- في تطبيع البرجوازيات وتطبيع الكيانات
تجدر الإشارة إلى فارق اساس بين مصر وكيانات العرب في الخليج وغيره أن مصر الناصرية كانت قد خرجت من نطاق التبعية السياسية للمركز الإمبريالي وحاولت الخروج إقتصادياً من إسار السوق العالمية إلا أن التجربة قًمعت برحيل عبد الناصر فجرت إعادة مصر بشكل مُذِّل إلى حظيرة التبعية بل وُضعت في موقع دنيىء.
دخلت مصر مستنقع التطبيع والاستسلام عبر الطبقة الحاكمة المالكة المتخارجة مصلحيا،وربحاً، وبنيويا وإيديولوجياً، وهذا ما تفتقر له كيانات الخليج. هذا رغم أنها لم تكن في يوم خارج إطار التطبيع على الأقل بحكم كونها توليدات السيد الإمبريالي لكنها لم تكن لتجرؤ على إعلان اصطفافها صهيونيا لأن المد القومي كان طاغيا قبيل حرب 1967.
أمَّا والمد القومي في انحسار فهي تعلن صهينتها بافتخار واحتفال مهيب هو على ردائته أعلى كعبا من قامتها. وليس ما قامت به حكومة الإمارات سوى حلقة تطبيعية كسابقاتها لا تحوي مفاجأة.
تدخل كيانات الخليج محفل التطبيع، كما نرى، عبر قشرة حاكمة متحكمة بالريع. قشرة خلقتها الإمبريالية ونصَّبتها في السلطة وأجلت دورها التطبيعي دون ان تلغيه إلى أن كانت حرب الربيع العربي. وعليه فالتطبيع المصري طبقيا في بلد مكتمل كتشكيلة اجتماعية اقتصادية ثقافية تاريخية ومن هنا دور مصر المركزي لتكون دولة عربية مركزية قائدة ومن هنا ايضا وجوب تدميرها.
بينما التطبيع الخليجي يأتي بيروقراطيا من قشرة عليا. صحيح أن علاقات الاستهلاك في الخليج النفطي هي راسمالية ، وهي استهلاك شره جدا يمكن وصفه بانه:
- سيولة مالية عالية
- تُدفع لاستهلاك كثيف غير صحي يقود إلى السمنة
- والسمنة تفرض إنفاقا عاليا على التداوي بأدوية غير منتجة محليا،
- أو على الرفاهية وصالات الرياضة وتخفيف السمنة…الخ ليذهب المرء بعد الرياضة، كونه بلا وعي صحي، لمزيد من الأكل وكل هذا إنفاق.
هنا تجدر الملاحظة، أن سهولة الإنفاق أو التفريط بالمال نابعة بشكل اساسي من سهولة الحصول عليه. فالمنتج المستقل أو العامل المأجور لا ينفقون دخلهم عبثا وبسهولة لأن دخلهم هو جزء من قوة عملهم الجسدية والفكرية سواء المنتج المستقل في مشروعه أو العامل المأجور في شغله لدى الراسمالي حيث يحصل على جزء ضئيل من إنتاجه بينما يستولي الراسمالي على معظم إنتاج العامل على شكل القيمة الزائدة التي طبعا تُترجم في السوق والحياة اليومية إلى الربح والذي ينتج عنه أو الهدف منه هو التراكم.
وحتى الرأسمالي لا يكون راسماليا، أو لا يصبح راسمالياً لو كان يبعثر ما يحصل عليه في عبث أو شره استهلاكي. وحين يستهلك ترفياً فذلك لا يأكل من رأسماله الرئيسي شيئاً يُذكر.
لذا، يُمكِّننا هذا التحليل، إن كان صحيحاً من فهم لماذا تنفق كيانات النفط تريليونات الدولارات على شراء سيطرة المركز الإمبريالي على ثرواتها وهو ما كانت الناس جميعا تعرفه إلى أن جاء احتقار ترامب لمحمد بن سلمان وسلمان بالقول King, you hve money, You have to pay وبالطبع تم الدفع علانية.
ليست علاقات الاستهلاك في الخليج نتيجة لعلاقات إنتاج بل نتيجة للحصول على حصة من الريع، لذا فهي علاقات فقيرة وكسيحة لأن معظم الدخل هو ريعي أي بدون عمل إنتاجي حقيقي ناهيك عن أن اكتشاف النفط واستخراجه أجنبي. هذه البنية خلقت حالة طبقية مشوهة. أي هناك رأسمال بلا رأسمالية أو راسماليين. هناك احتقانات مالية هائلة ولكن دون ان تكون قد بُنيت على تطور طبيعي لطبقة راسمالية تبدأ من الإنتاج ومن ثم يوازيها تبلور الطبقة العاملة.
قد يقول قائل، ولكن كيانات التطبيع الخليجي هي أيضا رأسمالية. وهذا أمر يحتاج لبعض التوضيح، وهو توضيح لن يغني عن دراسة معمقة.
كما أشرنا هناك رأسماليات بدون طبقة رأسمالية، وهذا الحد الأول للتشوه البنيوي. كما أن تحكم السلطة العائلية بالثروة الريعية وإلى درجة عالية بالملكية الخاصة قد أنشا بنية ربطت قوة العمل ببيروقراطية السلطة بمعنى أنها ليست قوة عمل ظهرت كشرط لتطور الرأسمالية. يشهد على هذا اعتقال محمد بن سلمان لأقاربه وتقشيطهم اموالهم!
وتزداد البنية تشوها لأن اكثرية قوة العمل المستخدمة ليست محلية وليست حتى عربية مما يجعلها “طبقة” مائعة متنقلة كأنها عمالة مياومة مما يحول دون تبلورها طبقيا ومن ثم مصلحيا. وربما هنا يكمن سر عدم مطالبة الأكثرية غير العربية بحقوق هناك ولا طبعا استيلائها على السلطة لأسباب عدة أحدها تغييرها من حين لحين وعدم انسجامها لا ثقافيا ولا عرقا ولا هدفا ولا إيديولجيا…الخ وللمقارنة لم تصل إلى هناك عبر مشروع رأسمالي معولم لإقامة قاعدة في تلك المنطقة كما حال الكيان الصهيوني، علماً بأن السلطات هناك تقوم بدور الكيان الصهيوني على بلادها فلا حاجة لسلطة أخرى. ولعل سياسات هذه الكيانات في تدمير الوطن العربي وتصفية القضية الفلسطينية خير ما يؤيد قولنا.
يمتد التشوه المذكور أعلاه، ليصل بنية المجتمع بأكمله حيث الأكثرية الساحقة من السكان هم غرباء مستجلبون لفترات محددة يتم استبدالهم كي لا يستقروا ولا يحصلون بالطبع على الجنسية في موقف منتهى العنصرية مما يجعلهم في حالة من الجزع المتواصل.
هذا التشوه، سواء في علاقات العمل أو مجتمعيا بشكل عام إلى جانب غياب الحزبية والبرلمان ومختلف الحريات الأساسية أنتج أعجب “استقرار” اجتماعي بمعنى ان لا معارضة تذكر مهما كان تغول السلطات أو خياناتها.
نعم، لا توجد مجتمعات معزولة عن العالم في هذه المرحلة من تطور النظام الرأسمالي العالمي كما جادلت مدرسة النظام العالمي بدءا من جوندر فرانك، ولكن حالة الخليج هي ايضاً مختلفة بمعنى أنه إذا كان لبقعة في العالم أن تنعزل عن تطوراته، فإن الخليج لا يمكنه ذلك قط نظرا لاحتوائه على المخزون النفطي ومؤخرا الغازي.
في تبرير الإمبريالية للتحكم بالنفط، زعم استراتيجيوها (خلال العدوان ضد العراق بعد تحريره الكويت 1991) بأن النفط كسلعة عالمية يجب ان لا تتحكم بها دول الإنتاج. وهذا لغو لأن هناك الكثير من السلع العالمية التي هي ايضا حيوية للأمم سواء المنتجات الزراعية للغذاء أو طبعا التكنولوجيا.
روَّجت الإمبريالية وأدخلت في روع الكثيرين في الخليج من السلطة حتى البسطاء بأن النفط هو لمن اكتشفه واستخرجه ولذا، يعتبرون تحكم الغرب بالنفط أمر عادي. وربما يعود هذا الاقتناع ايضا، علاوة على حقيقة الكشف والاستخراج الغربي والترويج لذلك، إلى إدراك هؤلاء هناك بأن مستوى تخلف بلدانهم وإصرار السلطات على تابيد التخلف بأنهم ما كانوا ليكتشفوا او يستخرجوا النفط ربما لألف عام مقبلة. لذا تروج في كتابات الغربيين مقولة: “كيف حصل أن نفطنا وُجد في أرضهم”.
نعود إلى مسألة السيولة المالية التي تراكمت بين ايدي حكام تلكم البلدان، رغم أنها لا تكاد تذكر مقارنة بحصة الشركات الغربية وذلك في علاقة اقتصاد التساقط Tricle-down Economy ، وهي السيولة التي طالما عاد المركز لالتهامها وخاصة بعد الطفرتين النفطيتين 1973 و 1985.
لكن يتبقى لدى هؤلاء الكثير لتنجم عنه ظاهرة غاية في التشوه والغرابة طابعها المسيطر اليوم هو تحول هذه الكيانات إلى مخافر إمبرياليات رثة وتابعة دون امتلاكها الخصائص الأساسية التي تحدث عنها لينين. فهي تعمل عدوانيا ضمن مشروع الإمبريالية لتدمير الوطن العربي عبر:
- التفريط بقوة العمل بتسخيرها في جيوش الإرهاب الذي تديره الإمبريالية والصهيونية.
- والتفريط بالثروة عبر الإنفاق على الإرهاب، ودفع الخاوات للمركز، وشراء أسلحة للعدوان بعيدا عن حدودها كالمشاركة في تدمير الدولة الليبية 2011 والاقتتال اليوم هناك حيث قطر لصالح تركيا المرتبطة بامريكا والإمارات لصالح مصر المرتبطة أيضا بأمريكا.ناهيك طبعا عن العدوان ضد اليمن تشاركا بين الإمارات والسعودية.
هذا التفريط بالمقومين الأساسيين للنمو يبين كم هي انظمة هشة هناك.
تقوم هذه الأنظمة باستثمارات في السوق الدولي، اي استثمارات تابعة بمعنى شراء حصص هنا وهناك في مرافىء وشركات…الخ في المركز الرأسمالي الذي حين يجد الجد يصادر الأملاك والسيولة المالية بقرارات تجميدها وهي تخفيف لوقاحة مصادرتها.
وعليه، فنحن نتحدث عن احتقانات مالية من الصعب تسميتها راسمال مالي بالمعنى المعهود والمتحول عن والمندغم به رأس المال الصناعي (الاندغام الأول) ولا الاندغام الثاني أي راس المال المالي بين الشركات والدولة.
يرى البعض أن هذه الكيانات قد دخلت مرحلة أو تبنت استراتيجية جيوبوليتيك شأن الدول الحقيقية! وهذا لا اساس له من الصحة فمجمل ما تقوم به هذه الكيانات هو توظيف ودور تنيطه بها الإمبريالية بقي أن نشير إلى نقطتين:
الأولى: الدور القطري في تدمير سوريا مع “الربيع العربي” حيث كانت تهدف تمرير نفطها إلى تركيا فأووبا لمنافسة النفط الروسي. وهو دور واضح أنه ليس من عزيمة قطر ولكن من اموالها.
والثانية: الدور الإماراتي في تصفية القضية الفلسطينية عبر الكشف عن علاقتها بالكيان الصهيوني وكذلك عدوانها ضد اليمن ومحاولة بناء شبكة موانىء تسيطر عليها. وهذا ما أوجد وهماً عند بعض الصحفيين الذين يتغذون بمعلومات من هنا وهناك بأن ما تقوم به هذه الكيانات يمكن وصفه ب سياسة دولة!
هناك إجماع على أن الكيانات الصغيرة حتى لو غنية لا بد ان تكون تابعة سواء كانت اشتراكية أو رأسمالية. ومن ناحية أخرى، فالإمارات كما قطر، تحاولن لعب دور او بناء سياسة جيوبوليتيك بتوجيه من الإمبريالية، لتكون سياسة هجينة لأن حاملها قزم والمسيطر عليها عملاق، إنها سياسة تضخيم الصغير كتوظيف في خدمة الكبير. لا شك أن الصحفي يستفيد من المعلومات، ولكن العبرة في تحليلها وقراءة منتهياتها واتخاذ موقف التحريض الثوري بتوظيفها أو تجليسها فيه.
زعم أحدهم أن الإمارات قدمت الخنوع للكيان لأنه ساعدها بتدمير ميناء بيروت لإنعاش ميناء دبي! حتى لو حصل هذا فهو ضمن استراتيجية الإمبريالية والصهيونية في تدمير الوطن العربي والتي تكون الإمارات أداة ضمنها، “أو نعيم كلب في بؤس أهله”
- – دفاعاً عن دولة الوحدة: إفلاس الدولة القطرية. رد على محمد جابر الانصاري. منشوات دار الكنوز الادبية، بيروت 2003. ومركز المشرق/العامل 2004
- ثورة مضادة، إرهاصات أم ثورة، منشورات دار فضاءات عمان 2012، وفي رام الله عن بيسان 2013.
The New Confessions of an Economic Hit Man : How America really took over the world, John Perkinz, 2018
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.