سيبقى إتفاق أوسلو ولكن بشكل رثٍ أكثر، عادل سماره

يلتقي صانعا اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو وحتى وادي عربه في الهدف والانتظام في الاستراتيجية الأميركية في الوطن العربي والتي على راس أجندتها ضمان بقاء الكيان الصهيوني وطبعاً بقاء روافد التراكم عبر استغلال الثروات وخاصة النفط ناهيك عن الأسواق. ولكن، ربما يختلف كامب ديفيد ووادي عربه عن أوسلو في اختلاف الجغرافيا/ الحيِّز تحديداً وملكيته وتحريره اي الوطن بالمفهوم السياسي وطبعا وجوب اختلاف الشارع بمعنى الفارق بين تطبيع والمطبع على أرضه وبين تطبيع والمطبع أرضه مغتصبة! ففي حالة كامب ديفيد ووادي عربه، وبالمفهوم بل الواقع القُطري الدارج فإن جغرافيا البلدين ليست مغتصبة رغم أن كامب ديفيد لم يعنِ قط تنظيف سيناء من الاحتلال بشكل حقيقي.

من هنا، بدأ الجدل ولم ينتهي فيما يخص اتفاق أوسلو من حيث:

  • قابليته للتطبيق
  • قابليته للبقاء
  • حدود تاثيره على الشعب الفلسطيني
  • وحدود التأييد أو الرفض الشعبي للاتفاق.

هذه التساؤلات مشروعة بالطبع لأن الوطن الفلسطيني مغتصب بالكامل، والاتفاق لم ينص ابدا على انسحاب الاحتلال من اي جزء من الوطن وكل ما حصل هو إعادة انتشار للجيش المحتل مما وفر له راحة وامانا أكثر وكلفة انتشار أقل.

يكمن سبب السماح لاتفاقات أوسلو بالحصول في أنه حُمل من جزء من الحركة الوطنية مما أعطاه “مشروعية” شعبية بمعنى أن الشارع الفلسطيني لم يتخيل أن جزءً كبيراً من الحركة الوطنية سوف يقبل بما لا يُحقق طموحات الشعب نفسه. أي أن الاتفاق حظي بترويج نتج عنه الانخداع به. ويرتد هذا الانخداع إلى عدة عوامل منها:

  • الاتصالات والتنظيرات والعلاقات بين فلسطينيين وبين صهاينة وكثير من الأنظمة الغربية الداعمة للكيان الصهيوني حيث كان الوعظ الدائم بما يسمى السلام. والذي تم إخراجه بشعار مغرٍ “سلام الشجعان” حيث انكشف عن كونه سلام راس المال وخاصة للطرف الصهيوني.
  • تراخي قوة وفعالية المقاومة الفلسطينية وخاصة بعد رحيلها أو ترحيلها ورحيلها عن لبنان.
  • الزعم بأن قيادة العمل الوطني سوف تنتقل إلى الداخل فقد انتقلت القيادة ولم ينتقل العمل.
  • تشتت الموقف الشعبي الفلسطيني من الحل بناءً على التشتت الجغرافي للشعب نفسه ومنذ توقيع الاتفاق والاحتفال به وحتى اليوم يدور النقاش سواء عن بقاء أو جدوى هذا الاتفاق.

أزعم كمواطن فلسطيني أن اتفاق اوسلو لم يكن سوى تسهيل ضم المحتل 1967 ضماً تدريجياً لصالح الكيان الصهيوني وهو ما تجسد على:

  • ابتلاع مساحات واسعة من الضفة الغربية خاصة بنسب أعلى من حيث التنفيذ الزمني مما كان عليه الحال قبل الاتفاق نفسه
  • إصرار الكيان على اعتبار المحتل 1967 مناطق حكم ذاتي، أي مناطق “إسرائيلية” تُعطى حمكاً ذاتيا من المركز السلطوي الصهيوني، وهذا هو الضم الأقل كلفة الأسهل للاستغلال على أرضية “التبادل اللامتكافىء المسلَّح” .

وهكذا، على أرضية مناخ تجهيز وتوقيع الاتفاق ومسيرته منذ قرابة ثلاثة عقود تبرز الأسئلة التالية:

  • من الذي بوسعه إبقاء الاتفاق ومن الذي بوسعه إلغائه؟
  • ·       من هي الكتلة الشعبية التي تدعم الاتفاق ومن التي ترفضه؟
  • وهل الفلسطينيون وحدهم الذين يقررون مصير الاتفاق؟

بداية، لم يكن الاتفاق فلسطينيا بحتاً حتى يقرر مصيره الفلسطينيون وحدهم. وهذا يعني أننا نتحدث عن شعب ووطن تحت الاستعمار الاستيطاني المدعوم بشكل معولم بينما لم يتمكن الشعب من القبض على يومه أو مصيره.  ولكن، ليس هذا الخلل المركزي بل الخلل المركزي في المصيدة.

كان تفكيك أوسلو في العام الأول اسهل من الثاني وفي الثاني اسهل من الثالث وهكذا. لقد نشأت مع الاتفاق حالة من التبعية الاقتصادية بدأت مع إقامة جهاز بيروقراطي ضخم يُقارب عدده 300 الف شخص وهؤلاء مع اسرهم يقاربون نصف المجتمع يعيشون من وظائفه. حتى أبناء الفلاحين تخلوا عن العمل الزراعي ليصبحوا موظفين يعتمدون على الراتب الشهري وبقيت الزراعة على كاهل الشيوخ وبعض النسوة /تهريم وتأنيث الزراعة. كما لم يعد اعتماد فائض قوة العمل المحلية على العمل داخل الكيان، إذ اصبحت حالة متقطعة، حيث يُفتح باب التشغيل احيانا واحيانا يُغلق وهذا زاد الاعتماد على الوظيفة الحكومية. كما تدفقت على الأرض المحتلة منظمات الأنجزة والتمويل الأجنبي المسموم.

باختصار، مصادر تمويل السلطة والأنجزة ، ناهيك عن من يرتبطون بمؤسسات اجنبية عديدة:”سفارات، قنصليات، مراكز ثقافية دوائر اكاديمية وربما مخابراتية…” لها شرطها سواء المُضمر أو المخفي بأن:”هذا التمويل هو ريع مالي مقابل الحفاظ على مشروع سياسي هو اوسلو”.

 كل هذه الكتلة البشرية مؤيدة لبقاء أوسلو بحكم الاضطرار وليس اللاوطنية، وهذا ما قصدناه بالمصيدة.

لقد تكيف الوضع الاجتماعي لهؤلاء بناء على مصدر دخلهم الشهري وهم لا يملكون بدائلا، بل إن أكثر من لهم بدائلا قد أهملوها وصارت العودة إليها مكلفة وليست لديهم إمكانات توفيرها.  في الجانب الآخر، لا توجد قوة حقيقية مبلورة للتصدي للاتفاق مع أن الأكثرية الشعبية ضد الاتفاق بمن فيهم كثير ممن يؤيدون بقاء الاتفاق، وهذا التقدير قائم على حقيقة بأن الفلسطيني يعتبر كامل فلسطين هو وطنه بغض النظر عن قدرته على تحقيق ذلك أم لا. فأنت حين تناقش المواطن العادي حتى لو كان عائدا من مظاهرة تاييد للسلطة يقول لك: “الوطن لنل”.

كما اشرت أعلاه، في حين كان فريق اوسلو قد رتب نفسه سلفا وبلور إيديولوجيا تقاسم الوطن مع العدو/ وهو أمر على كل حال لم يحصل، اي لم يتضمن اتفاق أوسلو ما يدعمه، فإن معارضة أوسلو أو رفضه لم يكن معسكرا موحدا ولا متشابها، بل الكثير من عناصره وقواه كانت “رجل في البور ورجل في الفلاحة” وحتى اليوم. ولأن اتفاق أوسلو هو أساسا صياغة الثورة المضادة وخاصة امريكي صهيوني، فإن مصيره بيدهم مضافا لهم اليوم معظم الأنظمة العربية.

إن انتقال التطبيع، اي الحرب على فلسطين من معسكر البرجوازية الكمبرادورية العربية إلى معسكر الكيانات النفطية وهذا يعني عمليا وتاريخياً استسلام الأنظمة الحاكمة للعدو والتعسكر والتخندق تحت إمرته، أي انتقالها من كون دورها ووجودها مثابة حرب أهلية ضد الشعب العربي إلى دور الانضمام إلى معسكر العدو المعولم للأمة العربية يعني وصول العلاقة بين الشعبي والرسمي في الوطن العربي إلى حالة التناقض التناحري اي الطلاق وانتقال النظام القُطري من حرب كل نظام على شعبه إلى حرب عبر الوطن العربي وضده أي من حرب داخلية إلى حرب قطر ضد آخر إلى حرب معظم الأنظمة القطرية ضد فلسطين. فلم يعد سهلا القول بان هناك ولاء ومعارضة للأنظمة الرسمية العربية بناء على انكشافها فضائحيا، بمعنى أن القاعدة الشعبية لهذه الأنظمة تتقلص بينما تتسع قاعدة أجهزة القمع وهذا يزيد شدة التناقض التخدق الاجتماعي وحتى الطبقي في هذه البلدان. وإذا كان الكيان قد تمكن من القفز عن المناطق المحتلة 1967 وحتى عن الأردن وفُتحت أمامه أبواب الأنظمة العربية فهو لم يعد مضطرا لاستخدام الضفة الغربية وغزة كمحطات تبديل في العلاقة مع الأنظمة وطبعا الأسواق العربية.

قد نغامر بالقول، لذا، ليس غريبا أن يقول نتنياهو لن يكون هناك سوى حكم ذاتي للفلسطينيين، وبأنه سوف يُعيد من أتوا بعد اوسلو من حيث أتوا، لأن الكيان لا يقلق بقدر ما يقلق من التكاثر الديمغرافي الفلسطيني كما أنه أكد ان عدوان حكام الإمارات على فلسطين لم يُكافىء بوقف ضم الأغوار حيث قالها بكل وضوح مما وضع الطرف الآخر في وضع قميء.

على ضوء ما تقدم، فإن طرفَيْ تنفيذ اتفاق أوسلو لم يضيقا ذرعاً به. اي ان العدو قد اصر على حصر الاتفاق في حكم ذاتي لا يُطال الأرض ولا حتى الأنفس، كما ان السلطة الفلسطينية قبلت ذلك بغض النظر عن الخطاب العالي لغوياً.  

حتى الان، هذا ما يمكن للمرء أن يراه. ولكن، هناك متغيرات قد تحمل معها تغييرا ما بالسلب أو لإيجاب.  

المتغير الأول: إذا تماسكت المقاومة وأخرجت لجنتها التنفيذية إلى محور المقاومة، مع بقاء سلطة الحكم الذاتي، وفي هذا الحال إما أن تتساوق هذه السلطة مع سياسات الإحتلال أو يكون المتغير الثاني.

المتغير الثاني: في حال لم تخضع السلطة لسياسات الاحتلال، يمكن أن يقرر استبدالها بزمرة عسكرية على طريقة امريكا اللاتينية في سبعينات القرن الماضي والتي طبعاً ستكون معادية للشعب أي هراوة عليه لصالح العدو.  

بكلام مختصر، وجود اتفاق أوسلو لا يزال وسيبقى في المدى المنظور في مصلحة من صاغوه، ولذا، لن يتم حل هذا الاتفاق حتى لو خرجت م.ت.ف خارج الأرض المحتلة وأكدت العودة عن الاستدوال إلى مشروع التحرير عبر محور المقاومة. والسؤال الصعب: ترى، ماذا لو استند العدو على العدو الأمريكي وصمت معظم العالم وقرر العدو طرد أكثرية الفلسطينيين من الضفة خاصة؟

ليس لدينا من جواب. ولكن للتذكير، خلال الانتفاضة الكبرى 1987 أجرت صحيفة جروسالم بوست الصهيونية لقاء مع إسحق رابين المشهور بتكسير عظام الشباب الفلسطيني والقتيل على يد صهيوني شرقي نشرته في ملحقها الأسبوعي في 25 آذار 1988 (كما اذكر) حيث سُئل: “ما الطريقة التي ترى الأخذ بها لإخماد الانتفاضة؟” فأجاب: طرد 600 ألف فلسطيني إلى الأردن. سؤال: ولكن ألا ترى أن هذا يطيل الصراع خمسين سنة أخرى.  جواب: نعم ولكن هذه ستكون مهمة من يحكم إسرائيل حينها.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.