وجهت حركة فتح بتاريخ 19 حزيران 2020 نداءً الى أنصارها والشعب الفلسطيني من أجل التظاهر ضد صفقة القرن وخطط إسرائيل لضم أراض جديدة في الضفة الغربية؛ ودعت الى جولة جديدة من الصراع مع “الكيان الغاصب”، وقالت: “هبوا يا شعبنا العظيم، نصرة من أجل ترابكم الوطني، وشاركوا معنا في مسيرات الغضب المندِّدة بسياسات المجرم الاسرائيلي”.
هذه العبارات الواردة في النداء، على محدوديتها، تلخِّص بوضوح ما دأبت حركة فتح على تأكيده بأنها صاحبة القول الفصل في القيادة والسياسية الفلسطينية. فهي من يقود الشعب الفلسطيني، وهي من يرسم وينفذ السياسات الخاصة بقضايا هذا الشعب. وتؤكد هذه العبارات أيضًا رؤية حركة فتح وسياستها منذ اتفاق أوسلو وخلاصتها: القيادة والسلطة لنا (فتح)، والمشكلة مع إسرائيل هي سياستها في الاستيطان، وأخيرًا في الضم؛ والردُّ عليها يكون بالشكوى منها والتنديد بها سلميًا بعيدًا عن العنف.
هناك إجماع فلسطيني على أنَّ صفقة القرن هي أخطر التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وتتهدَّد القضية الفلسطينية.ولكنَّ حركة فتح تنفرد بالدعوة للتصدي لهذا الخطر، وتدعو الشعب كي يشاركها (هي) في الحركة والسياسة التي حدَّدتها بمسيرات غضب للتنديد بسياسات إسرائيل. ( في هذه الخطوة ما يحمل إجابة على دعوة منير شفيق ل”فتح”كي تختار بين “قيادة مشتركة وانتفاضة أو الرحيل”. والجواب لا هذه ولا ذاك. وفيها أيضًا الرسالة ذاتها الى دعاة القيادة الموحَّدة والاستراتيجية النضالية الواحدة وإنهاء الانقسام).
اللغة في نداء “فتح” واضحة؛ ولكننا تعمَّدنا الشرح وتوجيه الدلالات الى الفصائل والشخصيات الذين لا يريدون أن يفهموا ما تقول “فتح”، أو يفهمون ويعجزون عن الفعل فيختبئون وراء شعار الوحدة الوطنية. ثمَّ إنّ “فتح” أوضحت ذلك “بالعربي الفصيح” كما يُقال. ففي الوقت الذي أعلن رئيس “فتح”، محمود عباس، التحلَّل من الاتفاقيات الموَقَّعة مع إسرائيل (19 – 5 – 2020)، أرسل باسم السلطة الفلسطينية رسالة رسمية الى الحكومة الإسرائيلية أكدَّ فيها أنَّ السلطة لن تسمح بانتشار العنف في الضفة الغربية (الأخبار، 21-5-2020، نقلاً عن هيئة البث الإسرائيلية “كان”). وانبرى حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المسؤول عن العلاقات مع إسرائيل، ليوضِّح موقف الحركة من غير لَبْس ويقول: “سوف نمنع العنف والفوضى ولن نسمح بإراقة الدماء؛ هذا قرار إسترتيجي”. (بوابة الهدف الإخبارية،9- 6- 2020).
وتعزَّزت أُطروحة “فتح” في ما يتعلق بالقيادة والسياسة، بمواقف “المتذبذبين” من فصائل وشخصيات. فما إن أعلنت “فتح”عن الدعوة للتظاهر حتى تهافت هؤلاء استجابة للدعوة والمشاركة في مهرجان أريحا ضد خطط الضم “الذي دعت اليه حركة فتح وشارك فيه أعضاء في اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح، وفصائل منظمة التحرير، وحضور دبلوماسيين عرب وأجانب (وكالات، 22- 6 – 2020).
وعلى أي حال، فإنَّ هذا الوضع كان معروفًا، وموقف “فتح” كان مُتوقعًا. غير أنَّ هناك من راهنَ على وهم إمكانية انحياز “فتح” الى جبهة المقاومة؛ وكان ذلك من أسباب طول مشوار المصالحة ووصوله الى نتيجته الحتمية بالفشل. والواهمون أو المخدوعون هم وحدهم الذين يظنُّون أنَّ منظومة الثلاثة في واحد (فتح – السلطة – المنظمة) يمكن أن ترغب أو تتجرَّأ على الانسحاب من أوسلو وسحب الاعتراف بإسرائيل، وهي تعلم أنَّ هذا الاعتراف هو الذي يجعل دول الغرب تقبل بالسلطة الفلسطينية وتقدم لها الأموال والمساعدات.
وإذا كان هناك من جديد يُرتجى فهو الحسم مع هؤلاء أصحاب المواقف المُتذَبذِبة، فصائلَ وشخصيات، الذين “يضعون رجلاً هنا وأُخرى هناك” (بين أوسلو والمقاومة) وهم أقرب أنْ يكونوا احتياطيًّا لأوسلو. وهذا الإجراء ضروريٌ الآن؛ إذ يبدو أنَّ المخاض الشعبيِّ الرافض لأوسلو يأخذ بعده العملي بوجود تحرُّكٍ من أجل عقد مجلس وطني لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية. وشعبنا غنيٌّ بالطاقات والكفاءات والقدرات النضالية، ولن يضرُّه الاستغناءُ عن هؤلاء ما لم يحسموا أمرهم ويبتعدوا نهائيًا عن جماعة أوسلو.
ويرى كاتب هذه السطور أن لا ينعقد باسم المجلس الوطني أو تحت رايته، هذا الاجتماع وأي اجتماع بهذا التوجُّه المضاد لأوسلو. وذلك لأنَّ صورة المجلس لم تعد مُحبَّبةلدى قطاعات واسعة من أبناء شعبنا واللاجئين منهم على وجه الخصوص،ولأنَّ كثيرًا من الإساءات التي وُجِّهت اليهم، والتشوُّهات التي لحقت بمنظمة التحرير، إنَّما جرت باسم المجلس الوطني، ومنها: الاعتراف بكيان العدو (1988)، وتغيير الميثاق القومي لمنظمة التحرير (1996) بحذف البنود التي تتحدث عن الكفاح المسلح وعن إسرائيل.وكان ياسر عرفات، رئيس المنظمة، وصف الميثاق بأنه أصبح باطلًا أو ملغيًا، مستخدمٌا اللفظ الفرنسي.(1989) caducوقد أصاب محمد حسنين هيكل في تعليقه على هذا الوصف بقوله إنَّ الميثاق أصبح باطلًا بحكم الواقع ولأن حكاية الكفاح المسلح دخلت متحف التاريخ من الأبواب الخلفية. وفي أوسلو وما تلاه جرى تجاهل حق العودة للاجئين وجعلهم مادة للتفاوض، وهم عنوان القضية الفلسطينية وأصلها.
لذلك، فالأكثر ملاءِمةً ووجاهة أنْ يلتئمَ الحشد الشعبي المضاد لأوسلو تحت مسمَّى “مؤتمر”. وإذا كان الاجتماع الوطني الذي أسَّس منظمة التحرير سنة (1964) سُميَّ “المؤتمر العربي الفلسطيني الأول”؛ فليأخذ الاجتماع المزمع عقده اسم المؤتمر الثاني، ويكون مؤتمرًا لإعادة تأسيس المنظمة وليس الاعتبار (الاحترام) فقط،بوصفها “قيادةً مُعبئة لقوى الشعب الفلسطيني لخوض معركة التحرير”، وإعادة الاعتبار لميثاقها القومي الذي ينص في مادته الأولى على أنّ فلسطين وطنٌ عربي، ردًا على جماعة أوسلو الذين جعلوها وطنًا لليهود.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.