(حلقة2)
تفنيد مزاعم جيف هلبر وعوض عبد الفتاح
لمشاهدة هذه الحلقة على يوتيوب:
لا بد من إيراد ملاحظة بأننا لن ندخل في تفاصيل اللغو والرغي الواردة في أطروحات فرق التطبيع بل سنركز اساساً على آليات الالتفاف على حق العودة عبر التحرير وإلى الأرض (املاكا ومساكنا) كأرض مغتصبة تُستعاد لأهلها فرادى وجماعياً.
كما ورد في الحلقة الأولى[1] “الاستقواء بالضعف” كثُر الدعاة لحل الدولة الواحدة لا سيما وأنه ليس مكلفاً بما هو تنحٍ عن اي شكل نضالي وترجٍ للكيان الغاصب بأن يقبل في حظيرته بعض الفلسطينيين الموجودين في فلسطين.
هذا المستوى من الترجي وانتظار تخفيف الكيان من صهيونيته هو في حقيقة الأمر تقديم سُلَّما مريحا للمطبعين العرب كي يدلفوا إلى التطبيع بشكل جِدُّ مريح. كيف لا وهو المرتكز الذي يقدمه فلسطينيون اساساً حتى لو تم أحياناً مع بعض العرب وللتبهير والنفاق مع بعض اليهود. والمثير للسخرية أن الطرفين من اليسار هذه الآونة (موضوع الحلقة) بعد ان أكمل اليمين مهمته.
وهنا أود الإشارة إلى بعض المسائل الهامة:
الأولى: دور العديد من أنظمة التجزئة العربية التي ساهمت ولم تتوقف عن بناء الكيان الصهيوني وخاصة في السماح والتواطؤ وتسهيل دعم الكيان بالمستوطنين مما يجعل واجبها استعادتهم.
والثانية: أن اليهود من أين أتوا أو جيء بهم هو واجب الدول التي دفعتهم ودعمتهم للاستيطان في فلسطين أن تستقبلهم
والثالثة: أن هؤلاء المستوطنين من عديد أمم وقوميات بلدانهم الأصلية يحملون جنسياتها ويحملونها لأولادهم إقرار منهم أنهم عابرون.
والرابعة: إن قرار الأمم المتحدة بالتقسيم قرار مجحف كان يجب أن يقوم على تسهيل عودة اليهود المستوطنين من حيث أتوا وليس منحهم أكثر من نصف فلسطين.
والخامسة: على الفلسطينيين وحركة التحرر العربية النضال لإرغام الأنظمة العربية المطبعة على استقبال رعاياها اليهود كما يزعم ملك المغرب وليس التفاخر بحملهم الجنسيتين بينما الشتات الفلسطيني في الخيام. ولا يهمنا وافق هؤلاء على العودة أم لا.
والسادسة: طالما العالم الرسمي اليوم قام بكل الدعم لتهجير ملايين السوريين فبوسعه استعادة المستوطنين اليهود بسهولة وأوضح مثال سهولة توطين مليون يهودي روسي في فلسطين في العقود الثلاث الأخيرة.
والسابعة:حينها فليبق في فلسطين من هو اصلا من فلسطين، ومن أراد البقاء ولكن دون الاستيلاء على أرض أو منزل اي فلسطيني.
والثامنة: إن دعاة الحل الديني في فلسطين سواء من الفلسطينين أو العرب أو الإيرانيين من قوى الدين السياسي هم امتدادا للخطاب الإمبريالي الاستعماري الذي يصر على قراءة الصراع دينيا لتمويه حقيقته الرأسمالية.
والتاسعة: هذا الصراع المديد لن تتبلور عنه دويلة فلسطينية بل كجزء من وطن عربي في دولة متحدة أو اتحادية.
وعليه، فمشروع التحرير لا يتضمن ما تردده الغوغاء من القتل والتغريق في البحر بل إرغام عالم النفاق على تحمل مسؤولياته والسماح لمن غادره للاستيطان هنا بأن يعود وتسهيل عودته..
وحين يأتي التخلي عن الوطن من يسار، فهو إكمال للوحة التنازل ومساهمة عرب في خلق وتابيد الكيان إلى جانب دور وتنازلات وخيانات اليمين العربي بتنوعاته:
قبائلي، طفيلي كمبرادوري، طائفي تابع…
نبدأ هذه الحلقة ببيان مشترك بين صهيونيين: فلسطيني إسرائيلي ومستوطن إسرائيلي ، أو صهيوني مسلم/يساري وصهيوني يهودي/يساري !!
طبعاً تركيبة لافتة أليس كذلك؟
يقول بيان أصدره المذكوران:
“… آن الأوان ليصبح حل الدولة الواحدة تيارا سائدا: بلد واحد شعبين وثلاثة أديان حان الوقت لحل الدولة الواحدة بحقوق متساوية ليغدو تيارا سائدا”.
وللأسف تم نشره في الموقع المسمى:”الإنتفاضة الإلكترونية”:
بداية فإن هلبر تروتسكي عمل مع مجموعة يساريين صهاينة على تكريس الاعتراض والنقد لسياسات الكيان في المحتل 1967 وهو اعتراض جوهره ان الكيان أمر واقع ومن أراد الحديث أو العمل فليبدأ من ما بعد زرع الكيان اغتصابا في فلسطين. وهذا موقف يجمع الكثير من الصهاينة ويهود العالم ومن بينهم نوعام تشومسكي الذي يقول ويكتب بوضوح أنه حتى ضد الدولة الواحدة لأنها سوف تظلم اليهود. ولا يوضح ما نوع الظلم : هل هو لأن اليهود مع اية أمة سوف يُظلمون، أم يتم تدنيسهم أو لأنه مثل مختلف آباء الصهيونية هدفه دولة لليهود ولا يهم على حساب من؟
وطبعا هذا موقف اختلاق بنية قومية لليهود ليست موجودة ومن ثم مضاد للأممية. وإذا كان موقف تشومسكي وأمثاله أن الفلسطينيين سيكونوا اكثر عددا فهذا موقف غير ديمقراطي بالمفهوم البرجوازي الغربي. هذا ناهيك أن عالم اليوم لا يتسع لصغار الكيانات وبأن اية دولة في فلسطين ستكون جزءا من الدولة العربية وبذا يظل اليهود أقلية. بل أقلية جدا جدا.المهم أن التروتسك هم أكثر من يصرخ لصالح الدولة الواحدة وبهذا اخترقوا كثيرا من كوادر اليسار الفلسطيني .
وعوض عبد الفتاح كان من حركة أبناء البلد أي من خلفية ماركسية كما كان يزعم، وحينما تمكن عزمي بشارة 1995 من اختراق هذه الحركة وإقناع قيادتها أن نتخِب في الكنيست، وهي الخطيئة الوحيدة التي وقعت فيها ويُقال أن ذلك حصل بموافقة الجبهة الشعبية ذات العلاقة الجيدة بابناء البلد حينها. وبعد أن فاز بشارة في الانتخابات لحقه كثير من ابناء البلد ومنهم عوض عبد الفتاح لصالح حزبه البرلماني : “التجمع الوطني الديمقراطي”. وعبر علاقة بشارة بالتروتسك استمر عبد الفتاح يدور في فلكهم.
تجد التفاصيل في كتابي هذا (تحت خط 48: عزمي بشاره وتخريب دور “النخبة” الثقافية”
الطريف أن عبد الفتاح وهلبر يدعوان لدولة واحدة وبثلاثة أديان! اي أن يساريتهما أو يساريتيهما لم تتخلص من الرؤية الاستعمارية البريطانية ولاحقا الإبراهيمية الأمريكية للحل في فلسطين! حيث يتم التركيز بأن البلد قائم على تقسيمات دينية وطائفية لا على نضال قومي عربي ضد المستوطنين ولا طبعا حتى أساس طبقي .
تقدم الورقة رشوة للفلسطينيين بإقرارها أن الصهاينة أتوا كمستوطنين في فلسطين وجردوا الفلسطينيين من وطنهم.
طبعا، تقلل الورقة من اساس المشكلة وهو وجود المركز الراسمالي ومصالحه التي لولاها لما كان سيتم اي استيطان، وهذا هو ايضا حال مختلف المستوطنات الراسمالية البيضاء في العالم، امريكا كندا استراليا نيوزيلندا وسابقا جنوب افريقيا وروديسيا.
ثم ينتقل حديثهما إلى:
“… والحل ليس بالتفاوض والمساومة بإنهاء الاستعمار والحل بإعادة هيكلة الوضع وعودة الفلسطينيين وإعادة دمجهم في المجتمع. وتفكيك كل بنى السيطرة وحصول الفلسطينيين على المساواة في بناء دولة ما بعد الاستعمار”
حين تقرأ رفض التفاوض والمساومة، يُخيل لك أن البديل هو الوحيد أي التحرير بالكفاح المسلح أساساً.
لكنهما يتداركان الأمر بالقول:
“….وهذا يتطلب تشكيل نظام سياسي جديد ومجتمع مدني يضمن حقوقا متساوية لكل مواطنيه وكذلك للجماعات القومية والإثنية والدينية التي تشكله”.
وإعادة توزيع الموارد وخاصة الأرض بالتساوي.”
هنا يصبح الحديث عن مواصفات الوليد وليس عن كيفية خلقه. أي لا حديث عن آلية تحقيق الهدف عن طبيعة تحقيقه. ولأن الأداة والآلية غير مذكورة، فليس لنا قراءة ذلك إلا على اساس:
يا ريت، لا بد، حبذا، لو…الخ
وهذه بالطبع لغة الترجي. والترجي لمن؟
للصهيونية والإمبريالية! فاي تجهيل وتجاهل لعقول وذاكرة الشعب المشرد والأمة المستهدَفة!
أما حقيقة الأمر فالهدف أن لا مقاومة قط وفي هذا يُضمر شجب المقاومة.
ثم يستطردان:
“… لا زال تحليل الاستعمار الاستيطاني محضور في الحلقات الأكاديمية ولم يتخلل الخطاب الشعبي والسياسي… “
لم توضح الورقة أن تحليل الاستعمار الاستيطاني لا زال محظورا في الحلقات الأكاديمية! فهناك الكثير من الدراسات لهذه الظاهرة أكاديميا وثوريا! هل المقصود في جامعات الكيان؟ لست مطلعا على هذا وإن كنت لا أعتقد بصحته فبعض مثقفي الكيان يناقشون اليوم أفضلية العودة إلى المنافي من حيث أتوا! ولعل أفضل مناقشة اكاديمية للموضوع رسالة الدكتوراة للصديقة د. مي البزور الصادرة مؤخرا من جامعة لوزان.
ولإعطاء رصيد لما يقومان به يستطردان:
“… لذا برزت من حيفا مبادرة قبل 3 سنوات”حملة دولة ديمقراطية واحدة” شملت فلسطينيين من كل موقع وحلفائهم من يهود إسرائيليين ضد الاستعمار لإقامة دولة بين النهر والبحر وتشمل عودة الفلسطينيين إلى وطنهم”
بداية لم تبدأ حملة السفاح هذه من جامعة حيفا، فهي اقدم بكثير وحتى قبل 2015 حينما أطلق ما يسمى “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” من بيروت يراسه د. يحيى غدار ، حملة”نداء وصرخة من الأعماق” التي تنادي بدولة مع المستوطنين ! كيف معاً؟ لا ندري! والتي لم تترك لمتنازلٍ أو مُطبعٍ مكانا سوى أن يقتل الفلسطينيين كما تجهز سلطة الإمارات النفطية.(وهذه سنتحدث عنها لاحقاً)
ثم، ما معنى عودة الفلسطينيين إلى وطنهم” هل لها سوى معنى حقيقي واحد هو إخراج من طردهم! أي طرده؟
لكن الورقة انتقلت سريعا إلى برنامج ملغوم لتمرير ما يريده مُعدَّاها فوضعت :
“… برنامجا من عشر نقاط: إنهاء الاستعمار، ودستور ديمقراطي واحد، وتعيد اللاجئين من حيث أقتلعوا ومساعدتهم لإعادة بناء حياتهم.لإعادة دمجهم في المجتمع”
هنا يتضح تكرار المسألة بأكثر من مضمون. فالعودة إلى وطنهم تعني شيء، وإنهاء الاستعمار وإعادة اللاجئين من حيث اقتلعوا وأعادة دمجهم في المجتمع شي آخر، اي ان هناك مجتمعا يجب ترتيب إلحاقهم به وهو مجتمع الوضع القائم. فأيهما المقصد الحقيقي للكاتبين؟
ثم يكرران نفس تبهيت حق العودة بالقول:
“…ستعمل الدولة كل شيء ضمن سلطتها ليستعيد اللاجئين أملاكهم الخاصة والجماعية و/أو تعوضهم”
أية دولة؟ هل هي الكيان نفسه؟ أم بعد أن يتكرم بتفكيك نفسه؟
وما معنى “كل شيء ضمن سلطتها ليستعيد اللاجئين أملاكهم؟ والسؤال: ماذا تعني بالاستعادة، ثم إذا لم تسمح سلطتها ما الحل؟
هذه مهارة التلاعب باللغة.
ثم ينتقلان إلى الحقوق الفردية:
“… جنس جندر… وأن يحفظ الدستور الحقوق الجماعية ثقافية مدنية…الخ وعدالة اجتماعية بتطبيق سياسة اعادة توزيع اقتصادية طويلة الأمد تضمن التعليم والعمل…الخ” والتزام بحقوق الإنسان، والنضال مع القوى التقدمية العربيةوالعالمية من أجل نظام معولم عادل.”
هذه طبعا هوامش ديباجة في تغطية المسألة الأهم وهي الأرض.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.
[1] يمكن مطالعة الحلقة الأولى على الرابط التالي:
والاستماع إليها في الفيديو التالي: