تَدعم السعودية والإمارات ومصر المجموعات المسلحة التي تحتل شرق ليبيا (بنغازي)، فيما تدعم تركيا وقَطَر المجموعات التي تحتل الغرب (طرابلس)، وكلا الطّرَفَيْن رجعي وعميل لقوى استعمارية خارجية، وتقتصر الفقرات الموالية على بعض خلفيات التّدخّل التّركي.
نشرت مواقع الإعلام السعودي والإماراتي (وليس بينها موقع تقدّمي واحد) أخبارًا عن “تحوّل ليبيا إلى معسكرات تدريب” لعناصر المنظمات الإرهابية التي تُشرف عليها تركيا (الجيش الحر والنصرة، وغيرها)، والتي تحارب في سوريا والعراق وليبيا مع الجيش التركي وتأتمر بأوامره، ويبلغ عدد هؤلاء العناصر الذين نَقَلَهُم الجيش التركي من سوريا إلى ليبيا (على مسافة حوالي 2200 كيلومتر)، منتصف آب/أغسطس 2020، ما يزيد عن 16500 إرهابي، بالإضافة إلى حوالي أَلْفَيْ إرهابي قدموا من الصّومال، بحسب إعلام المعارضة التركية، الذي يُركّز على الدعم العقائدي والسياسي الحكومي التركي للإخوان المسلمين (حكومة “الوفاق” في طرابلس)، كما يُؤكّد على الأهداف الإقتصادية لحكومة الإخوان المسلمين التركية، أي السيطرة على ثروات ليبيا، وضمان نصيب الشركات التركية من إعادة الإعمار ومن تسويق المنتجات التركية إلى ليبيا، بعد أن غَزَت جارتها تونس، في محاولة لتفادي انهيار الإقتصاد التركي، الذي يعتمد على الإستثمار الخارجي وعائدات السياحة، ويتعاظم به دَور قطاع الخدمات، الذي أصبح يشكل أكثر من 60% فيما ينخفض دور الصناعة ليشكل أقل من 30% ودور الفلاحية لينخفض إلى أقل من 6% من الناتج المحلّي الإجمالي، وتستورد تركيا محروقات بنحو أربعين مليار دولارا سنويا، بينما تنتج ليبيا النفط (كانت تُصدّر نحو 1,8 مليون برميل يوميا، قبل سنة 2011) والغاز، وبها احتياطي ضخم يقدر بما بين خمسين مليار و75 مليار برميل من النفط وبما لا يقل عن 60 تريليون متر مكعب من الغاز، وتضم أراضي ليبيا العديد من المعادن الأخرى غير المُسْتَغَلّة كالذهب واليورانيوم والحديد والعديد من أنواع الصّخُور الكرْبُونِيّة…
يحاول النظام التركي تفادي انهيار الإقتصاد التركي، الذي يعاني أيضًا من ارتفاع حجم الدّيُون، عبر السيطرة (بواسطة مليشيات الإرهابيين القادمين من سوريا) على ثروات ليبيا، في وسط وجنوب البلاد، وعلى حقول النفط في منطقة “سِرْتْ” و “الجفْرَة”، بعد السيطرة على طرابلس ومنطقة الحدود مع تونس.
ارتفع حجم الناتج الإجمالي المحلي التركي، وارتفعت بالتالي نسبة النّمو، خلال أكثر من عقد كامل من حُكم الإخوان المسلمين (منذ 2002)، بفضل الإستثمارات الأجنبية، والأوروبية منها بشكل خاص، أي أن الإقتصاد التركي مندمج تمامًا في السوق العالمية “المُعَوْلَمَة”، ما مكّنه من النمو لفترة، لكن الوجه الآخر للعُمْلة، هو تأثُّرُهُ أيضًا بأزمات الإقتصاد الأوروبي والأمريكي، ولما انخفضت هذه الإستثمارات الأجنبية، بسبب عوامل عديدة، استخدم النظام التركي ورئيسه “رجب طيب أردوغان”، ورَقَةَ الإبتزاز، وساعدت أجهزة الأمن التركية اللاجئين على دخول الجُزُر اليونانية، عبر البحر، إلى أن رضخت سلطات الإتحاد الأوروبي، وأقرت رشوة طلبتها الحكومة التركية (“المُسْلِمَة”) بقيمة بلغت 6,5 مليارات يورو سنويا، لِمَنْع دُخول اللاجئين إلى الإتحاد الأوروبي، وللإنفاق على إقامة معتقلات داخل تركيا والإشراف على إدارتها. لكن الإقتصاد التركي يعاني من صُعُوبات بُنْيَوِيّة، فالصناعة التركية تعتمد على النسيج وعلى الصناعات الكيماوية، وعلى صناعة الحديد والصلب، وتجميع السيارات وبعض التجهيزات، وانخفضت حصة الصناعة والفلاحة، فيما زادت حصة الخَدَمات، لكنها خدمات لا تعتمد التقنيات العالية، ولا تحقق قيمة زائدة مرتفعة، ما جعل الإقتصاد التركي يتأثر سريعًا بأزمات الإقتصاد العالمي، فانخفض حجم الإحتياطي النقدي، وانخفضت قيمة العُملة (اللِّيرة التّركية)، وارتفعت نسبة البطالة الرّسمية، من 8% سنةا 2012 إلى 13,5% سنة 2019، واستمرت حكومة الإخوان المسلمين في البحث عن مصادر خارجية، ويُعَدُّ خط الغاز الروسي ألى ميناء “جيهان”، من أهم إنجازاتها، وتمكنت نفس الحكومة من توسيع دائرة البحث عن مصادر الطاقة، فأعلنت عن توقيع “اتفاقية ترسيم الحدود البحرية” (وهي حُدُود افتراضية، لأن المسافة بين البَلَدَيْن تفوق أَلْفَيْ كيلومتر)، بين تركيا وحكومة “الوفاق”، بهدف الإستحواذ على ثروات ليبيا، وعلى طُرُق نقل الغاز بين شمال المتوسط (أوروبا)، وجنوبه وشرقه (الوطن العربي)، وأعلنت نقابة أرباب العمل التركية أنها صدّرت منتجات إلى ليبيا بقيمة تُقارب مليارَيْ دولار، ويطمح رئيسها إلى ارتفاع قيمة الصادرات إلى ليبيا، “قريبًا”، لتبلغ عشرة مليارات دولارا، وتتوقع تركيا توقيع شركات الإنشاء عقودًا بقيمة 120 مليار دولارا، في إطار إعادة إعمار ليبيا، بالإضافة إلى عقود ضخمة في قطاعات الكهرباء والمياه وبيع الأسلحة والتجارة وبيع الأسلحة وغير ذلك…
نُعيد التّذكير، مرة أخرى، إن تركيا كانت أحد أعمدة حلف بغداد الإستعماري، وهي عضو حلف شمال الأطلسي وشاركت في العدوان على كوريا (1953) ولها علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني، خاصة في المجالات العسكرية والتجارية والسياحية، ويعمل النظام الحالي على فرض تركيا كقوة إقليمية (إلى جانب إيران والكيان الصهيوني)، عبر إعادة احتلال الوطن العربي (بدءًا من سوريا والعراق، فاليمن وليبيا…)، وبعض أجزاء أوروبا الوُسطى، وآسيا الوسطى، في محاولة لإحياء الدّولة العثمانية التي كانت ترمُزُ لأجدادنا بالتجنيد القَسْرِي للدفاع عن مصالح تركيا، وأعمال “السّخرة”، والجباية، ويُحاول الإخوان المُسْلِمُون ومَشْيَخَة “قَطَر”، اليوم، تَسْيِيدَ تركيا، من جديد، بدعم أطلسي امبريالي، رغم بعض اختلاف المصالح الآنية، أحيانًا، وهي اختلافات لا تَصُبُّ في صالحنا…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.