يوم جديد وعام جديد لا يعنيان تغييرا في اي حدث بل الايام مجرد حاويات للأحداث. أما التاريخ فهو ما نصنعه.
هذه رسالة من الرفيق وليد الهليس، أرجو أن يكون تعقبيبي عليها للجميع:
الرفيق العزيز عادل:
بداية لم أشأ أن أرى في ما جرى داخل مقام النبي موسى شأنا يدفعنا إلى أن ندور به فوق منصات الشبكة ونعلي الصراخ لأجله، بل كنت آمل في أن يتم علاج المسألة دون حاجة إلى إعطائها حجما أكبر، في وقت لا تبخل أي جهة علينا بسوءاتها ورجومها. لكن تصادف لي أن استمعت إلى “عظة” مشوشة على لسان شخص لا تنقصه الشجاعة، استمعت إليه قبل هذا وأحترمت فيه جرأته، غير أن التخليط بين الجرأة والاجتراء بدا هذه المرة واضحا ومؤذياً ومفزعاً.
السكر والفلفل كان يطحنهما معاً
لا بد أن ينتابك قلق حقيقي وأنت تستمع إليه وهو يتهم بحق ويدين سلطة خليقة بأن تُتهم وتُدان، وفي الوقت ذاته يرشق بلسان لا ينقصه الابتذال مجموعة من البشر ويلصق أقذع الصفات بفنانة فلسطينية لأنها وهي الموسيقية ومديرة فرقة موسيقية قامت بتنطيم حفل داخل مكان (ذو قداسة) قامت بتأجيره لها سلطة رسمية تملك الحق بالتصرف فيه. لا أدري ما هو الجرم الذي أثار كل هذه العواطف الجائحة والذي اعتقلت الفنانة بسببه من قبل السلطة ذاتها التي رخصت لها “ارتكابه”؟ من الواضح أن السلطة اعتقلتها زلفى لتلك الحمية الجمعية فأدانت بذلك نفسها قبل كل شيء آخر، لكن هذه السلطة لم تعد تأبه لشيء أو أحد، وقد باتت أشبه بخد تعود اللطم، فإن عز من يلطمه لطم ذاته. لكن ألا يمكن أن يكون ما حدث فرصة سعت السلطة ذاتها إليها، لاستثارة غرائز دفاعية متوفزة توقعت اثارتها، لدى شعب مجروح في كل بقعة من جسده ووجدانه، ومع كونه عاجزاً عن الرد عن كل إهانة تسدد إليه فسيسهل عليه، إذا تمثلت له الإهانة في صورة حفل موسيقي رأى فيه استهانة بمقدساته فسيأخذ مدفوعاً بغضبه الجامح القانون بيده فيعتدي ويخرب ويحرق دون أن يحسب حساباً لأحد وبغير احترام لأي قانون. لست متأكداً. النكاية هنا أن حماة القانون أنفسهم زادوا الطين بلة، بتخاذلهم ونفاقهم فاعتقلوا المعتَدى عليه وتركوا من يعتبر جانيا في نظر أي قانون يحترم نفسه وينظر بجد إلى دوره المقدس، بل الدور الوحيد المقدس بصورة شاملة في نظر الكل، أو هكذا يفترض، لأن الكل يُجمع عليه، المؤتلف والمختلف، المؤمن وغير المؤمن، لكنه خذل ذاته وخان دوره وخيب آمال الناس المفترض امتثالهم لأحكامه.
أريد أن اشير هنا إلى أن هذه الواقعة لا تستمد خطورتها من كون المجني عليه/المشتبه فيه معاً هو فنانة فلسطينية عالمية أو غير عالمية، هذا ليس هو المهم، وهو تسطيح للواقعة. إن تملق المشاعر العامة من جانب القانون والقائمين على إنفاذه ومحاسبة المجني عليه من أجل التغطية على أصحاب السلطان من جهة واسترضاء غضب جماعة ما، أياً كان ذلك الغضب: أعمي أونصف مبصر، لا فرق، وهنا مكمن الخطر ومنشأ القلق.
كان يمكن أن يكون كل هذا جائز الوقوع، ويمكن التعامل مع آثاره، لولا استسهال السب والقذف والقاء التهم المشينة والصفات البذيئة كيفما اتفق، على صفحات الشبكة العنكبوتية، ولولا التحريض على تكرار هذا النوع الخطير من السلوك الجنائي المخرب الذي يهدد بضرب صميم الأس المجتمعي الفلسطيني المهدد أساسا من كل حدب وصوب، معتبرا ذلك السلوك شكلا أصيلا من أشكال المقاومة على أساس أننا كفلسطينيين: “هيك عقلنا”. هذا ما يقلق فعلا بل يخيف.
كل عام وشعبنا كله بأطيافه واختلافه وائتلافه ووحدته المتنوعة بخير وصحة وقدرة على المسير
كل عام وأنت والعائلة الصغيرة والكبيرة بخير وصحة وسعادة
● ● ●
رد عادل سمارة
نعم رفيقي هي كما فصلت. في اليومين الأولين لم اشأ الكتابة افترضت ان يتم التحقيق دون ادانة مسبقة وبغض النظر عن حدود ثقتي بالسلطة والقضاء. لانني لا ارى بل قطعا لا افضل ان يقوم اي فرد بتنصيب نفسه سوطا وشرطيا وقاضيا وان تمكن قاتلا. ناهيك انني اعرف ان إطالة اللسان كما حصل كنت اتوقعه طبقا لما اعرف. السلطة وصلت وضعا حتى لو فعلت حسنا فالناس لا تصدقها. وبرأيي اساسا لان مجيئها بل حيث جيئ بها كان خطيرا. امس صدر تقرير السلطة يدين الشابة اولا ويدين اطرافا من السلطة. وبغض النظر عن دقته واجحافه هذا فقط ما كان يجب ان يحصل وليس الفلتان وخاصة ان حزبا سياسيا إما آثار الامر او انتهزه وهو حزب شعاره لا نضال في ظل احتلال ولحقته أخريات ومثقفين/ات يمينا ويسارا وطبعا دين سيايسي. سألت قبل أن أكتب وبررت لنفسي الكتابة لأنني من البلد. لقد كتبت عدة تغريدات او ان اردت رميت حصى او حجاره متفرقة بقصد وهدفت ان افهم واكتشف أكثر اين نحن. وأصدقك القول لو جمعت ما كتبت من ردود وتعقيبات على ما كتبته لخرجت بدراسة سوسيولوجية كمرآة للوضع. هذا مع انني مشغول في كتابة فصل في كتاب اممي بالاعجمبة كما تعودنا وصف غير العربية وهو عن الهلع الدولي من كورونا والمبالغ فيه وتوظيفه لسيطرة راس المال والتراكَم. هنا اذا لم يكن لك ظهرا من اي نوع ذي سلاح تصبح مطية. فلو كانت جدة هذه الفتاة حية لما اعتقلت حتى لو مذنبة. هنا مع أول تبليغ من شخص ضد آخر يجري الاعتقال على ذمة التحقيق. لست خبيرا في القانون بل اكره كل قانون لانه طبقي اصلا ولكن لا أفهم كيف يتم الاعتقال فورا وكان سما كانت تقود دبابة لتطويق القصر. وفيما يخص إطالة اللسان ساخبرك مني إليك. بقى ان أشير إلى ان هشاشة مايسمونه المجتمع المدني والفصائل وكأن على رؤسهم/ن الطير. فالأمر وطني عام. تخيل ان قضيتي ضد التطبيع وهي بالنسبة لي مسألة الوطن من جهة وثارا رفاقياً لناجي العلي من جهة ثانية ثار شخصي لعلاقتي به و لانني أبلغت بانني على القائمة مع ١٤ فارسلت عناية وسمر ويزن قبلي للوطن واختفيت لدى شاب من لبنان مقرب من حزب السيد ذو العمامة السوداء إلى ان جاء موعد عودتي لاني سافرت بحكم محكمة ان لا أعود سوى بعد ٣ سنوات وان عدت قبلها بيوم او سنة أكمل الحكم في السجن. حين عدت تذكرت قول جدنا ابو الطيب المتنبي:
“كفى بك داء ان ترى الموت شافيا…. وحسب المنايا ان يكن أمانيا”
حينها كتب اميل حبيبي ان عادل سماره هرب من النضال إلى لندن هذا عام 1987. وبالمناسبة كتب مثله “فتى المحرقة” عام 2000 عادل سمارة هرب من انتفاضة 2000 وكنت قبلها بيوم غادرت الى مؤتمر في إسبانيا وقلما يُسمج لي بالخروج . كان الهدف من الدعوى هنا في المحكمة بشأن التطبيع ضدي ان أبيت فورا في السجن لولا تدخل رفاق صلبين. وماذا راج من مختلف دعاة حل الدولة والدولتين ان المشكلة شخصية وكانها خلاف مال او عشق. بل حتى شخصيا لا علاقة اكثر من معرفة سطحية. تخيل معظم قيادات الحركة الوطنية تجبن عن جوهر القضية كرها وتخلفا وتحولها شخصية لكن همسا. لم يجرؤ احد ان يكتب سطرا. ليس خوفا مني بل لانه يعشق دولة تحت نعل المستوطن ولكن لا يعلن ذلك. ولذا لاذوا بزعم الشخصي. هل اوضحت لك بعض الحال.
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.