التنمية
مفهوم التنمية Development ومن ثم مشروع التنمية هو مفهوم جماعي على مستوى الدولة القومية سياسيا وسياديا وعلى مستوى التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية اجتماعياً وطبقياً. نحصره، في حوارنا هذا، في الدولة القومية لأن العالم ما زال مجزءاً على هذا الأساس في حين أن هذا المفهوم هو أممي من حيث فكرته وفكره ومن حيث كونه مقدمة للاشتراكية. وهو مفهوم شمولي بمعنى أن التنمية تكتنف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية وعليه فالتنمية شاملة قبل أن تكون مستدامة، ولا تصبح مستدامة إلا إذا كانت بتخطيط وشاملة أيضاً. وهذا أكثر ما يميزها عن النمو Growth. بل وهذا ما ينقض وينقد سردية السوق حيث تقوم على الفردية وتفريد كل ما هو جماعي.
فالنمو هو حصيلة مجموع نتاج مختلف العمليات الاقتصادية في مجتمع معين، تعمل كل واحدة منها بمعزل عن الأخريات حيث تعمل كل واحدة من أجل الحصول على الربح الخاص وبالتنافس مع نظيراتها وطبعا حسب حجمها وطاقتها. وهذا حسب ماركس ب فوضى الإنتاج. ويتبين مقدار النمو عبر إحصاء الناتج المحلي الإجمالي لبلد معين كمجموع عملية/ات فوضى الإنتاج. وهي عملية يعتورها الربح والخسارة والمنافسة البسيطة والقاتلة…الخ.
وهذا يفتح على أحد الفوارق الجوهرية بين التنمية والنمو. فالنمو هو الحاصل النهائي حسابيا/رقميا/مالياً في فترة زمنية معينة للعملية الاقتصادية، أي الإنتاجية المحلية، بما تحتويه من صراع اجتماعي في مواقع العمل بين العمل وراس المال. أي في سياق الاستغلال الطبقي الذي تمارسه الطبقة الراسمالية على الطبقات الشعبية وحتى مختلف الشرائح والطبقات الأخرى.
وهذا ينقلنا إلى فارق اساسي آخر بينهما وهو العنصر الإنساني، فالتنمية مشروع عام لخدمة الأكثرية وخاصة من يعملون وينتجون، أما النمو فهو شرعنة وحفز الاستغلال الطبقي والإشادة به وتحويل جهد الناس :
· إلى ارقام صماء تخفي الاستغلال
· وإلى قيمة زائدة مستلبة من المنتجين
إن مصطلح أو عنوان النمو هو جوهرياً تغييب للجوانب غير الإنسانية التي يقوم عليها النمو الاقتصادي. كما أن التنمية مشروع لا يجزَّأ مكانياً، بمعنى أن يشمل التخطيط والتنمية كامل الوحدة السياسية/السيادية التي تتبنى استراتيجية تنموية لتصحيح الإعوجاجات والحرمان الذي في الغالب يصيب الأطراف، وبالتالي إحداث توازن اقتصادي في البلد ككل. وهذا يفتح على فارق كبير بين التعاون والتنمية، هو فارق في الدرجة وليس في النوع. فالتعاون تدريجي ويبدأ في مواقع متعددة وليس شرطا مترابطة منذ البداية، بينما التنمية هي أقرب إلىكونها سياسة اقتصادية إجتماعية عامة وجماعية او على الأقل تهدف تغيير النظام الاقتصادي.
والتنمية بما هي تجاوز للجغرافيا، فهي تتجاوز تقسيم النوع الاجتماعي إلى قسمين بمعنى أنها تعتبر الإنسان نوع واحد تحرره من عملية الإجحاف التاريخي في تقسيمه إلى “نوعين” وذلك في مشروع صعب وقاسٍ تاريخياً هدفه التأكيد أن الاستغلال والسيطرة اساسهما طبقي وحافزهما الملكية الخاصة واغتصاب الفائض. هذا مع التأكيد على أن التجربة التاريخية بطولها الثقيل قد أكدت أن المرأة هي المهزومة في هذا الصراع مما قاد لاعتقادات وقناعات أن الصراع هو بين الرجل والمرأة. وهذا الصراع أو التناقض بين الرجل والمرأة هو في الحقيقة أحد تجليات السبب/الأسباب الأساسية للاستغلال والسيطرة، وليس هو السبب الحقيقي أو الأول والمؤسسِّ[1].
والتنمية كذلك من القاعدة وإلى القاعدة. فبما هي من أجل الأكثرية فلا بد أن تقوم على عملية حوار متبادل قبيل التخطيط كي تكون الخطة التنموية طبقاً لحاجات الناس ورؤيتهم لما يجب أن يكون عليه حال البلد. أن الحوار المتبادل هو القاعدة الديمقراطية الشعبية للتخطيط ومن ثم التطبيق التنموي. فالحوار المتبادل وحده الذي يُشعر كل مواطن أنه يساهم في بناء المشروع التنموي وهو ما نسميه التنمية بالحماية الشعبية حيث تشتمل الحماية ضمناً على المساهمة فلا يحمي مشروعا معيناً أكثر ممن ساهموا في بنائه بالجهد الذهني والجسدي وبالزمن الشخصي وبالإمكانات مهما تواضعت. وهذه العلاقة الحوارية هي التي تخلق حب العمل ودافع بذل الجهد والنشاط وجاهزية المساهمة في التطبيق لدى المواطنين. وهنا، تتداخل التنمية بالتعاون، بمعنى أن الشروط والخطاب والتصور هو نفسه، ولكن درجة واتساع التنمية تتجاوز التعاوان الذي يطمح وصولها.
إن التنمية كمشروع إنساني ديمقراطي يقنع المواطن بالمساهمة بجهديه الذهني والعضلي، وبكفاءاته الثلاثة: الجسدية والزمنية والمالية. وتَوفُر هذه المساهمة والرغبة هو أحد اهم شروط نجاح المشروع التنموي. وبمعزل عن مختلف هذه الشروط والمناخات الإنسانية والحافزة لا يمكن للمشروع التنموي أن ينجح، بل سوف يتحول إلى إهدار للموارد العامة والكفاءات الخاصة. وحين يحصل هذا يتحول المواطن من مؤسس وحامي للحماية الشعبية إلى متبرِّم وممرور وداعية نقد سلبي وتيئيس. ومن هنا ضرورة الدقة والحرص والرقابة كي ينجح المشروع كي لا ينقلب من نعيم إلى لعنة.
وإضافة إلى إشراك ديمقراطي للجميع، لا بد من عدم التساهل مع الكسل واللاإبالية. فالمجتمع الذي يعبر إلى التنمية لا يأتي من مناخ مثالي قطعياً، بل من مناخ فيه اختلاطات فكرية وإيديولوجية ونفسية وثقافية ودينية وتراثية مما يضع على كاهل حاملي المشروع :
· التعامل مع هذه الاختلاطات
· ونقضها أو مفصلتها أو صهرها مع ولصالح مفاهيم المشروع الجديد.
وهذا يتطلب درجة من ضبط النفس والقدرة على استيعاب مختلف الخلفيات طالما النوايا حسنة، والحرص على الوقت. ولا يتمتع بهذه الصفات سوى من لديه بالطبيعة ومن ثم بالوعي جاهزية الخدمة والتطوع دون اشتراط ذلك بقيام الآخرين بما يقوم به.
إذا قسنا هذه الأسس على واقع المحتل 1967 نجد خلطاً يُقزِّم التنمية إلى التحديث، تماماً كما يقزم فلسطين إلى فلسطين “الجديدة والمخترعة حسب أوسلو أي الضفة والقطاع –ناقص!!
في اسس التنمية
المكان الزمان والواقع
التنمية حالة فعل إنساني لتجاوز ظروف معينة باتجاه حياة افضل جوهرها ومنتهاها تحقيق الاشتراكية. هي تدريب بشكل جماعي على الاشتراكية لأن الاشتراكية قمة العمل الاجتماعي والجماعي ايضاً. أن المكان اساسي للتنمية وهو ما تشترك فيه مع الاقتصاد بمعنى أن تحقيق التنمية يشترط وجود المجتمع وحاجته وتبنيه للمشروع التنموي وهذا تطلب العمل والعمل الاجتماعي وكل هذه لا تتحقق إلا بوجود المكان اي في المكان.
ولكن الوجود المجرد للمكان ليس كافياً، فلا بد أن يكون المكان مؤاتياً وذلك بوجود بيئة اجتماعية وسياسية أن أمكن متقبِّلة للنشاط التنموي وهذا هو الواقع المجتمعي. وهذا يفترض قيام علاقة عميقة ومنسجمة وتعاونية بين طلائع أو مريدي العمل التنموي والوسط الاجتماعي.
التنمية بما هي عمل إنساني إنتاجي، بما هي إنتاج قيم لحياة أفضل للناس، فهي مطلوبة وضرورية في مختلف المكان والزمان. هي ليست زمانيا مرحلة انتقالية لأن طورها الأعلى هو الاشتراكية وصولا إلى الشيوعية، اي أن الأخيرتين هما تطور وتصاعد المسيرة التنموية.
لا ننسى أن الزمان والمكان محايدين، فهما فرضيتين فكريتين بل فلسفيتين. وما يعطيهما معنى ملموساً هو الواقع الاجتماعي الاقتصادي /التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية ونمط الإنتاج المهيمن في هذه المرحلة أو تلك، اي والناس. التنمية مطلوبة لكل مكان وزمان ولكن تحقيقها متعلق بمدى موائمة أو مجافاة الواقع المتعلق. أن مجرد العمل على تحقيق التنمية يعني أنها عملية كفاحية، عملية تغيير الواقع.
ليس شرطاً أن تبدا التنمية على نطاق كلي دفعة واحدة، اي لتغيير تشكيلة اجتماعية اقتصادية بأكملها. قد يتم هذا على مستوى التخطيط لتنمية شاملة على صعيد الدولة القومية، لكن التعيير الشامل يبقى هدفها.
إن فرقة او عصبة محدودة العدد في قرية زراعية فلاحية يمكن أن تكون نواة مشروع تعاوني وإلى حد ما تنموي ناجح إذا ما كانت من صلب البنية المجتمعية، قادرة على العمل مع الناس والتشارك معهم في العمل والإنتاج، وتجسيد نموذج مثالي في السلوك والتضحية والعلاقات الحميمة، لكنها لا تتحول إلى حالة تنموية بمعزل عن افق عام وهدف شامل.
إن نجاح هذه الفرقة الصغيرة هو مثابة تطهير موقع مجتمعي وتحويله بحيث يصبح أكثر اعتمادا على النفس في أوسع نطاق ممكن وقيامه بحماية ما أنجز كنموذج للحماية الشعبية من الشعب لما قام هو نفسه بإنجازه.
وما ينطبق على قرية أو بلدة يمكن أن يتسع لينطبق على إقليم ودولة وهنا ينتقل من التعاون إلى التنمية بالحماية الشعبية. بعبارة أخرى، فالتنمية هي حالة أو مستوى من المقاومة حينما تشتد تتحول إلى هجوم تغييري على الصعيد الوطني/القومي الشامل.
اقتصاد الطبقة
تزعم البرجوازية دائماً أنها تمثل المجتمع بأسره، وهذا مأخوذ على أية حال من الزعم المشوه والتضليلي من قبل البرجوازية الأوروبية البيضاء (منذ دخلت الثورة الصناعية التي بتضخم إنتاجها كان لا بد لها أن تحتل اسواق العالم). فكان لا بد لها أن تزعم أن أوروبا تمثل كل العالم وأن ما ينطبق عليها وفيها ينطبق على العالم بأسره. أليست البرجوازية في بلدان المحيط صدىً ونسخة مسودة للبرجوازية في المركز؟
ولكن الحقيقة وراء زعمها هذا معاكسة له. فالبرجوازية تمثل مصالحها وتُخضع مصالح الطبقات الشعبية لهذه المصالح، وكل هذا عبر عملية الاستغلال الاقتصادي الذي تتم تغطيته بخطاب بليغ عن الوطن والمصلحة القومية وتطوير الاقتصاد والنمو والتسابق مع الأمم الأخرى، والحرص على الاقتصاد وضرورة الاستقرار واحترام القانون والنظام وإطاعة أولي الأمر…الخ. وهذه جميعاً تلخص في مسالة مركزية هي مصلحة البرجوازية في الاستمرار في السلطة والملكية الخاصة.
ليس صحيحاً أن ما يسمى الاقتصاد الوطني هو لكل الناس. هو درجات من الملكية ودرجات من الاستغلال، وطالما هو درجات، فهو لا يعبِّر عن المساواة قط. وقد يكون قياس معدل النمو ومتوسط دخل الفرد هو أكثر اساليب التزييف في هذا المستوى، وهو نفسه إذا ما أحسننا قراءته يكشف لنا زيف وتزييف هذا الادعاء.
فحين يقولون أن متوسط دخل الفرد في مجتمع معين هو 10,000 دولار في السنة، فهذا يعني أن كل فرد يحصل بالتساوي على هذا المقدار. وفي حقيقة الأمر فإن نسبة من المجتمع قد لا تصل 5% من عدد السكان تحصل على الملايين، ونسبة تصل إلى 40% لا تحصل على أكثر من دولارين في اليوم. فهل اقتصاد هؤلاء وأولئك واحداُ؟؟
إن نفس الإحصاءات التي تتحدث عن متوسط دخل الفرد تقول كذلك أن نسبة الذين تحت خط الفقر هي 30 أو 40 بالمئة من المجتمع. كيف يحصل هذا؟ والأهم: كيف نقرأ هذا الرقم وذاك الرقم دون أن نرى التناقض بينهما؟ أن التقاط التناقض في هذا المثال هو التطبيق الفعلي للتفكير النقدي والنقد المشتبك.
ملخص القول أن الحديث العام عن الاقتصاد الوطني هو حديث وإقرار بالهيمنة الاقتصادية للبرجوازية. فلكل طبقة اقتصادها الذي هو احد اسس تسميتها طبقة.
إن قراءة دقيقة للمادية التاريخية وخاصة الصراع الطبقي تؤكد لنا أن الطبقات في صراع يقوم اساساً على تناقض المصالح المادية، على رفض الطبقات الشعبية لما يقع عليها من استغلال وسلخ القيمة الزائدة، ويبين لنا، بأن المشروع السياسي للطبقات الشعبية هو تغيير الواقع واستعادة حقوقها في ما تنتجه قوة عملها. لا يكون هناك اقتصادا وطنيا عاما إلا في حالة استثنائية وحتى بعيدة:
- الحالة الاستثنائية وهي وقوع البلد أمام تحدي كيانها، وما يسميه البعض تهديد الهوية، أو تهديد الوجود كما هو حال الفلسطينيين. وهذا الأمر الذي طالما استغلته البرجوازيات الغربية الاستعمارية في مشروعها الاستعماري وهو تهديد مزعزم لأنها احتربت مع بعضها تنافساً على المشروع الاستعماري الذي لم يتوقف ولن يتوقف إلا بانهيار النظام الرأسمالي ونفيه.
- والحالة الإنسانية المتقدمة أي إلغاء الطبقات في النظام الاشتراكي كبوابة إلى الشيوعية.
ومن هنا أهمية التنمية بالحماية الشعبية أي بناء اقتصاد الطبقات الشعبية وتحريره ولو تدريجيا من هيمنة اقتصاد الطبقة البرجوازية. وهذا لا يتأتى بدون مشروع تنموي.
اقتصاد الحزب
يبقى المشروع التنموي بما هو مشروع إنتاجي غير مستقر ولا ثابت ما لم يكن له حاملاً سياسياً منظماً. والحامل السياسي هو حامل اجتماعي اساساً، وهذا يلتقي مع المبدأ الأساسي للتنمية. إنه في تطوره الأعلى الحزب السياسي الشعبي الذي يمثل الأغلبية الشعبية والذي تبنيه هذه الأغلبية ليخدمها وتحميه تماماً بموجب مشروع التنمية بالحماية الشعبية. وهو المشروع الذي إن لم يأخذ فرصة التحقق وطنيا/قومياُ يجب أن يأخذ فرصة التحقق حزبياً في اقتصاد الحزب الذي يمكنه ان يبدأ تعاونياً. .
والحامل السياسي للتنمية ليس مجرد تراكم اعضاء ومراتبية. بل بنية متفاعلة تبادلياً أفقيا وعامودياً لأن التنمية عمل وإنتاج على اساس تعاوني في الحد الأدنى. وبهذه البنية وطبيعة هذه البنية يتكون اقتصاد الحزب السياسي الذي يتحول إلى خلية مجتمعية نموذجية تعتمد على ذاتها.
لن يكون الحزب السياسي مثالاً يُحتذى ما لم يكن قادراً على كفاية نفسه. فحينما يرتهن الحزب معيشياً للدولة أو المساعدات الأجنبية او تمويل الأنجزة لا يمكن أن يقيم تنمية حقيقية لأنه سيكون مرهوناً لتلك المصادر.
بما أن الحزب السياسي فريق/فرق من الناس لديها عقيدة ورؤية لليوم والمستقبل، فلا بد أن يكون له ذلك الانسجام الداخلي الذي يؤصل روح العمل والتضحية ومن ضمنها التنمية.
ليس غريباً أن التبعية الاقتصادية تقود إلى التبعية السياسية ومن ثم الفكرية والبرنامجية. وإذا كان هذا ينطبق على الدول والأفراد فهو منطبق لا محالة على الحركة السياسية. وما لم تعتمد الحركة السياسية على نفسها، فإنها لا شك سوف تُفرغ من شحنتها الثورية وانتمائها للتغيير وحمل مشروعه بالطبع.
قانون قيمة وطني
التنمية باتجاه اشتراكي هي نقيض ومقابل للاندماج والانخراط في النظام الرأسمالي العالمي. والعلامة الفارقة والمميزة بينهما مسألة قانون القيمة المسيطر في هذا النظام والذي يسحب نفسه على مختلف البلدان التابعة ولكن بموجب مصالح دول المركز وتحديداً الطبقات المالكة/الحاكمة في تلك البلدان.
إن نظرية قيمة العمل هي الطريقة التي يتم بها استخلاص فائض القيمة وحيازته في ظل قانون وحكم رأ س المال. يرى ماركس أن قانون القيمة هو قانون راسمالي يبقى ويتواصل عمله حتى في المرحلة الانتقالية الاشتراكية التي يجب خلالها أن
تعمل الدولة الاشتراكية على تجازوه.[2].. تمزج أو تصهر نظرية ماركس في قانون القيمة العلاقات الكمية بين المنتجات والعلاقات المشروطة تاريخياً بين المنتجين. فهو يبيِّن أن السلعة قيمة استعمالية ، وبانها شيىء/موضوع مفيد –انها قيمة تبادلية. ويرى أن القيمة هي مقولة أو معطاة اجتماعية تعبر عن منظومة من العلاقات الاجتماعية السائدة في لحظة تاريخية معطاة. إن إنتاج وإعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية المتجسدة في الإنتاج السلعي لا تشكل شكلاً كونياً للوجود الاقتصادي في التاريخ الإنساني. وبالنسبة له فإن المقولات المستخدمة في توصيف نمط الإنتاج الرأسمالي هي “اشكال من التفكير التي تُستخدم اجتماعياً بشكل مشروع، وبناء على ذلك فهي موضوعية، بالنسبة لعلاقات الإنتاج التي تخص نمط الإنتاج الاجتماعي المحدَّد تاريخياً، مثلاً، الإنتاج السلعي[3]” .
” إن قانون القيمة هو قانون موضوعي لمجتمع مُنتج للسلع. إنه ينظم تبادل السلع طبقاً ل للعمل الضروري اجتماعياً الذي يُنفق أو يُبذل في إنتاجها. وفي معرض ترتيب او تضبيط التبادل الراسمالي للسلع، فإن هذه القيمة تضبّط كذلك توزيع العمل ووسائل الإنتاج بين مختلف أفرع الإنتاج. وعليه، فإن قوة العمل لا تعود تشكل سلعة في ظل الاشتراكية”[4].
وإنه من أجل تطويع إبداع هذه الأطروحات كي تتقبل التنمية لا بد لذلك أن يحصل عبر قطع مع كل ما يتضمن خضوعاً لقانون القيمة العالمي، وبكلام آخر، إنه يتضمن فك الارتباط. والقبول بهذا، يعني الإقرار بأن التنمية ضمن النظام الراسمالي العالمي تبقى، بالنسبة لبلدان المحيط، في حالة إنسداد.
يفسر هذا ما كانت صين ماوتسي تونغ، تحاوله في تجاوز قانون القيمة، بما هي التجرية الاشتراكية الأكثر جذرية، حيث لم تقطع معه تماماً بما هو قانون راسمالي، ولكنها كانت تحاول بشكل متواصل إنجاز ذلك القطع.
إن ما قصدته (انظر لاحقا) بتوجه الانتفاضة الأولى لإبداع قانون قيمة وطني، وإن كان هو قانون رأسمالي، إلا أنه كان يعمل ضمن علاقات السوق في الضفة والقطاع فقد كان مجرد وجوده تقليلاً للارتباطات بقانون القيمة العالمي، لأنه أدى إلى زيادة التبادل داخل الضفة والقطاع حيث الإنتاج المحلي يُسوَّق محلياً رغم المعيقات الصهيونية. وطبقاً لتزايد فك هذه الارتباطات، فقد أُعتبرت خطوة إلى الأمام على الرغم من كونها تأخذ موضعاً أو مكاناً على صعيد السوق وضمن مساحة صغيرة التي يُشرط نجاحها الاقتصادي بانخراطها في الاقتصادات العربية.
قد يتبع الإنتاج الذاتي والعفوي لقانون القيمة الوطني الزعم بأن هذا المدخل هو طبعة من الأوتاركية/القطيعة. ولكنه كموديل التنمية بالحماية الشعبية ليس فيه ما ينسبه إلى القطيعة. فلا بد من الـتاكيد بأن تصميم قانون القيمة الشعبي هذا يجب أن يُربط بالثورة الثقافية كسبيل للتطوير المتواصل لهذا القانون.
كيف يعمل قانون القيمة في الرأسمالية، وكيف تم انتقاله ليعمل في ظل الاشتراكية؟
“… حين يرى الراسمالي تلك الفرصة السانحة لتحصيل الربح في قطاعات متعددة يُسارع للاستثمار هناك. وفي القطاعات المختلفة يُحجم راس المال عن الاستثمار. وهكذا، فإن الإنتاج الاجتماعي يتطور ضمن هذه الشروط العمياء. تُعلن هذه الشروط أن قانون القيمة في النظام الراسمالي هو قوة مغرَّبة تعمل من خلف ظهر الناس وبأنه هو المضبِّط الشامل للإنتاج الاجتماعي… إن قانون القيمة لم يعد القوة المغرَّبة التي تتحكم بالناس. وبشكل اساسي، فإنه يُستخدم بشكل واعٍ لخدمة البناء الاشتراكي”[5].
وطالما أن الاشتراكية تتطور، لا بد ان يتراجع دور قانون القيمة، إلا أن هذا لا يعني أن إلغائه. . “…وهكذا، أخذاً بالاعتيار إنتاج المنتجات الأساسية في الاقتصاد الجماعي الريفي، فان الدور التضبيطي للأهمية الحاسمة ما زال يُلعب بقانون التخطيط الاقتصادي للاقتصاد القومي. يلعب قانون القيمة دوراً ثانوياً. فإنه فقط في حالة المنتجات غير الهامة بالنسبة للشعب والدولة، تلك التي لا تُشتمل في خطة الدولة أو يتم إنجازها (كسبها) من خلال التعاقدات، هو مستوى الأسعار ومقدار الدخل اهمية كبيرة” إن الخطة نفسها تلعب دوراً اساسياً وحاسماً.
ما زال قانون القيمة مفيداً للاستخدام، ولكنه يلعب دورا ثانوياً وداعماً. وحتى في المجتمع الاشتراكي، كالصين خلال الثورة الثقافية، ولم يعد سهلاً بعدُ اقتلاع قانون القيمة. وذلك لأن:
“…قانون القيمة…هو من بقايا الاقتصاد الخاص. وطالما أن قانون القيمة موجوداً، فلا بد أن تترافق معه حقوق للبرجوازية، ولا بد ان تلحق مضاراً بالانتاج الاشتراكي. لذا لا بد للدولة الاشتراكية أن تكون شديدة الحذر، ولا بد ان تبحث، وتدرس، وتُجمل التجارب. وفقط بهذه الطريقة يمكننا الاستفادة من مفاعيلها المضادة على الانتاج الاشتراكي، مع ضرورة أن نُقيِّد في الوقت نفسه سلبياتها، ونتائجها المدمرة”[6]
إن هذه تحذيرات اجتماعية من قانون القيمة، وتركيز على دور الدولة. وهذا يعني ثانية أن وجود الدولة الإشتراكية لا يعني أن قانون القيمة قد هُجر. ومن المفيد الإشارة هنا أن الدولة الاشتراكية في الصين خلال فترة ماو كانت الدولة “الاشتراكية” الأقرب إلى الاشتراكية، الموديل الأقرب إلى الدولة التي تجادل من أجلها التنمية بالحماية الشعبية. ولكن هزيمة الماوية في الصين، دفعت باتجاه إعادة تقييم تجربة الاشتراكية الماوية.
بما أن التنمية بالحماية الشعبية هي ضد قانون القيمة العالمي، فإنها بطبيعتها تعمل باتجاه استبدال هذا القانون أو إلغائه بما هو مقود بعوامل السوق في النظام الراسمالي، فهي تستبدله بقانون قيمة وطني كما كان في الانتفاضة الأولى. وفي حالة الاعتماد على الذات مناطقياً، فإن قانون القيمة الوطني سيكون على نطاق إقليمي. فطالما بوسع بلد ان يضبط وارداته وصادراته وبوسعه إنتاج أكبر قدر ممكن من وارداته، فإن بوسعه خلق قانون قيمته الخاص الأقل ارتباطاً بقانون القيمة العالمي. ومن الواضح أن قانون القيمة هذا سيكون في تناقض مع الاستهلاكية. وهذا لا يعني أنه صار بالوسع التخلص تماماً من قانون القيمة، . فما يزال الإنتاج والتبادل يُمارس طبقاً لمحددات السوق ومن أجل السوق، وللتعاونيات وللسوق الراسمالي كذلك.
فخلال الانتفاضة الأولى، فإن مستويين من قانون القيمة قد تشكلا:
الأول: وهو الداخلي اي التبادل (التسويق) بين الطبقات الشعبية التي خلقت قانونها الذاتي للقيمة، وتقديرها الخاص للقيمة ، الكلفة، الأسعار…الخ ولالياتها الخاصة لتوزيع تحت الإجراءات الصهيونية القاصية في الإغلاق. من السهولة على البعض تسمية ذلك قطيعة ، ولكنها ليست. إنها نموذج تنمية على الأرض، في الميدان كاستراتيجية بقاء.
وثانياً: وبالتوازي مع هذا، فإن الطبقة الراسمالية قد تمسكت بقانون القيمة العالمي، وخاصة عبر التمسك الواعي بعادتها الاستهلاكية. لذلك واظبت هذه الطبقة على استهلاك المنتجات الصهيونية والأجنبية من جهة، وتسويق ما بوسعها تسويقه من هذه المنتجات (رغم اسعارها العالية) في السوق السوداءالمحلية على الرغم من مختلف المنشورات من القيادة الوطنية الموحدة لداعية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية إلى جانب نشاط اللجان الشعبية التي كانت تحاول منع التجار من استيراد وتسويق تلك المنتجات. وإضافة إلى ذلك، فإن شركات التعاقد من الباطن قد تزايدت في فترة سلطة الحكم الذاتي/اتفاق أوسلو منذ عام 1993. إن عادتها الاستهلاكية ومصالحها كنخبة متغربنة هي في انسجام مع اقتلاعها للجان الشعبية. فلو لم تكن سلطة الحكم الذاتي نظاماً كمبرادورياً، لكان للتنمية بالحماية الشعبية فرصة الذهاب إلى حد توسيع قانون القيمة المحلي. وفي الحقيقة فإن أنظمة الولايات المتحدة والكيان قد جلبت سلطة الحكم الذاتي إلى الضفة والقطاع لكي تحتجز وتقوض الانتفاضة ومن ثم الحيلولة دون تصاعدها إلى انتفاضة اجتماعية ثقافية وتنموية. ولعل ما جعل اغتيال الانتفاضة قيد الإمكان هو خلو الساحة من حركة ثورية تقوم بتعميق ثقافة التنمية بالحماية الشعبية ومقاطعة منتجات الأعداء وهي الحركة التي تعمق ثقافة القماومة. ولسوء الحظ لم تكن الحركة السياسية الفلسطينية من هذا الطراز؟
ونظراً للسنوات الطويلة من الإلحاق والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي على شكل “تبادل لا متكافىء مسلح”، فإن الضفة والقطاع انتهت إلى فقدان تماسكها الداخلي وغدت بدون مركز اقتصادي إضافة إلى تقويض مختلف علاقاتها مع الاقتصادات العربية. وقد استمرت الوضعية نفسها إثر مفاوضات واتفاق مدريد/أوسلو إلى حد أن متاجرة الضفة والقطاع مع الأردن تراجعت لصالح المتاجرة مع الكيان. لقد تنامى خلال الانتفاضة مركزا داخلياً يرتكز على قانون قيمة وطني. ولكن ، ولسوء الحظ، تم خنق ذلك عبر عملية سلام راس المال التي احتجزت المقاطعة الشعبية للسلع الإسرائيلية. وفي سياق عدوانها الوحشي على الانتفاضة الأولى، فقد ركز الاحتلال جهوده على كسر العملية التنموية بما فيها قانون القيمة المحلي الذي طورته لتقوية استراتيجيات البقاء. ركَّز الاحتلال على تصفية القطاع التعاوني عبر فرض ضرائب باهظة عليه إضافة إلى تخفيض سعر صرف الدينار الأردني بما هو العملة الأكثر استخداماً بين الطبقات الشعبية في الضفة والقطاع، وهو التخفيض الذي استنزف مدخرات هذه الطبقات، وهذا ما قاد إلى ركود وتصفية قطاع الإنتاج لهذه الطبقات وقوض قدرتها الاستهلاكية.
الفائض: التحكم به وإعادة توزيعه
ألمشروع التعاوني، ومن ثم التنموي هو مقدمة موضوعية شعبية للاشتراكية على مستويي التثقيف والتنفيذ العملي. هو بالتعبير الغرامشي كسب “حرب موقع بعد موقع”.
إن التحكم بالفائض ومراكمته واستثماره داخل البلد هو نقطة الانطلاق لكل من النمو والتنمية اي أن هذا التحكم هو حجر الأساس للاقتصادين الراسمالي والاشتراكي على حد سواء من أجل التطور، بغض النظر عن مدخل كل من الراسمالية والاشتراكية وبغض النظر عن هدفهما من التطور وتسخيره لخدمة اية طبقة. كل مجتمع في حركة، اي في عمل وإنتاج وما يتبع ذلك من توزيع وتبادل واستهلاك وادخار واستثمار…وهكذا.
لكن المشروع التنموي لا يتوقف عند حدود التحكم بالتراكم المالي الناتج عن العملية الاقتصادية في المجتمع، بل يَطال كل ما هو فائض أو ساكن من ثروات المجتمع. ففي القطاع الزراعي مثلا، هناك أراض كثيرة لم تطالها يد المصادرة الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه الأراضي لا يتم استغلالها من قبل مالكيها، اي انهم ليسوا معنيين حتى بالريع الذي يمكن تحصيله منها لو استخدمها آخرون. في هذه الحالة، فإن استغلال هذه الأراضي هي مسؤولية تنموية سواء لحمايتها من المصادرة الصهيونية أو لتشغيل من لا يعملون على اساس تعاوني، والمساهمة في تأمين الكفاية أو الأمن الغذائي.
هنا تغدو ثقافة التنمية والتعاون والاشتراكية تحت الاختبار، بمعنى أن هذا الشكل من الملكية الخاصة هو اقل من راسمالي، هو ثقافة تعطيل العملية الاقتصادية وتحويل الأرض إلى مساحات كسولة. وهذا يستدعي تغييراً في الوعي والقناعة لتوظيف هذه المساحات للخدمة العامة. وقد يكون هذا التوجه هو بداية للتثقيف بضرورة التأميم وتوزيع الأرض على الفلاحين على اساس تعاني.
حماية أم قطيعة أم فك الارتباط
تشتمل التنمية على استثمار الموارد المحلية والتحكم بالفائض وهذه مبادىء اساسية في التنمية. ولأنها كذلك فهي على نقيض حقيقي مع الراسمالية اي مع الأنظمة الاقتصادية الراسمالية التي تدعو وتعتمد على نقيض هذه الأطروحات. فالتنمية حماية للاقتصاد المحلي من الاستغلال الأجنبي ونزيف الفائض إلى الخارج، والتنمية تشجيع للإنتاج المحلي وخاصة للأساسيات بدل الاستيراد. وهذا مناقض لمصالح السوق الراسمالي العالمي الذي يعتمد الاستقطاب واحتجاز تطور بلدان المحيط.
وفي دعوات المركز الراسمالية لما يسميه حرية التجارة الدولية، فإنه يدعو ببلاغة مصطنعة إلى تخلي بلدان المحيط عن الحماية الاقتصادية ويتهم الحماية بأنها انغلاق وقطيعة مع العالم. وهذه دعاية وتزييف.
فالتنمية فيما يتعلق بالسوق العالمي تعني مشروع فك الإرتباط والتبعية لهذا السوق، اي ضبط نزيف الفائض، والإبقاء على المبادلات التي لا غنى عنها، والتوجه قدر الإمكان للتبادل مع الاقتصادات الملاصقة والإقليمية والتي يمكن أن تشتري مقابل ما تبيع وان تبيع باسعار اقرب إلى قانون القيمة المحلي وبعيدة قدر الإمكان عن قانون القيمة العالمي.
صحيح أن الحماية وفك الارتباط هي مقومات استراتيجية عامة على مستوى الدولة. لكن نجاحها هو في حدود نجاح حركة التنمية في تعميق ثقافة الوعي بالاستهلاك أو الاستهلاك الواعي. وهذا يؤكد على أن الحماية الشعبية للمشروع التنموي سواء في بنيته الداخلية على الأرض او علاقاته الخارجية هي أمر مفصلي.
لذا، يمكن القول أن البدء بالوعي بالاستهلاك من اصغر دائرة تنموية هو أمر في غاية الأهمية للتربية على مفاهيم وقناعات واخلاقيات مختلفة ونقيضة لما هو قائم.
لا تنفك ثقافة الملكية الخاصة وهي تحاول تجليس مبدأ التعاون ضمن إطار الملكية الخاصة مستخدمة بالطبع وسائل الإعلام المتاحة لها بوفرة لتجعل من التعاون ملحقاً بالسياسية الاقتصادية او الرؤية الاقتصادية للسلطة، لتحصره ضمن نطاق السوق وتجميل وجه النظام الراسمالي لتبقى التعاونيات ملاذا لمن لا تستقيم أخلاقياتهم مع وحشية السوق ولكن بشرط أن لا يتحولوا إلى باتجاه ثوري نقيض للنظام السائد والعلاقات الاجتماعية المهيمنة.
لذا، فإن الاستراتيجية الجذرية للتعاونيات تتناقض بشكل حاد مع السياق الرأسمال الذي يُعلي من مرتبة
المستحدثين. لذا، فإن اي نشاط تعاوني، مهما كان صغيرا، يجب أن يبدأ كمبادرة شعبية قاعدية بعيداً عن مضمون الاستحداث، ذلك لأن التعاون هو ابتكار طوعي لمواجهة الاستحداث وليس مجرد جناح صغير للنشاط الاقتصادي الراسمالي يتوكأ على ذلك النظام. وهذا يعني أن النشاطات التعاونية الجذرية هي شعبية من جهة ولكن بالضرورة، وهي ليست بقرار رسمي من اية سلطة غير اشتراكية، وهي ترفض أن تكون مجرد أداة لتوسيع قاعدة اقتصاديات السوق بدلاً من تحديها وإلغائها.
التعاونيات والسوق … تحالف/تناقض
رغم أن التعاون هو عمل وإنتاج، إلا أنه من طراز مختلف عن العمل والإنتاج في ظروف الملكية الخاصة والاستغلال الطبقي حيث يقوم على العمل الطوعي وبعلاقات إنسانية ديمقراطية تنشد المساواة والاكتفاء بعيدا عن الاستغلال وحتى اية مراتبية طبقية كشرط أساسي باعتبارها من القيم المركزية في العمل والأداء الإداري التعاوني.
من ناحية عامة في التشكيلات الراسمالية سواء في المركز أو المحيط، من أهداف منظمات التعاون الريفية إخراج المزارعين الفقراء والمدينيين، بغض النظر عن الإصرار على ذلك والنجاح فيه، من الفقر ومن كلبشات مقرضي النقود بأن توفر اسمدة ذات جودة عالية، وبذار، ومبيدات … الحشرات والجرذان الخ، باسعار معقولة للمزارعين، كما يحصل المزارعون كذلك على التسويق وتسهيلات وأماكن التخزين ودعم نقل المنتجات إلى السوق…الخ. إنها تساعد التطور الاجتماعي-الاقتصادي للمناطق الريفية وتوفر قروضا زراعية وتحسن مستوى الحياة وتحافظ على المساواة.
تجدر الإشارة ان هذا في النظام الراسمالي حيث العلاقة والتناقض مع السوق في الوقت نفسه أي حيث تكون التعاونيات هي حالة مقاومة مخفية أو متواضعة للسوق وبالتالي للسلطة السياسية الطبقية الحاكمة. ولا يقلل من حقيقية الصراع مع السلطة او مقاومتها قيام السلطة في مختلف البلدان الراسمالية المتقدمة والمتخلفة بزعم رعاية التعاون وتخصيص دائرة للتعاون بموظفين يخضعون لفهم السلطة وموقفها من التعاون بمعزل عن ثقافتهم وكونهم تعاونيون حقيقيون أم لا. بمعنى ان السلطة هي دائماً معنية بأن يكون كل نشاط في البلد تحت أعينها وطبقاً لرؤيتها بحيث لا يخرج عن ذلك ولا يتناقض معه ولا يتمكن بالطبع من بلوغ قوة النقيض.
وعليه، فإن التعاون تحت هكذا ظروف و “رعاية” الدولة هو أقرب إلى الشؤون الاجتماعية. فهو بنية اقتصادية/اجتماعية ملحقة بالبنية الكلية الحاكمة، وتعيش على هامشها.هي ملحق بالسوق، ومن هنا كعب أخيل للتعاونيات في ظل الرأسمالية بمعنى:
- أنها تحاول خلق وتصليب علاقات عمل وإنتاج وتوزيع تعاونية تشاركية وحتى اشتراكية داخل التعاونية نفسها، ولكنها محكومة بالذهاب في النهاية إلى السوق ومن ثم الإلتزام بقوانينه نفسه، وهذا ما يؤدي في أحيان عديدة إما إلى تهالك التعاونية أو رسملتها.
إذن تختلف دوافع وأهداف التعاونيات أو تتناقض مع البيئة الرأسمالية الحاكمة، لكنها محكومة بالمحاولة، بينما في النظام الاشتراكي، تكون التعاونيات مقدمات للاشتراكية.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
[1] أنظر كتاب تأنيث المرأة بين الفهم والإلغاء، عادل سمارة، منشورات ارواد، دمشق 2010
[2] The Role of state in socialism to minimize the role of the law of value:“Therefore, with regard to the production of major products in the rural collective economy, the regulating role of decisive importance is still played by the law of planned development of the national economy. The law of value merely plays a secondary role. Only for products which are not important to the state and the people, those not included in the state plan or procured through contracts, are the level of prices and the magnitude of income of greater importance”. ..( Maoist Economics and the Revolutionary Road to Communism: The Shanghai Textbook, Banner Press, New York 1994 p.144-45)
“The state plan plays a primary and decisive role. The law is still useful, but it plays only a secondary and supportive role”( Maoist Economics and the Revolutionary Road to Communism: The Shanghai Textbook, Banner Press, New York 1994 p.p.145).
[3] Marx, Capital, vol.1, p 169.
[4] Maoist Economics and the Revolutionary Road to Communism: The Shanghai Textbook, Banner Press, New York 1994 p.xix.
[5] Maoist Economics and the Revolutionary Road to Communism: The Shanghai Textbook, Banner Press, New York 1994 p.143-44.
[6] Maoist Economics and the Revolutionary Road to Communism: The Shanghai Textbook, Banner Press, New York 1994 p.p. 144-45.