كذبة الاردن الفقير بالموارد والتاريخ، د.موفق محادين

كم منا يعرف دور هذه المنطقة (الاردن) من جنوب بلاد الشام في تزويد الامبراطورية الرومانية التي كانت تهيمن على الكون كله، بالعديد من احتياجاتها المادية، ومن ذلك :

1- الحبوب ، فالاردن وحوران الشامية عموما كان من مصادر القمح الاساسية لصوامع روما .

2- السكر ، وخاصة تفاح الشوبك التي كانت تعرف بالرومانية بـ مونتريال (ارض السكر).

3- النحاس، وخاصة في الاودية الجنوبية مثل ضانا.

4- الملح، من البحر الميت وكان يستخدم لاغراض لا توفرها قبائل السلت الاوروبية.

5- القطران، من منطقة البحر الميت ايضا وكان افضل مادة في صناعة السفن التجارية والحربية.

6- معامل سك العملة الروماني الذي تابعه الامويون وخاصة في منطقة ام الدنانير ، قرب البقعة التي اخذت اسمها من تلك الواقعة.

وهذا غير الاثار وقنوات التصريف والبرك المؤابية والعمونية والادومية .

اما عن المحطات الاخرى من تاريخ هذه المنطقة، فابرزها الدور الكبير الذي لعبه الانباط انطلاقا من البتراء واسسوا لاحقا لاهم مكون في التاريخ العربي والاسلامي وهو الايلاف التجاري الذي ارتبط ايضا بتبلور اللغة العربية وابجديتها من الارامية الشمالية ولغات يمانية ، والتي استقرت في قريش وصارت لغة القرآن الكريم.

ويشار كذلك الى الديكابوليس والمدن الشمالية والنفق المائي الضخم المرتبط بها.

كما شكلت القبائل العربية في الاردن قوام القوة العسكرية التي قامت عليها دولة بني امية على مدار ايامها الزاهرة، كما اجتذبت الحميمة ، قرب معان، كملتقى لطريق الحج الشامي والمصري ، ابرز الدعاة العباسيين قبل نجاحهم في الاطاحة بالامويين .

وكانت قبائل جند الاردن (شمال الاردن الحالي وشمال فلسطين الحالية) وقبائل جند فلسطين (جنوب الاردن الحالي وجنوب فلسطين الحالية) قد لعبت دورا معروفا في كل حرب الامة ومنها دخول الاندلس وذلك بالإضافة لدور قلعة الكرك في كل الصراعات التي شهدتها مصر في العصور الفاطمية والايوبية والمملوكية ودور ملكها الناصر داود، مع الخوارزمية (سكان خراسان وفارس وغرب افغانستان) في التحرير الثاني للقدس بعد ان سلمها الملك الكامل الايوبي (ابن اخ صلاح الدين) للحملة الصليبية بزعامة فريدريك الثاني.

هذا عن الاردن الشامي في التاريخ القديم والوسيط ، المؤابي والعموني والادومي والنبطي واليوناني والروماني والاسلامي العربي، اذ غاب عن المسرح كما بقية المناطق طيلة الحقبة العثمانية الاقطاعية.

اما دور الاردن الحديث ، وبالرغم من اقتطاعه من الشام على شكل دولة كما جرى اقتطاع سوريا الحالية ولبنان وفلسطين ايضا، في اطار تمزيق سوريا الطبيعية واتفاقية سايكس -بيكو فظل امتدادا طبيعيا لموروثه الجغرافي والمائي والطبيعي والسكاني وليس صحيحا ان تأسيس الامارة جرى في بيئة صحراوية فقيرة، ربطها التاريخ البريطاني المشبوه بتأسيس القوة السيارة الصحراوية بقيادة ضباط انجليز اخرهم كلوب (ابو حنيك).

بل ان المنطقة المستهدفة بالامارة كما كرسها مؤتمر ام قيس 1920 كانت تمتد بين النهر والسكة ، وهي منطقة جبلية زراعية ، قبل ان تلحق بها الصحراء في سياق نقاط الـ (H) المعروفة على طول طريق شركة الهند الشرقية البريطانية اتش فور (جفور) واتش فايف (الجفايف).

لقد كانت ولا تزال غنية بالموارد الكفيلة بتحويل الاردن الى واحدة من اغنى دول المنطقة ومن ذلك موارد مثل : الصخر الزيتي (احتياط هائل) والفوسفات والبوتاس واليورانيوم واملاح البحر الميت (تدر على العدو الصهيوني مليارات الدولارات سنويا ، فيما اكتفى الاردن ببضعة فنادق لمؤتمر دافوس والخلوات المعروفة) وموارد اساسية للسيلكون والاجهزة الدقيقة في الثورة المعلوماتية الرابعة، ناهيك عن الطاقة المتجددة التي وضعت معان وغيرها في مصاف اهم مصادر هذه الطاقة في الشرق.

وكما بيعت الموارد المذكورة عبر الخصخصة بسعر التراب ، ها هم الحيتان يضعون يدهم على الطاقة المذكورة ويستعدون لوضع يدهم على الاحتياطي الهائل من الصخر الزيتي.

اما عن كذبة الفقر المائي، فالاردن يحتفظ باحواض مائية ضخمة ، جرى التكتم على بعضها عقودا طويلة وجرى الاعتداء على بعضها ويجري منع استثمار بعضها الاخر في اطار بروتوكولات اضافية للمعاهدة مع العدو ومن هذه الاحواض ، حوض الديسي الذي عرفه الاردنيون لاول مرة من خلال مزارع الصيد والبط لاثرياء من الخليج، كما من خلال تأجير مناطق واسعة جنوب الاردن بسعر التراب لملياردير محلي ، ناهيك عن وضع العدو يده على مناطق منه (الغمر) في سياق المعاهدة (الملحق 1-ج).

كما يلاحظ ان مناطق الصرف الصحي ربطت باحواض اخرى ، مثل حوض البقعة ، واقيمت على بعضها جامعات حكومية وخاصة، وكانت من قبل حقولا لزراعة القمح مثل الجامعة الاردنية ، عمان الاهلية، اليرموك، مؤتة وغيرها.

ولو ذهبنا الى مصدر اخر من مصادر الدخل المرتفعة، لو احسن استخدامه بصورة تجمع بين الذائقة الجمالية والكرامة والمردود المادي، وهو قطاع السياحة لوجدنا ان الاستخدام الامثل المذكور والغائب(بسبب التخلف والتطبيع معا) ، بوسعه ان يضع الاردن في صف اكثر الدول تقدما على هذا الصعيد ، سواء ما يتعلق بالاثار المعروفة مثل البتراء، ووادي رم، وجرش وام قيس، او ما يتعلق بالاثار المنسية او المهملة لاسباب شتى معروفة ، ومنها نفق الديكابوليس وعشرات الكنائس والاديرة المدفونة تحت الارض ، بل ان طريقي الحج الشامي والكنسي حافلان بالمحطات التاريخية ، والاسوأ من كل ذلك غياب الثقافة اللائقة في تعليم وتدريب الادلاء السياحيين ، فالسياحة ابتداء ينبغي ن تعكس مستوى ثقافيا وجماليا يحترم كل حجر وبوابة ونقش قديم ويربطها بثقافة الامة القائمة على التعددية والذاكرة الحميمة مع المكان.

وعلى سبيل المثال، فالدول التي تحترم نفسها لا تتجاهل بيت شاعر او روائي او فنان في هذا الطريق او ذاك الى قلعة او اثر قديم، بل تضعه في السياق السياحي ، ومن ذلك بيت الروائي غالب هلسا على الطريق بين ماديا ونبو.

وبالمحصلة ، الاردن ليس بلدا فقيرا لا بالموارد ولا بالتاريخ ولا بالمبدعين الحقيقيين المنحازين للناس وقضاياهم، بل جرى افقاره عبر النهب والفساد وتوفير الشروط الموضوعية لاستحقاقات التطبيع، سواء عبر الخصخصة او التبعية بشكل عام، وهو الامر الذي يجعل التصدي للخطر الصهيوني جزءا اساسيا من استعادة السيطرة على موارده في اطار مشروع حركة التحرر الوطني العربية.

:::::

صفحة الكاتب على الفيس بوك

_________

الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ومواقفهم ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري نشرة “كنعان” الإلكترونية أو تبنيهم لهذه الآراء والمواقف.