خشبيون! لكننا نرى … كلمة للتاريخ

في تطبيع البرجوازيات وتطبيع الكيانات

(1-2)

عادل سماره

لعله من قبيل التكرار الممل والممجوج أن نؤكد بان أعتى الهجوم وأوسعه اليوم هو ضد العروبيين. وللتوضيح، لا أقصد العرب منهم فقط، بل كل ثوري في هذا الوطن الذي نسميه عربيا فقط لاختصار التسمية لأن فيه الكثير ممن هم أهله ويستحقونه.

الهجوم علينا لغة وهراوات وغدراً واغتيالاً وإفقاراً وكل ما يمكن للمرء ان يفكر فيه. هجوم الأنظمة والمخابرات والجلاوزة والأنجزة  والأكاديميا وما بعد الحداثيين والمثليين من كل الأمم ومن التجميع التراكمي للمستجلبين الصهاينة إلى فلسطين، اي انظمة وطابور سادس معاً. وطبعاً أخطرهم دُعاة الدولة مع العدو في وقت يقفز فيه العدو إلى بغداد والرباط وكامل الجزيرة والخليج.

أقصد من هذا القول التذكير بأن موقفنا مما اسموه سلاماً كان دائما موقف الرفض لأنه استبدال التحرير بالاستدوال دون أن يولد دُويلة!. وبالتخصيص منذ اتفاق كامب ديفيد 1979. حينها كان موقفنا على النحو التالي:

إن مصالح البرجوازية الكمبرادورية والطفيلية تقودها، وخاصة وهي تحكم وبما هي هكذا وتحكم فهي بالضرورة ضد الوحدة وضد النهوض العربي وتابعة لمركز النظام العالمي وقمعية في أقطارها وصولاً  إلى التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني. ذلك لأن انتماء “وطنية” اية طبقة برجوازية منوطة بدورها في العملية الاقتصادية الإنتاجية والفيصل في هذا الأمر بأنها :

  •  إما أن تكون ذات توجه إلى الداخل، اي التحكم بالفائض كما حصل في النمو الراسمال الأوروبي الغربي / أو  “الانسحاب إلى الداخل” Internal Withdrawal  بتبني استراتيجية التنمية بالحماية الشعبية كاستراتجية شعبية تُلزِم، إذا تمكنت عبر حزبها، السلطة الطبقية بتبني هذه الاستراتيجيا والبدء بفك الارتباط بالنظام الراسمالي العالمي، وصولا إلى فك الارتباط فالاشتراكية كما يجب أن يحصل في بلدان المحيط.
  • أو التخارج  External Orientation بمعنى التبعية وحتى بناء صناعات تابعة، إن حصل.

تكون البرجوازية منتمية/مخلصة وطنياً حين تكون من منشأ واستمرار إنتاجيين حيث وطنها ملكيتها والسيطرة على سوق البلد. أما البرجوازية الريعية والكمبرادورية والطفيلية، فالوطن بالنسبة لها هو رقم حسابها البنكي مما يبين ان وطنيتها إفتراضية.

لذا، حينما قال ماركس بأن القومية أداة في يد البرجوازية، فذلك لأن تلك البرجوازية الأوروبية التي كان يدرسها قد خلقت سوقا للبلد مصالحها فيها، اي في السوق وبالتالي انتمائها للسوق. وحينما تستخدم المسألة القومية خارج بلدانها فذلك ايضا لمصالحها الطبقية. 

أما الذين قرأوا ماركس شكلانيا، أو صهيونيا، كما يفعل التروتسك فاعتبروا أن القومية في اي موقع ومرحلة هي ضد الطبقات الشعبية. (أنظر عادل سمارة،: دفاعا عن دولة الوحدة وخاصة باب القومية الحاكمة والقومية الكامنة، بيروت دار الكنوز الأدبية  2004)

وبناء على الثورة الصناعية، والتطور الصناعي وجدت البرجوازية في أوروبا أنها بحاجة للأسواق الخارجية لأن إنتاجها فاض على قدرة السوق المحلية، وليس لأن الراسمالية لا تنمو في بلد واحد. فرأس المال إن لم تُخرجه من جيبك كي يعمل ويراكم، يثقب جيبك ويخرج.

صحيح أن الاستعمار كان سابقا على الثورة الصناعية في غرب أوروبا، اي في مرحلة الراسمالية التجارية، ولكن ايضا، فإن كثافة الإنتاج قادت إلى انتقال الرأسمالية إلى المرحلة الإمبريالية وها نحن نعيش اليوم أعلى درجة للرأسمالية الاحتكارية والتي نقلت كثير من الصناعات إلى المحيط ركضا وراء التراكم ومعدل الربح الأعلى.

والمثير بل المدهش بأن هذا النقل او الانتقال يقود تدريجيا إلى خلق نقيض للرأسمالية بالمعنى الجغرافي القومي وليس بالمعنى التناقضي بين الرأسمالية والإشتراكية  أي منافسين راسماليين كبارا، الصين خاصة،  وهذا في انسجام مع قانون خلق الشيىء لنقيضه ولو نسبياً في الحالة المعطاة.

أما اللافت ومثار القلق فوصول الرأسمالية الغربية إلى لحظة القلق بل حمل السلاح والهجوم كما نرى اليوم حيث تقوم الراسمالية الأمريكية بحرب معولمة على جغرافيا الكوكب كلها، حرب على مستويين:

  • حرب بالتجارة في جغرافيا تمتد من الصين وحتى طهران
  • حرب مسلحة بدأت ضد سوريا وسحقت الوطن العربي لتستقر في إبادة بيروت لكنها عبر الإنابة عن الإمبريالية، وفي هذا يندرج ما قامت به سلطة الإمارات ضد فلسطين، وهي مناسبة هذا المقال.

وجميع هذه الحروب مثابة محاولات لجم النقيض الصيني خاصة الذي ربما فات أوان لجمه، مما قد يعني الحرب المباشرة.

وللأسف، فالنقيض هو نقيض مصالح راسمالية وليس نقيض نمط إنتاج ضد آخر، على الأقل حتى الأن.

إذن، كان موقف هذه البرجوازية المصرية تصديقا للتحليل والتجريد النظري بأنها سوف تخون بالضرورة والحتم، وجاء سلوكها لتصديق الموقف الفكري ودعمه وتأكيده.

من حينها كتبت بأن استراتيجية الثورة المضادة تتكثَّف في:

  • القفز عن أية تسويات  فعلية مع الفلسطينيين حتى لو 99 بالمئة منها لصالح الكيان، ولكن دون قطع التفاوض  العبثي، وكان آخر ما اصطلحت عليه البرجوازيات العربية هو “المبادرة العربية” أي القبول بالكيان واستجداء انسحابه من المحتل 1967، والذي رد عليه العدو بأن الورقة لا تساوي الحبر المسكوب فيها. ولأن التاريخ يعيد نفسه على شكل ماساة مرة وأخرى على شكل ملهاة، فإن تلطي البرجوازيات العربية اليوم وانكشاف تهافت حكام الإمارات لم تمنع  نتنياهو من إهانة الجميع بقوله “الضم لن يتوقف”.
  • حصر ما يسمى سلام مع الفلسطينيين في جعل الضفة والقطاع محطات عبور وتبديل مع العرب لتسهيل تواصل الكيان مع الوطن العربي وليس للإقرار للمطبعين الفلسطينيين بشيىء إلا في حدود خدمتهم للكيان..
  • والتركيز على اختراق الوطن العربي من بوابة المحتل 1967
  • ذلك لأن الكيان يعرف، ولا يعرف الكثير من العرب للأسف، أن القضية في استراتيجية الكيان هي عربية والصراع عربي-صهيوني وأن وجود الكيان هو لاستغلال الوطن العربي وتحطيمه بالطبع والضرورة وليس فقط لاحتلال فلسطين التي لن تُعيِّشه  أو تغطي نفقاته وحدها
  • اي ان الكيان هو بالنسبة للإمبريالية خاصة استثمار خاسر إذا ما قرأنا العلاقة على أرضية الدعم التمويلي والتسليحي للكيان من امريكا والمانيا خاصة. ولكن هذا الإنفاق لا شيء رغم انه وصل  قبل 14 سنة إلى اكثر من 130 مليار دولار وهذه الأرقام المعلنة، مقارنة بهائل الثروات العربية التي تتدفق على المركز نتيجة للدور التقويضي لأية تنمية وحتى استقلال عربي  قام ويقوم به الكيان الصهيوني وهذا معنى كون الكيان استثمار الاستراتيجي للإمبريالية أي إنفاق يبدو عاليا في حينه أو للوهلة الأولى ولكن مردوده اللاحق مدهش لصالح المركز.
  • هذه العلاقة بين المركز والكيان والتي يراها ضعاف العقول بأنها امتطاء يهودي للغرب أو لأمريكا، هي في جوهرها علاقة عبودية الكيان للغرب الراسمالي بمعنى أن كامل الكيان هو أداة للغرب وقد لا نتجاوز عن الحقيقة إذا قلنا بأن الكيان عبارة عن تراكم عبيد من رئاسته حتى عمال النظافة، عبيدا للغرب.
  • من لا يفهم هذا فليفهم أنه لا شخصية لهذا الكيان إلا بارتباطه بالغرب. لذا كتب  هيرتسل بأن الكيان سيكون نموذجا عن الغرب في الشرق وسورا يحمي اوروبا من بربرية الشرق.
  • أي أن العلاقة تجارية مادية راسمالية بحتة: خدمات مقابل حماية ينتج عنها تدفق ثروات العرب للغرب.
  • لذا، من اهم وأخطر نتائج احتلال العراق أمران:
    • إيجاد نظام من العملاء  الطائفيين
    • تحويل العراق إلى قاعدة أمريكية للسيطرة على كل نفط العرب عبر دور قوات “بتروفورس” المتمركزة في قاعدة عين الأسد في العراق، وهذا الذي نعرفه أقل القليل.

إذا كان لنا تلخيص ما ورد أعلاه  وهوما كتبناه إثر اتفاقات كامب ديفيد: إن هدف الثورة المضادة بثلاثيتها (الغرب والصهيونية والتوابع العرب) هو دمج الكيان في الوطن العربي اندماجا مهيمناً. كتبنا هذا منذ كامب ديفيد، وها هو يتجسد.

وعليه، كان رفضنا للتطبيع نتاج تحليل وليس تخشباً كما يزعم مستدخلو الهزيمة. نعم لم نغير موقفنا ولن نغيره لأنه نابع من تحليل مادي ديالكتيكي. وشكرا للوقائع التي تؤكده.

هذا عن تطبيع البرجوازية، فماذا عن تطبيع الكيانات؟

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.