المحاورة الخامسة لِ تارنتا بابو، عادل سمارة

15-8-2020

صباح الخير، فيما يخص جغرافيا الثورة:

الرفيقة تارنتا،

كما تحدثنا سابقا هناك ثلاثة مستويات في دقة شيوعية ماركس او ما اصطلح على تسميته  الماركسية:

·      الأسس المكونة للنظرية كما طرح ماركس: مكوناتها، وقوانيها ومقولاتها

·      تحليلات ماركس

·      تنبؤات ماركس، أو ما يسمى في المادية الديالكتيكية ب التنبؤ العلمي.

إن أي تعاطٍ مع هذه الفلسفة من حيث حضورها على الأرض لا بد أن يندرج في احد أو مختلف  هذه المستوبات، ومن ضمن ذلك طبعاً مسألة الثورة على صعيد عالمي.

ولكن، قبل الإجابةعلى السؤال، بودي التقديم له بشيء ما عن مكونات الماركسية، هذا مع العلم، بأنني غالبا افضل مصطلح الشيوعية لأن الشيوعية أسبق من الماركسية في التاريخ. هي وبكلام آخر:

الفهم المادي للتاريخ في مواجهة الفهم المثالي للتاريخ، وبالطبع للحياة البشرية

مكونات الفلسفة الماركسية الثلاث هذه سنناقشها لاحقاً بشكل اوسع.

1- المادية الديالكتيكية: قوانين الديالكتيك الثلاثة الرئيسية هي: وحدة وصراع الأضداد، قانون نفي النفي، وقانون التراكم الكمي يؤدي إلى التغير الكيفي.

من حيث العلمية، هذه قوانين فلسفية علمية تكتنف الطبيعة والمجتمع والفكر، وهي تدافع عن نفسها بقوة مضمونها.

وهناك قوانين فرعية في الديالكتيك مثل: قانون الترابط الشامل، وقانون التطور الشامل، والزمان والمكان والشكل والمحتوى والفردي والكلي والمظهر والجوهر…الخ وهي قوانين مساعدة خاصة في التحليل المادي التاريخي والاقتصاد السياسي.

2-   المادية التاريخية: وهي القراءة التطبيقية للديالكتيك على المجتمع البشري ارتكازا على التاريخ بما هو سجل الصراعات الطبقية. والصراع الطبقي هنا ليس المقصود به في البلد الواحد اي بين الطبقة الحاكمة/المالكة والطبقة/ات المحكومة والخاضعة للاستغلال والسيطرة باسم كونها في نفس الدولة. بل إن حروب وصراعات الأمم هي في قاعدتها المركزية حروب طبقية: فمن قال أن الأسود الأمريكي أو العامل الأبيض هناك هو الذي قرر احتلال العراق لأن له مصلحة في بئر نفط. العدوان الأمريكي في كل مكان هو عدوان طبقي مغطى بخطاب قومي وموجه ضد أمم أخرى وليس فقط ضد الطبقة الحاكمة هناك باستثناء طبقة أو شرائح طبقية محلية هي عميلة للأجنبي كما هو أو هي اليوم أنظمة الطائفية في لبنان والعراق مثالاً.

كُتب الكثير في المادية التاريخية وحاصة  في ما يسمى تمرحل التاريخ. ما فعله ماركس هو تقديم التحليل المادي التاريخي للمجتمع البشري وكونه سجلا لصراعات طبقية، لكنه لم يضع التصنيف الدارج الذي وضعه ستالين بأن هناك خمس مراحل للتاريخ. طبعا للتاريخ البشري المعروف لنا حتى هذا الزمن وهي:

مرحلة المشاعية/الشيوعية البدائية

مرحلة العبودية

مرحلة الإقطاع

مرحلة الراسمالية

والمرحلة الاشتراكية عبورا إلى الشيوعية.

لم يتقيد كثير من شيوعيي العالم بهذا التحديد بغض النظر عن دقة انطباقه  هنا او هناك حيث جرت دراسات عديدة سواء في التاريخ أو الاقتصاد السياسي أو علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) منها ما بحث في أوراق ماركس وطروحاته ومنها من ناقش هذه المسألة على ضوء تاريخ الأمم ومنها من درس ميدانيا بعض القبائل في إفريقيا  وأمريكا الجنوبية.

كل هذا كان تحت عنوان التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية عموما وتنوع أنماط الإنتاج التي تهيمن أو تسيطر في كل تشكيلة على أنماط الإنتاج الأخرى  مما يدفع الأنماط الأقل تطورا أو الأضعف  أو يرغمها “ممثلة في الطبقات الاجتماعية التي تعيش في فعل هذه الأنماط” على التمفصل مع النمط المهيمن.

كان ماركس في مراسلاته الصحفية قد بدأ يستكشف المجتمعات  غير الأوروبية الأمر الذي دفعه أو أوصله إلى تصميم نظري افتراضي لما اسماه “نمط الإنتاج الاسيوي”. وهو امر عليه نقاش مديد.

كما توصل كثير من علماء الأنثروبولوجيا الماركسيين وغير الماركسيين إلى طرح تنظيرات تجريبية عن مجتمعات لم تترسمل بعد فقادهم ذلك إلى بلورة مفاهيم لأنماط إنتاج أخرى مثل: نمط الإنتاج السلالي، القرابي وهذا خضع لنقاش حتى اليوم.

بدورهما سمير أمين وليرنر استنتجا وجود نمط الإنتاج الخراجي وخاصة في التشكيلات التي عاشتها المجتمعات الشرقية  وضمنها الدولة/الإمبراطورية العربية الإسلامية.

ما يهمنا هنا والآن، وإلى حين نكتب توسعا، بأن التشكيلة هي وجود مجتمعي مادي  بينما نمط الإنتاج هو مفهوم تجريدي أي لا يمكن أن نمسك بشيء اسمه نمط الإنتاج الراسمالي، ولكن قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج في مجتمع رأسمالي هي الملموسة وهما المكونان لنمط الإنتاج الراسمالي  اي ان مكوناته مادية مجتمعية ملموسه بينما هو مصطلح تجريدي.

أهمية النمط، كما أرى، في أنه هو فعل الإنسان في الطبيعة والمجتمع وتحديدا عبر الزمان والمكان، اي تاثير وفعل الزمان، اي البشر بنمط إنتاج ما، في الطبيعة والمجتمع.

3-   الاقتصاد السياسي: او علم الاقتصاد في دراسة وتحليل المجتمعات سياسيا وثقافيا وإنتاجيا ونفسيا بالارتكاز على فلسفة وتطبيقات الاقتصاد السياسي.

وهنا، في حين أن المادية التاريخية تجد قاعدتها الفلسفية في المادية الديالكتيكية، فإن الاقتصاد السياسي يجد قاعدته في المادية التاريخية حيث التاريخ والمجتمعات والصرعات والتناقضات…الخ.

وهذا ما أوصل ماركس  إلى أن الحاسم في التغيرات والتطورات المجتمعية  في العالم هو الاقتصاد. هذا دون إغفال دور وتاثير  وتناقض وانسجام مستويات أخرى في عملية التطور وتحديدها أو إعاقتها أي المستوى السياسي، الثقافي، النفسي…الخ.

قد يكون اغتصاب فلسطين أوضح الأمثلة على دور الاقتصاد في التاريخ. فالكيان الصهيوني الإشكنازي  هو مشروع رأسمالي غربي لاغتصاب ونهب وتقشيط ثروات الوطن العربي واحتجاز تطوره.

وللتغطية على هذا العامل أو الدافع الأساس تم ويتم نسب هذا المشروع العدواني إلى عوامل، دينية، او ثقافية أو تاريخية أو سياسية…الخ. كل هذه لها ادوارها طبعا، ولكنها جميعا تخدم وتتفاعل مع العامل الأساس اي الإقتصاد.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.