تونس: انهيار الحكومة: أي مستقبل للإخوان المسلمين، الطاهر المعز

انهارت الحكومة التونسية بعد أقل من خمسة أشهر على تشكيلها مما أدّى إلى أزمة سياسية بالإضافة إلى المشكلات الإقتصادية والتوتر الإجتماعي الذي فاقمته جائحة فيروس كورونا.

أسفرت انتخابات تشرين الأول/اكتوبر 2019 عن حصول حزب الإخوان المسلمين على رُبُع النواب، في برلمان متشرذم، ولم يتسنى تشكل حكومة سوى في شهر شباط/فبراير 2020، ت​​دعمها أغلبية بسيطة في البرلمان، وعجزت هذه الحكومة عن تقديم برنامج المشكلات الملحة، وتقديم تَصَوّر عن تطهير المالية العمومية، وخفض حجم الدّيُون، ولما احتد الخلاف بين رئيس الحكومة وحزب الإخوان المُسلمين، الذي يريد مزيدًا من المناصب الحكومية السيادية لقياداته، وقع تسريب تقارير (صحيحة) تُفيد أن رئيس الحكومة يمتلك أسهمًا في شركات استفادت من عقود حكومية، عندما كان يحتل مناصب حكومية (كان وزيرًا في حكومة سابقة)، ولذلك بعد طالب حزب الإخوان المسلمين ( “النّهضة”، الذي تورطت قياداته في عمليات مشبوهة ) باستقالته، فاستبق الرئيس قيس سعيد الأمر وطلب منه التنحي، لكي يستطيع الرئيس اقتراح خلف له، أما إذا نَحّاه البرلمان، فإن رئيس مجلس النواب (راشد الغنوشي، زعيم الإخوان المسلمين)، وليس رئيس الجمهورية، يقترح رئيس حكومة، يُقدّم حكومته للبرلمان، قبل موفّى شهر آب/أغسطس 2020، وإذا لم تحصل الحكومة الجديدة على موافقة البرلمان، يتعين إجراء انتخابات برلمانية جديدة، قبل نهاية سنة 2020…

من جهته، يواجه “راشد الغَنُّوشي”، رئيس مجلس النواب، وزعيم حزب الإخوان المسلمين (النهضة)، اقتراعا على الثقة، بسبب شُبُهات عديدة.

يُعاني اقتصاد البلاد، ويُعاني العاملون والفُقراء، وضعًا سيئا، يتّسم بارتفاع قياسي للديون الخارجية، وبالركود وبتراجع مستوى العيش، وتدهور مستوى الخدمات العمومية، ولم تهتم الإئتلافات التي حكمت البلاد، بزعامة الإخوان المسلمين (منذ 2012)، بالبحث عن حُلُول لمشاكل البطالة والفقر والوضع الإقتصادي، بشكل عام، ولا بمعالجة مشاغل أغلبية المواطنين، وتمثلت هموم الإخوان المسلمين في الثراء الشخصي، من المال العام، وتشغيل أعضاء الحزب الحاكم وأفراد عائلاتهم وأقاربهم، والبقاء في الحكم، بالتحالف مع تيار “الدّستوريين”، الذي أطاحت به انتفاضة 2010/2011، ومع رجال الأعمال، تورّط بعضهم في قضايا فساد وفي العلاقات المباشرة مع الصهاينة، وعَطّل الإخوان المسلمون عملية إرساء محكمة دستورية، لفض النزاعات، ما أثار إشكالات دستورية وقانونية، إثر وفاة الرئيس السابق “الباجي قائد السبسي”(1926 – 2019)، ولم يتم تشكيل هذه المؤسسة الدستورية لحد الآن، كما أغرقوا البلاد في الدّيون الخارجية التي تضاعف حجمها، خلال تسع سنوات، وأصبح خُبراء صندوق النقد الدّولي، مقيمين دائمين بتونس (من ضرائب الأُجراء والفُقراء)، يُمْلُون على الحكومة برامجها وخططها وسياساتها، ويُفاوض الإخوان المُسلمون صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على قُرُوض خارجية جديدة، والإستعداد لتطبيق الشروط المتمثلة فيما يسميها خُبراء الصندوق “إصلاحات اقتصادية جريئة، وإن كانت مُؤلمة”، وتتمثل في خفض الإنفاق الحكومي، وخفض عدد موظفي القطاع العام، وإلغاء دعم الطاقة والمحروقات والمواد الأساسية والخَدَمات، وخفض قيمة الدّينار…

أما في الصّف المُقابل، صف الفُقراء والمُعَطّلِين عن العمل، فإن هذه الإجراءات تُعتَبَر مَوْتًا بطيئا، وقد انطلقت موجة جديدة من الإحتجاجات في مناطق الجنوب، من أجل الوظائف، ومن أجل الإنفاق على تنمية المناطق المحرومة والفقيرة، خصوصا جنوب وغَربي البلاد، ولجأ المُحتجّون في محافظة “تطاوين”، يوم الخميس 16 تموز/يوليو 2020، إلى إغلاق محطة لضخ النفط الخام، وتعطيل الصادرات، فيما يستعدّ الإخوان المُسلمون إلى إعادة عَرْض مسرحية تدّعي “إن جوهر الصراع في البلاد يتمثل في الحرب بين الإسلام والعلمانية”، وهي مسرحية ناجحة، استطاعت جَرّ بعض أصناف اليسار، مرات عديدة…  

راجع مقالا سابقا بعنوان: “تونس، انتفاضة البُؤَساء في تطاوين” – الطاهر المعز 12 تموز/يوليو 2020 

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.