربية باسم جامعة الدول العربية لحماية الكويت.
كان الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة قوياً بما يكفي أن يمنع العدوان الغربي ضد العراق وخاصة ان تحرير الكويت كان موجها ضد بريطانيا التي كانت في تراجع ولم يكن من المؤكد أن تدعمها أمريكا سواء بسبب الحماية السوفييتية أو لأن أمريكا لم تكن قد أجهزت بعد على الاستعمار السابق لتتربع محله أو لأن الحقبة كانت حقبة المد القومي والتحرري. وحتى في كافة الأحوال، فإن محاولة قاسم شرعية كما محاولة صدام لاحقاً بغض النظر عن خطأ التوقيت وتقدير القوة وجاهزية الأعداء. ولعل اسوأ رفض لاستعادة الكويت زعم كثيرين بأنها عضو في الأمم المتحدة! فالكيان الصهيوني عضو ايضا.
لكن رفاق السلاح انقلبوا ضد بعضهم، وهذه هي المشكلة التي نَهْتم بنقدها. فقد جرت عدة محاولات انقلاب ضد الرئيس عبد الكريم قاسم وتم اعتقال وإعدام العديد من الضباط إلى أن نجح انقلاب حزب البعث ضد قاسم وجرى إعدامه. ولاحقاً، قام صدام حسين بالحلول محل الرئيس أحمد حسن البكر بغض النظر إن كان بالقوة أم لا وطبعاً كانت فترة الرئيس صدام حسين ديكتاتورية ودرامية الأحداث.
ما يهمنا في هذا السياق هو أن الانقلاب ضد قاسم ومن ثم داخل البعث نفسه لم يكن لضرورة وطنية حيث لم يزد أو يطور أيا منها عما سبقه بل جاء مشابها في أحسن الأحوال وغالبا اسوأ.
سوريا:
لسوريا تراث طويل في الانقلابات العسكرية للوصول إلى السلطة سواء من ضباط عروبيين أو ضباط مرتبطين بالقوى الأمبريالية.
كان انتقال الحكم في سوريا سلميا إلى الوحدة مع مصر عام 1958 فترة ذهبية كان يمكن أن تؤسس لتحولات وحدوية وتنموية وديمقراطية. لكن فشل التطبيق الوحدوي وعجز عبد الناصر عن مواجهة الانفصاليين حينما قاموا بانقلاب عسكري عام 1961 أدى إلى إنهاء أفضل فرصة للتقدم باتجاه وحدة او اتحاد عربي.
تمكن الضباط البعثيون والقوميون العرب بشكل خاص من القيام بانقلاب ضد الانفصاليين عام 1963 وتلت ذلك سلسلة محادثات بين حكام مصر وسوريا والعراق لإقامة دولة الوحدة من جديد.
لكن تلك المحادثات أوضحت بأن هذه القوى قومية الاتجاه لم تكن إلا قطرية التوجه مما قاد إلى فشل المحادثات وتورط الجميع في هجمات إعلامية ضد بعضهم البعض.
ورغم وصول حزب البعث إلى الحكم في كل من سوريا والعراق إلا أن القيادتين فشلتا في توحيد القطرين رغم وحدتهما الجغرافية وإمكانية تكاملهما الاقتصادي والعسكري بحيث يُكونان دولة عربية مركزية حتى لو بعيدا عن مصر. وبكلام آخر، فإن الحزب في البلدين التزم تجزئة سايكس-بيكو بدل أن يمحيها ووصلت العلاقات بين الحزبين والتشكيك كل في الآخر سواء بعدم الرغبة في الوحدة أو التآمر من قيادة قطر ضد الأخرى، إلى قطيعة حتى دبلوماسية لمدة ثمانية عشر عاماً.
لم يختلف مسار العلاقات الحزبية الداخلية في سوريا عنها في العراق، فقد حدثت عدة محاولات انقلابية داخل حزب البعث نفسه لتستقر السلطة بيد الرئيس حافظ الأسد الذي أغلق باب الانقلابات ورائه كما فعل الرئيس صدام حسين في العراق.
وكما لم يزد الرئيس صدام حسين عن فترة البكر شيئا أكثر تقدمية، فإن الرئيس الأسد ايضا لم يقدم نموذجا أفضل من نموذج يسار البعث الذي أخرجه من السلطة أي جماعة صلاح جديد ويوسف زعين ونور الدين الأتاسي وإبراهيم ماخوس.
لقد قاد خلاف البعث العراقي والسوري، والانقلابات الداخلية داخل الحزبين إلى انطفاء الجذوة الثورية للبعث كي يتحول إلى حزب بيروقراطي يقاتل لبقاء السلطة في يدة.
ترى، لو تمت الوحدة بين البلدين في فترة البعث هل كان لتركيا أن تتغول عليهما كما هو اليوم؟
ولأن سوريا في عين الاشتباك اليوم، وهي على طريق تجاوز حروب الإرهاب، صار من الواجب التركيز على شعار اساس:
لتكن سوريا الغد لمن قاتل، للشعب وجيش الشعب وهذا يفترض مغادرة سياسة السوق الاجتماعي والذهاب إلى الموديل المزدوج:
التنمية بالحماية الشعبية
وفك الارتباط
وهذا يجب ان يسبق الذهاب إلى تكتل إقليمي كي تمثل سوريا فيه العرب وليس سوريا فقط، ويجب ان يكون قبل التوجه شرقا ليكون ذهابا لا تابعا. وأخيراً، لا بد أن تعرف سوريا أن قوى الدين السياسي تلتقي في النهاية وأن سَحَرة تحالف الإقليم بمن فيه تركيا هم أعداء للعروبة وجزء من أدوات الاستهداف.
________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.