نشرت وكالة “قدس برس” خَبَرَيْن يتعلّقان بالتناقض بين مواقف وممارسات الأنظمة العربية والتطبيع الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني، وموقف الشعوب الرافض لهذا الإتّجاه.
في المغرب، يتحكم القَصْر المَلَكِي في دواليب الدّولة والسياسات الدّاخلية والخارجية، لكن الحُكومة تُدير الشّؤون اليومية، بمساعدة برلمان يُناقش ويُصوت، وهي حكومة إخوانية (العدالة والتنمية)، منذ 2011، ساءت في ظلِّها الأحوال المعيشية لأغلبية الشعب، ونَمت ثروات الأغنياء، وتعمّق اتجاه التبعية، والتّطبيع مع الكيان الصهيوني، كبند من فُصُول التّبَعِيّة، والولاء للإمبريالية…
أوردت “قدس برس” بهذا الشأن (يوم 11 تشرين الأول/اكتوبر 2020) خبر تكثيف التّعاون “الأمْنِي” بين حكومة المغرب (الإخوانية) والكيان الصهيوني، وإقامة ضُبّط شرطة من المغرب، بفلسطين المحتلة لفترة أسبوع، وإجراء لقاءات ومُحادثات مع الضُّبّاط الصهاينة، وفق القناة 12 التلفزيونية الصهيونية.
أشارت الوكالة إلى رفض الأحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية المغربية للتطبيع مع دولة الاحتلال
احتوى الخبر الثاني على نتائج مسح صهيوني، نشرته صحيفة “معاريف”، عن وزارة صهيونية، يوم الأحد 11 تشرين الأول/اكتوبر 2020، يُشير أن 90% من منشورات الشبكات الاجتماعية العربية (بين منتصف آب/أغسطس ومنتصف أيلول/سبتمبر 2020) تعارض اتفاقيات “التطبيع” التي وقعتها دُويلات الخليج (الإمارات والبحرين) مع العدو الصهيوني، وأن 50% من المنشورات وصفت التطبيع بالخيانة، وطالب 27% من المنشورات بتجريم توقيع اتفاقيات مع دولة الاحتلال، كما تضمن المسح إحصائية لعدد المنشورات التي تضمنت هاشتاغ “التطبيع خيانة” و”بحرينيون ضد التطبيع” وقد وصلت إلى 100 مليون منشور، وهو ما يؤكد الرفض الشعب العربية لمختلف أشكال التطبيع.
تتجه حكومة العدو الصهيوني نحو تنفيذ حملة إعلامية مضادة على شبكات التواصل “الاجتماعي”، تستهدف الشعوب العربية، والتّأثير في الوعْي الجَمْعي، لمحاربة حركة المقاطعة، ولتحسين صورة دولة الاحتلال في العالم والترويج للرواية الصهيونية…
دور المُنظمات غير الحكومية:
قبل انتشار موضة شبكات التواصل “الإجتماعي”، وهو تواصل “افتراضي”، لكنه شديد التأثير في الوعي، خاصة لدى الشّبّان الذين لم يكتمل تشكيل وَعْيِهِم بَعْدُ، كانت المنظمات “غير الحكومية” (ولا تزال) تلعب دورًا هامّا في تخريب وعي الشباب العربي، كَمُكمِّل أو مُساعد لدور الإمبريالية العسكري والإقتصادي، فهو يُخرّب الوعي الوطني والإجتماعي والطّبقي والثقافي، تحت مظلة “قُبُول الآخر، المُخْتَلِف”، و”التّسامح”، وتناسي ما يحدق في أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية من استغلال وقمع وعُنصرية، إذ تُنَكِّل كافة حكومات الإتحاد الأوروبي، وأجهزتها القَمْعية الأمنية والقضائية والإعلامية، بالمواطنين من أُصُول غير أوروبية، أما عن المهاجرين فحدّث ولا حرج، بالإضافة إلى الحَمَلات المُتتالية ضد من يُفْترض أنهم مُسلمون، وضد أبناء أو أحفاد المُسْتَعْمَرِين من المغرب العربي وإفريقيا، وشبه القارة الهندية (في بريطانيا خُصُوصًا)…
بعد الإنتفاضة الفلسطينية، كما بعد احتلال العراق (وكذلك أفغانستان وغيرها)، انتشرت المُنظّمات “غير الحكومية”، التي تُمَوِّلُها أمريكا الشمالية والإتحاد الأوروبي، بهدف تقسيم الشعوب الواقعة تحت الإحتلال (أو الإضطهاد والإستغلال) إلى فئات أخرى (ذكور وإناث، أطفال وبالغين، لوطِيِّين أو مُثُلِيِّين، مقابل بقية المواطنين…)، في محاولة لتغييب القضايا الوطنية والطّبقية، وتقويض أُسُس المُواطنة، بمفهوم الإنتماء للوطن، والدّفاع عنه، والإنتماء لطبقة أو لفئة تُقاوم الإستغلال والإضطهاد والظُّلْم، وتقتضي المُواطنة مُساواة الجميع في الحقوق والواجبات، والدّفاع عن المُكتسبات (كالإستقلال) ومُقاومة الإحتلال والهيمنة العسكرية أو الإقتصادية أو الثقافية…
بشأن قضية فلسطين، تعمل المنظمات “غير الحكومية” المُمَوَّلَة أمريكيًّا وأُورُوبِّيًّا، من وراء شعارات “قُبُول الآخر” و “التّسامح”، على “التّعايش” مع الإحتلال، وقُبُول نتائجه (التّهْجِير والتّشْرِيد واللُّجُوء…)، ويعتبر الإعلام الإمبريالي رفض الإحتلال والإستعمار والهيمنة والإستغلال “تَصَرُّفًا عُدْوانِيًّا”، و”رَفْضًا للحوار الديمقراطي المُتحضِّر”، فهل نُجابه الطائرات العسكرية والصواريخ والدّبّابات بالحوار السّلمي؟ أما الحكومات الأوروبية والأمريكية فتُجرِّمُ مُجرّدَ الدّعوة (السّلمية والحضارية) لمقاطعة الكيان الصهيوني، اقتصاديًّا وثقافيا وعلميا، وتعتبر ذلك عَمَلاً “عُنْصُرِيًّا”، و”مُعاديًا للسامية”، ويشهد التاريخ أن العنصرية (كإيديولوجيا أو عقيدة) وكذلك “مُعاداة السامية” هي إنتاج وممارسات أوروبية قَحّة، خالصة، لا يشُوبها كَدَرٌ، وتَمّ تصديرها إلى أمريكا، حيث انتشرت المَجازر والإبادة ضدّ السّكّان الأصليين، واستعباد الملايين من سُكّان إفريقيا…
تُمثّل الإيديولوجيا التي تُرَوّجُها المنظمات المُمَوّلة من الإمبريالية، عبر مراكز البحث، وعبر الجوائز والرحلات والمِنح الدّراسية (القليلة)، والمشاريع والقُروض الصغيرة، والتقارير عن المجتمعات المحلية، بالتوازي مع الحملات الإعلامية (الغربية)، “دودًا” أو “سُوسًا” ينخر ثمار الوَعْي الوطني والطّبَقِي والإجتماعي، في مجتمعات فقيرة، أو واقعة تحت الإحتلال والإضطهاد…
أنفقت دُوَيْلات الخليج مليارات الدّولارات من أجل تلميع صورة حُكّامها، فلم تُفْلِح لأن الإمبريالية والإستعمار وكذلك رأس المال، لا يحترم عُملاءه، بل يذلُّهُم ويبْتَزُّهُم، بالمُقابل، تسمح الشركات المالكة لأدوات التواصل المُسمّى “اجتماعي” للكيان الصهيوني بإزالة (حَذْف) أي مُحتوى مُقاوم ومناهض للإستعمار والهيمنة، بل تدعمه لبث الدّعايات الكاذبة، وقدّرت مصادر إعلام أجهزة الدّولة الصّهيونية أنها تمكّنت، عبر وسائل التواصل علىىالشبكة الإلكترونية، من ربط صلات وثيقة ومُستمرة مع قرابة مليونَيْن من شباب البلدان العربية، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 22 سنة، وتمكّنت من اختراق وعيهم وتشويه سُمْعة المُقاومة ضد الإحتلال الإستيطاني، كخطوة أولى نحو قُبُول التّطبيع الرّسمي (تطبيع الأنظمة)، السياسي والإقتصادي والسياحي، يلِيه التّطبيع الشّعبي، الثقافي والرياضي…
لهؤلاء المخدُوعين بدعوات “التّسامح” و”قبول الآخر”، نطرح سؤالاً: لماذا يوجد لاجئون فلسطينيون في بلدان الجوار، ومن أين جاؤوا؟ ما مصيرهم؟
من الذي ارتكب المجازر وعمليات الإبادة في أمريكا الشمالية والجنوبية، وفي استراليا ونيوزيلندا، وفي كافة البلدان التي وقع استعمارُها واضطهاد شُعُوبها؟
من اضطهد اليهود الأوروبيين؟ أهم العرب الفلسطينيون أم أنظمة الحُكْم الأوروبية التي احتلت الوطن العربي وقسّمته ومنحت أجزاء منه إلى إيران (الأحواز) وإلى تركيا (إسكندرون) وللصهاينة الأوروبيين الذي احتلوا فلسطين وشرّدُوا شعبها؟
من يُفرّط في وطنه، أو يقبل باقتسامه مع الإحتلال، لا يستحق صفة المُواطَنة.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.