حول الانتخابات الفلسطينية: بيان تيار فلسطين الحرة الديمقراطية

بيان هام الى الشعب الفلسطيني في كل مكان

يا جماهير شعبنا البطل، 

خرجت علينا مراسيم رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته (اللاشرعي) تدعونا الى خوض انتخابات “ديمقراطية.” قررت هذه المراسيم عقد انتخابات في فلسطين على ثلاث مراحل، أولها تشريعية، التي ستعقد في 22 أيار، وتليها رئاسية، التي ستعقد في 31 تموز، وثم انتخابات المجلس الوطني، التي ستعقد في 31 آب.  هذه الانتخابات التي يجري التجهيز لها في الأراضي الفلسطينية ليست سوى ضرب من العبث وتضييع للوقت، وهمَّها تشريع القوى التي تحكم في الضفة وغزة من اجل الموافقة على المشاريع السياسية المنتظرة القادمة من الخارج. 

واهمٌ من يظن ان أي انتخابات تجري تحت حراب الكيان الصهيوني سينتج عنها نظام سياسي فلسطيني يوحد الشعب الفلسطيني ويُجَمِّعَهُ. والأكثر وهما من يفكر ان أي انتخابات تعقد تحت هذه الظروف ستعمل على استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني لمواجهة تحديات المرحلة التي تواجه قضيته الوطنية في الإلغاء والتهميش والتصفية. فكل من يصدق ان هذه الانتخابات التي ستحصل على 40% من مساحة الضفة وقطاع غزة، وعلى ارض بلا سيادة، من الممكن ان تؤدي الى نظام وطني سيادي، او الى اي نوع من الكينونة الفلسطينية المستقلة، سيكون مغرر به.

هذا التوقيت لم يأت من فراغ بل أتي ضمن سياق سياسي يخضع لضغوط الواقع الفلسطيني السياسي المتأزم، ولمصالح القوى الطبقية التي تمثله. الكثير بات يدرك ان مصالح زمرة أوسلو قد تشابكت مع مصالح تحالفاتها الطبقية المحلية والخارجية؛ هي نفسها مصالح الأطراف العربية والدولية التي تحرك هذا المسار وتتحكم بمستحقاته وقوانينه وضوابطه وتعادي القضية الفلسطينية. فهل من المعقول ان تؤدي هذه الانتخابات القائمة على هذه الشروط الى نتائج متعارضة مع رغبة ومصالح هذه القوى العربية والإقليمية والدولية الفاعلة؟ هذه هي نفس الاطراف التي تعمل بشكل دؤوب لصالح الكيان الصهيوني لكي يسيطر على مجمل الأراضي الفلسطينية، ومن ثم تمكينه ليصبح القوة الإقليمية الأولى المهيمنة على ثروات ونبض الاقليم وامكانياته.  

ولان الانقسام الفلسطيني قد أصبح متمأسساً نتيجة للعملية الانتخابية عام 2006، ستأتي الانتخابات الحالية لتجعل تداعيات الحالة المدمرة والمشاكل والازمات التي تكدست في ظل غياب الشرعية تتحلى بالشرعية. وستتحول نتائج هذه الانتخابات وبالا معنويا ونكبة سياسية وأخلاقية للشعب الفلسطيني، وستتوطد بها مسيرة أوسلو المشؤومة وتختتم أهدافها التصفوية. فاذا كانت مشاركة حركة “حماس” في انتخابات 2006 كارثية، ستكون نتائج هذه الانتخابات فاجعية. هذه الانتخابات هي محاولة للهروب إلى الأمام، ومحاولة لحل المشاكل البنيوية المتجذرة عند كل من حكومتي الضفة وغزة التي استعصت عليهما. فكيف سَتُحَل قضية السلاح والاجندات المتضاربة والمتناقضة  بين الفصائل الفلسطينية، وخصوصا بين حركتي “فتح” و “حماس؟” فان تمت الانتخابات تحت هذه الظروف، وبالشكل المعلن، وفي هذا الجو من التضارب والمنافسة بين “فتح” و”حماس،” ستنزلق الساحة الفلسطينية باتجاه تثبيت “نظام الكانتونات” الصهيوني، وهنا مكمن الخطورة ومقبرة القضية الفلسطينية.

 فلسطينيو الضفة والقطاع يعيشون تحت احتلال عسكري فاشي وحصار خانق وخطر التشريد والاقتلاع. وفلسطينيو ال 48 يعيشون تحت نظام عنصري يفوق الابارتهايد، وأكثر الشعب الفلسطيني يعيش في مخيمات اللجوء وفي المنافي. منذ البداية كانت اتفاقيات أوسلو تهدف الى تعميق وتكريس هذا الفصل والتشرذم بين تجمعات الشعب الفلسطيني، بحيث تصبح مقدمة لوأد قضيتهم ودفن حق العودة نهائيا في طي النسيان. ان الدعوة للانتخابات لم تكن ابدا استحقاقا فلسطينيا ناتجا عن احتياجات القضية الوطنية، بل أتت بناء على رغبة اوروبية أمريكية صهيونية واتباعهم من الرجعيين العرب، لدفع القضية الوطنية الفلسطينية نحو حل نهائي، او للتوقيع على خطة “سلام” امريكية قادمة من قبل إدارة بايدن. يريد هؤلاء إضفاء الشرعية على هذه الخطط عبر وجود رئيس منتخب غير منتهية ولايته، ومجلس تشريعي منتخب يضم حركة حماس حتى يتم تحقيق شرط الاعتراف الفلسطيني الشامل ب “بدولة إسرائيل” وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.

 نحن في تيار فلسطين الحرة الديمقراطية ندرك قيمة التصويت والانتخابات والاقتراع لاي شعب. فالانتخابات بنظرنا هي عملية ديمقراطية يقوم بها احرار في وطن حر. بحيث تضمن للناخب أن يدلي بصوته تعبيرا عن أفكاره ومعتقداته، بحيث تتفتح من خلالها احتمالات مستقبل وحياة اجتماعية أفضل. فتأتي الانتخابات في هذه الحالة تقيما لما حققه النظام السياسي في المجتمعات المستقلة لتحاسبها على أدائها وإنجازاتها، لا وفقا لحاجات خارجية، أو لضغوط حياتية مفتعلة كالتي يعاني منها شعبنا الفلسطيني من الاعتقالات والحصار والتجويع والابادة الجسدية والتطهير العرقي المستمرة. لا ان تأتي الانتخابات عقيمة اوكأنها مهرجان أو تمثيلية أو مجرد ديكور يخدم اهداف سياسية ليست من مصلحة أهل الدار. والأنكى انها ستكرس الوضع الفلسطيني القائم، بل ستزيده سوأ وانقساما وبؤسا. 

اما الانجاز الحقيقي الذي قد يتحقق من اللقاءات الأخيرة بين حركتي “فتح” و”حماس” والفصائل الأخرى في القاهرة، هو أن الشريحة السياسية الحاكمة قد باتت على قناعة بضرورة إنهاء وضعهم المتأزم، الذي تراكمت مشاكله عليهم في الـخمس عشرة سنة الماضية بشكل لم يعودوا قادرين على تحمل اعبائه. فقد وصلت الأمور حدا جعلته حاجة ماسة وملحة أن يعترف كل من “فتح” و”حماس” بأن تحل الأمور بينهما على قاعدة لا غالب ولا مغلوب في هذه المعركة الداخلية الاستنزافية للطرفين. وتشكل الانتخابات الأسلوب الذي ستتم به عملية الاعتراف من الجانبين بضرورة التعايش ضمن خطوط الانقسام الحالي واحتفاظ كل طرف بما لدية. وهكذا يتكرس الانقسام الداخلي، ويواصل الكيان الصهيوني التهامه للأرض الفلسطينية. فلا تحقق الانتخابات اي مصالحة وطنية حقيقية، ولا تكون قد عملت بأي شكل من الاشكال على عرقلة المشروع الصهيوني. ولكنها، ان تمت، وطرح على القيادة السياسة المتنفذة اتفاق “سلام” قادم من إدارة بايدن وتم التوقيع عليه، فسوف يحصل هذا “السلام” الزائف على الشرعية الفلسطينية اللازمة له، ما دام الجميع قد أصبح في مؤسسات السلطة التي وقعت باسم الشعب الفلسطيني. وفي حال حصول ذلك سيتم تثبيت نظام الكانتونات، وعندها تبدأ عملية تنفيذ المرحلة النهائية المعدة للشعب الفلسطيني بقبول وموافقة فلسطينية، لينتهي بنا الحال كما آل اليه حال السكان الأصليين في القارة الامريكية. 

دعونا ان لا ننسى كيف حصلت أوسلو، وكيف تم الترويج لاتفاقاتها لدى الشعب الفلسطيني الذي صدقها وتأمل بها خيرا وانظروا الى اين اوصلتنا.  فيجب الا نلدغ من نفس الجحر مرات عديدة، ويجب الا نصدق الكلام المعسول الذي خذلنا للمرة الالف، وألا نستمع الى الوعود الكاذبة وكلام تجار السياسة الذين سيهدرون حقوقنا بدون تردد في صفقاتهم المريبة بأرخص الاثمان. وإذا قال قائل انه من الممكن للتشريعي ان يشكل ساحة صراعية مع زمرة أوسلو، عليه ان يتذكر ان التشريعي يمثل سلطة بلا سلطة ومحكوم بقرارات استثنائية يلعب بها فرد واحد هو “أبو مازن” او خليفته الأيديولوجي حسب تعليمات مراكز القرار في واشنطن وتل ابيب.

ليست الانتخابات هي الحل المطلوب في مرحلة التحرر الوطني لإنقاذ الساحة الفلسطينية من الانهيار والضياع. المطلوب هو التوصل إلى توافق فلسطيني داخلي على مشروع إنقاذ وطني شامل يضمن مشاركة الفلسطينيين كافة في جميع أماكن تواجدهم، وهذا المشروع يمكن أن يبدأ بإخراج منظمة التحرير الى خارج فلسطين ضمن عملية إصلاح لها ولمؤسساتها، بما يضمن ضخ دم جديد فيها، واستقطاب جميع الفصائل والقوى الوطنية والمؤسسات الجماهيرية والنقابية للعمل تحت مظلتها. ويتم بشكل خاص تمثيل واسع وعريض داخل المجلس الوطني الفلسطيني، والتمسك بالثوابت الوطنية في التحرير والعودة الذي تضمنها الميثاق الوطني الاصلي، وتبني الاساليب والوسائل المقاومة الشاملة الطويلة الأمد في النضال، والتي تناسب كل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطيني في كل العالم، والتحالف المبدئي مع محور المقاومة، والعمل والبناء بجد للعب دور مركزي وقيادي فيه من اجل تحرير كامل التراب الفلسطيني وتحقيق حق عودة اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين بشكل كامل.  

تيار فلسطين الحرة الديمقراطية

2/10/2010

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.