الحرب “الفاترة” بين الولايات المتحدة والصين، الطاهر المعز

تعتبر الولايات المتحدة قُوّةَ الصّين الإقتصادية خطَرًا على هيمنتها، وتَهْدِيدًا للسَّيْطَرة التي فَرَضَتْها الولايات المتحدة على العالم، عبر الشركات العابرة للقارات (سبعة شركات ذات منشَأ أمريكي، ضمن  أكبر عشر شركات عالمية)، وعبر التكنولوجيا، والقُوّة العسكرية، ولذلك تُحاول الولايات المتحدة فَرْضَ حَظْرٍ على التكنولوجيا الصينية ( مجموعة “هواوي” للإتصالات”، وصناعة الألواح الشمسية…)، بهدف عرقلة تطوّرها، وإبطاء وتيرة انتشارها في العالم، وتُحاول الولايات المتحدة إجبار أوروبا على مُقاطعة السلع والخدمات الصينية، أو تقليص حجم تجارتها مع الصين، باستخدام نظام الرقابة (الأمريكي) على الصادرات، وقانون العُقُوبات الأمريكية، الذي يُجْبِرُ الشركات الأوروبية على عدم التعامل مع منافسي وخُصوم أمريكا، مخافة أن تطالها العُقُوبات.

أثارت هذه “الحرب التجارية”، وزيادة الرُّسُوم الجمركية، منذ سنة 2018، حفيظة رئيس منظمة التجارة العالمية، ودعا الإتحاد الأوروبي إلى حل المشاكل التجارية العالقة، بين الصين والولايات المتحدة، بشكل عاجل، لتفادي حُصُول أزمة اقتصادية عالمية، وتَوَقّعَ العديد من خُبراء الإقتصاد الرأسمالي العالمي، أن تُؤَدِّيَ هذه الحرب إلى كساد عالمي، وفي داخل الولايات المتحدة، طالب قادة العديد من القطاعات الإقتصادية والشركات والمَصانع الأمريكية بوضع حدّ لهذه الحرب التجارية، لأنها أثرت سلبًا على أداء المؤسسات الصناعية والتجارية، خاصة في قطاعات الزراعة والتكنولوجيا، فيما اعتبَر خُبراء صندوق النقد الدّولي، منذ منتصف تشرين الأول/اكتوبر 2019، أن تداعيات الحرب التجارية “مصْدَر للمخاطر التي تُهدد الإقتصاد العالمي، والأسواق المالية”، وتوقّعت تقارير الصندوق أن زيادة الرّسوم الجمركية (بالمُستوى الذي أُعْلِنَ سنة 2018 و 2019 ) تؤدّي إلى انخفاض الناتج الإجمالي العالمي، بنسبة 1% ، سنة 2019، قبل انتشار وباء “كوفيد 19″، بحسب وكالة “رويترز (16 تشرين الأول/اكتوبر 2019)…

منذ انطلاق أحداث “هونغ كونغ”، في حزيران/يونيو 2019، اتضحت طبيعة الأهداف الأمريكية، وتحول الخلاف التجاري، إلى نزاع سياسي عَلَنِي، حيث أصبحت سُلُطات الولايات المتحدة وبريطانيا (أو من يُمثّلها في هونغ كونغ) تُشرف مباشرة في تنظيم وتمويل الإحتجاجات العنيفة، المناهضة للصين (تخريب المجلس التشريعي والمباني الحكومية، ورفع الأعلام الأمريكية والبريطانية، والإستنجاد بدونالد ترامب، وتعطيل حركة النقل البَرِّي والجَوِّي…)، وكثّفت الولايات المتحدة من مناوراتها العسكرية في المناطق البحرية القريبة من الصين، وتقوم السفن الحربية الأمريكية (عند تحرير هذه الفقرات في السابع عشر من تموز/يوليو 2020) بمناورات في بحر الصين الجنوبي، باسم “حرية الملاحة”، ضمن العديد من عمليات الإستفزاز، ووَسَّعت أمريكا دائرة “العُقُوبات”، بذريعة عدم احترام الحكومة الصينية لحقوق الإنسان، وادّعت حكومة الولايات المتحدة (العُنصرية والمُتصَهْيِنَة) الدّفاع عن حقوق المُسلمين في مقاطعة “شينجيانغ” الصينية ( أو “الإيغور”، الذين تمكنت أمريكا والسعودية وتركيا من تجنيد آلاف المرتزقة منهم وتحويلهم إلى إرهابيين لتخريب وتفتيت سوريا)، بينما تَحْظر أمريكا على مواطني الدّول المُصنّفة “مُسلمة” دُخولَ أراضيها، وأجّجت الولايات المتحدة الخلافات حول بحر الصين الجنوبي، ودعمت خُصُوم الصين، وأطلقت وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة القضاء ومجلس الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) حملة سياسية وإعلامية مُنَسّقة وغير مَسْبُوقة في حِدّتها، ضدّ الصين، منذ شهر حزيران/يونيو 2020، وتضغط الولايات المتحدة على الإتحاد الأوروبي وأعضاء حلف شمال الأطلسي، من أجل فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الصين…

من الخَطأ وضع الصين وروسيا في نفس الخانة مع الولايات المتحدة، فالإمبريالية الأمريكية تساوي بين المُنافِسين (ويدّعي مُنَظِّرُو الإقتصاد الرأسمالي أن المنافسة مُحَفِّز للإقتصاد) والخُصوم والأعداء، وكذلك الحُلفاء أحيانًا، ولا تتردّد في التجسُّس على حلفائها، أو منع شركاتهم من دخول السوق الأمريكية، ومن منافسة الشركات والمصارف الأمريكية، وتُحاصر الولايات المتحدة عسكريا العديد من الدّول، وتفرض الحصار الإقتصادي والسياسي، وهي الدّولة الوحيدة التي استخدمت القنابل النووية، واستخدمت الأسلحة الفتاكة بالبشر وبالمحيط، وأي شكل من أشكال الحياة…

لهذه الأسباب وغيرها من الأسباب الأخرى، تُعتَبَرُ الولايات المتحدة رأس حربة الإمبريالية، وجب التّركيز على مكافحتها (مع حُلفائها)، خاصة وهي الدّاعم الأساسي للكيان الصهيوني…      

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.