إلى من لا يزال يتوَهَّمُ أن مليشيات العشائر الكردية بسوريا قوة تقدّمية
كانت الولايات المتحدة، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وإثر انهيار الإتحاد السوفييتي، تُقرِّرُ حَظْرَ التعامل على المصارف والشركات الأمريكية مع الدّول التي لا ترضى عنها (يوغسلافيا والعراق وكوريا الشمالية وإيران…)، ثم تَوَسَّعَ نطاق العُدْوان ليَشْمَلَ بلدانًا أخرى، وشركات ومصارف العالم، لِيُصْبِحَ القرار الأمريكي أعلى من أي قرار أو قانون دَوْلِي، ويقع فَرْضُ تطبيقه بواسطة التّهديد والإبتزاز.
لم تكتَفِ الإمبريالية الأمريكية بذلك، بل عادت إلى الإحتلال العسكري المُباشر، في بداية القرن الواحد والعشرين، في أفغانستان والعراق، وحاليا في سوريا، وإلى فَرْضِ إغلاق الحُدُود بين سوريا وجيرانها العرب (لبنان والأردن والعراق)، فيما تُمثل الحدود التركية طريقًا واسعة لدخول عناصر المجموعات الإرهابية، بإشراف نظام تركيا، الأطلسي-الإخواني، القادمين من شمال الصين ومنغوليا ومن جبال القوقاز والشيشان، ومن أوروبا والبلدان العربية، وأعلن مسؤولون مدنيون وعسكريون أمريكيون إعاقة استغلال الدّولة السّورِيّة والشعب السّوري حقول النفط والغاز، والمياه، والأراضي الصالحة لزراعة الحبوب، بالإضافة إلى الحصار، من أجل إثارة غَضَب السّكّان والإطاحة بالنّظام من الدّاخل، بالتّنسيق مع مُعظم المجموعات الإرهابية، وتستخدم الإمبريالية الأمريكية بعض مجموعات السّكّان من “الأقَلِّيّات”، ومنظمات الأكْراد، كعملاء وَوُكَلاء يُنَفِّذُون المُخطّطات الأمريكية والأطلسية، مقابل الحماية العسكرية، ومقابل جزء من عائدات المحروقات والحبوب وتجارة التّهريب والسّوق الموازية…
قدّر موقع “أويل برايسز” البريطاني حجم الاحتياطي السوري من النفط بنحو 2،5 مليار برميل، وتوجد ثلاثة أرباعها في المناطق التي يُسيطر عليها الجيش الأمريكي، مباشرة، أو بواسطة مليشيات العشائر الكُردية، في محافظتَيْ “الحسكة” و “دير الزور”، بالشمال الشرقي لسوريا، حيث تقع معظم حقول النفط والغاز، وانخفض إنتاج سوريا للنفط من 140 مليون برميل، سنة 2010، قبل الحرب، بمعدل 386 ألف برميل يوميا، إلى أقل من 8،8 ملايين برميل سنويا، أو نحو 24 ألف برميل يوميا، سنة 2019، وكانت حكومة سوريا قد وقعت اتفاقات، منذ سنة 2017، مع شركة “ستروي ترانس” الروسية، للتنقيب عن النفط في مناطق “بانياس” و”طرطوس” وحقل “قارة”، واستخراج الفوسفات من مناجم “الشرقية” في “تدمر”، وعدة اتفاقيات مع شركات روسية أخرى، من بينها شركتَيْ “ميركوري” و”فيلادا” النفطيتَيْن الروسيتَيْن، للإستثمار في حقول النفط والغاز والفوسفات، بالمناطق التي استعادت الدولة السورية السيطرة عليها في البادية وحمص ودير الزور…
أشرفَ الجيش الأمريكي الذي يحتل جُزْءًا من شمال شرقي سوريا، والحدود السّورية – العراقية، على تدريب وتجهيز القوات الإنفصالية الكُرْدِيّة، ثم أنْشأ فَرْعًا لها تحت إسم “قوات سوريا الديمقراطية” (أو “قسد” )، وهي إسم مُستعار للمليشيات العشائرية الإنفصالية الكُرْدية، وأعلن أحد الأعضاء النّافِذِين في الكونغرس الأمريكي ( ليندسي غراهام ) عن توقيع عقد بين شركة النفط الأمريكية “دلتا كرسنت إنرجي إل إل سي” ( Delta Crescent Energy LLc ) وقيادة “قسد”، لاستثمار حقول النفط في مناطق شرقي الفرات، وأشارت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن الحكومة الروسية كانت تسعى إلى الحُصُول على موافقة الحكومة السّورية و”قسد” على استغلال الشركات الروسية لحقول النفط والغاز، الواقعة شرْقِي الفُرات، بموافقة الطرفين، لكن الولايات المتحدة أَمَرَتْ قيادات منظمات الأكراد بتعليق المفاوضات مع الحكومة السورية ومع روسيا، وسوف تُشرف الشركة الأمريكية على التنقيب، والتّكرير، والصيانة، في منطقة “الحسكة” في مرحلة أُولى، ثم في “دير الزُّور”.
أشار السيناتور “ليندسي غراهام” إلى عدد من النقاط الهامة، ومنها: إن هذا العقد يشير إلى تصعيد الضغوط على الحكومة السورية، وإلى بداية تنفيذ مخطط لاحتلال أمريكي طويل الأمد، في منطقة الحدود السورية العراقية، مع استخدام “قسد” كغطاء، ويعتبر توقيع العقد بإشراف حكومي أمريكي إلى الإعتراف السياسي بمليشيات الأكراد كطرف مُستقل وكَجهازِ حُكْمٍ منفصلٍ عن الدّولة السّورية، وهو يُلغي، بشكل قاطع، لَغْوَ الرئيس “دونالد ترامب” بشأن “الإنسحاب” المَزْعُوم من سوريا، بينما كانت إدارته تُصَمّم مُخططات لسرقة ثروات سوريا، واستخدام جُزء من عائدات هذه الثّروات المَنْهُوبة لتمويل المجموعات الإرهابية والإنفصالية المُسلّحة والمُدَرّبَة أمريكيًّا…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.