“كنعان” تتابع نشر كتاب: “التعاونيات/الحماية الشعبية: إصلاح أم تقويض للرأسمالية”

تأليف د. عادل سمارة، (الحلقة 9)

الهند:

طبقاً لما يتردد في الإعلام والأكاديميا بأن الهند اكبر دولة ديمقراطية في العالم، من المفترض أن يضمن الدستور الهندي الأمن والحقوق الكافية لجميع مواطني البلاد. غير أن إنشاء قانون مدني هندوسي موحد هو هدف النخبة السوبر البراهمية التي تسيطر حاليا على الهند. إن تأثير هذه النخبة وهي بنسبة 5٪ منتشر في مجالات الدفاع والإعلام والقضاء والقطاعات الحكومية الرئيسية ، إلخ. وهذا يدل على أن “الديمقراطية” لا تشكل حلاً للمسألة الأعمق وهي المسألة الاقتصادية.

إتجه النظام الاقتصادي الهندي تدريجياً أكثر نحو الرأسمالية منذ عام 1991 ، ووصل إلى حالة الرأسمالية الجديدة المتطرفة النيولبرالية. لذا، يتزايد إهلاك الفئات المهمشة ، مما يساهم في نمو وقوة حزب نكسلباري الماركسي –اللينيني  الماوي في الولايات الشمالية الشرقية والولايات الوسطى حيث حرر منطقة مهمة داخل الهند. كما تشكل مجموعات الثوار هذه تحديًا لأمن الهند الداخلي في مناطق الغابات القبلية.

وبالمقابل، طبقا لمعلومات جوجل/ويكيبيديا هناك صورة وردية عن وضع الفلاحين في الهند واعتناء الدولة بهم ودعم الدولة لحركة تعاونية تبدو وكأنها خلقت جنة للفلاحين.

“…  فإن الهند مجتمع زراعي ونصف سكانها يقيمون في القرى. وقد تنامى دور  المنظمات التعاونية في المناطق الريفية بعد الاستقلال ليشمل التنمية الاجتماعية – الاقتصادية والقضاء على الفقر في المناطق الريفية من الهند. وأصبحت التعاونيات  جزءا لا يتجزأ من الخطة الخمسية وجزءا أساسيا من اقتصاد الهند.

 وتنفق الحكومة كل عام نفقات كبيرة على التنمية الريفية. ولكن التعاونيات العاملة في المناطق الريفية تلعب دورا جديرا بالذكر في هذا المجال. وتغطي التعاونيات أكثر من 97٪ من القرى الهندية وتشارك ائتمانا كبيرا في نمو القطاع الريفي، مما يسهم في الاقتصاد العام للهند. القطاع الريفي هو المساهم الرئيسي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وبالتالي نقص التنمية في القرى يعني نقص التنمية في الهند… نشطت التعاونيات في منتجات الألبان  بدرجات متفاوتة من النجاح على مدار أكثر من خمسة عقود في جميع أنحاء البلاد ، مما جعلها أكبر صناعة تعتمد على الذات في الهند وأكبر مزوِّد للعمالة في المناطق الريفية ، مع ما يصاحب ذلك من صناعة الهند أكبر منتج للحليب في العالم كذلك”.

لكن عبارة أكبر أو اصغر منتج لمنتج معين في العالم لا تعطي حقيقة الأشياء. فالهند كبلد يزيد عدد سكانها على ألف مليون نسمة، يمكن ان تكون اكبر منتج للحليب إذا ما توجه اي عدد من سكانها إلى ذلك المنتج، بمعنى ان العبرة ليست في الكمية التراكمية لمنتَج معين، بل إنتاجية الوحدة الواحدة مقارنة بوحدة مناظرة في بلد آخر، اي مثلاً، إنتاج بقرة من الحليب في عمرها الإنتاجي بين بلد وآخر.

“… يكثر عدد صغار المنتجين الصغار الهامشيين بمعنى ملكية مزارعين هامشيين صغار مع زوجين من رؤوس الماشية يصطفون مرتين يومياً لتصب الحليب من حاوياتهم الصغيرة في نقاط تجميع فروع الاتحاد في القرى ،ومن ثم يقوم اتحاد الدولة التعاوني بالتسويق في معاملات اتحادات المقاطعات على المستوى الوطني كعلامة تجارية واحدة وهي اليوم أكبر علامة تجارية للغذاء في الهند ، حيث يأتي ثلاثة أرباع السعر الذي يدفعه المستهلكون من المدن الكبرى وما إلى ذلك. ملايين من صغار مزارعي الألبان الصغار… يتم إنتاج السكر من قصب السكر في الغالب في مصانع تقطيع قصب السكر التعاونية التي يمتلكها المزارعون المحليون. المساهمون هم جميع المزارعين الصغار والكبار ، الذين يوردون قصب السكر إلى المطحنة. على مدى السنوات الستين الماضية ، لعبت مصانع السكر المحلية دورا حاسما في تشجيع المشاركة السياسية الريفية وكخطوة للسياسيين الطموحين. وهذا صحيح بشكل خاص في ولاية ماهاراشترا حيث كان عدد كبير من السياسيين المنتمين إلى حزب المؤتمر أو حزب المؤتمر الوطني على صلة بتعاونيات السكر من مناطقهم المحلية. لسوء الحظ ، فإن سوء الإدارة والتلاعب بالمبادئ التعاونية جعل عددا من هذه العمليات غير فعال”

“… وفقا لقانون الجمعيات التعاونية الهندي ، 1912 ، “إن هدف الجمعية التعاونية هو تعزيز المصالح الاقتصادية لأعضائها وفقا للمبادئ التعاونية“.

نما دور الجمعيات التعاونية بعد الاستقلال لتشمل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والقضاء على الفقر في المناطق الريفية في الهند. وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الخطة الخمسية وجزءا أساسيا من اقتصادنا. تنفق الحكومة سنويا على التنمية الريفية. كما تلعب  التعاونيات العاملة في المناطق الريفية دورًا جديرًا بالملاحظة في هذا الأمر. تغطي التعاونيات أكثر من 97٪ من القرى الهندية وتشترك في رصيد كبير في نمو القطاع الريفي ، مما يساهم في الاقتصاد الكلي للهند.  واﻟﻘطﺎع اﻟرﯾﻔﻲ ھو اﻟﻣﺳﺎھم اﻟرﺋﯾﺳﻲ ﻓﻲ إﺟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻧﺎﺗﺞ اﻟﻣﺣﻟﻲ اﻹﺟﻣﺎﻟﻲ ﻟﻸﻣﺔ ، وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﺈن ﻧﻘص اﻟﺗﻧﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرى ﯾﻌﻧﻲ اﻧﻌدام اﻟﺗﻧﻣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﮭﻧد. الهند هي مجتمع زراعي ويقيم نصف سكانها في القرى. .. أهداف المنظمات التعاونية الريفية إخراج المزارعين الفقراء والمدينين من براثن الفقر والخروج من براثن مقرضي المال لتوفير أسمدة عالية الجودة ، وبذور ، ومبيدات حشرية ، ومبيدات آفات وما إلى ذلك ، بسعر معقول للمزارعين ، يحصل المزارعون أيضاً على تسهيلات للتسويق والتخزين. ودعم النقل يساعد في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق الريفية في بلدنا ويوفر الائتمان الزراعي لتحسين مستويات المعيشة والحفاظ على العدالة”

من المهم التنبه إلى عبارة اجتثاث او محاربة الفقر، فهي شعار جميل، لكنه تطميني أكثر مما هو عملي. فالفقر ظاهرة مرتبطة بالضرورة بالنظام الراسمالي، وإن كانت نسبيا أقل استشراء واستعصاء في المحيط عما هي في المركز.

“… ﮐذﻟك ﺗم ﺗدرﯾس دورات ﺗوﺟﯾﮭﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﮐﺗﺎﺑﺔ واﻟطﮭﻲ واﻟﺧﯾﺎطﺔ واﻟﺣﯾﺎكة وﺗﺻﻧﯾﻊ اﻟﻟﻌب ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯽ اﻟدورات اﻷﺧرى ﻣﺛل رﻓﺎهﯾﺔ اﻟطﻔل واﻹﺳﻌﺎﻓﺎت اﻷوﻟﯾﺔ واﻟﻧظﺎﻓﺔ اﻟﺻﺣﯾﺔ. وﺗُﺑذل ﺟﮭودًا ﻟﺗﻌزﯾز ﻣﺣو اﻷﻣﯾﺔ وﺗﻌﻟﯾم اﻟﮐﻣﺑﯾوﺗر إﻟﯽ اﻷﻋﺿﺎء مما يوفر فرص عمل لحوالي 42000 شخص.  والهدف: تمكين المرأة”

إن شعار تمكين المرأة هو شعار إصلاحي من جهة ومخادع من جهة ثانية. حق المرأة هو التحرر، اي اعلى من التمكين والمساواة اللتين فيما لو حصلت عليهما المرأة تنتقل فقط إلى وضعية الرجل سواء المستغَل أو المستغِل. في حين ان تحرر المرأة هو حصولها على قرارها الذاتي في النشاط الحر في مختلف مستويات الحياة حيث تصبح مسؤولة عن نفسها بينما التمكين والمساواة هما حصولها على قرار ما من سلطة ما بان تصريحا أو إذنا حصلت عليه من تلك السلطة التي طالما تمنح يمكنها أن تقطع او تلغي.

بالمقابل، فإن حزب نكسلباري الحزب الماركسي-اللينيني الهندي، الذي حرر بحرب الغوار مناطق واسعة في الهند يقول بأن: ”  القضية الأساسية هي مسألة الأرض حيث ان المجردين من الأرض وفقراء الفلاحين يشكلون اكثرية كبيرة من السكان. لقد قام المحرومون من الأرض بالاستيلاء على الأراضي الحكومية  والمهملة ومناطق الغابات . وتم الاستيلاء على اراضي كبار الملاك وتوزيعها على من لا يملكون من الفقراء والفلاحين، وهو ما حول الفلاحين الى منتجين مما احدث تغيرا كبيرا في حياتهم. كما  ازدادت اجور العمال ثلاثة اضعاف، بدل ان كان يوم العمل بلا حدود بل وهناك عملا بلا اجرة.  وبالطبع قام الماويون بإنشاء تعاويات للفلاحين في المناطق المحررة.  وتنظيم الفلاحين في تعاونيات القرى ووضع اليد على اراضي الملاك الذين هربوا إلى المدن وتم تشكيل منظمات نسائية وتم تبني شعار كل السلطة للفلاحين في تلك المناطق وهي بقيادة مجموعات يقودها الحزب  وتم تشكيل فرق الدفاع الذاتي من الفلاحين. وتكونت تعاونيات لإقراض الفلاحين، وتغطية ثمن المدخلات الزراعية”.

هنا يؤكد الحزب موقفاً مناقضاً تماما لما ورد في ويكيبيديا خاصة فيما يخص الفلاحين وتوزيع الأرض على الفلاحين وإقامة تعاونيات للفلاحين.[1]

بعد استقلال الهند توجه نهرو بقوله ” كل شيء آخر يمكن تأجيله إلا الزراعة”.

إثيوبيا:

“…  تأثرت التنمية التعاونية في إثيوبيا بشدة من قبل أنظمة سياسية مختلفة. واستناداً إلى مقابلات الخبراء واستعراض الأدبيات ، نستكشف العوامل التي تؤثر على تحول في الوظائف الاقتصادية من توفير المدخلات إلى تسويق المنتجات الزراعية. يظهر استعراضنا أن تأثير التسويق التجاري على رفاهية المزارعين لا يزال غير حاسم.

بدأ تاريخ التطور التعاوني الرسمي في إثيوبيا في الفترة الإمبراطورية بين عامي 1950 و 1974 (Kodama، 2007). بدأ برنامج تطوير تعاوني لتحسين نمو القطاع الزراعي والاقتصاد الريفي. تم تأسيس العديد من الشركات التعاونية متعددة الأغراض والمستهلكين. ومع ذلك ، لم تكن ناجحة وتم تشغيلها بطريقة غير فعالة (Lemma ، 2008). تتفق معظم المصادر على أنه خلال العصر الإمبراطوري ، كانت التعاونيات محدودة إلى حد ما في نطاقها وخبرتها.

التخطيط الاقتصادي 1974-1991، وتسمى فترة الاقتصاد المخطط أيضا نظام ديرغ. تم تأسيس التعاونيات من قبل الحكومة في إطار الأفكار الإرشادية للاشتراكية ، وتميزت بالملكية الجماعية والتخطيط المركزي ومراقبة الدولة (Rahmato ، 2002 ؛ إيمان ، 2009). خلال هذه الفترة ، تم إنشاء أنواع مختلفة من التعاونيات مع الهدف الرئيسي للرعاية السياسية للمزارعين (Kodama ، 2007 ؛ Francesconi ، 2009). زاد عدد التعاونيات الأولية وعدد الأعضاء بشكل ملحوظ. بينما في الفترة الإمبراطورية تم تأسيس 149 جمعية تعاونية فقط ، شهدت فترة الاقتصاد المخطط لها أكثر من 10500 تعاونية أساسية ، مما أدى إلى عضوية 4.8 مليون أسرة (Lemma ، 2008).

في ظل نظام الاقتصاد المخطط ، واجهت التعاونيات صعوبات متعددة ، مثل الحوكمة غير الشفافة ، والعضوية غير الطوعية ، وقدرات القيادة المنخفضة ، والأسعار المحددة على المستوى السياسي للمنتجات الزراعية والفساد الداخلي (Rahmato ، 2002 ؛ Veerakumaran ، 2007). درس Engdawork (1995) مساهمة التعاونيات في المجتمعات الريفية باستخدام دراسة استقصائية بين 11 تعاونية منتجة في وسط إثيوبيا. وجد المؤلف أن معظم التعاونيات فشلت بسبب نقص التنسيق والتوجيه الاستراتيجي (أي الأهداف المتعددة والمتضاربة). في نهاية نظام “ديرغ” ، انهارت التعاونيات المملوكة للدولة في أجزاء كثيرة من البلاد (Lemma، 2008).

يحمل النص أعلاه سمتين أساسيتين يفترض ان لا تكونان نقيضتين لبعضهما البعض.

فمن جهة، تزايدت التعاونيات بشكل هائل في فترة السلطة الاشتراكية التي اتبعت التخطيط المركزي. وهذا يعني ان الدولة تبنت العمل التعاوني لصالح القطاعات الشعبية كل في مجاله.

ولكن من جهة ثانية، فشلت كثير من التعاونيات بسبب الفساد. وهذا مناقض لمبدا اهتمام الدولة. فهل الأسباب كامنة في الخلل الإداري البيروقراطي أم يمكن إرجاعها إلى عدم الخبرة في العمل التعاوني، ام إلى الاتكالية حيث ان اعضاء التعاونيات طالما حصلوا على التعاونية من الدولة،بمعنى أنهم ليسوا مساهمين وكأنهم شركاء مضاربين، أم إلى القصور الثقافي الفكري؟ وقد يحمل النص التالي ملامح إجابة.

التجديد المؤسسي 1991-2005

“كانت السنوات الثلاث الأولى بعد نظامدرغسنوات انتقالية. وأوضح المستجيبون لدينا أنه في الفترة الانتقالية ، كان لابد من بناء كل من البنية التحتية المادية والمؤسسات الجديدة ، بما في ذلك الوزارات الجديدة. لأنه في ظل نظام الاقتصاد المخطط ، كانت العضوية التعاونية إلزامية في الغالب ، ترك المزارعون فورًا التعاونيات عندما تم تخفيف العقوبات على الخروج (فرانشيسكوني ، 2009) ، وتم حل العديد من التعاونيات في المناطق الريفية. انخفض عدد التعاونيات (وليس الزراعة فقط) إلى حوالي 7300 في السنوات الانتقالية (Lemma، 2008).

بعد سنوات الانتقال ، اعترفت الحكومة الإثيوبية الفيدرالية بأهمية التعاونيات لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لفقراء الريف. ابتداء من عام 1994 ، صممت الحكومة سياسات مختلفة لتعزيز تطوير وتشغيل التعاونيات. كان أول إطار قانوني رسمي هو إعلان الجمعيات التعاونية الزراعية رقم 85/1994. بعد أربع سنوات ، تم استبدال ذلك بإعلان الجمعيات التعاونية 147/1998. وينص الإعلان الأخير على كيفية تنظيم جميع التعاونياتوليس فقط الزراعةوهي: العضوية التطوعية ، التي أنشئت لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للأعضاء والملكية المشتركة التي يسيطر عليها الأعضاء بشكل ديمقراطي. يفترض الإعلان المبادئ التعاونية ICA (2015). بموجب هذا الإعلان ، أنشأت الحكومة مكتب الترويج التعاوني الفيدرالي. في وقت لاحق ، واستنادا إلى الإعلان 274/2002 ، تم إنشاء اللجنة التعاونية الفيدرالية (الوكالة التعاونية الفيدرالية الحالية). في فترة التجديد المؤسسي هذه ، تم إنشاء جيل جديد من التعاونيات بموجب قواعد جديدة لحقوق العضوية والتصويت والملكية (برنارد وآخرون ، 2010)

تونس:

 تجربة تعاونية جمنة

تونس – دعم جمعية “حماية واحات جمْنَة[2]

“جمنة” هو أسم لقرية في الجنوب الغربي (تونس)، تنتج واحتها تمورا من صنف “دقلة”، لا توجد سوى في العراق والجزائر وتونس وأصبحت أمريكا تنتجها أيضًا في كاليفورنيا.

كان الجنوب التونسي تحت الحكم العسكري خلال فترة الإستعمار الفرنسي (1881 – 1956) وكان عدد المُسْتَعْمرين المدنيين الأوروبيين قليلا، بل نادرًا، واستولى أحدهم (بدعم سلطات الإستعمار) على واحة “جمنة” من أصحابها، وأسَّسَ شركة تحت اسم “سْكَاسْت” تستغل هذه الواحة… استولت الدولة على الواحة بعد 1956 بواسطة الشركة الوطنية لصناعة الحليب “ستيل”، رغم مطالبة أصحاب الأرض باستعادة واحتهم، وأودعوا مبلغًا ماليًّا لإعادة شراء أرضهم، لكن الدولة لم تستجب لطلبهم، بل عمدت إلى التفريط في الواحة إلى مُقاوِلَيْن من المُقَرَّبِين للحكم، بعد خصخصة شركة “ستيل” وتقسيمها وإفلاسها، وظل أصحاب الأرض يُطالبون بها واستعادوها في تظاهرة جماعية شعبية خلال انتفاضة 2010-2011، قبل فِرار زين العابدين بن علي بثلاثة أيام، وأسسوا جمعية تُمثِّلُ أصحاب الأرض والعمال وأهالي القرية تُشْرِفُ (بشكل تطوعي) على إدارة الواحة وعلى الإنتاج والتَّسْوِيق، وساعدت الجمعية في إنجاز عدد هامٍّ من المشاريع ذات الصبغة الإجتماعية في منطقة الجنوب الغربي… استهدفت الحكومات المتعاقبة هذه الجمعية وتجربتها الرائدة وحاربتها بكافة الأشكال، ولكن الحكومة الحالية التي يرأسها موظف سابق في الإدارة الأمريكية، وفي سفارتها بتونس، فاقت الحكومات السابقة في عدائها لهذه الجمعية (وفي عدائها للعمال والفقراء والمُنْتِجين) فعمدت إلى تجميد الحسابات المصرفية للجمعية وللتجار الذين اشتروا محاصيل التمور… لكن ذلك لم يحد من إشعاع الجمعية وجماهيريتها، بل أصبحت التجربة مشهورة في تونس وفي بعض البلدان الأخرى…       

الطاهر المُعِز

16/11/2016

جمّنة“: آراء في تعميم تجربة التسيير الذاتي

القطاف في جمّنة: من صفحة “جمعية نخلة”

بماذا تمتاز تجربة جمنة 


في المنوال التنموي الذي يعتمد الاقتصاد التضامني الاجتماعي، عادةً ما يتقاسَم عُمال التعاونية ومُسيّروها الأرباحَ ولا تثريبَ عليهم، فهم متضامنون من أجل خدمة مصالحهم الخاصة لا غير، أو على الأقل يتقاضون أجورًا نسبيًّا محترمة حسب حجم الأرباح. على حد علمي لم أسمع بمسيِّرِي تعاونية اقتصاد تضامني اجتماعي في العالَمِ أجمعِ عملوا طيلة ست سنوات دون أجرٍ. لله درّكم أبطال جمنة! أما في جمنة، فأشهد على شرفي أن كل أرباح واحة ستيل بجمنة (ملك عمومي مشترك بين جميع أهالي جمنة. لم أقل ملك الدولة) تُصرَف لفائدة مؤسسات عمومية في جمنة وفي مُدُنِ ولاية ڤبلي (المدرسة الابتدائية، المعهد، البلدية، المستوصف، المركز، مدرسة المعوقين، جمعية الطفل المتوحد بڤبلي وجمعيات خيرية وثقافية بالولاية) ولا يأخذ منها عمال الواحة المباشرون إلا أجورهم. أما مسيّرو الواحة الحاليّون، أعضاء جمعية حماية واحات جمنة، فهم متطوعون على مدى ست سنوات مَضَتْ من أجل خدمة الصالح العام. وخِلافًا لعمال التعاونيات المعهودة، اكتفى عمال الواحة بما يسد رمقهم من أجورٍ زهيدةٍ (SMAG)، ولم يطالبوا بتقاسم الأرباح المراكَمة من عرق جِباهِهِم، ولم يفعلوا مثل ما فعل زملاؤهم في التعاونيات الأخرى، فَصَحَّ فيهم قوله تعالَى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ” وهم فعلاً في خصاصةٍ، مثل العامل نجاح حميد وزملائه الــ132 المناضلين المحترمين الذين لم نوفِهم إعلاميًّا حقهم في الاعتراف بمساهماتهم الجبّارة في إنجاح تجربة جمنة، ولولا شجاعتِهِم وتضحياتِهم لَما صمدنا طيلة ست سنوات ضد هجمة الدولة الليبرالية الشرسة المتوحشة.
خاتمة: يبدو لي أن تجربة جمنة هي ابتكارٌ من إبداع مواطنين جمنين لم يسبقهم إليه أحدٌ. تجربةٌ تمتاز على الاقتصاد التضامني الاجتماعي بالنبل الإنساني متمثلاً في التطوع لخدمة المصلحة العامة وتفضيلها على الربح الخاص المشروع شرعًا وقانونًا.
ملاحظة منهجية: لستُ مختصا في الاقتصاد التضامني الاجتماعي، لكنني أعرف أبناء مسقط رأسي جيدًا وأؤكد لكم أنهم رضعوا في حليب أمهاتهم حب التطوع خدمة للقريبِ والجارِ والضيفِ وعابرِ السبيلِ.
إمضائي يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا واقتداء بالمنهج العلمي أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر” (جبران) تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 5 نوفمبر 2016. 
 
لماذا يجب تعميم تجربة جمنة؟ 

تعميم تجربة جمّنة ستكون هي وحدها الإمكانية الكفيلة بحمايتها من أنياب مافيات رأس المال وبيروقراطية دولة اللصوص. حيتان القرش الكبيرة الممسكة بشرايين الاقتصاد وبدواليب الدولة سيجدون ألف طريقة وطريقة لمحاصرة التجربة وتجفيف منابعها وخنقها لو بقيت معزولة. في الأرجنتين في التسعينات واجه الخدامة والمعطلون الذين استولوا على عديد المعامل والمصانع وقاموا بإدارتها وتسييرها ذاتيا حصار الكارتيلات الاقتصادية الرأسمالية عبر حرب استنزاف كبيرة ضدهم انتهت بإغراق مشاريع التسيير الذاتي الاقتصادية في عجز وعدم قدرة على الإنتاج والترويج انتهى بضمور هذه المشاريع ثم باضمحلالها. مثال الأرجنتين مثال يؤكد أن مافيات رأس المال سوف لن يتركوا تجربة جمنة تتطور وتنافس وتشعّ وستجد المافيا ألف طريقة وطريقة لمحاصرة التجربة وخنقها.
تجربة جمنة أعادت المعركة إلى قاعدتها الطبقية معركة الأغلبية المجردة من ثرواتها ضد الأقلية الفاسدة المستولية على هذه الثروات تحت عناوين متعددة ولأنها يجب أن تتواصل وتستمر وتنجح يجب أن تُعمم وتنتشر .
هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه تجربة جمنة.
هذا هو التحدي الأكبر لمواصلة المقاومة على قاعدة مهام 17 كانون الأول / ديسمبر الثوري.
ليس هناك من خيار آخر أمام الجماهير في حربها الدائمة مع نظام رأس المال ومافياته سوى الانتظام الذاتي والاستقلال تنظيميا وسياسيا عن النظام و أجهزته من أجل تحقيق مهام ملموسة عبر الإدارة والتسيير الذاتيين لتحقيق السيادة على القرار والثروات والموارد والتخطيط .
هذه هي معركتنا أمس واليوم وغدا.

التسيير الذاتي بديل الفوضى الرأسمالية 
التسيير الذاتي بديل الإدارة البيروقراطية 
التسيير الذاتي بديل السلطة الفاسدة ضيعة نخيل في الجنوب التونسي تمكن العاملون فيها من استردادها من متسوغها سنة 2011 وانطلقوا في تسييرها ذاتيا عبر جمعية كونوها للغرض وهي تشغل حاليا 130 عاملا وقد حققوا منذ العام الأول في إدارة عملية إنتاجها أرباحا كبيرة استثمروها في تنمية الجهة وفي تحسين عملية الإنتاج وتواجه التجربة حاليا حصارا من الحكومة لإعادة بسط نفوذها عليها بوصفها كما تدّعي “ملكا للدولة”

بشير الحامدي 10 أكتوبر 2016

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.


[1] Paper: Thirty years of Naxalbari, no date of publication.

 [2]  نشرة “كنعان” الإلكترونية، السنة السادسة عشر، العدد 4309 ، 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016