من القضية إلى الضحية: تشارك الأرض والسماء في المذبحة، عادل سماره

تنطبق مقولة “يعيد التاريخ نفسه مرة مأساة ومرة ملهاة” في هذه الفترة على فلسطين. والتاريخ هو معنى مجرد لواقع عملي مادي حدوثي يقوم به الإنسان بدءأً بوجوده وهو العام والأقل حركية وفاعلية وصولاً إلى حضوره الفاعل في الزمان والمكان.

ما يحصل ضد فلسطين في اليوم الواحد يحتاج جرده وتحليله إلى مجلد مكتمل. وهذا أمر تختص في رصده المؤسسات التي تخطط له وتصنعه وخاصة المخابرات بما هي وباء معولم مكتمل الدور والضرر.

بغض النظر عن الخديعة الكبرى التي عشناها لقرابة قرن كامل بأن فلسطين قضية الأنظمة العربية الكبرى والأولى، إتضح  وانكشف هذا جزئياً منذ هزيمة 1967 ولاحقاً إتفاقات التطبيع والتصفية اي: كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة . ومع ذلك أٌعيدت لهذه الأنظمة اعتباراتها وكأن شيئا لم يكن مما يعني أن موقع فلسطين عربيا تموضع في موقعين متناقضين:

·      الموقع الرسمي الذي كان بين أنظمة حاولت التحرير ولكن دون تمكين وإشراك الشعب في ذلك وأنظمة من تصنيع الأعداءعملت كحصان طروادة ضد القضية ومارست دعم فلسطين باللغة وطعنها بالتآمر.

·      والموقع الشعبي الذي لم يُسمح له بأخذ دوره فتم فصل قضية العرب عن العرب!

ما يمكن رصده اليوم من الأرض إلى السماء وباقتضاب  كبير هو:

أولاً: هجوم المحتل: في جولة عدوان متجددة  قرر الكيان الصهيوني سحب قطعة الحلوى التي غطى بها الطبق المسموم الذي قدمته الإمارات لتبرير إعلان علاقتها التحالفية مع الكيان ضد فلسطين. فكما أن السعودية أصغر من أن يكون لها مدىً حيوياً يصل فلسطين أو تناقض مع الكيان فإن الإمارات اصغر بكثير وبأن كلتيهما تقومان بهذا العدوان ليس بقوتهما بل  بما عبئهما وأمرهما به الغرب العدو عرفاناً له بحمايته لهما من الشعب في كلا البلدين. لذا أعلن نتنياهو بأنه سمح بإقامة 5000 وحدة سكن للمستوطنين في “الضفة الغربية” مؤكِدابأن الكيان لم ولن يوقف الاستيطان. والحقيقة التي علينا فهمها لنحترم وعينا هي: كيف يمكن أن تطلب الإمارات وقف الاستيطان وهي تتخندق مع الكيان ضد فلسطين!

 ثانياً: استسلام فلسطينيين: أي نقل مركز تحديد القرار الفلسطيني “المستقل” ليصبح في يد الاستعمار التركي الذي سلَّم الوطن العربي للاستعمار الغربي تسليما بالمفتاح، وما عُرف ب “إتفاق استانبول”! فهل يُعقل أن حديث حماس وفتح لم يجد مكانا غير تركيا، وقد تحادثا في غير مكان بما فيها الشاشات؟ أم أن الأمر هو إثبات من الطرفين بأن أكثر مواقف التسليم بالاعتراف بالكيان يجب تعميده  في أول دولة إسلامية اعترفت بالكيان وحافظت على تحالفها معه دون انقطاع سواء تحت حكم الطورانية القومية أو الإخوانية القومية، وتحت إشراف أكثر دولة تشن حربا ممتدة ضد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج وأبعد. دولة هي موقع تدفق تسونامي الإرهاب المعولم ضد سوريا. إن اية علاقة مع تركيا هي تخندق ضد محور المقاومة الذي جريمته رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني. ولذا، سنشهد “قلب ظهر المِجنَّ” لمحور المقاومة وإن تدريجياً.

ثالثاً: الهجوم الرسمي العربي:

1) التكالب الرسمي العربي لإثبات الولاء للكيان والغرب: إذا كان لقاء تركيا ومن ثم قطر هو تصفية حساب الانقساميين للتوافق على التقاسم في ما قد يتركه الوحش الصهيوني ورائه، فإن إنعقاد مؤتمر أنظمة في عمان قبل يومين ضم مصر والأردن والإمارات ليمثل الموقف الرسمي للقطب التابع الآخر لأمريكا ومساهمته في تصفية القضية الفلسطينية والإصرار على هندسة عملية التصفية على المستوى الرسمي حيث يتضمن القول لفتح وحماس، لن تتحركوا شبرا واحدا سوى بإشرافنا الجغرافي، فنحن من القبائل التي أُمرنا بأن نساهم في “شرف/واجب” قتل القتيل.

2) الحرب السعودية على فلسطين بدءا من لبنان.  هذا ما اتضح من خطاب سلمان بن عبد العزيز في إشعال نار الحرب ضد حزب الله وإيران على أن تبدأ الحرب في لبنان وتتواشج مع الحرب ضد سوريا وصولا إلى إيران.  واللافت أن السعودية تكشف كل يوم عن صغر حجمها السياسي مقارنة مع حجمها المالي حيث تتحول إلى فتيل حرب ضد الأمة العربية بدءا من اليمن وصولا إلى فلسطين ، وهذا على الأقل. فالحرب في لبنان وضد إيران هي لصالح الكيان اي ضد فلسطين. ويبدو أن أمريكا تقول لصنيعها: إفعلها قبل موتك!

رابعاً: يطوف الأمريكي على بقية رعاياه العرب لاستكمال المذبحة  لياخذ منها إما إعلان الاعتراف العلني بالكيان الصهيوني أو الاعتراف المغمغم وخاصة السعودية وثوريي السودان الذين كشفوا بأنهم جيىء بهم لاقتلاع البشير الذي عجز عن إنجاز ما تعهد به في مشروع تصفية القضية الفلسطينية، ولنكتشف اضحوكة كانت موجودة منذ زمن اسمها :”جمعية الصداقة السودانية الإسرائيلية”! وهذه بالطبع غير الصداقة والتحالف الاستراتيجي مع جنوب السودان! يا للهول كم اكتشفنا وسنكتشف من قروح وقيوح.

خامساً: في المستوى الأكاديمي: ففي حين تحتاج فلسطين لدفاع طلابي وأكاديمي ، بالتوعية على الأقل، ضد الحرب المعولمة لتصفية  القضية تنشغل مؤسسة الأنجزة “مواطن” بتنسيق مع جامعة بير زيت بترويج لأكاديميين في خدمة الإمبريالية أمثال جلبير اشقر الذي عمل مستشارا مؤتمناً لجيش الاستعمار البريطاني شارحا لهم كيف يمكنهم التعامل مع العربي؟ وكأن جيش دولة هي اساس الاستعمار وخاصة ضد العرب بحاجة لمن يشرح له ذلك. يتضمن هذا الرشح التأكيد بأن بريطانيا سترسل مزيدا من جنودها ضد الأمة العربية وإلا ما لزوم التثقيف!. ودعوة غير اشقر أمثال فيجاي براشاد. بهؤلاء  سوف تتسخ الأرض المحتلة  أو فضائها من 25أي اليوم إلى -27 من هذا الشهر بخادم الإمبريالية فيجاي براشاد، والصهيوني جلبير اشقر أي صلاح جابر التروتسكاوي الذي يدعم الإرهابيين والعدوان الإمبريالي الغربي والاستعمار التركي في حربهم وعدوانهم التدميري ضد سوريا وليبيا واليمن، والذي كما كل التروتسك تربطه علاقات حميمة مع الكيان الصهيوني. لنتذكر جميعا، أن هذا التروتسك يزعم انه ماركسي حيث يتحالف التروتسك ايضا في مصر مع الإرهابيين. للتعريف: فيجاي براشاد من الحزب الشيوعي في الهند وهو داعم لمختلف التروتسكيين الأمريكيين واللبنانيين وهو مناهض للناكساليت الحزب الماركسي-اللينيني في الهند الذي يمارس حرب الغوار ضد البرجوازية وخاصة سلطة العنصري الهندوسي مودي. حتى الآن حرر نكسالايت 150 ولاية هندية من أصل 602 ولاية. طبعا فيجاي معادي لكشمير.

 جيلبر الأشقر في كلية (SOAS ، جامعة لندن/بريطانيا، لبناني الأصل. فيجاي براشاد (كلية ترينيتي ، الولايات المتحدة / الهند.

يقام الإحتفاء بعبدَي الإمبريالية والصهيونية اليوم في الفضاء الافتراضي ويتم بثه مباشرة عبر قناة مواطن على اليوتيوب

Held in the virtual space and live streamed via Muwatin’s Channel on YouTube

Conference held in cooperation with the Heinrich Böll Stiftung Palestine & Jordan

 سادسا: على المستوى الأكاديمي الدولي:  تنشط حاليا مجموعة أكاديمية /حلقة أكاديمية في مركز النظام الراسمالي الإمبريالي أي الولايات المتحدة وكندا تحت تسمية خبيثة “الرواية الثالثة” بزعم ان هؤلاء يقفون على الحياد وبشكل متوازن بين الفلسطينين والكيان. والطريف أن هؤلاء ليسوا جهلة بل لديهم درجة تحصيل علمي وثقافي تؤهلهم للتحليل والرؤية. ولكن زعمهم الحياد وقيامهم بمساواة المغتصب والمشرد يبين بأن الأكاديميا في غالب الأحيان هي عنصرية وتضع نفسها في خدمة الإمبريالية.

من بين نشطاء هذا الفخ ، صامويل موين/جامعة كولومبيا، وهو ذو اتجاه سوسيال ديمقراط /الديمقراطية الاجتماعية وهي الخادم المموه للإمبريالية.

Samuel Moyn, James Bryce Professor of European Legal History, Columbia University

The Third Narrative Academic Advisory Council – new pro peace, anti academic boycott network based in the US

March 18, 2014 — David Hirsh

انظر الرابط

وأخيرا: الهجوم السماوي: ففي حفل إعلان عدوان حاكم الإمارات ضد فلسطين طلع علينا دونالد ترامب/و بخلطة دينية باسم “الإبراهيمية” . وبالطبع، ليس هذا من “إبداع” عقلية ترامب/و المرتبكة بل من أوساط مؤسسة دينية هي غالبا الإنجليكانية وتمفصلها السايسي اي المحافظية  الجديدة وهما طبعاً في خدمة الصهيونية وفي النهاية الكيان الصهيوني نفسه.

إن تضخيم إبراهيم كما لو كان بحجم الإمبراطورية الرومانية هو إسقاط غيبي مقصود به تضييع وتبهيت القضية الفلسطينية وإخضاعها لتنويم مغناطيسي غيبي لتظهر كما لو كانت خطيئة صراع ديني وتم تصنيع اللجوء إلى الإبراهيمية لحل الصراع بأن شرح مفبركوا هذه الغيبية للناس بأن فلسطين هي مسألة دينية لا أكثر وبالتالي يمكن عبر ترويج هذه الأكذوبة حل الصراع. اي لا مسألة أهل وطن تم طردهم منه ولا مسألة قضية وطنية قومية سياسية ولا مسألة عدوان راسمالي غربي بمقدمة صهيونية ضد فلسطين والوطن العربي.

إن أخذ العالم إلى هذا المحيط الغيبي عبر تضخيم إبراهيم هو ربما أخطر عبث بالعقل البشري حصل في التاريخ.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.