عادل سمارة

(1) خدمة التطبيع في “نقد” التطبيع

(2) تعريف التطبيع الأكثر بلاغة

● ● ●

(1)

خدمة التطبيع في “نقد” التطبيع

يخالُ المرء بأن فهم والموقف من التطبيع مثابة هزات جيولوجية في منطقة لم تستقر جيولوجيا وخاصة حين يتركز “تحليل” الأخِفَّاء-من خفيف-  على نقد داخلي في الكيان لسلوك رئيس وزراء الكيان من طراز  أن نتنياهو كسر الخطوط الحمر داخل سلطة الكيان حيث أخفى غزوته للنظام السعودي عن كل المستويات السياسية والعسكرية والاستخباراتية ليعلنها بعد حصولها.

إن هؤلاء كمن يتدفأ على الثلج.

فالنقد الداخلي في الكيان ضد نتنياهو متعلق باحتقاره لمنافسيه وحتى لقيادات في السلطة هناك والاستهانة بهم حيث لم يعلمهم بذهابه إلى الرياض.

لقد شعرت معظم قيادات الكيان الأمنية والسياسية بالإهانة لأن نتنياهو أعلن، بعد غزوته،  تفصيلا عن  تلك الغزوة  “الممتعة” إلى ديار الرياض وهو أمر ينسجم مع طريقته الهوليودية في الاستعراض.

ولو لم يعلن لما قلق هؤلاء كثيرا بل لشعروا بأن الصهيونية لبت دعوة سلطة تطبيعية عربية.

اللافت في تحليلات الأخِفَّاء بأن هدفهم هو تحطيم صورة نتنياهو والحلم بأن يخسر موقعه السياسي وربما يذهب إلى السجن. وهذا في الحقيقة أمر  او سلوك تطبيعي بامتياز بل وموصوف ايضا جوهره كأن الصراع مع شخص نتنياهو وبأن سقوطه سوف يجلب حق العودة للشعب المشرد! تماما كما ثرثر هؤلاء عن رغبتهم بفشل ترامب.

هذه المبالغة في تقليص اسهم نتنياهو تبين درجة هبوط موقف هؤلاء من الصراع وتضليل الوعي الجمعي العربي عن حقيقة أن الكيان لا يفرز سوى نتنيوهات أخرى ، اقل أو أكثر عدوانية، لا فرق. وبالتالي فإن إشغال الناس في هذه المسألة هو خدمة للتطبيع، هو تطبيع فعلي.

يكمن وراء هذا الإشغال عدم تحريض المجتمع العربي بشكل ثوري حقيقي ضد الحكام العرب المطبعين، لأن الرد على التطبيع هو التثوير وليس التشاغل المكياجي بأن سلوك نتنياهو كان مخلا بقوانين الكيان وبنية  مراتب السلطة فيه.

فسلوك نتنياهو مع المطبعين العرب هو استعلائي احتقاري إذلالي عبر الشاشات. وفي حين ان الكيانات النفطية الصغيرة لم تنكر التطبيع بل واحتفلت به  الإمارات والبحرين، ناهيك عن 30 سنة من تطبيع قطر على نار هادئة، فإن سلطة آل سعود التزمت الخرسْ، وهذا الصمت هو اشد وضاعة من احتفال الكيانات الصغيرة لأنه مثابة دفن الكرامة/النعامة  راسها في الرمال بينما يرى الناس ذنب النعامة رغم أكوام الرمال.

لذا،  المهم في التحليل والإعلام هو التحريض ضد المطبعين وليس التمتع بكشف نتنياهو والبحث عن جزئيات صغيرة لتكويمها مع غيرها لنقده.

سلوك نتنياهو هو استخدام الكيان للحكام العرب المطبعين منهم كرجحة صغيرة في كفَّته من الميزان  في منافسات داخلية بين القوى السياسية في الكيان. والحقيقة، أن هذا هو جوهر معادلة العلاقة بين الطرفين:

·       سيد صهيوني يمتطي الحصان

·       وتوابع عربا يسيرون خلفه يتسابقون على حمل الروث المقدس للحصان كي لا يضيع على الأرض.

لكن، ماذا بعد هذا؟

بعد هذا يكون الحقد النفسي على الشعب وتفريغ ذل الإهانة على يد الصهيوني والأمريكي في الناس.

هذا ما تتهرب منه الفضائيات والمحللين والقيادات…الخ.

لذا، ترتعب هذه الأنظمة من أية معارضة من أي نوع، وتردُّ على ذلك بأفحش أساليب القمع. ولعل واقعة طريقة قتل خاشقجي هي المثال الأوضح. فهي انتقام مريض من سلطة او شخص يختزن الكثير من الإهانة والذل والتذلل للسيد الأمريكي والصهيوني، خاصة وأنه يعرف أن الناس تعرف مذلته وذله،  فكان لا بد من تعويض ذلك بالتوحش على من هو أضعف منه.

قد يعتقد البعض أن السبب في هذا التوحش هو فقط إخافة الشعب، وهذا جزء من الأمر لكن الأمر الأخطر أن هذا الانتقام المتوحش هو حراك في لا وعي القاتل اساسه تفريغ الذل ولو من أجل التفريغ. إنه بحث المهزوم عن انتصار ما على من هو أضعف منه أيَّاً كان وخاصة من هو تحت سلطته التابعة والقمعية معاً، ذلك أنه لا يفكر أبدا أن يُطال سيده، بل هو إن فكَّر بالرد على سيده يكون قد برُىء واستقام..

ولا ينحصر سلوك حكام السعودية فيهم وحدهم  بل هو سلوك مختلف أنظمة التطبيع بدءا من راس اي نظام وصولا إلى الجندي او رجل المخابرات الذي يفتك بالمتظاهر أو المحتج دافعا بكمِّ هائل من الحقد  يفوق  أثر الاحتجاح بآلاف المرات ذلك لأنه لشدة مرضه النفسي والتربوي يشعر بأن بوسعه الإجهاز على من لا سلاحا مماثلا لديه.

(2)

تعريف التطبيع الأكثر بلاغة

معذرة:

سألني فلاح ثمانيني: شو يعني تطبيع بين اليهود والعرب. قربت له التعريف قدر الإمكان. فقال: يعني العرب اللي بطبعوا وهم بعاد عن اليهود مش محتاجين تطبيع. قلت: لا مش محتاجين. قال: واليهود مش محتاجين هالاشكال. ههههه قلت صحيح مش محتاجين. بعد شوي ضحك الختيار وقال: والله اليهود شاطرين. قلت كيف يعني شو قصدك. قال: يا عمي لو انت ماشي في جبل وعر “صخور” ووجدت دابة بتمشي جنبها او بتركبها. ضحكت حتى نسيت الموقف. قلت والله هذا أبلغ تعريف للتطبيع مما كتبت الحركة الوطنية المصرية وما كتبت انا وكتب الرفيق الراحل جمال فراج.

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.