كيف السبيل لمقاومة الغثيان في مواجهة لزوجة هؤلاء السياسيين الذين، مع كل هجومٍ على الأراضي الفرنسيّة، ينشرون الإدانات الغاضبة للعنف الإرهابيّ الذي أشعلوه وأشادوا به في أماكن أخرى؟ سوف نتذكّر أنّه منذ وقتٍ ليس ببعيد، نشرت دوائر الإعلام الغربية جدليّتها الزائفة لجعل الفرع السوريّ من تنظيم القاعدة منظّمةً قتاليّة محترمة. لقد قالوا لنا إنّ “جبهة النصرة”، كما أسمت نفسها، سوف تصبح “طبيعية” في نهاية المطاف. وجزم فرانسوا بورغا على قناةٍ تلفزيونية عامّة أنّه سيكون من الضروري التفاوض مع هذه المنظمة التي تمّ البتّ في أمرها بأن تكون جزءًا من “مستقبل سوريا”.
ماذا عن انتمائها المعلن إلى القاعدة، وأيديولوجيّتها البغيضة والطائفيّة، وممارساتها المتكرّرة للتفجيرات العشوائية التي تصيب المدنيين، ونظام الإرهاب الظلاميّ الذي نشرته مثل الطاعون في كلّ مكان أتيحت الفرصة لقاطعي الرؤوس المنتمين لها أن يسودوا؟ إنّها هفوات. نوع من التحوّر الجينيّ كان الهدف منه منح التنظيم الجهاديّ المنافس لـ”داعش” براءة اختراع حقيقيّة في الاحترام، مقابل خدماته المقدّمة ضدّ دمشق. هكذا صنعت الدبلوماسية الغربية المعجزات. حيث أخرجت من قبّعة الساحر إرهابيين معتدلين، ومتطرّفين ديمقراطيين، وقاطعي رؤوس إنسانيّين، وآكلي أكباد فاعلين للخير.
لقد حدثت عمليّة تبييض فرع تنظيم القاعدة السوريّ في وقتٍ كان هذا التنظيم يرسّخ هيمنته السياسيّة والعسكريّة في شمال سوريا. ولأنه كان من المقُدّر له أن يلعب دورًا رئيسيًّا في أعقاب الانهيار المتوقّع للدولة السوريّة، أكسبه هذا النجاح تأييد القوى الغربية والإقليمية العازمة على إسقاط آخر دولةٍ علمانيّة وتقدّميّة في الشرق الأوسط. دون أدنى اهتمام بالتكلفة البشريّة والثمن السياسيّ لهذه الموافقة المبكرة على إقامة سلطةٍ طائفيّة ومافيويّة في سوريا. كان يُقال إنّ سقوط بشار الأسد لعبة تستحقّ العناء.
أُعيد تجميلُ وجه الإرهاب لتلبية احتياجات القضيّة التي قَدّمتْ- ولا تزال تقدّم- خدماتٍ غير متوقّعة للتحالف الواسع ضدّ سوريا ذات السيادة. إنّ تواطؤ الدول الغربيّة والأنظمة المَلَكيّة النفطيّة مع ذُرّيّة القاعدة النجسة يشير إلى إعادة إدراجٍ متزامنة لرمزَي الإرهاب التكفيريّ في جدول الأعمال الاستراتيجيّ الغربيّ. لقد كان تدمير الدولة السورية، وهو الهدف الأول لمحور واشنطن- الرياض- باريس- لندن- أنقرة- الدوحة، المدعوم من تلّ أبيب وراء الكواليس، الغاية التي برّرت كلّ الوسائل، كما كان من الواضح أنّ احتمال تأسيس إمارةٍ متطرّفة جزء من الخطّة.
من أجل إنجاح الخطّة، اتّحدت القوى الأجنبية ضدّ آخر نظامٍ قوميّ عربيّ وتقاسمت الأدوار بكلّ حقارة. وهكذا أمكنَ لقَتَلة القاعدة خلال قتالهم القاسي دون رحمةٍ ضدّ سوريا الاعتماد على أصدقائهم الأعزّاء: فقد سلّمتهم تركيا السلاح، وعالجت “إسرائيل” جرحاهم، ودفعت لهم قطر الشيكات في نهاية الشهر، وصحيفة “لوموند” اعتبرتهم أطفالاً في جوقةٍ كَنَسيّة. من يتذكّر أنّه في عام 2014 ، عندما استولت “جبهة النصرة” على قرية معلولا المسيحيّة، تجرّأت هذه الصحيفة اليوميّة على نفي قتل المتطرّفين لأيّ مدنيّ، في الوقت الذي كان يمكن أن نرى على البي بي سي الجنازات الدينيّة لضحايا هذا العدوان؟
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.