هوامش من حملة الإنتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة، الطاهر المعز

هوامش من حملة الإنتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة

الطاهر المعز

تعيش الولايات المتحدة أجواء وديكور مسرحية التهريج الإنتخابي وما يرافقها من المُزايدات، في مناخ مُتأزّم اقتصاديًّا، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى مُستويات قياسية، كما تزايد عدد حالات إطلاق عناصر الشرطة الرصاص على المواطنين السّود، وعلى النّقيض من فئات المُستغَلِّين والمُضْطَهَدِين من كل الألوان والأدْيان، في الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار أسهم شركة “آبل”، لتصبح أول شركة تصل قيمتها إلى نحو 2,1 تريليون دولارا، وتمثل شركة آبل وشركات التكنولوجيا المتطورة وشركات صناعة الأسلحة وبعض شركات الخدمات، والدّولار (كعملة فرضتها أمريكا على العالم) أحد أوجُه القُوّة والهيمنة الأمريكية على العالم، لكن هذه القوة وهذه الهيمنة التي قد تعود بالنّفع على الرأسماليين وعلى الشركات الخاصة، لا تُفيد المواطن الأمريكي الكادح والفقير وذي البُشرة السوداء…

يهتم المواطن والناخب الأمريكي، كما غيره في جميع بلدان العالم، بمسائل العمل والنمو الاقتصادي، والسّكن والرعاية الصحية، والتعليم، وأُضيفت هذه السنة (2020) مواضيع أخرى، من بينها قضية العنصرية الرسمية التي تُمارسها أجهزة الحكم الإتحادي أو المَحَلِّي، ما أدّى إلى تنظيم التظاهرات الاحتجاجية، ضد عمليات القتل وإفلات المُجرمين (عناصر الشّرطة، واليمين المتطرف) من العقاب…  

أما الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، فإنه لا يبدي اهتمامًا بالعديد من مشاغل أغلبية الأمريكيين، بل يتصَرّف كتاجر ورجل أعمال، لا يعرف للأخلاق مَعْنَى، وتمَيّز ببذاءة العبارات والتّصَرّف، وبالتّصريحات ذات الصبغة العُنصُرِية، والدّاعمة لمنظمات ومليشيات اليمين المتطرف، والطوائف المسيحية الصهيونية، والمُساندة المُطْلَقَة للكيان الصهيوني، وبابتزاز من كانوا يعتقدون أنهم “أصدقاء” الإمبريالية الأمريكية، ومن بينهم آل سعود، الذين فَرَضَ عليهم صفقات بقيمة زادَتْ عن خمسمائة مليار دولار، ثَمَنًا لدعمه انقلاب محمد بن سَلْمان، داخل الأسرة الحاكمة، ليُصبح وليًّا للعهد، وحاكمًا فعليًّا للبلاد، يُكثّف من وتيرة القمع ويَبْتَزُّ أُمَراء أُسْرَتِهِ، ويُسَرِّعُ من خطوات التّطبيع العَلَنِي مع الكيان الصهيوني، ويُكَثِّفُ من الغارات الجوية، ومن قَصْف شعب اليمن…

تزامنت السّنة الإنتخابية في الولايات المتحدة، مع انتشار وباء “كوفيد 19″، واستخفاف الرئيس الأمريكي بالوباء، وأدّت الأزمة الإقتصادية (التي بدأت قبل انتشار الفيروس التّاجي، وتعمّقت معه) إلى فقدان نحو واحد وأربعين مليون أمريكي وظَائفَهُم، وزيادة عدد الفُقراء وعدد المحرومين من التأمين الصّحّي، وتخلف نحو 20% من المُسْتأجرين الأمريكيين عن تسديد إيجار المَسْكِن، وقد يتفاقم الوضع، مع انتهاء فترة سريان القرار المؤقت بوقف طرد السكان الذين تَخَلّفوا عن دفع الإيجارات، في نصف الولايات الأمريكية، ومع انتهاء فترة استحقاق معونة البطالة الإضافية، كما تكرّرت حالات إطلاق رجال الشرطة النار على المواطنين السّود، ما خَلَقَ ظُرُوفًا مَوْضُوعِيّة لإحياء الحركة الإجتماعية والمظاهرات الغاضبة ضد المَيْز الطّبقي والإجتماعي والعُنْصُرِي…

يُمْضِي “دونالد ترامب” معظم أوقاته في نشر التّغريدات، وسيلتُهُ الإعلامية المُفَضَّلَة لإهانة خُصُومِهِ، وللتحريض على العُنف، داخل وخارج الولايات المتحدة، وفي التّجوال، بين ممتلكاته وعقاراته، وفي لعب “الغولف”، في مُنتجعاته العديدة، ومنتجعات أصدقائه من الأثرياء، بينما يزداد عدد المُتَوَفِّين، جراء ارتفاع حالات الإصابة بفيروس “كورونا، ويتجاهل “دونالد ترامب” احتجاجات آلاف الأمريكيين، ضد الوضع الإجتماعي السّيّء، وزيادة حالات عجز الأُسَر عن توفير الغذاء، والمُظاهرات ضد المَيْز العنصري، خاصّة منذ اغتيال ضابط شُرْطة أبيض للمواطن الأسود “جورج فلويد” يوم 25 أيار/مايو 2020، في مينيابوليس، إذ توسّعت رُقعة الإحتجاجات لِتَشْمل معظم أنحاء البلاد، وبعد فترة قصيرة من الهُدُوء، أدّت إصابة المواطن الأسود “جايكوب بليك” (29 عامًا)، بسبع رصاصات أطلقها في ظهره، بمدينة “كينوشا” من ولاية “يسكنسون”، شُرْطِيّان أبْيَضَا البشرة، أمام أبنائه الثلاثة الصّغار، عندما كان “بليك” يهم بنقلهم، وهم داخل سيارته، ولم يتم توقيف رجال الشرطة المسؤولين عن هذه الجريمة، فانطلقت مظاهرات، بداية من ليلة الإثنين 24 آب/أغسطس 2020، تحت شعار “لا عدالة لا سلام”، احتجاجًا على هذه الجرائم المُتكَرِّرَة، ما أدى إلى إطلاق الرّصاص، وقتل ما لا يقل عن خمسة متظاهرين، واعتقال العشرات، بذريعة تنفيذ “تجمّعات غير قانونية”، ونشر حُكّام بعض الولايات فرقًا من الحرس القومي، لِفَرْض الهُدُوء بقُوّة السّلاح، فيما يُحْيِي جهاز القضاء “قانون الجرائم”، الذي يُشَرِّعُ عمليات الإعتقال والسجن الجماعيّيْن، ويُشَرْعِنُ الأحكام القاسية، والمُوَجّه ضدّ السّود بشكل خاص، وهو من القوانين الزّجْرِيّة التي دافع عنها مُرَشّح الحزب الديمقراطي “جو بايدن”، ومعظمها يتعارض مع قِيَم المُساواة، ومع إرادة القضاء على التمييز، التي يُعْلِنُها “بايدن” ووُجَهاء وأعْيان الحزب الديمقراطي، الذي يُحاول استغلال الغضب للحُصُول على أصوات المواطنين السُّود والمناضلين المناهضين للقوانين والمُمارسات العُنصرية، وهم المواطنون الذين تعتبرهم السّلطة (تحت حكم الحزب الجمهوري أو الديمقراطي) خَطَرًا على الأمن العام، ويُشكّلون “عَدُوًّا داخليًّا”، وكانت هذه الإحتجاجات (منذ اغتيال “جورج فلويد”، أواخر شهر أيار/مايو 2020) ذريعة لنَشْر حكام العديد من الولايات، الجيش والحرس القومي، لضبط الأمن في شوارع مُدُن ولايات عديدة، مثل “مينيسوتا” (مسرح اغتيال “جورج فلويد”، و “واشنطن” وغيرهما، بتكاليف مُرتفعة، كان من الأجْدَى إنفاقُها في مجالات الإسكان والتعليم والرعاية الصحية، ومعالجة مشاكل عدم المساواة، ومظاهرها المُتَعَدّدَة…

تزامنت حادثة إطلاق الرصاص وإصابة المواطن الأسود “جايكوب بليك” بالشّلل، وما تلاها من احتجاجات، مع ذكرى خطاب “مارتن لوثر كينغ”، أحد زُعماء الحركة المطالبة بالحقوق المدنية، بعنوان “لَدَيَّ حُلم”، الذي ألْقاه خلال مسيرة 28 آب/أغسطس 1963، وبمناسبة هذه الذّكرى، تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين، يوم الجمعة 28 آب/أغسطس 2020، بواشنطن، احتجاجاً على العنصرية، وللمطالبة بوضْع حَدٍّ لأعمال عنف الشرطة، وبالعنف الناجم عن حرية بيع وحمل الأسلحة، والظلم الذي يتعرض له المواطنون السود والسكان الاصليون، والأقليات، مرددين هتاف “كفى”، وشعار “ارفعوا ركبَكم عن أعناقِنا”، في إشارة إلى وفاة جورج فلويد الأميركي الأفريقي اختناقاً عند توقيفه بعدما جثا شرطي أبيض على عنقه، وشعار “لا عدالة، لا سلام” الذي أطْلَقَهُ والد “جايكوب بليك”، الذي أدّت إصابته بسبْع رصاصات إلى إطلاق تظاهرات، لثلاث ليال في مدينة “كينوشا”، حيث قُتل مُتظاهران برصاص أحد أعضاء المليشيات اليمينية المتطرفة، واعتقال الشرطة عشرات المتظاهرين، وَنَشَرَ حاكم ولاية “ويسكنسن” قوات الحرس القومي في مدينة “كينوشا”، يوم الخميس 27 آب/أغسطس 2020، بهدف “إخْماد الإحتجاجات”، باستخدام القُوّة المُسَلّحة، بحسب وكالة “رويترز” 29 آب/أغسطس 2020، ونَظّمت مجموعات اليمين المتطرف مظاهرات (في “كينوشا، كما في مدن أخرى)، حمل خلالها بعض المُشاركين الأسلحة النارية، وأطلقوا الرصاص على المُتظاهرين المُناهضين للعنصرية، منذ يوم الثلاثاء 25 آب/أغسطس 2020، بدعوى “الدّفاع عن النّفس، والحفاظ على السلم، ووَقْفِ النهب وأعمال الشغب”، بحسب ما ورد في إحدى برقيات وكالة “أسوشيتد برس”، ووكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب (28 و 29 آب/أغسطس 2020)، وكان  إطلاق النار على “جاكوب بليك”، منطلقًا لحركة احتجاجية غير مسبوقة في عالم الرياضة، ولإضراب الرياضيين المُحترفين، لفترة ثلاثة أيام، ومن بينهم اللاعبون المحترفون بدوري كرة السلة، ولاعبو رياضة “الهوكي” على الجَلِيد، بالتوازي مع تصاعد الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في عدة مدن أمريكية…

يتصرّف الرئيس “دونالد ترامب” كما رؤساء “جمهوريات المَوْز”، أي الدول التي لا يحترم حُكّامها أبسط قواعد الديمقراطية، أو كما يتصرف مالك شركة أو عقار، ويعتبر البيت الأبيض (مقر عَمل الرئيس الأمريكي) ملكيةٌ خاصة، يستخدمها لأغراض شخصية، ولإقامة فعاليات واحتفالات لا علاقة لها بمنصب الرئاسة، من ذلك أنْ عَقَد الحزب الجمهوري مؤتمرَه بالبيت الأبيض، من يوم الإثنين 24 آب، إلى ليلة الخميس 27 آب/أغسطس 2020، وهي سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، بحسب موقع صحيفة “واشنطن بوست”، بتاريخ 28 آب/أغسطس 2020، وعلقت بعض وسائل الإعلام على قضايا توظيف الدين والخطاب الديني بشكل مكثف، عبر استضافة الحزب الجهوري رجال دين مسيحيين إنجيليين وراهبة كاثوليكية ليتحدّثوا أمام المؤتمرين، وليقدموا الدّعم (باسم الرَّبّ) لدونالد ترامب، باعتباره “الأكثر تقديراً لتعاليم الدِّين والأكثر خدمة للدِّين، والأكثر اتِّباعاً للتعاليم الدينية، وتجريم الإجهاض، وغير ذلك”…

من جهة أخرى، لا يفوتنا التّذكير (كعرب وكمُضْطَهَدِين وواقعين تحت الهيمنة الإمبريالية) بالإنحياز الكامل للإدارة الأمريكية للكيان الصهيوني ولأطروحات الحركة الصهيونية، ولا يفوتنا التذكير بمكتسبات الكيان الصهيوني خلال فترة رئاسة “دونالد ترامب”…

إن الخلافات بين مختلف المُترشّحين لمنصب الرئاسة الأمريكية، ليست جَوْهَرِيّة، وهي خلافات داخل نفس المنظومة الرأسمالية النيوليبرالية، المُهيْمِنة على العالم، والمُعادية لاستقلال وانعتاق الطبقة العاملة والكادحين والشُّعُوب المُضْطَهَدَة، وبشأن القضية الفلسطينية، والقضايا العربية، تُشكل فترة الدعاية الإنتخابية مُناسبة للمُزايدات ولإبْراز دعم كل مُترشّح للكيان الصهيوني، باعتباره وكيلاً للإمبريالية الأمريكية في المنطقة، وليس (كما يدّعي البعض) لأن الصهاينة يتحكّمون بمفاصل النظام الأمريكي، ولذلك، وجب التنديد بسياسات الإمبريالية الأمريكية (داخليا وخارجيا)، دون الوقوع في خطأ دعم “جو بايدن”، مرشح الحزب الديمقراطي، المنافس للرئيس “دونالد ترامب”، والحزب الجمهوري…

من مصلحتنا ومن واجبنا كتقدّميِّين دعم العمال والفُقراء والسّكّان الأصليين والمواطنين السّود الأمريكيين، لتأسيس أو لتَمْتِين دعائم جبهة تقدّمِيّة عالمية، تُشكّل سَنَدًا لنضالات المُسْتَغَلِّين والمُضْطَهَدِين، حيثما وُجِدُوا، في أرجاء العالم…    

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.