2
التّطبيع وجهٌ من وُجُوه التّبَعِيّة:
عبّرت وزيرة السياحة في حكومة الإخوان المسلمين بالمغرب، في حديث لقناة تلفزية صهيونية (قناة “كان”)، يوم الخميس 17 كانون الأول/ديسمبر 2020، عن ابتهاجها بالتطبيع الرسمي العَلَنِي مع الكيان الصهيوني، لأنها تتوقّع زيادة عدد السائحين الحاملين لجواز السّفر الصهيوني من حوالي خمسين ألف حاليًّا إلى مائتَيْ ألف سنة 2021، بفضل إطلاق رحلات جوية مباشرة بين المغرب وفلسطين المحتلّة، بمعدل رحلتيْن إلى أربع رحلات أسبوعيا، وبفضل “تسهيل إجراءات منح التأشيرات وتصاريح الإقامة للسياح الإسرائيليين”، الذين دعتهم إلى زيارة الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب، منذ 1976…
في مُقابل هذا التّفاؤل المفرط وغير المُبرّر لوزيرة السياحة، ذكر المحلل الإقتصادي المغربي “نجيب أقصبي”، يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2020، خلال ندوة نظمتها مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، أن الاقتصاد المغربي سيكون هو الخاسر في أي تطبيع اقتصادي، على مستوى التجارة والاستثمار والسياحة، وذَكَّرَ المُهَلِّلِين للتطبيع الإقتصادي بالخطاب الذي رَوّجته الحكومة، سنة 2006، إثر توقيع اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة، ولكن العجز التجاري المغربي مع الولايات المتحدة ارتفع من سبعة مليارات درهم، سنة 2006 إلى 25 مليار درهم، سنة 2019، لأن الإقتصاد المتطور الذي يعتمد على البحث العلمي، وعلى التقنية والخدمات والصناعات ذات القيمة الزائدة المرتفعة، قادر على تحويل المغرب إلى مجرّد مَنْفَذ، وإلى سوق لتصريف إنتاجه وخَدَماته…
يرزح الإقتصاد المغربي تحت الدّيون، وتسير أُمُورُهُ نحو التّعْكِير، أو من سَيِّءٍ إلى أَسْوَأَ، مع عجز الحكومة على توفير قيمة النفقات الجارية، فقد أعلن البنك العالمي، يوم الإربعاء 16 كانون الأول/ديسمبر 2020، موافقته على قَرْضٍ، بقيمة 250 مليون دولار، لتشجيع الإستثمار الخاص، في القطاع الفلاحي، الذي يساهم بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب البيانات الرسمية، وأصدرت الحكومة، خلال سنة 2020، سندات دولية في مُناسَبَتَيْن، بقيمة مليار يورو وثلاثة مليارات دولار على التوالي، بهدف رفع حجم احتياطي النقد الأجنبي إلى 36 مليار دولار، ومواجهة نفقات التوريد، وتسديد القُروض السابقة.
كما أعلنت وزارة المالية، من جهتها، يوم الثلاثاء 22 كانون الأول/ديسمبر 2020، توقيع ثلاث اتفاقيات قروض مع البنك العالمي بقيمة ثمانمائة مليون دولار، تخصص أربعمائة مليون دولارا منها لمحاربة الفقر ودعم التأمين الصحي، و 250 مليون دولار للقطاع الفلاحي، و150 مليون دولارا لتمويل النقل الحضري، وما هذه سوى عَيِّنَة من الدّيُون التي يتوقع المصرف المركزي (بنك المغرب) أن ترتفع قيمة الدين العام من 65% سنة 2019، إلى 76,1% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، سنة 2020، وفي تشرين الأول/اكتوبر 2020، أشارت توقعات صندوق النقد الدولي، إلى انكماش الاقتصاد المغربي بنسبة 7% سنة 2020، كما أكد بيان لصندوق النقد الدولي، يوم الإربعاء 23 كانون الأول/ديسمبر 2020، تدهور الوضع المالي، نتيجة انخفاض قيمة الإيرادات الضريبية، الناجمة عن تداعيات تفشي فيروس كورونا، وانخفاض عائدات السياحة، وتوقع خبراء صندوق النقد الدولي، انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع عجز الميزانية إلى أكثر من 7,5 % من الناتج المحلي الإجمالي، إثر تباطؤ النشاط الاقتصادي، سنة 2020 بسبب جائحة “كوفيد 19” والجفاف، لترتفع معدلات البطالة من 9,4% سنة 2019 إلى 12,7% من القادرين على العمل، بنهاية أيلول/سبتمبر 2020، بحسب البيانات الرسمية، وهي دون الواقع بكثير…
أعلنت مفوّضِيّة الإتحاد الأوروبي، يوم الإربعاء 23 كانون الأول/ديسمبر 2020، صرف قسط بقيمة 169 مليون يورو لفائدة المغرب، من قرض إجمالي بقيمة 450 مليون يورو، منذ شهر آذار/مارس 2020، (بالإضافة إلى نحو مائتَيْ مليون يورو سنويًّا، لتأهيل الشركات) “لمساعدة حكومة المغرب على مكافحة فيروس كورونا”، وعند البحث في تفاصيل هذه “المساعدة”، يتضح أنها مُوَجَّهَة “للحفاظ على مناعة الشركات المتضررة جراء الأزمة الصّحّية”، أي أن القرض مُوجّهٌ للقطاع الخاص، والشركات الأوروبية خصوصًا…
حَذَّرَ المجلس الأعلى للحسابات، في بداية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2020، من خطر ارتفاع حجم الدّيْن الخارجي، الذي تضاعف خلال عشر سنوات، مسجلا نموّا سنويًّا قدره 8% مع ارتفاع قيمة إصدارات الخزينة، خصوصًا منذ سنة 2018 وارتفاع خدمة الدَّيْن (تكلفة الدّيْن، أي أصل الدّيْن والفوائد والعُمولات) بنسبة 9,2%، ونُذَكِّرُ أن الحكومة سحبت ثلاثة مليارات دولارا من القرض الإئتماني الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي، واقترضت من السوق الدولية في مناسبَتَيْن، خلال سنة 2020…
3
جوانب من النفوذ الإمبريالي الأمريكي والأوروبي بالمغرب العربي خلال القرن الواحد والعشرين:
بعد العدوان الأمريكي-الأوروبي على العراق، سنة 1991، تراجعت الصادرات الأمريكية نحو البلدان العربية بمعدّل 25%، بين 1992 و 1998، بفعل دعوات المُقاطعة، فرصدت الولايات المتحدة مبلغ خمسة مليارات دولارا، في كانون الثاني/يناير 2000، “لتمويل مشاريع مشتركة مع بلدان شمال افريقيا”، في إطار “مبادرة ايزنستات” التي تطورت رسميا الى “مشروع الشراكة الامريكية ـ الشمال افريقية” بمناسبة جولة وزير التجارة الامريكي “روبرت مَاللِّيه” على عواصم المنطقة في بداية سنة 2000، ومنذ شهر نيسان/ابريل 2000، انطلقت اللقاءات السّنوية، لوزراء التجارة بين الولايات المتحدة وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ولكن الولايات المتحدة أعلنت تراجع حجم المبادلات التجارية بين أمريكا والدول العربية، ومنها دول المغرب العربي، بنحو 26% بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001، بسبب مُقاطعة السّلع الأمريكية، وفق وزارة التجارة الامريكية، ما جعل الحكومة الأمريكية تسعى لتشجيع التجارة مع البلدان العربية من خلال عقد اتفاقات لإقامة مناطق للتجارة الحرة، بحسب ما أوردته مساعدة وزير التجارة الأمريكي، في ندوة نظمها “المجلس الوطني للعلاقات الامريكية ـ العربية” في واشنطن…
أطلقت الولايات المتحدة “مبادرة ايزنستات” سنة 1998 (على إسم “ستيوارت إيزنستات”، وهو موظف سامي أمريكي مُكلف بالإقتصاد والتجارة) بهدف “تطوير المبادلات التجارية والمالية” مع القطاع الخاص، وإدْماج اقتصاد المغرب العربي نهائيًّا في اقتصاد العولمة الليبرالية.
شملت جولة مساعد وزير التجارة الاميركي، بنهاية شهر أيلول/سبتمبر 2002، كلا من مصر وتونس والجزائر والمغرب، وبعد أسبوع واحد يوم الثالث من تشرين الأول/اكتوبر 2002، انعقد بواشنطن، الاجتماع الاقتصادي الاميركي ـ المغاربي، لتأكيد الإهتمام الأمريكي بشمال إفريقيا، وضم الإجتماع كلا من وزير التجارة الاميركي ونظرائه في الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا “لبحث افاق اقامة مناطق ثنائية للمبادلات الحرة مع الولايات المتحدة”، وبالفعل تم التوقيع على اتفاق لزيادة حجم الصادرات الأمريكية نحو تونس، واتفاقًا مماثلاً مع المغرب، سنة 2003، تحت مُسمّى “اتفاق إطاري لتنمية التجارة والاستثمارات”، في إطار مبادرة الشراكة الاقليمية، وبعد أكثر من خمسة عشر سنة، لم ترتفع سوى استثمارات شركات الطاقة الأمريكية في نفط وغاز الجزائر، وصَرّح وزير الخزانة الأمريكي أن الهدف الأمريكي هو تحويل المغرب العربي إلى سوق موحّدة تشكّل منصّة لإعادة تصدير الإنتاج الأمريكي نحو أوروبا…
بعد تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وفي النصف الأول من كانون الأول/ديسمبر 2002، زار مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الرباط والجزائر وتونس، للمرة الثانية، خلال أشهر قليلة، وبعد شهر واحد من زيارة زميله، مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، وتهدف هذه الزيارات العديدة تكثيف “التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات، لمكافحة الإرهاب”، وسبق أن زار مدير وكالة الإستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” (والعديد من مسؤولي الإستخبارات الأمريكية) تونس والجزائر والمغرب، بهدف “وضع آليات أمريكية للتنسيق والتعاون مع هذه البلدان”…
أشادت الولايات المتحدة بدور نظامَيْ تونس والمغرب في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفتح مكاتب تنسيق، منتصف عقد التسعينيات من القرن العشرين، ووعدت بزيادة الإستثمارات الأمريكية، وزيادة حجم التبادل التجاري، ولكن الوُعُود (رغم السُّمُوم التي تحملها) لم تتحول إلى إنجازات، بل كانت هذه الزيارات المتتالية (خلال النصف الثاني من سنة 2002) والوُعود (والتّهديد، أحيانًا)، مُقدّمة لاحتلال العراق، سنة 2003، بموافقة الأنظمة العربية، وخصوصًا الأُسَر الحاكمة بدُوَيْلات الخليج، وبعض الأنظمة العربية والإسلامية الأخرى…
طرحت الإمبريالية الأمريكية، أثناء العدوان واحتلال العراق، مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، وإعادة تقسيم وتفتيت الدول والشعوب إلى مذاهب دينية وطوائف، بالإضافة إلى ما قَسّمته الإمبرياليتان البريطانية والفرنسية، من خلال معاهدة “سايكس – بيكو” (1916)، وتضم تفاصيل المشروع الأمريكي “إجراء تغييرات استراتيجية في البلدان العربية والإسلامية”، وجعل هذه البلدان تحت الوصاية الصهيونية، باعتبار الكيان الصهيوني جزءًا من الإمبريالية ووكيلا موثوقًا، يضمن مصالحها.
تزامن هذا الطّرح الأمريكي مع توسيع مفهوم “الشرق الأوسط”، من قِبَل أمريكا، إلى كافة بلدان الوطن العربي، ومنافسة النفوذ الأوروبي (وخاصة الفرنسي) الإقتصادي والسياسي، في المغرب العربي الذي تَحَوَّلَ، منذ سنة 2001 إلى ساحة تنافس بين الإمبريالية الأمريكية والأوروبية (باستثناء ليبيا التي تستهدفها العقوبات والحصار والعزل )، وتتالت زيارات ممثلي الحكومات الأمريكية والفرنسية للمغرب والجزائر وتونس، لكنه تنافس بشأن طريقة افتراسنا كشعوب واقعة تحت الهيمنة.
لا تهتم الولايات المتحدة، عبر مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، ومن خلال مشروع الشراكة الأمريكية المغاربية ( مبادرة “أيزنستات”)، سوى بجانب “التعاون الأمني والعسكري”، الذي سبق تأسيس القيادة العسكرية الأمريكية الموحدة لإفريقيا (أفريكوم – 2006)، وتنظيم مناورات عسكرية، بالبحر الأبيض المتوسط، بمشاركة جُيُوش المغرب العربي (بما فيها الجزائر) مع جيوش حلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني، بالتّوازي مع التّغلغل الهادئ (النّاعم؟) عبر تمويل المنظمات “غير الحكومية”، وما سُمِّي “المجتمع المدني” والنقابات، بذريعة نشر وتشجيع الديمقراطية، بموازاة عمل منظمة باسم “”فرص الشراكة بين الولايات المتحدة و شمال أفريقيا”، أو ( NAPEO ، منذ كانون الأول/ديسمبر 2010، وخطة “ميبي” الأمريكية (مكتبها الرئيسي بتونس)، وغيرها من البرامج الأمريكية التي تفتح الباب أمام القطاع الخاص الأمريكي، ليلعب دورًا مُكمِّلاً للدور العسكري لبرنامج “أفريكوم”، من خلال الإهتمام بمجالات قد تبدو بعيدة عن الجانب الأمني والعسكري، ومنها التعليم ومحو الأمية والرعاية الصحية، والزراعة والطاقة، والنّدوات العلمية، وبدأت أمريكا تُطبّق هذه الخطط الجديدة في المغرب وموريتانيا، بالتوازي مع تعزيز البعد العسكري والاقتصادي، في مختلف الخطط الأمريكية، بهدف استبدال النفوذ الأوروبي (والفرنسي أساسًا) بالنفوذ الأمريكي.
عملت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على إنشاء سوق مغاربية مُوحّدة، ليس حرصًا على وحدة شُعُوب البُلدان الخمس، لكن لتصريف بضائعها في سوق موحّدة، قِوامُها أكثر من مليون نسمة (100 مليون مُستهلك)، والتّفاوض مع طرف واحد، بدل خمسة أطراف، بالتوازي مع ذلك عرقلت الولايات المتحدة، وكذلك الإتحاد الأوروبي أي وحدة سياسية، تقدّمية، على أساس دعم حركات التحرر، والتحرر الإقتصادي والسياسي من التّبَعِيّة.
تمكّن الإتحاد الأوروبي من فَرْض اتفاقيات “شراكة” غير مُتكافئة، ومُضِرّة بمصالح الأغلبية السّاحقة من أفراد شعب تونس والمغرب (ولا تزال الجزائر في الطّريق)، فيما أقرت الولايات المتحدة “مبادرة إيزنستات”، لمنافسة أوروبا، وليكون المغرب العربي سوقًا للمنتجات الأمريكية، بالتوازي مع الأبعاد الأمنية والعسكرية، وبيع الأسلحة، وتركيز القواعد العسكرية، ونقاط التّجسّس، بذريعة “مكافحة الإرهاب”…، وعلى صعيد التعاون الثُّنائي، تُفضِّلُ الولايات المتحدة التعاون والتنسيق مع النظام المغربي الذي تعتبره أكثر استقرارًا وأقل عداوةً للإمبريالية…
كانت تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر 2001، فُرصة استغلّتها الولايات المتحدة، لتعزيز علاقاتها العسكرية مع دول المنطقة، بذريعة “مكافحة الإرهاب”، وأشْرَفَ الضّبّاط الأمريكيون على عِدّة اجتماعات ونشاطات، قبل أن تُؤسِّسَ الولايات المتحدة رسميًّا (سنة 2006) برنامج “أفريكوم”، أو “القيادة العسكرية الأمريكية الموحّدة لإفريقيا” التي يُشرف ضُبّاطٌها على تنفيذ حوالي 350 نشاط سنويًّا في قارّة إفريقيا، ويُشرف الجيش الأمريكي، منذ سنة 1995، على تنظيم مناورات بحرية، بذريعة مكافحة الإرهاب في البحر الأبيض المتوسط، بمشاركة الجيش الصّهيوني، بمشاركة جيوش المغرب العربي (بداية من سنة 2002، بالنسبة للجيش الجزائري)، وشكل “الإرهاب العابر للصحراء”، ذريعة لتعزيز “التعاون” العسكري بين حلف شمال الأطلسي والجيش الأمريكي، من جهة، وجيوش دُول المغرب العربي من جهة أخرى، وارتفع عدد “زيارات” السفن العسكرية الأمريكية والأطلسية، لموانئ المغرب العربي، منذ شهر آذار/مارس 2003، أي منذ احتلال العراق، لأن المغرب العربي بوابة أو منصّة للهيمنة على قارة إفريقيا.
لعب النظام المغربي، والتونسي (بدرجة أقل)، منذ الإستقلال الشّكْلي، دورًا هامًّا في نشر عقيدة الإستسلام والتّطبيع، ولم يكن ذلك صُدْفَةً لأنهما من ضمن الأنظمة العربية الأكثر ولاءً للإمبريالية الأمريكية، ومنذ بداية القرن الواحد والعشرين، أصبح نظام المغرب، وموريتانيا، بوّابة لِعَسْكَرة السّياسة الخارجية الأمريكية، ونافذة للعدوان على الشّعُوب الإفريقية، باسم الحرب الوِقائِيّة ضد الإرهاب، فتعدّدت المؤتمرات وزيارات الضّبّاط الأمريكيين للمغرب العربي ولإفريقيا، بذريعة مكافحة المنظمات الإرهابية (بوكو حرام، والقاعدة في المغرب الإسلامي وأنصار الدين وغيرها)، وتعزّز الحُضُور العسكري الأمريكي، أثناء وبعد الإطاحة بالنظام في ليبيا، ونهب أسلحة ثكنات الجيش الليبي، ليزداد انتشار السّلاح، في شمال وغربي إفريقيا، وكُلّما زاد عدد التنظيمات والعمليات الإرهابية، زاد الحضور العسكري الأمريكي، وأصبح الجيش الأمريكي يمتلك قواعد جوية للطائرات المُسَيَّرَة آليًّا، في النيجر وبوركينا فاصو وتشاد، بالإضافة إلى القواعد في جنوب تونس وفي المغرب وموريتانيا وشمال مالي وغيرها…
تُصنّف الولايات المتحدة النظام المغربي كحليف أساسي، من خارج حلف شمال الأطلسي، قدّم للولايات المتحدة خدمات عديدة، ومن بينها دعوات التّطبيع مع الكيان الصهيوني، والتعاون معه لترحيل المواطنين المغاربة، اليهود، لاستعمار وطن الفلسطينيين، واستفاد الجيش الأمريكي من التسهيلات العسكرية والقواعد العسكرية “الظرفية” أو “المُؤقّتة”، مقابل الحماية العسكرية الأمريكية للنظام المغربي.
لم تكن الإستثمارات أو المبادلات التّجارية سوى طُعْم أمريكي، لأن الرهان الأمني والعسكري، هو الرهان الأمريكي الرئيسي في المغرب العربي، وفي إفريقيا وفي عدد من مناطق العالم، بفعل َسْكَرة السياسة الخارجية الأمريكية، وعسكرة علاقاتها مع العالم، وزيادة إنفاقها العسكري بشكل مستمر…
ارتفعت الصادرات الأمريكية نحو المغرب العربي، وبقيت الإستثمارات الأمريكية ضعيفة، خارج قطاع المحروقات في الجزائر، ورغم توقيع اتفاقية تجارة حرة بين المغرب والولايات المتحدة، سنة 2004، لم ترتفع صادرات المغرب نحو الولايات المتحدة، ولا ارتفع عدد السائحين الأمريكيين بالمغرب، بل تضررت بعض القطاعات المغربية (مثل الغذاء والدّواء ) من منافسة الواردات الأمريكية التي تدعمها الدّولة، وبشكل عام، لا تخرج العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المغرب العربي عن إطار التنافس داخل القوى الإمبريالية، بين الإمبريالية الأمريكية والإمبريالية الأوروبية، وتنافس الفريقَيْن مع الصّين، ولن تستفيد شعوب المغرب العربي من هذه المنافسة ولا من علاقات الشراكة، مع الإتحاد الأوروبي أو مع الولايات المتحدة، ولا من غزو المنتوجات الصينية للأسواق المحلية، ويمكن دعم علاقات الشراكة أو التكامل بين اقتصاد بلدان المنطقة…
أما الإتفاقيات التي تفرضها الإمبريالية الأمريكية أو الأوروبية فهي تكريس لعلاقات التّبَعِيّة، ولا تَحَرُّرَ بدون القطع مع الرأسمالية، لأنه لا يمكن “اللحاق” بالدول الرأسمالية المتطورة، بل يكمن الحل في انتهاج طريق مختلف عن التطور الرأسمالي الذي استجاب لمرحلة من التطور الإقتصادي والإجتماعي والثقافي (بالمفهوم الواسع) للوضع في أوروبا، ثم في أمريكا الشمالية…
_________
الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.