طاقة – خلفيات الخطاب الرّسمي عن الطاقة “النّظيفة”، الطاهر المعز

طاقة – خلفيات الخطاب الرّسمي عن الطاقة “النّظيفة”

ما الموقع الجديد لصهاينة الخليج في سوق الطاقة؟

تضاعَفَ عدد سُكّان العالم، بين سنتَيْ 1970 و 2018، وارتفع مُتوسّط دَخْل الأُسَر 4,3 مرّات، وارتفع استهلاك الطاقة 2,8 مرة، ولكن حصلت في الأثناء عدّة مُتغيِّرات، إذ كانت الولايات المتحدة أكبر مُستورد للمحروقات، وأصبحت منذ سنة 2018، مُصَدِّرًا للنفط والغاز، وتضاعف احتياطي الولايات المتحدة من النفط مرتين والغاز ثلاث مرات (الصخري والأحفوري)، بين 1998 و 2018، كما أصبحت الصين مُستهلكًا كبيرًا للطاقة، بينما انخفض احتياطي البلدان الأوروبية من النفط بنسبة 45%، واحتياطي الغاز بنسبة قاربت 70%، خصوصًا منذ بدايات القرن الواحد والعشرين، فأصبحت مُستوردًا كبيرًا للنفط والغاز، رغم البرامج والخطط المتعددة لتطوير الطاقات المُسمّاة “نظيفة” (الشمس والرياح والمياه…)، وكان الإنتاج النفطي الأوروبي، سنة 1998، يُغطي قرابة 24% من استهلاك الإتحاد الأوروبي، وانخفضت نسبة التغطية إلى النصف، سنة 2018، بحسب بيانات “وكالة الطاقة الدولية” (وهي مؤسّسة خاصّة، أنشأتها الدول الرأسمالية المتطورة، المُستوردة للطاقة بهدف تقديم الدراسات والإرشادات للإطاحة بمخططات “أوبك”)، لذلك انخرطت أوروبا في التخطيط لإنتاج الطاقات “البديلة” للنفط والغاز…

أما في الولايات المتحدة، فقد ارتفع حجم احتياطيات الغاز، خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ثم أصبحت أمريكا مُصَدِّرًا للنفط والغاز الصّخْرِيَّيْن، ما يُفَسِّرُ تراجع الولايات المتحدة عن اتفاقيات “كيوتو” و “باريس”، بشأن خفض استهلاك الطاقة، باسم المحافظة على البيئة…

نما استهلاك الغاز الطبيعي منذ سنة 1970 بشكل أسرع من أيّ مصدر آخر للطاقة، وبذلت الولايات المتحدة جهودًا وضُغُوطا سياسيةً كبيرة، خلال عقدَيْ السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، لمنع إنشاء خطّ أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من الإتحاد السوفييتي إلى أوروبا الغربية، وبعد قرابة أربعة عُقُود من تعمّد السعودية (بأمر أمريكي) إغراق أسواق النفط العالمية، لتنهار الأسعار وينهار معها الإتحاد السوفييتي، إذ كانت إيرادات تصدير النّفط تُشكّل مصدره الأول للعملات الأجنبية، وبعد ثلاثة عُقُود من انهيار الإتحاد السوفييتي، لا تزال الولايات المتحدة تضغط على أوروبا، وخصوصًا على حكومة ألمانيا (حيث توجد القواعد العسكرية الأمريكية الضّخمة، وقيادة الجيوش الأمريكية في أوروبا)، بهدف وقْفِ بناء خطّ السيل الشمالي-2 لنقل الغاز الروسي نحو شمال ألمانيا، ومنه إلى أوروبا، وتضغط على حكومة تركيا، وهي أيضًا (كما ألمانيا) عضو الحلف الأطلسي، لوقف بناء خطوط أنابيب نقل الغاز الروسي، نحو جنوب أوروبا، عبر موانئ تركيا، وبما أن الولايات المتحدة تطبع الدّولارات (التي تتم بها معظم المبادلات التجارية العالمية) وتتحكم بالنظام المصرفي ونظام التحويلات المالية العالمية، وتمتلك أقوى جيش في العالم، وأكبر أجهزة إعلام عالمية، فإنها تقِرُّ حَظْرًا وحصارًا تجاريا واقتصاديا وماليا وتشن حملات إعلامية، ضد أي دولة أو حكومة أو نظام حُكْم، لا يستجيب لطلباتها (وهي في الواقع أوامر)، وجميع طلبات الإمبريالية الأمريكية تصب في مصلحة الشركات الأمريكية لوحدها، كما في حال الغاز، حيث ترمي إلى تصدير الغاز الصخري الأمريكي إلى أوروبا، رغم قلة جَوْدَتِهِ وارتفاع ثَمَنِهِ، مُقارنةً بالغاز الرّوسي…

ارتفع الطلب العالمي على الغاز، ونما سوق الغاز الطبيعي خلال السنوات 2014 – 2019، بنسبة 47%، لكن سعر الغاز تأثر بانخفاض سعر النفط، منذ منتصف حزيران/يونيو 2014، وانخفض متوسط سعره، خلال سنة واحدة، بنسبة قاربت 45%، من نيسان/ابريل 2019، إلى نيسان/ابريل 2020، وحاولت روسيا (رغم الحصار الأمريكي) استغلال كافة الفُرص، لبَيْع ونقل الغاز إلى أوروبا، عبر بحر البلطيق وعبر البحر الأسود والبلقان وبحر قزوين (نحو تركيا ثم أوروبا) وأنشأت عدّة خُطُوط، تمكّنت الولايات المتحدة من وقف بعضها (خط السّيل الجنوبي، نحو موانئ اليونان وإيطاليا) وعرقلة إنجاز البعض الآخر (خط السيل الشمالي 2 وخط السّيْل التّركي)، كما قَبِلت حكومة روسيا الشروط الصينية التي رفَضَتْها طيلة عشر سنوات، من أجل تصدير النفط والغاز إلى الصين، والتخطيط لخطّ أنابيب “قوّة سيبريا-2” الذي قد يُنْجَزُ خلال السنوات القادمة، من سيبيريا إلى الصين.

تُشَكِّلُ الطاقة الأحفورية، سنة 2018، نحو 74% من الحجم الإجمالي للطاقة التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي، ولا تتجاوز نسبة استخدام الطاقات المتجددة 10%، وفقاً لبيانات الإتحاد الأوروبي، لسنة 2018، وعلى سبيل المقارنة، تشكّل المحروقات الأحفورية نحو 90% من إجمالي الطاقة المستخدمة في الهند، ونحو 88% في اليابان وكوريا الجنوبية، ونحو 85% في الصين، وبدأت الولايات المتحدة تغزو هذه الأسواق، وتُنافس الغاز الروسي والقَطَرِي، والنفط السعودي، ما يُفسِّرُ جزئيا، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات المناخ (كيوتو وباريس).

أما الإتحاد الأوروبي فقد تَبَنّى، سنة 2019، برنامجًا بقيمة عشر تريليونات يورو، بدأ بفرض ضريبة إضافية على النفط ومشتقاته، ويرمي للتخلّص من انبعاثات الكربون، سنة 2050، أي تعويض الوقود الأحفوري بما يُعتَبَر “الطاقة النّظيفة”، أو التحول إلى ما يُسمّى “الإقتصاد الأخضر” (مع تكثيف استخدام المُبيدات والنباتات المُعَدَّلَة وراثيًّا ؟؟؟)، وهذا القرار يتعارض مع مخططات الولايات المتحدة، لبيع الغاز الصخري في الأسواق الأوروبية، لذلك زادت التهديدات والحملات الإعلامية الأمريكية، ضد ألمانيا، الحليف الوفِي للإمبريالية الأمريكية (وللكيان الصهيوني)، كلما تقدمت أشغال إنجاز خط أنابيب نقل الغاز الروسي “السيل الشمالي 2″…

لا يزال إنتاج الطاقة النظيفة يستفيد من الدّعم الحكومي المباشر أو غير المباشر، ولذلك يقتصر الحديث عن “الطاقة النّظيفة” على البلدان الغنية، ولا تزال تعترضها مشاكل في الإنتاج والنّقل والتّخْزين، وفي صيانة الألواح الشمسية، ومعامل إنتاج الطاقة من الرياح، وتعمل ألمانيا (نيابة عن الإتحاد الأوروبي) على إنتاج الطاقة الشمسية في المناطق الصحراوية العربية (جنوب تونس والمغرب ومصر، وفي الخليج) واستنزاف المياه الشحيحة، لأن صيانة الألواح وتنظيفها تتطلب كميات كبيرة من المياه، وتتطلب كميات هامة من المواد الكيماوية التي تُلوث المُحيط، وتُؤَثِّرُ سلْبًا على الكائنات وعلى التوازن الطبيعي الهش في المناطق الصّحراوية.

أما مشاغل سكان البلدان الفقيرة فهي مُغايِرَة، ويختلف الوضع تمامًا في بلدان “المُحيط” (أو “الأطراف”، أو “الجنوب”)، فقد أشرف “البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة” على إعداد ونَشْر تقرير بعنوان “تطور الطاقة 2019″، ويدرس التقرير مسائل “ارتفاع استهلاك الطاقة في العالم، وتقنيات الطاقات المتجددة والجهود من أجل تخفيض استهلاك الطاقة”، كما ورد في مقدّمة التقرير، لكن يعترف التقرير بافتقار حوالي 840 مليون شخص للطاقة الكهربائية، أو ما يعادل 11% من سُكّان العالم، ويستخدم قرابة ثلاثة مليارات إنسان، أو أقل قليلاً من نصف سكان العالم، الحطب أو الفحم أو وسائل أخرى للطهي غير النظيفة، في مساكن غير صحية، تفتقر إلى التهوئة، ما يؤدّي إلى نقص الأكسجين، وإلحاق أضرار بجسم الإنسان، والنساء والأطفال بشكل خاص: أضرار تلحق البَصَر وجهاز التنفُّس…

تُشكّل الطاقات المتجددة أو الطاقة “النظيفة” جزءًا من الحلول الضرورية لصيانة المُحيط، وتحسين جودة المناخ، وتوجد الشمس والرياح في البلدان الفقيرة، لكن تقنيات استخراج الطاقة من المياه والرياح والشمس، مُعَقّدة ومُكلفة، لأنها صُمِّمَتْ في الدول الرأسمالية المتطورة، وبدل أن تكون الطاقات “النظيفة” أو “المتجددة” حلاًّ للإنسانية، أصبحت عاملاً إضافيًّا لتَعْمِيق الفجوة والفوارق بين بُلدان “المركز” الإمبريالي، وبلدان “المُحيط”، ولِنَهْب الموارد الطبيعية للبلدان الفقيرة، ولا تُشجّعُ حكومات دول “الجنوب” على البحث العلمي، والتشجيع يكون بالقرار السياسي، وبالتّمويل وزيادة الإنفاق، من أجل ابتكار تقنيات تتماشى مع وضع ومتطلبات مواطني هذه البُلدان، لأن هذه الحكومات خاضعة، بل تابعة “للمركز” الإمبريالي، وتخضع لأوامر الدّائنين، ولذا فإن مسألة تأمين الطاقة مُرتبط بوضع شامل، تترابط عناصرُهُ، وينطلق من طبيعة الأنظمة الحاكمة…   

لا يتوقع خبراء الطاقة ارتفاع أسعار النفط وعودتها إلى ما كانت عليه، قبل سنة 2014، ما يعني بداية النهاية للدّور الوظيفي لأنظمة الإقتصاد الرّيعي في الخليج العربي، بالإضافة إلى الأسباب التي أوردناها، من زيادة أهمية الغاز، وارتفاع إنتاج وصادرات الولايات المتحدة من المحروقات، والتّحول (وإن كان بطيئًا) من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المَوصوفة بالنظيفة، وقد يكون الجَهْر بالخيانة، وبالتطبيع العلني للكيانات الخليجية مع الكيان الصهيوني، إيذانًا بانتهاء دور هذه المَشْيَخات في خارطة الطاقة، وفي المخططات الأمريكية، ليندمج آل سعود وتوابعهم في المخطط الصهيوني، جُملةً وتفصيلاً، بعد تبديد عائدات النفط في تكديس السلاح الذي لم يُوجَّه سوى نحو فُقراء العرب والمُسلمين…

هل سيُواصل المسلمون الإعتمار والحج إلى مكة، بعد التطبيع العلني؟   

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.