كاتب فلسطيني
“انطلاق العمل الفلسطيني تحت مظلة م.ت.ف. بمبادرة شجاعة من الرئيس ابو مازن”
“من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967”
“العيش في ظل نظام ديمقراطي واحد وسلطة واحدة وقانون واحد والتداول السلمي للسلطة”
“تشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة”
“تشكيل لجنة من شخصيات وطنية تقدم رؤية استراتيجية لتحقيق المصالحة والمشاركة في إطار م.ت.ف”
البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامِّين للفصائل الفلسطينية (3 أيلول 2020).
الاقتباسات المذكورة هي خلاصة البيان الختامي لاجتماع الأمناءِ العامِّين للفصائل الفلسطينية، الذي صدر مساءَ الثالث من أيلول/ سبتمبر 2020 ، وتلاه جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح. وقد عُقد الاجتماع برئاسة محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتزامن بين رام الله وبيروت، وحضره (12) فصيلاً في منظمة التحرير، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي.
في الشكل؛ استغرق الاجتماع ساعات قليلة، وصدر البيان الذي يبدو أنه أُعِدَّ من قبل، ممَّا أعطى انطباعًا عامًا بأنه مثل الاجتماعات العربية التي ليس في بياناتها وقراراتها إلاّ “طحن كلام”.
في المحتوى؛ يُظهر البيان من دون مواربة، أنَّ الاجتماع كان إجماعًا من الفصائل على تطويب محمود عباس “بطركًا” (أبًا كبيرًا) لفلسطين، وعلى صواب اتفاق أوسلو ونهجه بأطروحة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، أي الاعتراف بإسرائيل وبحقها في الأراضي التي احتلتها في العام 1948. وكاد البيان يُقِرُّ بالهزيمة، والتسليم بانتصار المشروع الصهيوني الذي يتعزز بالمدى الذي بلغه الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية (أرض الدولة). وأي فذلكة كلامية عن المقاومة الشعبية لا تغيِّر من هذه الحقيقة الصارخة.
من الطبيعي أن تتساءَل جماهير شعبنا لماذا حدث هذا؛ ولكن أليس من الأفضل لها أنْ تدرك حقيقة ما تقودها إليه قياداتها؟
فلقد صَغُرت أهداف شعبنا لتصبح على قَدْر “دولة فتح”؛ فتحدَّث الأمناء العامّون عن العيش في ظل نظام ديمقراطي واحد وسلطة واحدة وقانون واحد وتداول سلمي للسلطة. وقد حفظ الناس هذه المعزوفة عن ظهر قلب لكثرةما ردَّدتها حركة فتح ووضعتها شرطَا للمصالحة، وتقصد بها إنهاء سلطة “حماس” في غزة. فالانتخابات والديمقراطية التي يتغنَّون بها، هي إذًنْ خاصة بسلطة أوسلو، بعد إنهاء سلطة حماس وإعادة غزة الى كَنَف السلطة.
وينطبق ذلك على مقولة المقاومة الشعبية السلمية. فقد تحدثت جماعة أوسلو كثيرًا عن هذه المقاومة بمفهوم التظاهر الهادئ الذي لا يستفز الإسرائيليين، لأن ميزان القوى ليس لصالحنا، ولأنَّ المقاومة الحقيقية، على حدِّ قولهم، “هناك في ساحات الأمم المتحدة حيث ميزان القوى لصالحنا وحيث يقودها الرئيس أبو مازن باقتدار”.
وهكذا جاء البيان عبارة عن إعادة صياغة لأطروحات عباس وحركة فتح. وبذلك أعاد البيان الى الذاكرة ما كان يجري إبَّان الانقلابات العسكرية والدستورية العربية، وبرقيات التأييد من الجهات الفاعلة في البلاد التي يستندإليها الانقلابيُّون في تأكيد شرعيَّتهم. وقد خرج عباس عن التقليد بأن أراد تأييدًا جماعيًا، وكان له ما أراد.وحركة فتح تخشى الآن من مخطَّط أميركي- عربي لمجيئ قيادة فلسطينية أكثر استعدادًا للإذعان وقبول صفقة القرن. باختصار، كان البيان “برقيةَ تأييد” جماعيَّة للرئيس عباس.
قيلَ على هامش الاجتماع إنَّ “حركة الجهاد” تحفَّظتْ على ما ورد في البيان بشأن الدولة على حدود الرابع من حزيران، لأن ذلك يتضمن الاعتراف بالعدُّو الصهيوني وبحقِّه في الأراضي التي احتلها في عام 1948.
وموقف “الجهاد” جدير بالتعليق والتنبيه؛ لإنَّ قطاعات واسعة من جماهير شعبنا تُعلِّق آمالاً كبيرة على الحركة بالنظر الى مسيرتها النضالية ومواقفها المبدئية وتمسكها بالثوابت الوطنية. ولا ينبغي أنْ يغيبَ عن الحركة خطورةُ الدخول في هذا الطريق. فليس هناك أكثر من تحفُّظات الجبهة الشعبية على تفرُّدِ عباس وقراراته الخاطئة. وعباس ،من منطلق “ديمقراطي”، لا يُمانع في الانتقاد ضمن حدود؛ ولكنه لم يتردَّد في معاقبة الجبهة ووقف مُخصَّصاتها المالية عندما كان يرى أنَّ الانتقاد تجاوز الحدود.
وهناك حاجة الى تنبيه القيادات الفلسطينية الى خطورة زجِّ الدين في القضايا السياسية. فعلى إثر الإعلان عن اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل، صدرت فتوى باسم مفتي القدس(17-8-2020) تُحرِّم على أبناءِ الإمارات صلاتَهم في المسجد الأقصى. التحريم هنا يطال الشعوب التي هي في غالبيتها معارضة للتطبيع وداعمة للقضية الفلسطينية. هذا مع العلم أنَّ فتاوى صدرت من قبل تدعو الى “شدِّ الرحال الى الأقصى وزيارة القدس”، تَصدَّرَ الترويج لها محمود عباس،ومستشاره للشؤون الدينيَّة آنذاك محمود الهبّاش. ومن البديهي أن يكون المواطنون عامَّة هم المقصودون بتلك الدعوة، وأنَّ الدعوة كانت تعني ضمنًا دعوةً الى التطبيع الشعبي.
ويبقى السؤال الأكثر خطورةً من هذا كلِّه، ويتعلق بموقف محور المقاومة تجاه ما قرَّره الأمناءُ العامُّون من أنَّ الهدف الإستراتيجي للفلسطينيين هوإقامة دولة على حدود الرابع من حزيران 1967. فهل كانت التضحيات البشرية والمادية الهائلة التي قدَّمها المحور هي فعلاً من أجل ذلك الهدف؟ وهل يستمر المحور في تقديم التضحيات من أجل دولة على بعض أرضٍ من فلسطين؟
في النهاية لا بدَّ من التأكيد أنّ الفلسطينيين لا يختلفون على ضرورة الوحدة الوطنية، وعلى ضرورتهافي هذا الوقت الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية لخطر التصفية النهائية،في عملية تجري بدوافع عقائدية تقودها المسيحيةُ الصهيونية في أميركا،والمتصهينون من الحكام العرب.
ولكن هل من المُحَتَّم على الشعب الفلسطيني أن لا تتحقَّق وحدته إلّا تحت قيادة محمود عباس وحركة فتح؟ وهل هذه القيادة قَدَرٌ لا يُمَسُّ؟ألا يكفيها ربع قرن من السلطة وما جلبته من خيبات؟أليس ممَّا يُؤسف له أنَّ الأمناءَ العامِّين أضافوا خيبةً أُخرى بإجماعهم على تأبيد هذه القيادة، وحصر القضية الوطنية في سلطة أوسلو.
لقد توقَّع كثيرون من أبناء شعبنا أن يتمخَّض اجتماع الفصائل عن قرار جريء من أجل وحدة وطنية حقيقية، تُمكِّن شعبنا من مواجهة الخطر الداهم، ومتابعة مسيرته النضالية. إن وحدة الفصائل ليست بديلاً من الوحدة الشعبية. الوحدة الشعبية هي التعبيرالحقيقي عن إرادة الشعب ووحدته الوطنية، وهي المطلوبة الآن. وتتجسَّدفي مؤتمر شعبي واسع يجمع الكلَّ الوطني، ويُعيد تأسيس منظمة التحرير بأهدافها الأساسية في التحرير والعودة، وانتخاب قيادة جديدة تلتزم بالعمل على تحقيق هذه الأهداف.
فهل يتدارك الأمناء العامُّون الأمر!
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.