أوروبا، قاعدة عسكرية أمريكية، منذ الحرب العالمية الثانية:
لا يعني هذا العنوان الفرعي أن أوروبا ليست امبريالية، وإنما يعني أن أوروبا امبريالية آفِلَة (خصوصًا فرنسا وبريطانيا)، وأن الولايات المتحدة هي الإمبريالية الصّاعدة، منذ الحرب العالمية الثانية، وتستحوذ، لحدّ الآن، على حصة الأسد في خطط “التّقسيم العالمي للعمل”، لكن صعود الصّين قد يُؤَدِّي، ربما بعد سنوات، إلى تغيير في موازين القوى، وقد لا يكون هذا التّغيير في صالح الشعوب المُضطَهَدة، لأن “ما حَكَّ جلدَكَ غير ظُفرِكَ”، بحسب أجْدادِنا.
فَرَضت الولايات المتحدة، منذ 2014، على شُركائها في حلف شمال الأطلسي، زيادة ميزانية الحرب، وزيادة حصّتها من موازنة الحلف، لتصل نسبة الإنفاق العسكري إلى ما لا يقل عن 2% من ميزانية كل دولة، كما فَرَضتْ على الشُّرَكاء تمويل برنامج المُجَمّع الصّناعي العسكري، وتجهيزاته مُرتفعة الثمن مثل منصات صواريخ “باتريوت” (تصنيع شركة رايثيون التي بلغت إيراداتها 30 مليار دولارا سنة 2018) وطائرات إف 35 (تصنيع شركة لوكهيد مارتن وبلغت إيراداتها حوالي 60 مليار دولارا سنة 2019)، وغيرها من التجهيزات والصواريخ والطائرات الأمريكية، التي تُقرّر الشركات الأمريكية تصنيعها، بالتّشاور مع وزارة الحرب الأمريكية، التي تفرض بدورها تمويل تصنيعها على الدّول “الصّديقة”، أو “الحَلِيفة”، وقَرّرت الولايات المتحدة توسيع حلف شمال الأطلسي، بدل حَلّهِ (إثر انهيار الإتحاد السوفييتي)، وتعدّدت، خلال السنوات الأخيرة، المناورات العسكرية للولايات المتحدة (وحلف شمال الأطلسي) والقواعد، على حدود روسيا، وفَرَضت أمريكا على الدّول الأوروبية شراء الغاز الصّخري الأمريكي الرديئ، بديلا عن الغاز الطبيعي الرّوسي، الأحسن جوْدَةً والأقل سعرًا من الغاز الأمريكي، وهدّدت الولايات المتحدة الدّوَلَ الأوروبية، التي لم ترتفع ميزانيتها الحربية بالشكل الذي يُرضي أمريكا، أو التي تشتري الغاز الرّوسي، مثل ألمانيا، بعقوبات وبتخفيض عدد الجنود الأمريكيين المرابطين على أراضيها، عقابًا لها، وسبَق ان استخدمت حكومة الولايات المتحدة هذا الإبتزاز مع دُوَيْلات الخليج، وادّعت أن القواعد الأمريكية تَحْمِي الأنظمة الحاكمة، ووجب عليها، بالتّالي، تسديد ثمن الحماية، بالإضافة إلى شراء الأسلحة الأمريكية…
ورثت أوروبا الغربية القواعد العسكرية وانتشار الجيش الأمريكي، منذ الحرب العالمية الثانية التي دخلتها أمريكا متأخرة (بعد خراب بلدان أوروبا) وخاضَتْها، كما كل الحُروب الأمريكية، خارج أراضيها التي لم تتضَرّر، وأدّت هزيمة إيطاليا وألمانيا إلى وصاية أمريكية تجسّدت في تنصيب المافيا وتيار الديمقراطية المسيحية، لتحكمها تيارات رجعية تأتمر بأوامر الولايات المتحدة (كما حصل في اليابان أيضًا)، وأدّت إلى حضور عسكري أمريكي مُكثّف، في قواعد عسكرية ضخمة، لا تزال الولايات المتحدة تحكم، من خلال هذه القواعد، جُزْءًا من العالم، من شرق أوروبا إلى حوض البحر الأبيض المتوسط وقارة إفريقيا، وكذلك منطقة غرب آسيا…
فرضت الولايات المتحدة على حكومة إيطاليا، تمويل بناء قاعدة مطار “غيدي” العسكري الأمريكي (منطقة بريشيا)، ولم يستشِرْ أحدٌ الشعب الإيطالي الذي يُعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وسيضُمُّ المطار الرئيسي في هذه القاعدة حضيرة تُؤْوِي 30 طائرة عسكرية من طراز F-35A تحمل قنابل نووية، وسيكلف إنشاء حظيرة كبيرة، تبلغ مساحتها ستة آلاف متر مربع لصيانة هذه الطائرات، أكثر من 91 مليون يورو بالإضافة إلى 15 حظيرة أخرى، أصْغَر من الحظيرة الرئيسية، ومبنى لمكاتب القيادة وأجهزة المحاكاة (التّدريب)، مجهزة بأحدث تجهيزات العَزْل الحراري “من أجل تجنب الكشف عن المحادثات، سيتم تسييج هذا المجمع وحراسته، لتأمين القاعدة التي تضم أيضًا مستودعًا سريًا للقنابل الأمريكية الجديدة B61-12.
توجد أهم القواعد الأمريكية الخارجية (سواءً باسم أمريكا أو حلف شمال الأطلسي) في إيطاليا وألمانيا (ثم في اليابان وكوريا الجنوبية)، وكانت القواعد الإيطالية بمثابة منصّة الإنطلاق لقصف الدول الأفريقية (السودان وليبيا …)، وكذلك قصف أراضي وأهداف في دول أخرى بعيدة، واستخدمها الصهاينة لقصف تونس وليبيا، وهي قواعد مُجهزة بكميات كبيرة من الذخيرة والقنابل والصواريخ والأسلحة النووية.
تُبَرِّرُ الولايات المتحدة التعزيز المُستمر لهذه القواعد بضرورة ردع روسيا، فبعد ثلاثين عامًا من سقوط الاتحاد السوفيتي ، ما زالت الولايات المتحدة تعتبر روسيا عدوًا يجب تدميره، ولذل تضاعفت الاستفزازات، من خلال توسيع حلف الناتو وتمدّده إلى حدود روسيا، وتلعب القواعد الأمريكية في إيطاليا وألمانيا وبولندا وغيرها دورًا أساسيًا متقدمًا لاستراتيجية الولايات المتحدة والناتو الحربية ضد روسيا ودول أخرى.
تشكل المقاتلة F-35A الجديدة، مع القنبلة النووية الجديدة B61-12 نظامًا متكاملاً، لأن استخدام الطائرة ينطوي على استخدام القنبلة، وهي طائرة باهظة الثمن (115 مليون دولار)، وأجبرت الولايات المتحدة الدول الأوروبية على دفع تكاليف تصميم وبناء هذه الطائرة من قبل مجموعة “مارتن لوكهيد” الأمريكية، لكن الجيش الصهيوني كان أول من حصل عليها مجانًا واستخدمها ضد الأراضي السورية، ويمكن للطائرة F-35 A حمل قنبلتين نوويتين من طراز B61-12 وفقًا لاتحاد العلماء الأمريكيين ، ويتوقع أن تنشر الولايات المتحدة القنبلة B61-12 “التكتيكية” الجديدة لطائرات F-35، في أوروبا، اعتبارًا من عام 2022، وقدر مكتب أبحاث الكونغرس الأمريكي (أيار/مايو 2020) متوسط سعر طائرة F-35 ، بدون محرك ، بنحو 108 مليون دولار، ويُقدّر سعر المحرك بحوالي 22 مليون دولار، أما تكلفة التحديث وتدريب الأطقم واستخدامها فهي مرتفعة للغاية، إذ يُقَدّرُ ثمن ساعة طيران (تدريب) على طائرة F-35 – بأكثر من 42 ألف دولار، وفقًا لوثائق عسكرية أمريكية، وتقدر ميزانية تشغيل الطائرة بحوالي 210 ألف دولارا في السنة، كحد أدنى.
في افريقيا:
سارعت الولايات المتحدة إلى ملء الفراغات التي تركها انهيار الإتحاد السوفييتي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، الفاصل بين أوروبا من جهة، وشمال إفريقيا وغرب آسيا (شرق المتوسط) من جهة ثانية، وبدأت، منذ 1995، تنظيم مُناورات عسكرية لحلف شمال الأطلسي، بإشراف الجيش الأمريكي، في إطار “الحوار المُتوسّطي”، “لتنظيم عمليات الإغاثة والإنقاذ، ومكافحة التّلَوّث في البحر الأبيض المتوسّط”، وتطورت الأهداف لتشمل “مكافحة القَرْصَنَة والإرهاب، والإتّجار بالبشر”، على ضفّتَيْ البحر الأبيض المتوسط، بمشاركة الجيش الصّهيوني، وجيوش الدول العربية الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسّط (إضافة إلى الأردن)، باستثناء جيوش ليبيا ولبنان وسوريا، والتحق الجيش الجزائري بالمناورات، بداية من سنة 2002، فارتفع عدد “زيارات” السفن العسكرية الأمريكية والأطلسية، لموانئ المغرب العربي، منذ شهر آذار/مارس 2003، بالتوازي مع احتلال العراق، وكانت هذه الخطوات الأمريكية، وما لحقها، مُحاولات لمنافسة فرنسا (القوة الإستعمارية السابقة لشمال ووسَط وغربي إفريقيا)، والصّين التي تطورت استثماراتها، وتضاعفت عشر مرات، خلال 15 سنة، وشكّل المغرب العربي بَوّابةً للهيمنة الأمريكية على قارة إفريقيا، وجزءًا من برنامج “الشرق الأوسط الجديد”، لِبَسْط النُّوفوذ الأمريكي، من أفغانستان إلى موريتانيا…
استغلّت الولايات المتحدة تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر 2001، لإقرار خطط جديدة للهيمنة على العالم، بذريعة “مكافحة الإرهاب”، وكانت فُرْصَة لاحتواء تمدّد الصين في إفريقيا، وفرصة لتعزيز العلاقات العسكرية الأمريكية مع دول المنطقة المحيطة بالصّحراء (المُسمّاة “السّاحل الإفريقي”)، بذريعة “مكافحة الإرهاب”، وشكّلت الإجتماعات العديدة، التي أشْرَفَ عليها الضّبّاط الأمريكيون، أهمها لقاء في مدينة “شتوتغارت” الألمانية (مقر القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا وإفريقيا) جَمَع مُمثّلين عن الدّول المُحيطة بالصحراء الكبرى، مُقدّمةً لإعلان برنمامج “أفريكوم”، الذي سبقته برامج أخرى، منها البرنامج “العابر لمنطقة “الساحل” (الصحراء) سنة 2002، ويتضمّن إنشاءَ قُوّة عسكرية بحوالي 150 جندي (في مرحلة أولى)، لتنتشر في كل من موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد، ثم انضَمَّ السينغال والمغرب والجزائر وتونس ونيجيريا وبوركينا فاصّو، سنة 2005، لهذا البرنامج، قبل أن يحل مَحلّهُ (بقرار أمريكي) برنامج “الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب والجريمة المُنَظّمة”، وفي سنة 2006، أعلنت وزارة الحرب الأمريكية رسميا عن برنامج “أفريكوم”، أو “القيادة العسكرية الأمريكية الموحّدة لإفريقيا” يرأسُها جنرال أمريكي مُتمرّس في فنون العدوان على الشعوب، والتي يُشرف ضُبّاطٌها على تنفيذ حوالي 350 نشاط سنويًّا في قارّة إفريقيا، كما تعدّدت المؤتمرات والمُناورات العسكرية، وزيارات الضّبّاط الأمريكيين للمغرب العربي ولإفريقيا، باسم “الحرب الوِقائِيّة، ومكافحة المنظمات الإرهابية” (بوكو حرام، والقاعدة في المغرب الإسلامي وأنصار الدين وغيرها)، وكان العدوان على ليبيا وحل أجهزة الدّولة والجيش، وتفتيت البلاد، فُرْصَةً لتعزيز الهيمنة العسكرية الأمريكية، في البحر الأبيض المتوسّط، وفي البُلدان المُجاورة للصّحراء الكبرى (التي تحتوي كميات كبيرة من المعادن كاليورانيوم والغاز)، وفُرصَة لنهب أسلحة ثكنات الجيش الليبي، وانتشار السّلاح، في شمال وغربي إفريقيا، ليُشكّل ذريعة أخرى لتكثيف حضور الجيش الأمريكي، وكُلّما زاد عدد التنظيمات والعمليات الإرهابية، زاد الحضور العسكري الأمريكي، وأصبح الجيش الأمريكي يمتلك قواعد جوية للطائرات المُسَيَّرَة آليًّا، في النيجر وبوركينا فاصو وتشاد، بالإضافة إلى القواعد في جنوب تونس وفي المغرب وموريتانيا وشمال مالي وغيرها…
بعد حوالي سبع سنوات من نجاحات وإخفاقات برنامج “أفريكوم”، أعلنت الولايات المتحدة زيادة استثمارات الشركات الأمريكية الخاصة، في مجالات مُحَدّدة (الطاقة والمَعادن، والنّقل والبُنْيَة التّحْتية…)، ولم تكن الإستثمارات أو المبادلات التّجارية سوى طُعْم أمريكي، لأن الرهان الأمني والعسكري، يبقى رئيسيًّا، هو الرهان الأمريكي الرئيسي في إفريقيا، كما في بعض المناطق الأخرى من العالم، وهو ما حدا ببعض النّواب والباحثين الأمريكيين للحديث عن “عَسْكَرة السياسة الخارجية الأمريكية”، وعسكرة علاقاتها مع العالم، وزيادة إنفاقها العسكري بشكل مستمر…
تُقدّرُ الميزانية المُعْلَنَة لوزارة الحرب الأمريكية بنحو 740 مليار دولارا (تُقدّر الميزانة السنوية للمغرب بأكثر قليلا من 100 مليار دولارا)، ولكن الميزانية الحقيقية تفوق تريليون دولارا، لأن بعض أبواب الميزانية تبقى سِرِّيّة، مثل عمل المخابرات العسكرية، وميزانية القُوات الخاصة، والعمليات الخاصة (الإنقلابات وعمليات التّخريب، وتمويل المجموعات الإرهابية…)، وذلك إضافةً إلى الإنفاق الخليجي، لتدريب وتسليح عناصر المجموعات الإرهابية، وبشأن إفريقيا، نشرت صحيفة “غارديان”، وصحيفة “ميل” تقريرًا مُشتركًا يُشير إلى إعلان نَشْر قوات “العمليات الخاصة”، بالجيش الأمريكي، في 22 دولة إفريقية، بشكل رسمي، سنة 2019، وهي الجزائر وبوتسوانا وبوركينا فاسو والكاميرون والرأس الأخضر وتشاد وساحل العاج وجيبوتي ومصر والحبشة وغانا وكينيا وليبيا ومدغشقر ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال والصومال وتنزانيا وتونس، ويمثل هذا الإنتشار المُعْلَن في إفريقيا، نحو 14% من النشاط الخارجي لقوات العمليات الخاصة الأمريكية (قوات الكوماندوس الأكثر تدريبًا في العالم)، وهي أعلى نسبة في أي منطقة في العالم باستثناء المشرق العربي، لكن المعلومات غير المنشورة تفيد أن القوات الأمريكية الخاصة تعمل سرا في نصف بلدان إفريقيا، بذريعة مكافحة تمدّد المصالح الصينية والرُّوسِيّة في إفريقيا، ومكافحة التمرد والإرهاب، وغير ذلك من الذّرائع، وتعمل هذه القوات الأمريكية بموافقة الحكومات التي تتكتّم عن الأمر، وتُخفي حضور الجيش الأمريكي عن مواطني هذه البلدان، وعندما تكشف وسائل الإعلام أو بعض المنظمات عن موقع تواجد هذه القوات الأمريكية، ومُهمّاتها، تُسارع الحكومات إلى تكذيب الخبر، جملةً وتفصيلاً، مثلما فعلت حكومة تونس مُؤَخّرًا، رغم تأكيدات وسائل الإعلام، ومراكز البحث الأمريكية وجود قاعدة واحدة على الأقل، وقواعد أخرى مُتنقلة، أو مُؤقتة…
بيّنت وثائق “أفريكوم” سنة 2019، وُجُود قواعدها ( 29 قاعدة عسكرية) في 15 دولة، وبالأخص في منطقة “الساحل”، أي قريبًا من دول المغرب العربي، وفي “القرن الأفريقي”، قريبًا من المشرق العربي، ومن إيران، وصرّح “دونالد بولدوك” الذي ترأس قيادة العمليات الخاصة في إفريقيا (SOCAFRICA) حتى العام 2017 (سنة تقاعده): “شاركت قوات العمليات الخاصة الأمريكية، سنة 2017، في القتال في 13 دولة أفريقية”، وواصلت القوات الخاصة نشاطها سنتَيْ 2018 و 2019، في ما لا يقل عن عشر دول: بوركينا فاسو والكاميرون وتشاد وكينيا وليبيا ومالي وموريتانيا والنيجر والصومال وتونس (نلاحظ أهمية تونس في النشاط العسكري الخارجي الأمريكي، منذ الإطاحة بالنظام في ليبيا، وخلال حكم الإخوان المسلمين في تونس)، وغالبًا ما تتعاقد الولايات المتحدة مع شركات أمريكية خاصّة لإمدادها بما تحتاجه، ولم تعترف حكومات الدّول المَذْكُورة بوجود هذه القواعد والأنشطة الحربية والإستخباراتية، فيما لا يتم إعلام المواطنين بما يحصل في بلادهم من تدريبات ومناورات عسكرية وتخطيط وتنفيذ العدوان على الجيران، ومن عمليات خطف واغتيالات وقصف لمُنشآت حَيَوِيّة، وما إلى ذلك، أما في الولايات المتحدة فإن بعض العمليات تتم بإقرار ميزانية سرّيّة (القِسْم 127)، وهي عبارة عن ترخيص قانوني لقوات العمليات الخاصة الأمريكية باستخدام الوحدات العسكرية المحلية ( في البلدان المُسْتَهْدَفَة، أو التي توجد بها القواعد الأمريكية) كوحدات بديلة في مهام “مكافحة الإرهاب”، بحسب “كين ماكغرو”، المتحدث باسم القُوات الخاصة، وجَنّدت، لهذا الغرض، مُرتزقة من الصومال والحبشة وكينيا وأوغندا، للقتال في الصومال وينفّذُ هؤلاء المرتزقة أكثر من 200 مُهمّة سنويا (لحساب قيادة العمليات الخاصة)، منذ 2015، من ضمنها بعض المهمات في اليمن، لدعم العدوان السعودي الإماراتي…
لا تكشف قيادة “أفريكوم” عن عدد ونوعية ما تسميها “المهام الاستشارية والمساعدة والدعم والمُرافقة”، بل تصفها بأنها ليست عمليات قتالية، وقُدّرت بنحو خمسين عملية سنويا في مختلف بلدان إفريقيا، وخاصة في 11 دولة مما تُسميه قيادة “أفريكوم” شمال غرب إفريقيا، أي الجزائر وبوركينا فاسو والكاميرون وتشاد ومالي وموريتانيا والمغرب والنيجر ونيجيريا والسنغال وتونس، حيث تُقدّم قوات العمليات الخاصة الأمريكية “المشورة والمساعدة والمرافقة لقوات شريكة محلية في مهام تستهدف الجماعات الإرهابية، بما في ذلك القاعدة والجماعات التابعة لها، بوكو حرام وداعش”، وفقاً لوثائق “أفريكوم” (نيسان/ابريل 2020)، وتقوم “أفريكوم” والقوات الخاصة بالجيش الأمريكي، بتنفيذ التدريب السنوي “فلينتلوك”، ويتعلق بالتدريب على”قيادة العمليات الخاصة، وتخطيط وتنفيذ مهام مكافحة الإرهاب”، بمشاركة بنين وبوركينا فاسو والكاميرون وتشاد والرأس الأخضر وساحل العاج وغانا وغينيا ومالي وموريتانيا والمغرب والنيجر ونيجيريا والسينغال وتوغو…
نشرت منظمات مثل العفو الدّولية وهيومن رايتس ووتش وثائق عن تورط قيادات “أفريكوم”، و قيادة “العمليات الخاصة المشتركة”، وبعض الفِرق السّرّيّة الأمريكية الأخرى، في انتهاكات حقوق الإنسان، عند تنفيذ الغارات الجوية، وقتْل المَدَنِيِّين، أو بسبب أخطاء معلومات المُراقبة والإستخبارات (التّجسّس)، في مناطق الحرب (مالي والصومال ) أو في مناطق بعيدة عن الحرب، ومنها “بوستوانا”، حيث أَجْرت الوحدات الخاصة الأمريكية، في حزيران/يونيو 2019، تدريبات ( Upward Minuteman )، لمدّة ثلاثة أسابيع، و”بوركينا فاسو”، حيث دربت وحدات العمليات الخاصة الأمريكية قوات الأمن في بوركينا فاسو على مكافحة عمليات مكافحة الإرهاب، وحصلت انتهاكات و”أضْرار جانبية” (أي أضرار يعتبرها الجيش الأمريكي غير هامّة)، ومن بين هذه الحوادث والإنتهاكات، تورط جنود من “بوركينا فاسو” في مذابح في بلدة “جيبو” (شمال البلاد)، وأعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “نشعر بقلق عميق إزاء العدد المتزايد من مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن الأمريكية في الساحل الإفريقي، لكن ليس لدينا أي معلومات عن تَوَرّط أفراد أو وحدات أمريكية في أي من الانتهاكات المبلغ عنها “. لكن مديرة “الأزمات الدولية”، وهي ( كما العفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش) منظمة لا يمكن اتهامها بمعاداة الحكومة الأمريكية، أن حَجْم ومهمات ونشاطات القوات الخاصة، والوحدات الأخرى للجيش الأمريكي بإفريقيا تفتقر إلى الوضوح والشفافية، بالإضافة إلى التّورّط المُتكرّر في عمليات قتل المَدَنيّين…
خاتمة:
تمتلك قارة إفريقيا حجمًا كبيرًا من الثروات الطبيعية، ومساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، ومن المياه ومن الغابات، لكن القارة مُصابة بعدد من الأمراض، ومن بينها تهريب الأموال إلى الخارج، إذ تقدر النسبة المائوية من الثروات التي يُهرّبها الأثرياء من أوروبا بنحو10% من إجمالي ثروة أوروبا، فيما ترتفع النسبة إلى 30% من ثروة إفريقيا، ما جعل الدّول الإفريقية تفقد أكثر من تريليون دولارا من ثرواتها، خلال ثلاثة عُقُود، ووقع تهريب هذه الثروات إلى مصارف الدول الإمبريالية، وإلى الملاذات الضريبية، وهي مَحْمِيّات أوروبية وأمريكية، وهذا أحد أسباب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في إفريقيا الغنية بالموارد، وبعض المعادن النادرة، أو النفيسة، وأروردت وكالة “بلومبرغ” (05 أيلول/سبتمبر 2019) أن قارة إفريقيا تُنتج نحو 50% من حجم الماس العالمي، وتمتلك 95% من الإحتياطي العالمي، وتُنتج 70% من الذهب، و33% من النحاس، و76% من الكوبالت، وتنتج نحو 75% من معدن البلاتين، وتمتلك 90% من الإحتياطي العالمي، وتنتج حوالي 20% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، وبها ثلث الإحتياطي العالمي، واليورانيوم معدن ضروري للصناعات النووية، وتعتبر النيجر من كبار المنتجين (تستغله فرنسا)، لكن البلاد وشعبها من أفقر بلدان وشعوب إفريقيا، وتبلغ الاحتياطات النفطية لإفريقيا، نحو 10% من الاحتياطي العالمي، خصوصًا في نيجيريا وليبيا والغابون وغينيا الاستوائية، وقدر احتياطي نفط إفريقيا بنحو 124 مليار برميل (بيانات سنة 2017)، أو ما يُعادل 12% من إجمالي الإحتياطي العالمي، بالإضافة إلى حوالي مائة مليار برميل في المياه البحرية الإقليمية، وكميات هامة من الغاز الطبيعي، وقع اكتشافها خلال السنوات الأخيرة بشواطئ شرق إفريقيا، كما تتميز إفريقيا بمناخ متنوع وبوفَرَة المياه، ما ساعد على ممارسة النّشاط الزراعي، وتنتج إفريقيا أخشابًا عالية الجودة، بفضل كثرة الغابات، في وسط إفريقيا (الكامرون جمهورية إفريقيا الوُسْطى وغينيا الإستوائية، والغابون والكونغو…)، ونظرًا لطول الحدود البحرية، وكثرة الأنهار والبُحَيْرات، يُساهم قطاع صَيْد السّمك بتوفير الدّخل لما لا يقل عن عشرة ملايين مواطن إفريقي، وتُصدر القارة أسماكًا بقيمة ثلاثة مليارات دولارا سنويًّا، في المتوسّط، خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين…
رغم هذه الثروات، تفتقر معظم دول إفريقيا إلى البنية التّحتية، وإلى المستشفيات، وغير ذلك، وتُقدّر احتياجاتها بنحو 100 مليار دولار سنوياً في البنى التحتية.، ويعيش نصف فقراء العالم في إفريقيا، ويُعاني ثلث سكان إفريقيا من الجوع، بحسب البنك العالمي (2019)، وتفتقر قطاعات كبيرة من السكان لمياه الشُّرْب، ويموت نحو خمسمائة ألف طفل سنويا (دون سن الخامسة)، بسبب نقص وسوء التغذية، فيما أكدت منظمة “أوكسفام” على عدم المساواة في توزيع الدخل والموارد، وعلى انخفاض مستويات المعيشة، في أغلب مناطق القارة الإفريقية، ما يمثل عقبة كبيرة في تخفيض معدلات الفقر، بسبب انتشار الفساد، والحُروب، التي تُمَوّلُها الشركات الأجنبية المُسَيْطِرَة على المناجم والثروات الطبيعية للقارة…
إن ما يُمكن استنتاجه من هذه الأرقام، يدل على تبايُنٍ واضح بين توفّر الثروات، وفَقْر المواطنين، لأن الشركات الأجنبية تستغل ثروات إفريقيا، بدعم من الدّول الإمبريالية التي نَصّبت ودعمت حُكّامًا عُملاء وفاسدين، وأنشأت طبقة برجوازية طُفَيْلِيّة مُرتبطة بالإمبريالية وبشركاتها، لتلعب دور الوكيل لمصالح شركات النفط والمعادن والأخشاب، وشركات الشّحن واستغلال الموانئ، وغيرها…
أما الحُلُول فهي مُشتركة بين كافة البلدان الواقعة تحت الهيمنة (بُلدان “المُحيط”، أو “الأطراف”)، وتتمثل في سيطرة المجتمعات المحلية والعاملين على موارد البُلدان، وتأميمها، وتطوير استغلال الموارد، من أجل تحقيق التنمية الشاملة، بحماية العاملين والكادحين والفُقراء، وتكامل اقتصاد الدّول المتجاورة، عبر تكثيف التجارة البَيْنِيّة، وتطزير البُنْيَة التحتية لربط البُلدان بالطرقات وسكك الحديد، وتكثيف التعاون مع بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية، كبديل عن هيمنة الشركات العابرة للقارات، وعن هيمنة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي…
إن ما ينطبق على إفريقيا، ينطبق على الوطن العربي، الغني بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز، والواقع تحت هيمنة الإمبريالية وعملائها، بالإضافة إلى الوضع الخاص لشعب فلسطين، حيث يتم تحرير فلسطين، من الإحتلال الصهيوني، بالتوازي مع تطهير الوطن العربي من الهيمنة الإمبريالية وعملائها، من الحُكّام الذي يَعْسُرُ وصْفُهُم بالعرب، فهم صهاينة، وعرب أمريكا…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.